توطئة
في العالم المتقدم تكمن قيمة الإنسان في ما يعرف و يجيد، أما في العالم المتخلف فان قيمة المرء تكمن في من يعرف من الناس. فالمتقدم يطلب دائما الأفضل بينما المتخلف يريد أن يحافظ على من يعرف. هذا على مستوى القرار الرسمي و بالطبع لا يعنى انه لا حاجة لنا للتعارف فالمعرفة للناس الخيرة كنز كما تعلمون.
من هذا المنطلق أردت أن افتح صدري و افكارى لكل من يرغب في الخير و النهضة لبلادنا الحبيبة. و يؤسفنى في كثير من الحالات أن نكتشف الناس الطيبة بعد وفاتها ، فيبدأ الأخوة في التعريف بها ، في حياته كان يشتاق للبلحة و بعد ما مات علقوا له عرجون كما يقول المثل . والعديد من الخبرات والأساتذة الليبيين في الخارج لا يعلم احد بدورهم الكبير و الذي هو في الواقع إسهاما ليبيَا. إلى متى نبقى نعيش في خوف من المجهول؟ علينا أن نتعارف على أن أفضلنا أكثرنا عطاء و في كل خير. و لقد كان لي شرف التعامل مع بعض الأساتذة و الذين تعلمت منهم الكثير، أمثال د موسى عمر ود خيري الصغيرو د أمين شقليلة و د عبد المجيد شقرون و د عمر الشيبانى على المستوى الجامعي الليبي. و لا يسعني إلا أن أدعو جميع المواقع الليبية لاستحداث ركن يهتم بالانجازات الليبية في كل المجالات فبلادنا فيها رجال كثر ولكننا كثيرا ما نهمل الاعتراف لأهل الفضل بيننا.
النشأة و الدراسة
ولدت بمدينة درنة الزاهرة حيث ارتبط فى ذهني منذ الطفولة رائحة الزهر في الصباح والياسمين في المساء وخرير الساقية ومياهها العذبة وطعم الموز الذي كان يزرع في معظم البيوت. كانت مدينة درنة جميلة وجليلة فلقد سالت على سفوحها دماء الصحابة والفاتحين وخضبت جبالها دماء المجاهدين. فيها يتعانق الجبل الأشم مع البحر المتلاطم ولقد كان لهذا الجو أثرا بليغا في حبي لصعود الجبال ومعانقة الطبيعة، و لقد كان لإجلال الصحابة في نفوس أبناء درنة الأثر العميق في توجهي الديني وإجلالي للدعاة والعلماء والذي لازال ينمو مع الأيام.
تعلمت في مدارس درنة الابتدائية والإعدادية والثانوية والتي أسميها مزارع الإخلاص فلقد تشربنا الإخلاص من رجال بسطاء لم يعرفوا الجامعات ولم يتخرجوا منها ولكنهم يعرفون قيمة الوقت والعمل وحب الوطن رحم الله من مات منهم وغفر الله لمن كان حياً وبارك لهم جميعاً في سعيهم . ولقد تميز أبناء مدينة درنة بالتفوق والأمانة العلمية وحب الوطن، على مستوى ليبيا وعلى مستوى الوطن العربي. ففي مدينة درنة تلتحم منذ مئات السينين قبائل وعوائل تنحدر من جزيرة العرب إلى الأندلس والجميع يعتز بالانتماء إليها. ولازلت اذكر أول مظاهرة رأيتها في حياتي وأنا أبن ست سنوات خلال الاعتداء الثلاثي على مصر حيث خرج أبناء مدنية درنة على بكرة أبيهم في هجوم على معسكر الجيش البريطاني في درنة إنها روح الإباء والانتماء لخير أمة سارت على الأرض.
بعد إنهاء دراستي الثانوية التحقت بكلية الهندسة بطرابلس وتخرجت منها في مجال الهندسة الالكترونية سنة 1973م حيث تم إيفادي للدراسات العليا يجامعه كارنيقي ميلون بالولايات المتحدة الأمريكية والتي غادرتها بعد مناقشتي لرسالة الدكتورة مباشرة، فلم انتظر حتى حفل التخرج لأعود إلى الوطن وكلي أمل في المساهمة في بناء نهضة علمية ليبية وطنية. وبالفعل ساهمت قدر استطاعتي في تخريج عدد كبير من الدفعات قبل أن أقرر السفر إلى الخارج مضطرا من اجل تحسين مستواي العلمي والبحثي من جديد حيث أعمل منذ يناير 1992م في إحدى الجامعات الأيرلندية بدبلن، و ظللت أحمل هموم وطني في صدري أين ما كنت و أساهم بالكتابة على صفحات الانترنيت.
الجامعة
كانت الجامعة الليبية في الخمسينات والستينات وأوائل السبعينات في تطورمستمرنحو الأفضل باستخدام أفضل عناصر التدريس واختيار أوائل الطلبة لإعدادهم ليكونوا أساتذة المستقبل ولقد توفر الجو العلمي للأستاذ والطالب وتوفرت الإمكانيات والكتب العلمية والبيوت الطلابية. أما الآن فالجامعات الليبية إمكانياتها أقل من معظم دول العالم الثالث ويعتمد العمل فيها على تضحيات المخلصين من العاملين فيها والنجباء من الطلبة ومن المؤسف أن مقياس اختيار أعضاء هيئة التدريس لم يعد المستوى العلمي وفي كثير من الأحيان يتم إيفاد من لا يستحق ذلك ولا يملك القدرة على التحصيل و أصبح القرار في يد حفنة من أعضاء اللجان الثورية.
ولن تنهض الجامعة إلا بإعادة الاحترام للعلم والإبداع وحرية التفكير وحرية التعبير.
فالجامعة هي قلعة علمية وليست معسكر ولا سجناً ولا مقبرةً ولا متحفاً فإذا كان الجامع يبنى لتعمير الآخرة فان الجامعة تبنى لعمارة الدنيا و كلاهما له دوره في الحياة العامة للوطن. و علينا الآن إعادة بناء و تطوير الجامعات و تحريرها من قيود الإدارة الأمنية و من تأثير أعضاء حركة اللجان الثورية.
الوطن
الهم الأول والأخيرفى حياتي هو الوطن وأهل الوطن. فبلدنا يزخر بالخيرات و كان حلمه أن يضاهي أوربا فأصبح في العقود الأخيرة يجري خلف أفريقيا ولا يلتفت إليه أحد. إن كتاباتي تعكس اهتماماتي في حد الممكن والمعقول فليس كل مايعلم يقال، وليس كل ما يقال يمكن فهمه، وليس كل ما يفهم قد يفيد. إننا في الغالب قوم لا نقرأ كثيراً ونخاف من الكتابة، ولا زلت اذكر د عمر التو مي الشيباني رحمه الله، كنا كلما التقينا في مناسبة نتحاور حول مشاكل الفكرو ندرة الكتّاب والكتب الليبية عبر العصور بسبب السلبية المميتة في تفكيرنا العام و الخوف من التعبير الصحيح عن ما يدور في نفوسنا.
تطلعات
المستقبل هو الحلم الكبير أما الواقع أو الحاضر فهو حياتنا وجل همي أن لا يصل الفساد إلى الحلم الكبير. فالإنسان هو وعاء لألام وأحلام، نعيش ألام الحاضر على أمل أن تتحقق أحلامنا في المستقبل. فأجدادنا ضحوا بالغالي والرخيص لكي يقتلعون الحرية والاستقلال من بين أنياب الاستعمار الأوربي، فكيف نرضى أن نسلم ديارنا وأبنائنا للمستعمر ونزيده فوقها ثروات وأموال. و هذا هو مدار الخلاف بين الحكام الحريصين على كراسيهم و الشعوب المتطلعة للحرية و الكرامة.
ومهما حصل فإن المستقبل سيكون للعلم وللعاملين وللأمانة و الإخلاص، فلنحرص على أن نكون بناة للمستقبل، وأصل النهضة فكرة تجد رجالاً يلتفون حولها و يحيون من أجلها وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.
توجهي في الحياة
التوجه الإسلامي هو طريقي في الحياة ولكن الحل للأمة بصفة عامة و لبلدنا بالذات هو التوجه الإنساني والذي لا يتعارض مع الفكر الإسلامي ولكنه يرتقي به فوق كل البشر ليخدم البشرية جمعاء. أرى الحل في احترام الإنسان واحترام حقوق الإنسان وفي أن يسود العدل بين الناس في كل شئ وأن تحصل المساواة على ارض الوطن وتوجه الطاقات للبناء وليس للهدم .
إن أعداء الأمة الحقيقيون هم الجهل والفقر والمرض وليس الاستعمار ولا الرجعية كما صوروا لنا في كتب القراءة القومية و إذاعة صوت العرب. علينا أن نمارس القيم الإنسانية التي ننادي بها في حياتنا في بيوتنا في لقاءاتنا قبل أن نطالب الآخرين بتطبيقها. علينا أن نحترم الأمة ككل و كل فرد فيها فلا نتعالى على أحد ولنكن مشاعل تنير الطريق، و أن لا نكون معوقات على طريق التقدم بالدخول في معارك إقصاء جانبية لا تخدم إلا أعداء الوطن.
السياسة
أنا ليس لي أي علاقة مباشرة بالتنظيمات الليبية في الداخل أو الخارج وبالتالي من الصعب عليّ متابعتها أو تقييمها بطريقة علمية وموضوعية وكل ما أحاوله هو طرح بعض الأفكار العامة التي تخدم مستقبل الفكر السياسي الليبي. وأنا دائماً أدعو كل المهتمين بالشؤون الليبية والعربية والإسلامية إلى تطبيق القيم والمبادئ التي يدعون إليها، ويطالبون بها الأنظمة الحاكمة، على أنفسهم.
وعلى سبيل المثال لا يمكن للمقيمين في الغرب أن يمارسوا حقوقهم الديمقراطية وحقوقهم في التعبير داخل المؤسسات العربية والإسلامية في معظم الأحيان بسبب هيمنة بعض التيارات عليها. يجب أن يكون تواجد الجاليات في الخارج فرصةً للإطلاع على ممارسات الشعوب المتقدمة السياسية، لصقل الخبرات والقدرات الوطنية بما يخدم مستقبل أمتنا. و يجب أن نتحاور في هدوء ونترك التعصب والتشنج ونقف إلى جانب الأفكار والآراء السليمة لأن فيها المصلحة للوطن وللأمة ككل.
و الدور الطليعي للنخب في العادة يكون في مراحل البناء والتنمية أما في مراحل التحرر و الثورة فالدور الأساسي لعامة الناس فلم يقد الثورة الشيوعية في العالم أساتذة الجامعات ولم يقد الانتفاضة الفلسطينية شيوخ المساجد ولم يقد المقاومة في لبنان الكتّاب والمثقفين والشعراء وكذلك بقية الثورات في العالم.
وبالنسبة لقضية الحرية وحقوق الإنسان والديمقراطية في الوطن العربي ككل، ماذا قدمت النخبة الموجودة في الخارج ؟ لقد تغير العالم من حولنا في آسيا وأفريقيا وأوربا الشرقية ولم يبقى إلا نحن، كلنا ينتظر حلاً من المريخ أو تضحية من غيره. الأسئلة التي يجب أن نجيب عليها بصراحة هي:
هل قدم كل منا كل ما يستطيع للقضية التي يؤمن بها؟
وهل كانت وسائلنا صحيحة في ما نقدمه من أطروحات؟
وهل نحن قادرون على دفع الثمن المطلوب؟
و لقد أثبتت الأسابيع الأخيرة أن التغيير السليم يؤسس على إرادة الشعوب بالداخل بالدرجة الأولى و لا يمكن استيراده من الخارج. و ربما يكون الدور الأفضل لمن عاش بالخارج أن يثري التجربة و معركة البناء بآراء و خبرات و تجارب الشعوب الأخرى التي عاشوا بينها.
الإصلاح
أنا أعتقد أن الإصلاح السياسي و الاجتماعي وارد في ذهن كل من يعمل بالسياسة في أي مكان، فمن المستحيل أن نصل إلى الحل النهائي والمثالي لكل المشاكل؛ فكلنا ينوي الإصلاح ما استطاع. وفي موضوع الصراع السياسي داخل الوطن الواحد لا مفر من طرح المصالحة أو الإصلاح كبديل للإقصاء والتهميش و موازين القوى المحلية والإقليمية والعالمية هي التي سوف تحدد إطار الإصلاح وتطوره وسبل تحقيقه. ولكن بعض الأنظمة العربية تستعمل ورقة الإصلاح والتصالح إذا ضاقت بها السبل كمخرج من الضغوط الخارجية ثم تعود إلى عادتها القديمة إذا ظنت أن الأمور عادت إلى مجاريها.
الإصلاح هدف وطني مهما كان الثمن، والمصالحة الوطنية الشاملة بما يعيد الدستورية للدولة وسيادة القانون للمجتمع وتوفير الأمان والاطمئنان للمواطن على نفسه وماله وعرضه وجميع حقوقه تحقق الاستقلال الحقيقي. وتعيد السيادة إلى الشعب ولقد تطرقت إلى عوامل نجاح مثل هذا المشروع ودور كل فئات المجتمع فيه في عدة مقالات منشورة و موجودة في مدونة باقات ليبية.
الذخيرة
شبابنا هم لب قوتنا وفخرنا ورجال مستقبلنا، وهم الأمل إذا ضاقت بنا السبل. و أنصح الشباب بالإنكباب على طلب العلم، فإن المستقبل للعلم والمتعلمين وعليهم الاهتمام بجميع الجوانب الثقافية من الإطلاع على الكتب ومتابعة الجرائد والمجلات وزيارة المعارض الفنية والإطلاع على ثقافات الشعوب الأخرى لإثراء تصوراتهم للحياة بصفة عامة. والأهم من هذا كله هو التفاعل الايجابي مع الواقع السياسي والاجتماعي والثقافي الليبي والعربي والإسلامي والإنساني. وهذا اصل اهتمامي برسالة الجيل الجديد، فقطاع الشباب هو ذخيرتنا في صناعة المستقبل.