الحق في أي شأن كان لكي يكون حقا يجب أن يتساوى
فيه الجميع إذا كان عاما، والاستحقاق ما يترتب على الحق من واجبات، أما إذا كان
الامر تكليفا بناء على حاجة خاصة فلا يجوز لمن لم يكلف أن يطالب به.
ولو
طبقنا هذا الأمر فيما يخص البعثات الدراسية في الخارج وجدنا أنها تكليف لفئة
متميزة بمهمة الدراسة في الخارج والعودة للوطن بعد استكمال الدراسة لتقديم خدمات
تحتاجها جهة العمل، وهي تقع ضمن نطاق التنمية البشرية في خطة التنمية التي تضعها
وزارة التخطيط.
والمرشح
للدراسة بالخارج يجب أن يتميزببعض المزايا على أقرانه ممن درسوا معه في نفس
الجامعة من حيث التقدير العام بالاضافة إلى كونه متميز في أدائه الوظيفي ويحتاج
إلى تطوير قدراته لكي تكون له مساهمة اكبر وافضل في المستقبل في تنمية الوطن.
أما
ترك الحبل على الغارب وفتح الباب على مصرعيه سيسبب لنا تضخما في أعداد حملة
الشهادات العليا بنفس مستوى الاداء الأصلي في الجامعات، فالدراسة العليا تفترض
قدرات خاصة وتنمي مهارات يفترض أن تكون موجودة في الطالب أصلا.
في
العالم المتقدم ومنه أمريكا وأوربا يشترط للقبول في الدراسات العليا معدل جيد جدا
على الأقل ولا يسمح لمن كان تقديره العام مقبول بالدراسة العليا ولكن بامكانه
تطوير قدراته من خلال دورات تدريبية في مجال التخصص، وبهذه الطريقة تقدموا.
بالنسبة
لنا في ليبيا كان شرط القبول لوظيفة معيد بالجامعات معدل جيد جدا ولكنه اسقط في 7 أبريل 1976م إلى جيد ترضية لأبطال السابع من
أبريل، ثم فتح أزلام النظام الباب لكل من هب ودب للدراسات العليا لتكوين تبع
موالين للطاغية، وتم فصل أوائل الطلبة من الجامعات واعاقتهم من مواصلة الدراسات
العليا وهذا انعكس سلبا على الجامعات بعودة هؤلاء من الدراسة في الخارج بكل العيوب
التي سافروا بها وكثير منهم يعرقل جهود تطوير التعليم العالي حاليا بطرق مختلفة.
وتحولت اجراءات الترشيح من وزارة التعليم إلى مكتب الاتصال وجمعية الطاغية وبنات
الطاغية وأولاده ومن يدور في فلكهم مما زاد الامر سوء، وبهذه الطريقة تخلفت بلادنا
عن سابق مكانتها قبل الطاغية.
وبعد التحرير بدأت فئات مختلفة لا حق لها في
الترشيح تتدخل فيه، من مجالس ومنظمات اهلية
وبمساعدة بعض الجهات العليا بتهميشها على الأوراق وتحويلها وكأننا ثرنا على
الطاغية لنستبدله بغيره والعياذ بالله.
هل
خضنا الثورة ودفعنا الثمن الباهض ثم تحررنا لنبني البلد أم لنهرب منها ونحصل على
بعثة لكل منا أو وظيفة لكل واحد منا في الخارج، ولا يُستغرب أن نجد أسماء بعض
أعضاء المجلس الانتقالي بين قوائم المبعوثين.
ولو نظرنا إلى تكلفة طالب الدراسات العليا
بالخارج نجد ان متوسط تكلفة الطالب الليبي هي مائة ألف دولار سنويا بينما الطالب
الأوربي يكلف حوالي عشرين الف دولار في السنة، والسبب أن الطالب الليبي يذهب في
الغالب بأسرة مكونة من عدة أشخاص ويدرس أولاد بعضهم في الجامعات ومعظم المرافقين
والمرافقات يدرسون مما يطيل مدة الدراسة ويزيد في تكاليف الإقامة والعلاج ويتحول
الامر إلى استنزاف للبلد من خلال المطلبة بالتمديد عدة مرات، أضف إلى هذا تهجم
واعتداءات واعتصامات بالسفارات في دول عديدة.
في
بعض الحالات مثل الطب لا يرجع إلا عدد قليل بعد إتمام الدراسة وعلى سبيل المثال لم
يرجع طبيب واحد من كندا خلال العشر سنوات الماضية بينما يوجد في بريطانيا أكثر من
ثلاثة آلاف طبيب اخصائي ليبي درس على حساب ليبيا، وأعداد كبيرة من حملة الشهادات
العليا في عدة دول ومعظم هؤلاء يطالب حاليا بضم أبنائه للبعثات لكي يدرسون على
حساب ليبيا.
ربما يقول البعض كانت هناك أسباب سياسية لعدم
عودتهم، ولكن ليبيا تحررت وهي بحاجة لكل أبنائها وخاصة الذين أنفقت عليهم مح
كبدها، والاستحقاق الواجب على هؤلاء هو العودة وبسرعة للمشاركة في بناء الوطن أما الخيار
الوحيد المتبقي أمام الجهات الرسمية هو رفع دعاوي لاسترجاع المبالغ التي انفقتها خزانة
الدولة على المبعوثين في مثل هذه الحالات.
وفي الختام أؤكد بان التعليم الإلزامي
حق واجب لكل ليبي وليبية، أما الدراسة في الجامعات فيجب ان يحددها المستوى العلمي
للطالب وليست حق عام والدراسات العليا تحدد بالتميز والتفوق و ليست حق عام
ولكنه حق مكتسب بالجد والاجتهاد من المرشح
وحاجة البلد له ولقدراته.
أسجل إعجابي بهذا الموضوع,موضوع جيد, أوافق على معظم ما جاء فيه, شكرا جزيلا
ReplyDeleteلا فض فوك يا دكتور فتحي.
ReplyDeleteنبيل عزوز.
د. فتحي العكاري . . صباحك وطني !
ReplyDeleteمقالاتك دائما ذات مموضوع ، واليوم أنت فى موقع المسؤلية فلا تكتفي بالكلام ، فالتفعيل والتطبيق والتقنين من أولى الأولويات فى الميدان ، والوسع واجب بذله لا محاله . . والا فما قيمة الوظيفة بلا مسؤلية ولا بصمات فى طريق التغيير والتعديل والتطوير . . .
كيف تستقطب "الدول المتقدمة"حسب ما ذكر في المقال,الثروات البشرية من جميع أنحاء العالم؟
ReplyDeleteوما هي الجنسيات اللتي تستقطب وتجد أن الحياة في هذه المجتمعات أفضل من بلدانهم التي تركوها خلفاً؟
الإجابة علي هذه الأسئلة يتيح لنا الفرصة لفهم عمق الفساد القذافي, وكيفية القيام بنوع من الإصلاح لإنقاذ مايمكن إنقاذه.
من الجدير بالذكر أن اليونان حالياً تعاني من مشاكل هائلة, ومشكلة إستقطاب ألمانيا لثروة اليونان البشرية ليست حتي علي رأس الأهمية في حيات اليونان اليوم.
.
أما إذا كان الامر تكليفا بناء على حاجة خاصة فلا يجوز لمن لم يكلف أن يطالب به."..... .. وأقول : المطالبة لا تكون بطلب التكليف لكن بالتزام من يكلف بالشروط الواجب توافرها عند من يتم تكليفه وعدم تجاوزها.
ReplyDeleteصالح حصن
السيد المحترم د. فتحي العكاري
ReplyDeleteمقال ذو اهمية وطنية و من اجل غدِ افضل
ملاحظتي الوحيدة هي ان مواجهة الفساد المستشري في البعثات الفساد يتطلب اداء احترافي يضمن فصل الفاسد عن الصحي و ضمان نجاح التنمية البشرية و عدم انتكاستها!! فمثلاً،، هناك عدداً لا بأس به من المترشحين المتميزيين و الذي كافحوا كثراً للوصول لمراحل متقدمة من مسيرتهم العلمية و لكن يتم خنقهم ثم تدميرهم بلائحة البعثات الغير ملائمة لواقع حال الدراسة بالخارج في دول محددة كالدراسة في الولايات المتحدة الامريكية التي تتطلب شروط معينة للحصول على القبول (اللغة + امتحانات GRE or GMAT) اضافة الى (كورسات دراسية في فصول محددة مسبقاً + الامتحان التأهيلي الشامل) اضافة الى (البحث)،، فمن باب الانصاف لابد ان يتم النظر بعين الحريص على الوطن و ابناءه و عدم اتخاذ القرارات الشاملة الظالمة التي ستسبب كوارث في حق المجتهدين من ابناء الوطن. فلماذا لا يتم ارسال لجنة تقصي و تدقيق كل حالة على حدى لمعرفة الحقيقة الكاملة و اتخاذ القرار المناسب حيالها بدل طريقة " قطع لف".
الادارة الناجحة هي القادرة على اتخاذ القرارات التي تهم المصلحة الوطنية حتى و ان كانت موجعة في وقت ما
و الله الموفق لما فيه الخير
فتحي مسعود
بارك الله فيك على هذا التعليق واتمنى من المسئولين فى ادارة البعثات ووزارة التعليم العالى ان يعوا هذا الكلام ويضعوا مصلحة الطالب فوق كل اعتبار
Deleteللاسف الشعب اناني وطماع , وهذه الاشياء لا تحلها الا اللوائح والقوانين. الفتاوي الشرعية بخصوص تحريم تبذير المال العام واستغلال الناس للواسطة والمحسوبية ربما تساعد في ايقاظ الناس من سبات النوم العميق. يقول عمر بن الخطاب (رض): "حاسبوا أنفسكم قبل أن تُحاسبوا، وزِنُوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم، وتهيؤوا للعرض الأكبر".. عن عثمان -رضي الله عنه-(إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن ,وأخيراً نذكّر أنفسنا جميعاً بقول الله تبارك وتعالى: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأرْضِ...) (الأعراف/ 96).
ReplyDelete