التصنيف العصري للناس في ليبيا
عرف الليبيون تصنيفات متعددة للناس في ليبيا ففي العهد الملكي كان الناس يصنفون على اساس اقليمي فعرفوا الطرابلسي والبرقاوي والفزاني ثم العرقي عربي اجبالي تباوي وطوارق ويهود وطلاينة. بعد هذا يتم التصنيف بين حضر وبدو، فيتوزع الناس حسب المدينة بين الحضر بينما يتوزع البدو بين القباءل. وبعد الانقلاب الفاسد اضيف الى هذا التصنيف مسمى الرجعي والثوري واعضاء اللجان الثورية و الرفاق، اي دخلت السياسة كوسيلة للتصنيف.
اما بعد ثورة فبراير وعودة العديد من المعارضين من الخارج للمشاركة في القتال في مراحل الثورة الاولى ثم من بعد النصر للمساهمة في بناء دولة ما بعد التحرير، هنا ابتدع الليبيون تصنيف بالجنسية ودللوا عليها بالشفرة وذلك بوصف العاءدون من الخارج بدبل شفرة اي مزدوج الجنسية ويمكن توسيع هذا المبدا ليصبح تصنيفا معاصرا للناس في ليبيا حسب ما يتم تداوله في هذا المقال.
من حيث المبدا يمكن ايجاد تماثلية بين المواطن والنقال. فكثير من الناس ينقل الاخبار، وبعضهم ينقل الاشاعات، وبعضهم ينقل العلم وبعضهم ينقل المعرفة، وبعضهم ينقل العدوى بين الناس والمناطق، وبعضهم ينقل السلاح، وبعضهم ينقل الدمار بين المدن وينقل القنابل والمتفجرات جوا وبرا وبحرا، وبعضهم ينقل الفساد الاداري والمالي والسياسي. اذا هناك قدرات غير محدودةللنقل للناس وبالتالي يمكننا تفهم التصنيف على اساس الشفرات.
ليبي بدون
وهذا تصنيف لعدد كبير من الليبيين الذين لا يحملون شفرة لا وطنية و لا مكتسبة وهم اناس يسحبون مصادر الوطن ولا يقدمون خدمة بالمقابل. هم سلبيون في السياسة وفي العمل وفي الحياة ولا ينشطون الا في نقل الاشاعات و نشر الفتن.
ليبي بشفرة واحدة
وهذا التصنيف يشمل ثلاثة اصناف وهي؛
شفرة وطنية صالحة وتشمل كل وطني، وخاصة من شارك في الثورة او التف حول الثورة اوسار معها، ولكنها يمكن ان تكون خارج نطاق التغطية او ان يكون الهاتف مغلق اذا اصر صاحبها على رايه فقط.
شفرة وطنية بدون رصيد وتشمل كل من لم يشارك في الثورة ولم يعاديها.
شفرة وطنية مزورة وهي تشمل كل من يشتري اوراق من خلال منظومة الفساد او الجهوية او القبلية.
شفرة وطنية محروقة وتشمل كل من حارب الثورة او ارتد عنها وعاد لمعسكر اعداء الثورة ويمكن لصاحبها تفعيلها بالعودة الى حضن الوطن.
ليبي دبل شفرة
وهو من يملك شفرة اصلية والثانية مكتسبة و قد تطغى احداهما على الاخرى تحت بعض الظروف.
او من يملك شفرتين واحدة وطنية والثانية اما قبلية او جهوية و تطغى احداهما على الاخرى.
وتسري على كل شفرة احكام الشفرات المذكورة اعلاه؛
شفرة صالحة وقد تكون بدون رصيد او خارج نطاق التغطية
شفرة محروقة او مجمدة او ملغية او مصدر الطاقة فيها بالخارج
اما من يقرر العودة للوطن فان الشفرة المكتسبة تكون في حكم المجمدة لانها خارج نطاق التغطية الا اذا كانت اسرته تعيش في الخارج او جميع استثماراته في الخارج.
واذا طغت المكتسبة فانه ينحاز لمصالحه ولا يعرف الوطن الا عند الحلب، فهو يدرس على حساب الشعب ثم يفيد شعب اخر وينتمي له وكثير من هولاء ينتهي اتصاله بالوطن.
ليبي متعدد الشفرات
وهذا حدث مع اقطاب المعارضة في الخارج حيث كان يحمل بعضهم خمسة جوازات سفر بعضها مزور.
الوطنية في الدم
زارني خلال الصيف الماضي في طرابلس سبطي وهو ولد ابنتي. عمره سبعة سنوات ويدرس في احدى المدارس الامريكية بمدينة ميامي بولاية فلوريدا. لا يتكلم العربية بطلاقة فهو يعيش في امريكا منذ ولادته. شهد معنا صيام رمضان وذهب معي لبعض من صلاة التراويح وصلاة العيد وصلاة الجمعة. تعرف على الجيران وقضى معهم وقت ممتع وراى لمة الاهل والاقارب وفرحة العيد وبساطة العيش.
عندما اقترب موعد العودة لامريكا بدا يردد:
I do not want to go to America, I do not like America
وترجمتها: انا لا اريد الذهاب لامريكا، انا لا احب امريكا.
حاولت اقناعه لكي لا يسبب لنا مشكلة فقلت له
Your school is there
مدرستك هناك، محاولا تذكيره باصحابه، فقال
I hate school
فرد: انا اكره المدرسة، فقلت
Your family is there
اسرتك هناك بمعنى امه وابيه، فرد علي
I wish I had a family
كم كنت اتمنى ان لي اسرة، وهو يقصد الاسرة الكبيرة بالجدود والاهل والاقارب. فقلت له
Your home is there
بيتكم. هناك، اعني بيت الاسرة، فقال لي
It is fake home
انه بيت مزيف، فهو لا يشعر بالانتماء اليه
هذا الطفل لم يحكي له احد عن الوطن والوطنية ولا يفهم الاغاني العربية وبحكم مولده هو امريكي الجنسية وحتى الان ليس له رقم وطني ولم يتم تسجيله في كتيب العيلة وليس له جواز سفر ليبي ولكنه مسجل مع والدته. كما انه يحمل الجنسية الايرلندية التي اكتسبتها والدته بالاقامة في ايرلندة قبل ولادته. ولقد اوردت حديثنا بالانجليزية لتوضيح قوة العبارات التي استخدمها.
هذا الطفل البريء يحب ليبيا ويحب اهلها ويبكي بالدمع على فراقها، وكل يوم هو يعد الايام متى سيعود اليها في الصيف القادم وصدق من قال: الوطنية تجري فينا مجرى الدم.
من خلال هذا العرض السريع يتضح ان الوطنية لا تكتسب ولا يمنحها احد ولا يشتريها احد انما هي قضية انتماء بالدرجة الاولى لهذا الشعب وهذه الارض و هذا الشعور نحمله في صدورنا في الداخل والخارج وحتى في السجون، ولقد راينا كيف اتى شباب لا يتكلمون العربية للمشاركة في الثورة الليبية بحكم الارث الوطني الذي يحملونه ولقد شاهدنا المظاهرات التي ملات عواصم العالم تاييدا للثورة.