لقد
وضعت حرب التحرير أوزارها وتحقق النصر، مات عدد كبير من الليبيين والليبيات وأصيب
عدد أكبر بجروح وإصابات بليغة ولا زال لدينا مفقودين. احتفلنا بالنصر وكرمنا
الشهداء عدة مرات وبذلنا ما في وسعنا لعلاج الجرحى ولازلنا نبحث عن المفقودين،
ولكن فئة واحدة غابت عن حساباتنا حتى الآن ولم نعرف من المسئول عنها.
إنها فئة الفتيات والنساء اللاتي تعرضن لعنف جنسي في ظل الاغتصاب المتكرر
يوميا ولفترات طويلة في بعض الحالات، كما تعرض بعض الشباب إلى درجات من الاعتداء
الجنسي أثناء فترات الاعتقال، وفئة ثالثة هي فئة أزواج وآباء وأخوة المغتصبين
والمغتصبات وعدد المعنفين والمعنفات يفوق الثلاثة آلاف خاصة في ظل الكتمان في
الاسرة الليبية في مثل هذه الحالات.
وقد تعرضن لهذا العنف لاسباب
مختلفة، البعض ألقي عليه القبض في الجامعات بسبب تأييد الثورة أو توزيع مناشير او
توزيع سلاح أو الحديث العلني في الميادين أو على شبكة المعلومات. في الحقيقة كان
دور النساء في طرابلس بارزا وأدى إلى تشجيع العديد من الشباب على المشاركة الفاعلة.
بينما وقعت بعض الأخوات في الأسر خلال
المعارك في بعض المدن أو خلال البحث عن أقاربهن المطلوبين أو كعملية انتقام من
الأسر أوالأحياء التي أيدت الثورة من أول يوم.
البعض تم الإعتداء عليهن في بيوتهن والبعض نقل
إلى أماكن تجميع مثل سجن عين زاره في طرابلس ووضعن في غرف ونزعت ملابسهن وتركن
عاريات ومعصوبات الأعين ومقيدات فريسة لجنود الكتائب والمتطوعين وتم اغتصابهن بشكل
روتيني متكرر وصل في بعض الحالات أربع مرات يوميا، وقد وصفت لي احداهن الحالة بدقة
حيث وصل الأمر بها أن تصلي صلاتها وهي
عارية تماما في ظل تجويع ومعاملة قاسية.
وقد دخل
عليهن مسئولون في عهد الطاغية في هذا الوضع ومنهم من انشق بعد ذلك وانضم للثوار
وهم يعرفون هذا جيدا؛ ومما يذكر هنا دخول عزالدين الهنشيري فوجد فتيات في سن
الرابعة عشرة فقال: هؤلاء لا يقربهن أحد ويتركن ليتمزمز بهن المعتصم. وفعلا لم
يتعرض لهن أحد ونقلن من المكان والله أعلم بما جرى لهن.
بعض المعنفات
كن حوامل أصلا فسقط الجنين، والبعض حمل بسبب الاعتداء وأنجبن أطفالا بعد التحرير
تم تحويلهم لدور الرعاية أو تولى أمرهم بعض المحسنين والبعض كان في سن الطفولة أي
في الرابعة عشرة وتقطعت أوصالهن وأحشائهن بفعل ما جرى لهن ففي الحقيقة بعضهن ربما
يكون قد فارق الحياة.
تعرضت المعنفات للتعذيب بالكهرباء في مواقع حساسة بالصعق الكهربائي ولا زال
بعضهن يحملن آثار التعذيب وبحاجة للعلاج، كما استخدمت السجانات الفلفل الأحمر في
التعذيب برشه على مواقع حساسة بعد تهييجها بالكهرباء ومما يذكر هنا وفاة إحدى
السجينات تحت التعذيب وتركت بالزنزانة ثلاثة ايام مع النزيلات لإرهابهن في سجن عين
زاره.
في إحدى الحالات قامت إحدى السجانات في سجن عين زاره بإدخال زجاجة مشروب في
رحم فتاة في الصف الثالث اعدادي وسالت دماؤها أمام الجميع وأمام والدتها وهي تعتبر
أصغر سجينة ليبية.
وقد زارت وفود من الامم المتحدة ومنظمة العفو الدولية السجينات وثبتت ما
حصل لهن والأمر موثق حتى في محكمة لاهاى فالعالم لا يرضى ولن يرضى بهذا الظلم،
ولكن بيننا من يدعو إلى قفل هذه الصفحة بدون حساب أو سؤال عما حدث في ظل التركيبة
التوافقية.
المراة التي تتعرض للإغتصاب حكمها حكم الشهيد، فالشهيد
يسقط قتيلا ربما برصاصة واحدة ولكن المغتصبة توجه إليها البنادق كل يوم؛ فكلما
اقترب منها ذكر تتكرر في مشاعرها المأساة خاصة إذا تعرضت لمضايقة من الجيران أو
المعارف و البعض قد يحمل أمراضا فتاكة بسبب الاغتصاب والبعض حمل وانجب اطفالا لكي
تبقى المأساة تمشي بيننا على الأرض.
حتى الآن لا توجد جهة تتكفل برد الاعتبار للمعنفين والمعنفات وتثبيت
الوقائع والمعلومات ومحاكمة الجناة فجلهم لا زال على قيد الحياة ومعالجة آثار هذه
الجرائم البشعة. تحدثت مع وزير الشهداء والجرحى فأفاد بأن أمر المعنفات تتولاه
وزارة الشؤون الاجتماعية؛ هذا الحل ليس صحيحا فالأمر ليس اغتصابا عابرا ولكنه
جريمة حرب متكررة وناتج عن عمليات عسكرية وممارسات ترقى إلى الشذوذ الجنسي فعلا
ويحتاج إلى معالجة نفسية وصحية بتكاليف باهضة وبحجم كبير وبطرق لم نتعود عليها في
ليبيا في السابق.
الحل يكمن في في رصد أموال للإعاشة مثل اسر الشهداء، وأموال للعلاج، وأموال
للسكن فقد يتعذر البقاء في نفس المحيط السابق،
وأموال للمساعدة على الزواج في آخر
المطاف من خلال مؤسسة خيرية رسمية وطنية.
الأمر خطير ولا يستحمل التأخير وما
تطلبه المعنفات وما يطلبه المعنفون هو الستر ولا يريدون أن يصبحوا في قوائم أو
يتعرف عليهم الناس وبالتالي يجب أن تكون المعالجة في منتهى السرية، وهذا الشأن ليس
صعبا فالدول تدير أجهزة سرية والأحزاب السياسية تعرف العمل السري خلال فترات من
حياتها ولكن يبدو لي أننا قوم نتخوف من الإبر ونبتلع السيوف.
No comments:
Post a Comment