يدور في الاوساط السياسية والفكرية جدل وحوار متشعب عن الدستور في ليبيا،
بين الحاجة إلى دستور جديد ومطالبات بالعودة إلى دستور الاستقلال وتطويره حفاظا
على التواصل الحضاري والفكري مع جهاد الاجداد. وفي ظل الفراغ الفكري وقلة المتابعة
والاطلاع وتصدر مجموعات من المتعلمين للمشهد السياسي ومحاولة بعضهم تغليب
الافكار التي تعجبهم وبأي طريقة يصبح ابراز الحقائق بدون انحياز هو الوسيلة
الوحيدة لخلق وعي عام يقود إلى قر ارات سياسية سليمة تخدم مصالح الوطن.
من هذا المنطلق رأيت أن اتناول
عدد من مواد دستور الاستقلال الصادر في 7 اكتوبر 1951م والمعدل في سنة 1963م،
واسلط الضوء على ما تحتوي عليه من حكمة وبعد حضاري وانساني ورؤية مستقبلية ذات بعد
تاريخي واستراتيجي.
المادة (1)
ليبيا دولة حرة مستقلة ذات سيادة،لا يجوز النزول عن سيادتها ولا على أي جزء من
أراضيها.
تعلن هذه المادة أن ليبيا دولة حرة من أي احتلال أجنبي أو وصاية سياسية
ومستقلة في جميع قراراتها ولا تتبع اي جهة خارجية ولها سيادة تامة على أراضيها ولا
يجوز لأي طرف الوصول إلى اراضيها أو مجالها الجوي أو البحري إلا باذن مسبق واتفاق
مع الجهات المسئولة فيها. ولا يجوز باي حال من الاحوال النزول عن هذه الثوابت ناهيك
عن التنازل عنها وتكفل القوانين الدولية
لليبيا حقوق الدفاع المشروع عنها.
المادة
(16)
لا يجوز القبض على أي انسان وتوقيفه أو حبسه أو تفتيشه إلا
في الاحوال التي ينص عليها القانون، ولا يجوز إطلاقا تعذيب أحد ولا انزال عقاب
مهين به.
تضمن هذه المادة كرامة الإنسان الذي يعيش في ليبيا وتحفظها من أي اعتداء
بتقييد الحرية أو التفتيش العشاوائي وبدون ضوابط قانونية تحدد الكيفية والزمان
والمكان الذي تتخذ في هذه الاجراءات. كما تحرم جميع انواع التعذيب أو انزال عقوبات
مهينة تمس بالعرض أو الشرف أو الكرامة.
المادة (18)
لا يجوز بأي حال إبعاد ليبي من الديار الليبية ولا يجوز ان
تحظر عليه الاقامة في جهة ما أو أن يلزم بالاقامة في مكان معين أو منعه من التنقل
في ليبيا إلا في الاحوال التي يبينها القانون.
تكفل هذه المادة حرية التنقل والأقامة الحرة لكل مواطن ليبي على الأراضي
الليبية ولا تسمح بالتدخل فيها إلا بناء على اجراءات قانونية لحماية حقوق بقية
المواطنين عندما يشكل وجوده تهديدا
لسلامتهم لأسباب يراها القانون.
المادة (19)
للمساكن حرمة، فلا يجوز دخولها ولا تفتيشها إلا في الاحوال
المبينة في القانون وبالكيفية المنصوص عليها فيه.
الاماكن التي يسكن في الناس لها حرمة خاصة حيث توفر السرية والخصوصية
اللازمة للراحة والسكن والحياة الأسرية بما فيها من خصوصيات، وبالتالي فان هذه
المادة تحصن اسرار الاسرة من التعرض لها إلا باجراءات قانونية واضحة فلا يجوز
دخولها بدون اذن او تبليغ اهلها أو خارج اوقات الدوام الرسمي.
المادة
(24)
لكل شخص الحرية في استعمال لغة في المعاملات الخاصة أو
الامور الدينية أو الثقافية أو الصحافية أو أية مطبوعات أخرى أو في الاجتماعات
العامة.
بالرغم من وجود مواد صريحة تنص على قداسة حرية الفكر والتعبير إلا أن هذه
المادة تكفل حرية استخدام لغة والنص يعني أي لغة يمكن التخاطب لكل شخص يعيش في
ليبيا وبالتالي هذا الحق مكفول للجماعات أو الفئات أو التجمعات التي تعيش في ليبيا
من الليبيين ومن غيرهم. وهذه المادة حمت حقوق الأفراد والفئات العرقية والدينية
والأقليات المقيمة في ليبيا مثل الجالية الايطالية أو المالطية أو يهود ليبيا
ناهيك عن مكونات المجتمع الليبي الأصلية في استخدام لغة خاصة بهم في جميع الاغراض وتطويرها
وتعليمها.
المادة (33)
الأسرة هي الركن الاساسي للمجتمع وهي في حمى الدولة.وتحمي
الدولة الزواج وتشجع عليه.
تولي هذه المادة عناية خاصة بأهمية الأسرة من حيث تكوينها والمحافظة
عليها وحمايتها من أجل الحفاظ على الهوية الوطنية والتراث والعادات وتحقيق تماسك
النسيج الاجتماعي وضمان السلم والاستقرار المجتمعي.
المادة (35)
تعمل الدولة على أن يتوفر بقدر الامكان لكل ليبي مستوى
لائق من المعيشة له ولأسرته.
هذه المادة تحمل في طياتها تقدمية رائعة في الفكر الدستوري الليبي فهي
تكفل سعي الدولة لتوفير المستوى اللائق من المعيشة لكل ليبي قدر المستطاع. وهذا
الهدف متغير ويتطور مع الزمن والامكانيات المادية للدولة. وهذا المادة لم تتوفر في
كل الدساتير العربية السابقة لهذا الدستور أو التالية له، فهي تعطي أهمية خاصة
لنوع ومستوي المعيشة للمواطن الليبي.
وفي الختام لا يسعني إلا أن أسجل جميال امتناني للآباء المؤسسين لدستور
الاستقلال وأن أدعو الشباب لدراسته والمطالبة بالعودة إليه وفاء لذلك الجيل
واحتراما للتضحيات التي قدمها من أجل الوصول إلى هذا الدستور.