Thursday, October 11, 2012

تنمية مدينة درنــــــــه استحقاق وطني


 د.حسني بن زابيه

      تقع مدينة درنه في موضع متوسط بين مدينة طبرق في الشرق ومدينة البيضاء في الغرب، بمعنى آخر بين امتداد مناطق شبه جافة شرقا ومناطق أخرى شبه رطبة غربا مما اكسبها تنوع طبيعي واقتصادي فريد. موقع المدينة على ساحل البحر وامتدادها الحضري على طول ضفتي وادي درنه الغني بالينابيع العذبة وشلاله الشهير، اُستقطب السكان من مختلف الأطياف عبر العصور. وأضفى التنوع الثقافي للمدينة ميزة ثمينة إلى المكان قلما توجد في كثير من المدن في ليبيا.
      عانت المدينة بوجه خاص أبان حكم الطاغية المقبور شتى أنواع التعسف والتهميش الذي كانت له تبعات وخيمة على مستوى المعيشة وفرص العمل والبنية التحتية للمدينة. افرز الوضع المتردي الذي عاش فيه سكان مدينة درنه حالة من الإحباط والاحتقان أدت إلى تعاطي أعداد كبيرة من الشباب الممنوعات أو الانخراط في التطرف، أو الهجرة.
سكان المدينة
      حسب تعداد 2006 بلغ عدد سكان مدينة درنه وضواحيها تقريبا 155 ألف نسمة بمعدل نمو سنوي 1.3%، علما أن فئة صغار السن (اقل من 14 سنة) حوالي 48% من السكان. كما تمثل  قوة العمل(من 15-65) 33% من السكان، وأن  نسبة غير العاملين من الذكور 37%، ومن الإناث فهي 63%. معدل البطالة العام يفوق المعدل الوطني. أما البطالة المقنعة، فهي سائدة في المجال الوظيفي للقطاع العام والحكومي وفرص العمل تتلاشى تحت وطأة النمو السكاني والهجرة المتصاعدة إلى المدينة من محيط الريف.
      مستوى التعليم في مدينة درنه عادة مرتفع ومميز عن غيره بالمنطقة الشرقية، بالرغم إلي ما تعرض إليه من إفساد  خلال الحقبة المظلمة التي عمت البلاد فيما مضى. بلغت نسبة الخريجين الجامعيين 10% مقارنة مثلا بطبرق والبيضاء 4 و7% على التوالي. ارتفاع نسبة تعليم المرأة في المدينة  -كانت درنه دائما سباقة في هذا المضمار- أدي إلي ارتفاع نسبة مشاركة المرأة في مجال العمل حيث بلغت حوالي 37% مقابل العاملين من الذكور.
      نويات التنوع الاقتصادي موجودة في درنه مما يميزها عن كثير من المناطق المناظرة. فالصناعة تستحوذ على 11% من القوة العاملة والزراعة 5% والأعمال الحرة للقطاع الخاص 19%، ولكن قطاع الخدمات الحكومي(65%)، فهو المهيمن ويمثل حاليا المصدر الرئيسي لتوفير فرص العمل.
فرص التنمية للمدينة
      للنهوض بمدينة درنه وخروجها من التدهور و الركود الاقتصادي التي تعانى منه لعقود طويلة، وإنقاذ شباب المدينة من براثن التطرف والانحراف الاجتماعي، تحتاج المدينة إلى تدخل سريع وفعال عن طريق إعداد خطة طارئة قصيرة المدى (contingency plan)  تتناول استحقاقات المدينة  وتنمية وتطوير مواردها الطبيعية والبشرية المتوفرة وهي في تقديري تشمل الأتي:
المدينة القديمة
 مساحتها  حوالي 45 هكتار  وهي واضحة ومحددة المعالم بنمطها المعماري الأندلسي والتركي والايطالي الكلاسيكي، كذلك يتوسطها المسجد العتيق المميز بقبابه المتعددة، وكذلك مجاور له مبنى سابق لكنيسة كاثوليكية وآخر كان معبداً يهودياً، كذلك عدد من زوايا الطرق الصوفية في منظومة متناغمة تعكس أطياف التنوع الثقافي والتعايش السلمي التي مر به تاريخ المدينة. الأسواق التركية المسقوفة والساحات والميادين ايطالية الطراز، أضفت إلي المدينة رونق وطابع البحر المتوسط الخلاب. إن صيانة وترميم المباني الآيلة إلى السقوط وتعويض سكانها من اجل الحفاظ عليها. فالمدينة القديمة رصيد لمدينة درنة واستثمارها سياحيا مورد غير نابض لسكان درنه.
الواجهة البحرية
 الامتداد العمراني للمدينة امتداداته طولية موازيا لساحل البحر، فالمدينة ممتدة علي شريط ساحلي ضيق محصور بين البحر والجبل بمناسيب ارتفاعات مختلفة، إضافة إلى تقطعه بعديد من مصبات الأودية مما أعطى المدينة لاند سكيب متنوع الأشكال والأبعاد. الواجهة البحرية طولها يزيد عن 15 كيلو متر قابلة للتطوير والاستثمار السياحي.
 بساتين المدينة
 درنه مدينة مميزة بمزارعها وحقولها الزراعية المحصورة داخل محيطها الحضري. المساحات الزراعية المتبقية تقدر بحوالي 15% من مساحة المدينة، ولكن مهددة بالفناء تحت التوسع العمراني. حاليا المحاصيل النقدية المنتجة تصل إلى أسواق طبرق والبيضاء وحتى بعضها إلى مدينة بنغازي.
الشواطئ البحرية
 تتمتع درنة بشواطئ نظيفة خلابة متنوعة تمتد لعشرات الكيلومترات منها الصخرية حيث يقابل الجبل البحر للغوص وهى تمتد ال الغرب من المدينة. وأخرى رملية للسباحة والاسترخاء، وهى منتشرة بدون انقطاع في اتجاه الشرق.
مدينة درنة وإقليمها المحيط مركز جذب للاستثمار وبيئة واعدة للتطور والنمو، فالمقومات البشرية مؤهلة والطبيعية مشجعة.خصوصا لمثل الاقتراحات الآتية:
تطوير المظهر الحضري للمدينة
تحتاج المدينة إلى صيانة وتطوير البنية التحتية، كما ينبغي تحسين المظهر الحضري للمدينة وإضفاء مسحة عصرية للمراكز الخدمية. الاستفادة من التلال والأودية والمرتفعات في تجميل المدينة، ومد الجسور والكباري ذات الطراز المعماري المميز يكون له اثر بالغ علي الاستثمار.  
  تنمية التراث الفكري
توطين المعرفة وذلك بإنشاء دار للثقافة والفنون والمسرح تكوين معهد عال للموسيقي ودعم كلية الفنون الجميلة بجامعة درنه. إنشاء متحف للفنون التشكيلية ومركز للطباعة والخدمات الإعلامية. كما حث جامعة درنة لفتح أقسام للغات الأجنبية وتنشيط حركة الترجمة.
مراكز طبية متقدمة
توطين الخدمات الصحية كإنشاء مستشفى تخصصي لأمراض الدم حيث تفتقر البلاد لمثل هذه المستشفيات، كذلك مستشفي لأمراض السرطان يكون مركزا منافسا في المنطقة الشرقية مع تنمية مراكز الطبية للتصوير والتحليل بالتعاون مع كلية التقنية الطبية بالجامعة.
تنشيط وتطوير النشاط الاقتصادي
توطين الصناعات والمشروعات الصغيرة فهي كثيفة والبعض منها عريق وواعد إن قدم لها التمويل والتشجيع منها صناعة الأثاث على سبيل المثال. كذلك تنشيط التجارة المحلية والإقليمية بإنشاء مجمع تسوق حديث (مول) تجارى ضخم متعدد الطوابق بمختلف الوسائل الترويحية يجذب المتسوقين من خارج المدينة.
     تنشيط الحركة السياحية المحلية بنشر المطاعم والمقاهي والأندية الترويحية والفنادق الصغيرة والمتوسطة، ودور الشباب والمسارح ودور العرض المفتوحة في المدينة القديمة وعلى امتداد الواجهة البحرية.
    تشجيع الأعمال الحرة واستقطاب رجال الأعمال والشريكات بتوفير مقار لها عن طريق بناء برج متعدد الطوابق ويكون رمز إلى ازدهار المدينة الاقتصادي.
    إنشاء الملاعب وأحواض السباحة المفتوحة والمغلقة والحدائق العامة، وإعادة تعمير الأراضي الزراعية المتروكة والحدائق السابقة المهملة.
     انفراد ميناء مدينة بخدمة معينة تدعم وضعه التنافسي مع بقية المواني المحيطة كما كان فترة احتكار حركة شحن السيارات إلى البلاد. هناك وجهة نظر تنادي بإنشاء منطقة حرة في درنه.

     مدينة درنة غنية بمواردها الطبيعية والبشرية وتنمية هذه الموارد بأسلوب التنمية المستدامة والاعتماد على القطاع الخاص يجعل منها نموذجا يحتذي به في تنمية المدن في ليبيا.  

 
   

No comments:

Post a Comment