في يوم الاربعاء الموافق 11-12-2013م وهويوم اجتمعت فيه ثلاثة ارقام
متتالية خرجت من بيتي على تمام الساعة السابعة والنصف صباحا. الجو كان شتويا باردا
و الشمس لم تشرق بعد ورذاذ المطر يتساقط بين لحظة وأخرى. خرجت في هذا الوقت الباكر
نسبيا لكي اشتري بنزين فسيارة زوجتي لا يوجد بها بنزين. انا اعرف ان معظم المحطات
في طرابلس لا تفتح قبل الثامنة صباحا وتوقعت ان اقف امام مدخل المحطة لانتظر فتحها
ففي العادة الليبيون لا يخرجون باكرا في الشتاء. مررت على اقرب محطة فوجدت طابور
السيارات ممتدا لمسافة تزيد على الكيلومتر فقررت الذهاب الى محطة ابعد على الشط في
طريق تاجوراء.
وصلتها بعد عشرة دقائق فوجدت طابور السيارات قد قارب على اكثر من
كيلومتر فرايت ان اخرج من طرابلس باتجاه الشرق، تركت طرابلس وتاجوراء خلفي ووصلت
الى غوط الرمان حيث توجد محطة وقود. وجدت طابور معقولا ،ممكن عشرين سيارة فدخلت فيه
حوالي الثامنة والربع وجلست داخل السيارة اراقب الطابور يزداد طولا والناس يمرون
من حولي يراجعون المحطة.
لم ار تغيير ولا حركة في الطابور نصف ساعة؛ فسالت احد
المارة فقال مدير المحطة يرفض بيع البنزين في غياب حماية. هذا بالرغم من صبر الناس
الواضح لدرجة ان بعضهم اوقد نارا وجلسوا بقربها ثم اخذوا يحتسون الأرقيلة. واضاف
احدهم انه لا يوجد بنزين والشاحنة في الطريق لاحضار الوقود. جاءت الشاحنة عند
التاسعة والنصف وجلسنا ننتظرها وهي تفرغ حمولتها حتى الحادية عشرة والربع ثم بدأت
المحطة تشتغل وعرفت وصول الحماية عندما سمعت اطلاق عيارات نارية داخل المحطة
لتخويف المواطنين.
وبينما نحن نقف في الطابور دخل
العديد من الناس بسياراتهم من مخرج المحطة فهم اصدقاء الحرس ومن المنطقة وحدثت
ربكة لنكتشف وجود اكثر من خمسين سيارة داخل المحطة بالرغم من انها كانت مغلقة من
جهتنا.
وبين رخات المطر وزخات الرصاص حيث اطلق الحرس عدة صليات في السماء جلست
حتى الساعة الواحدة والنصف في طابور يسير ببطء فمضخات المحطة الثمانية لا يعمل
منها إلا اثنان وقال المدير انه طلب الصيانة وسوف تاتي. فقضيت ساعتين في طابور
طوله عشرة سيارات على خطين متوازيين. لم اخرج من السيارة ولكنني كنت استمع
لتعليقات الناس وحديثهم فعدد المراقبين على سور المحطة يفوق الاربعين ويمرون في
الاتجاهين وطابور السيارات يزداد طولا حتى اننا لا نرى نهايته.
بعض الناس ينتقد الحكومة زالبعض
يسب الشعب والاخر وصل في اللحم الحي وسب الجلالة ثم ختمها احدهم فقال" الله
يرحم معمر معاكم يا كلاب" في احتجاج على تصرفات الجنود فقد كانوا يمكنون
اصحابهم من الدخول في الاتجاه المعاكس من المخرج دون احترام لصبر الواقفين في
الطابور.
المهم انتهيت من الحصول على البنزين على تمام الثانية إلا ربع ظهرا فوصلت
بيتي بعيد الثانية مساء. دخلت البيت وتناولت بعض الطعام بعد أن صليت الظهر ثم
انقطع التيار الكهربائي ومعه انقطعت النت والهاتف وضعف الماء وبدأت حرارة البيت في
الهبوط إلى أن تحول إلى ثلاجة. فلم يبق أمامي إلأا ان ارتاح في الفراش بانتظار
عودة سيدنا الكهرباء.
طال الانتظار بنا حتى عاد صاحب
الجلالة الكهرباء قبيل المغرب عند السادسة إلا ربع. فبدأت الحياة تدب في البيت
واشتغل التلفاز لنرى تصريحات الحكومة عن خطة طموحة لحل مشكلة الوقود والكهرباء
ومنها تصريح السيد وزير النفط انه طلب من المدن المجاورة مثل الزاوية والخمس تزويد
الطرابلسيين بالنفط ونسي ان ينصحنا بالذهاب إلى تونس أو إمارة جضران من أجل وقود
أفضل.
عندها عادت بي الذاكرة إلى عشرين
سنة عشتها في ايرلندة لم ينقطع فيها التيار الكهربائي يوما ولا ينقص البنزين لحظة
بالرغم من انها ليست دولة نفطية ولا يوجد لديها وزير للكهرباء ولا وزير للنفط ولا
مليشيات لحراسة محطات الوقود ولا يوجد لديها نفط اصلا. وبالتالي عرفت مدى تخلفنا
وعرفت ان هذا التخلف سيبقى معنا طويلا، فكيف سنتقدم وآلاف المواطنين يقفون يوما
كاملا للحصول على الوقود فتضيع طاقتهم في البحث عن مصدر الطاقة وينقطعون عن
أعمالهم ثم يجلس رئيس الوزراء مع وزيري النفط والاعلام ليشرح لنا كيف يمكننا توفير
الوقود.