الحمد
لله الذي أيدنا ونصرنا بجنده، وها نحن
بفضل الله تعالى نتلمس طريقنا نحو دولة الدستور من خلال ولوج عصر الانتخابات
الحرة. والانتخابات هي خطوة مبدئية على الطريق ولكن التحول الديمقراطي السليم
والكامل أبعد من هذا بكثير ولو تدبرنا الاستحقاقات التي تبنى على التحول
الديمقراطي عرفنا كيف نصل.
السيادة
في النظام الدكتاتوري السيادة تؤسس بالقوة وتحمى بالقوة وفيها يرضخ الجميع
وخاصة العسكر لسلطة الدكتاتور أو الحاكم المطلق بغض النظرعن التأـسيس القانوني
والسياسي لهذا المبدأ ولا تنتزع السلطة منه إلا بالقوة، والسيادة فيها مركزية في
نطاق الفرد أوالأسرة وبالتالي يتحول الشعب إلى حقل تجارب وتستباح حرماته وتتم
التضحية بكل شيء لكي يرضى الدكتاتور.
في المقابل في النظام الديمقراطي تؤسس السلطات من خلال الانتخابات والجميع
وخاصة العسكر يشتغلون لصالح حماية الشعب، ويتم التداول على السلطة بطرق سلمية من
خلال صناديق الانتخاب.
ولا يوجد تعريف أفضل مما قاله
الرئيس الأمريكي لينكولن في قيتيسبرق عندما قال: الديمقراطية هي حكم الشعب من أجل
الشعب وبالشعب، وبالتالي تتركز سيادة
المواطن في صوته في الانتخابات وتنتشر السيادة الوطنية بين الجميع بالتساوي وتتم
المحافظة عليها من خلال اختيار الأفضل والانسب.
والاستحقاق التاريخي على الشعب الليبي في هذه المرحلة هو
افراز مؤتمر وطني بامتياز قادر على صياغة الدستور وتأمين مستقبل الوطن، وهمنا
الوحيد الآن يجب أن يكون؛ ليبيا قبل مصالحنا وليبيا قبل مناطقنا وليبيا قبل
قبائلنا وليبيا قبل كراسينا.
السلطة
السلطة في النظام الدكتاتوري مركزية
ومركزها الدكتاتور نفسه، فهو يمارسها ويستخدمها للسيطرة على الشعب ومن أجل
تحقيق هذا تتداخل فيها جميع الأجهزة من أجل أغراض الدكتاتور ولا يوجد دور ولا رأي
لأي طرف آخر في النظام، وإن لم يستح سيطلب من الناس عبادته هو من دون الله، كما
حدث مع فرعون.
أما في النظام الديمقراطي فالسلطات متعدةة المراكز والمصادر وتبنى على فصل
السلطات بين السلطة التشريعية المتمثلة في البرلمان والسلطة التنفيذية المتمثلة في
الحكومة المنتخبة و سلطة القضاء العادل المستقل، وتتوزع هذه السلطات بين المستويات
الوطنية والجهوية والمحلية ومؤسسات المجتمع المدني في ظل دستور يضمن حرية الرأي من
خلال صحافة حرة واعلام حر. والمستودع الوحيد الآمن للسلطة هوالشعب نفسه ولا أحد
سواه، كما عبر عنها توماس جيفرسون.
والاستحقاق الدائم على الشعب الليبي على مر الاجيال هو
المحافظة على هذه السلطة وحمايتها من الضياع ففي ضياعها إهدار لدماء الشهداء وليكن
شعارنا أبد الدهر: لن نعود للقيود قد تحررنا وحررنا الوطن".
دوائر الدولة
في النظام الدكتاتوري تعمل
دوائر الدولة لخدمة الدكتاتور وتعتبر كل كلمة منه بحكم القانون ملزمة لها في
التنفيذ، بينما في النظام الديمقراطي تعمل دوائر الدولة في خدمة الشعب. بطبيعة
الحال هذه الدوائر تنفذ برامج حكومة منتخبة، ولكنها تملك الشرعية والثقة لتعرض
بدائل أفضل وتناقش فيها الحكومة وتنصحها بما يقع في نطاق القانون وما يخرج عنه من
الاجراءات.
ومن منن الله على ثورتنا أن الثوار
أبقوا على كل مؤسسات الدولة تعمل في شكل انتقالي نحو الديمقراطية، ولكننا لا زلنا
في حاجة إلى تغيير المفاهيم العامة في المجتمع ودوائرالدولة بما يحقق الاستقرار
الديمقراطي السليم فيما يتعلق بالممارسات الديمقراطية السليمة التي تعزز عزة وكرامة
المواطن الليبي في وطنه.
والاستحقاق الواجب هنا هو الصبر على الحكومة الحالية أوالقادمة
لكي تنجح في تحقيق بعض النتائج المرجوة منها فهي لا تملك عصاة موسى أو سحرة فرعون
ولكنها تملك شعبا قادرا على العطاء، ولو ان كل ليبي حر قدم ثمانية ساعات من العمل
يوميا سيحدث التقدم وسيتضح من هم المفسدون.
القانون
القانون وتطبيقه في النظام الدكتاتوري عشوائي وتتم ممارسته لصالح الدكتاتور
وأعوانه، أما في النظام الديمقراطي فالقانون يسري بالتساوي على الجميع وتتم
ممارسته لمصلحة المجتمع ككل ولحماية الجميع دون استثناء. والقاعدة الذهبية في هذا
الخصوص تفرض استخدام قاض مستقل عن الحكومة وحر في قراره ولا يتعاطى بالفساد وتدعم
شغله دوائر نزيهة.
والاستحقاق الاصيل هنا والواجب على الدولة هو تطهير
دوائر القضاء وماموري الضبط القضائي من الفساد والمفسدين فلا يجوز بعد الثورة
والتضحيات أن يبقى حاميها حراميها. أما الاستحقاق الواجب على المواطن فيكمن في
تفعيل سيادة القانون بداية من قانون المرور ووصولا إلى استرداد الحقوق عن طريق
المحاكم وليس عن طريق استخدام القوة وليكن شعارنا" القانون فوق الجميع
ولمصلحة الجميع".
النشاط الاقتصادي
في النظام الدكتاتوري يبني النشاط الاقتصادي على الفساد والرشوة والمحسوبية
والوساطة والطريق إلى تكوين الثروات والحصول على صفقات يأتي بطرق خلفية ملتوية
يسيطر عليها الدكتلتور وأعوانه وتتحول إلى نشاط محتكر بيد الدكتاتور ومن يرضى عنه.
أما في النظام الديمقراطي فالنشاط الاقتصادي مفتوح للجميع بالتساوين فلا
توجد قيود ولا وساطة، والتنافس الشفاف يجب أن يكون المعيار في التطور الاقتصادي
للمواطن. ولا يوجد احتكار وتأسيس أي مشروع اقتصادي يجب أن يكون ميسر ومشجع من
الدولة مع التأكيد على حماية حقوق المستهلك.
و الاستحقاق المهم هنا هو تيسير تراخيص النشاط الاقتصادي
في مجال تأسيس الشركات من حيث عدد المساهمين ورأس المال المطلوب وصيغ العقود
وروتين الاجراءات، وكذلك في مجال رخصة المزاول الفردي، علينا أن نؤسس لدولة
الانتاج الغزير بدلا عن دولة الموظفين.
المنظومة العامة
الدكتاتورية نظام مغلق بينما الديمقراطية نظام مفتوح، فالدكتاتورية تنمو مع
الابتزاز والقهر فيستفيد القلة المقربة فيها على حساب الشعب ككل وتضيع حقوق
المواطن من خلال دوامات البيروقراطية والروتين الاداري.
بينما في المنظومة الديمقراطية
التركيبة شمولية وترعى مصالح الجميع وتحقق النمو على أوسع نطاق ولا تتركز الفائدة
فيها للقلة بل للمجتمع ككل، فلا يجوع فيها المواطن ولا يعيش في العراء ولا يطرد من
منزله ولا يطارد بل توفر الدولة منظومة ضمان اجتماعي يحفظ كرامة المواطن.
والاستحقاق الهام جدا هنا يكمن في تيسير الاجراءات
وتفعيل النشاط الاقتصادي للأفراد وتوفير مظلة الضمان الاجتماعي والتوسع في نشر
الثقافة الديمقراطية في المجتمع بداية من المدارس ثم التعليم العالي ومرورا
بالمساجد ووسائل الاعلام.
العوامل النفسية
لقد حطم الشعب الليبي القيود وتحررت البلاد ولكننا لازلنا نعاني من الآثار
النفسية المترتبة على سرقة حقوق الشعب أربعة عقود، ولا زال في نفوس الكثيرين منا
حاجزا أو هاجسا يعارض مسيرة التقدم.
إنه الخوف من المبادرة أواتخاذ
القرار فالدكتاتورية تعود الناس على طاعة الأوامر وتسلبهم القرار وبالتدريج يتحول
الناس إلى تبع وبالتالي يفقدون روح المغامرة وروح الابداع ويستمرؤن القرارات
والتوجيهات الفوقية لأنها ترفع عنهم اللوم أو الحرج وتسهل لهم الحياة بسلبية. ومثل
ما كان الخروج على الطاغية صعبا في اللحظات الأولى سيكون الانطلاق في البناء بحرية
صعبا كذلك.
وسيبقى الناس لفترة ينتظرون كل شيء
من الحكومة ويهملون عنصر المبادرة والمشاركة في البناء كلما بعدنا عن مرحلة
التحرير التي تتوجت فيها قمة المبادرات الفردية والجماعية بكل سخاء. والاعلام
والتعليم والارشاد الديني هم خير وسيلة لتغيير الواقع الموروث من السلبية
والأنانية.
والاستحقاق الواجب يكمن في تنمية القدرات من خلال
التدريب والتأهيل وإعادة الثقة للمواطن من خلال تنمية روح الابداع وتشجيع الأفكار
الايجابية والترحيب بالمبادرات الفردية وذلك من خلال المؤسسات التعليمية
والتدريبية والثقافية والاعلامية و بنشر ثقافة المشاركة الايجابية وتشجيعها،
واستحداث حوافز تشجيعية ومكافآت رمزية كاعتراف وتقدير لقيمة الدور الايجابي للمواطن في خدمة المجتمع.