الثورة الليبية تفجرت بالتوازي في عدة مناطق على التراب الليبي بدون سابق تنسيق و هي تمثل حدثا تاريخيا غير مسبوق في تاريخ ليبيا، فهي لم تطلب إذنا من أحد من خارج ليبيا و لم تطلب تأييدا من أحد من الخارج كما هو الحال في الانقلابات العسكرية العربية و التي تعودنا على تسميتها بالثورات. و لم تعرف ليبيا في تاريخها الطويل ثورة بهذا الحجم و الكيف، و بالتالي هي ثورة ليبية وطنية لن تتكرر و لم يحدث مثلها من قبل، و هي جزء لا يتجزأ من الثورة العربية التحررية و النهضوية الحالية.
الفوارق بين الثورة و الانقلاب العسكري
الثورة في العادة هي حراك شعبي يشمل كل طبقات الشعب، أما الانقلاب فحركة تغيير سياسي باستخدام القوة تحت شعارات وهمية و مخططات استخباراتية. الثورة لا تتكرر في التاريخ و الانقلابات قد تتوالى في نفس السنة، و بالتالي ما يميز الثورة هو الشعب الذي قام بها، أما الانقلاب فيميز بالتاريخ و هنا تبرز الصنمية في الفكر السياسي، فنجد ثورة 23 يوليو و ثورة الفاتح من سبتمبر و غيرها من مسميات لا تزيد عن كونها رمزا لصنم يقدسه المستفيدون من الحدث.
و لو نظرنا في العالم الخارجي لوجدنا أن الثورة الفرنسية لم تتكرر في فرنسا و الثورة الأمريكية لم تتكرر في أمريكا بينما تكرر الانقلاب في العراق عدة مرات و فشلت في ليبيا عدة محاولات.
و على هذا فنحن لا نحتاج إلى صنم وهمي مثلهم فلا حاجة ل" 17 فبراير" في تعريف الثورة و هي لا زالت مستمرة الحدوث و التفجر في بعض المناطق. كما لا يجوز تسمية معسكر 7 أبريل بمعسكر 17 فبراير لأن هذا يعني استنساخ لمسار الصنمية في النظام البائد.
كما يجب أن تعود كل المسميات في جميع أنحاء ليبيا إلى أسمائها الأصيلة و الأصلية قبل انقلاب ألقذافي على المملكة.
الفوارق بين شباب الثورة و جماهير الفاتح
شباب الثورة الوطنية الليبية هم من قاد الثورة و فجرها و تقدموا معها إلى الجبهات المختلفة بصدور عارية من أجل الحرية و الكرامة ولم يتسابقوا إلى المناصب و الكراسي، و تركوا الميدان خلفهم للنساء و كبار السن يدعون لهم بالنصر. و في المقابل جماهير الفاتح هم شلل من المرتزقة تربوا على طاعة سيدهم طلبا للمكاسب المادية و المناصب السياسية. فشباب الثورة الليبية يقدمون الدماء الزكية لتروي شجرة الحرية في بلادنا بينما يسعي مرتزقة الفاتح لنزع جذورها.
و لقد رفع شباب الثورة شعارا ينسب لشيخ الشهداء عمر المختار الذي قال: نحن لا نستسلم، ننتصر أو نقاتل حتى نموت. و الفرق هنا أن الموت يأتي بمشيئة الله تبارك و تعالى في أي زمان و مكان و لا يكون بمعنى الانتحارية، فأسلوب عمر المختار في الجهاد كان كذلك و ليس كما ورد حرفيا في الفيلم. بينما رفع مرتزقة الفاتح شعارات متخلفة و أبرزها تخلفا قولهم" الفاتح دايم و يدوم... الفاتح كسار خشوم"، و أي ثورة هذه التي تسعى لتكسير أنوف الشعب بالله عليكم.
و علينا أن ننتبه لأي محاولة للاستنساخ في المستقبل تحت أية مسميات سواء ائتلاف أو اتحاد فكلها مقدمات لتنظيمات شبيهة بالاتحاد الاشتراكي، كثيرا ما ينحتها أصحاب المصالح بدعوى حماية الثورة و من ثم يحيطون بها و يسيطرون من خلال هذه التنظيمات الصنمية على الدولة. كما يجب أن تختفي من حياتنا الممارسات البلطجية من التهديد و الوعيد و استخدام العنف اللفظي أو المعنوي أو المادي في مناقشة خلافاتنا، و علينا أن نحترم الاختلاف و نفترض أن الجميع يريد أن يخدم بلده بدون إقصاء لأحد. و لا يغيب عن شباب الثورة أهمية الالتزام بالعمل الوطني الخالص لوجه الله و لصالح الوطن دون التفكير في المصالح الشخصية أو المناصب و الكراسي، و أخطر ما يهدد الثورات هو محاولات الإقصاء أو الاستحواذ على السلطة خلال مراحل الارتباك التنظيمي في الدولة لحظة انهيار المؤسسات القائمة و يتحول قادة النضال إلى أمراء حرب. و لكي نصل إلى بر الأمان بأقل الخسائر أرى أنه من الواجب تنظيم كل الوحدات المقاتلة للثوار تحت قيادة مركزية واحدة، بحيث تشكل نواة للجيش الوطني الليبي و يحدد لكل وحدة رايات خاصة و طريقة للتعارف عند اللقاء في مدينة طرابلس و الذي يومه بات قريبا بإذن الله.
الفوارق بين المجلس الوطني الانتقالي و مجلس قيادة الثورة
لقد تم اختيار المجلس الوطني الانتقالي بواسطة الثوار ليتحدث باسمهم و يتعاون معهم في تسيير شؤون الوطن خلال المرحلة الانتقالية إلى النظام الديمقراطي، و دوره مؤقت و مهامه محددة فهو كالمحامي لا يجوز له التصرف نيابة عن موكله في أية إجراءات سيادية قد تضر مستقبل ليبيا في المستقبل دون الرجوع إليه في هذا الشأن.
كما لا يجوز له التنظير نيابة عن الذين فجروا الثورة، و لا يجوز له القفز على أكتاف الشهداء الذين صنعوا الحدث. و من الأفضل من الآن ترتيب منظومة إجرائية تمكن شباب الثورة و جماهيرها العريضة من المشاركة الفعلية في صنع القرارات و لا يجب ترك الأمر للجان مرحلية يأتي بها المجلس.
و للذين ينتقدون أداء المجلس الوطني الانتقالي أقول: المجلس يحتاج إلى ألوف المتطوعين من المثقفين و المؤهلين للتطوع و مساعدته على حل مشاكل تعود إلى أربعة عقود بالإضافة إلى تدمير كل البنية التحتية، على الجميع التطوع و الذهاب و وضع أنفسهم تحت لواء الثورة.
أما مجلس قيادة ثورة ألقذافي فهو جزء من المؤامرة على البلد و يخطط لخداع الشعب و استغلاله و السيطرة عليه و الاستحواذ على السلطة بشكل أدى إلى تقاتل أعضائه من أجل ذلك. و بالتالي بدأ في التنظير و النيابة عن الشعب و التلاعب بمشاعر الطبقات البسيطة و جرها بواسطة التحكم في مصالحها. و كما نرى تحولت ليبيا إلى مزرعة تملكها عائلة ألقذافي في نهاية المطاف.
وهنا كذلك يجب التنبه لأخطار الاستنساخ بإنهاء دور المجلس المؤقت و دور أعضائه عند الوصول إلى دولة تحكمها صناديق الانتخابات مع انتهاء المرحلة الانتقالية بسلام، و علينا أن ننسى فكرة البيعة أو الولاء و الطاعة و وثائق التأييد القبلية و الإقليمية.
الفوارق في العقيدة السياسية
لقد تمحورت العقيدة السياسية لانقلاب الفاتح على تجريم التعددية و تحريم الحزبية فمن اليوم الأول كان الشعار" من تحزب خان" و سعى النظام المباد إلى تشكيل تنظيمات شمولية تمكنه من السيطرة على الشعب، بينما العقيدة السياسية للثورة الليبية تبني على الحريات و التعددية السياسية و يمكن أن نرفع شعار"من لا يتحزب يخون الثورة". ففي غياب التعددية السياسية الفاعلة يفتح المجال للإقليمية و الجهوية و القبلية و الاتجار بالأصوات؛ و التعددية هي الطريقة العصرية و السلمية لتداول سلمي للسلطة في المجتمع. و علينا تقبل الرأي و الرأي الآخر، و تقبل النقد و التقويم و التفاعل الإيجابي و إحسان الظن بالجميع فليبيا للجميع و ستسعد بجهد الجميع. و لكن لن تكون لنا تفاعلية إيجابية بدون وعي سياسي و فهم لأبعاد و معاني المنظومة الديمقراطية و علينا الإطلاع و متابعة الأحداث و تكوين رأي سياسي واعي قادر على تقييم الرؤى و المواقف المختلفة.
الفوارق في المشروع
لقد كان مشروع ألقذافي و أزلامه من اليوم الأول هو السيطرة عبر مراحل متدرجة و بأساليب و هيئات مختلفة إلى أن وصل إلى سيطرة ألقذافي شخصيا بواسطة أولاده. و بالتالي كان المشروع لانقلابه مبنيا على الكذب و التزييف و التلاعب بالألفاظ و الشعارات و انتهى إلى المهزلة المعروفة للجميع.
أما الثورة الليبية فهدفها واضح وضوح الشمس و تسعى لترسيخ الديمقراطية و دولة المؤسسات و سيادة القانون و التداول السلمي للسلطة، و مع الوصول إلى الدولة المرتقبة تنتهي الشعارات و المزايدات من خلال الممارسة الديمقراطية في ظل الحريات. و عند ذلك يتفرغ الجميع للبناء و وضع أسس حضارية لمؤسسات دولة يعتز الجميع بالانتماء لها. ثم نمد جسور التعاون للأشقاء في شمال أفريقيا و دول اتحاد المغرب العربي من أجل نهضة إقليمية حضارية متكاملة. و هذا الهدف لن يتحقق إلا بوضع الرجل المناسب في المكان المناسب و بإتباع أحدث أساليب الإدارة و التنظيم.
و لقد انتظرنا طويلا كي نصل إلى هذه اللحظة التاريخية و علينا جميعا أن نحرص على مستقبل أولادنا و أحفادنا.
و في الختام أؤكد على أن الخطر على الثورة قائم من خلال طوابير المتسلقين الذين يبحثون عن دور، و من خلال الوصوليين الذين يؤلهون رموز المرحلة كي يستظلوا بظلهم في المواقع المختلفة.
و كلنا يذكر بن عامر الذي هدد بذبح ابنه إذا استقال العقيد و كلاهما كان كاذبا. و لا زلت أذكر أحد الضباط في بنغازي عند ما قال: من يفتح فمه على معمر من أعضاء المجلس سوف أقطع لسانه. و من قال من ضباط الصاعقة: تبي و إلا ما تبيش من غير معمر ما فيش. و التاريخ لا يرحم يا سادة و الرسول صلى الله عليه و سلم يقول: لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين.
No comments:
Post a Comment