Friday, May 27, 2011

هل يحتاج الإصلاح إلى سيف؟


استدراك
لقد نشرت هذا المقال على المواقع الليبية في مايو 2010م و أضيفه الآن إلى مدونتي للتوثيق، و لكي يعرف الجميع أن دعوات الإصلاح كانت جادة و لكن النظام كان مصرا على التلاعب، ولكن الله غالب على أمره و لو كره المنافقون.

            الإصلاح عملية تحتاجها كل المنظومات العاملة في العالم ، وهى عملية مستمرة و في دول العالم المتقدمة تكون استباقية ، أي أنها تحدث قبل تفاقم الخلل ، و عادة ما تبنى على اختبارات مرحلية لتقييم جودة الأداء . أما في العالم الثالث ، فهي تبدأ عندما تنهار المنظومة ، و بالتالي  قد يؤدى  إزالة المنظومة بالكامل الى نتائج أفضل و بتكاليف أقل . و الخطوة الأولى في هذه العملية هو الانتباه إلى وجود خلل، ثم يتم البحث عن أفضل سبل العلاج. و عملية الإصلاح يجب أن تحدث بشكل طبيعي دون الحاجة إلى تشنج أو تدافع أو صراع و هي جزء من المنظومة الحضارية للمجتمع ، و في كل يوم نشاهد مسئولين فى معظم دول العالم يختفون عن مسرح الإحداث ليفسحوا المجال لآخرين . و بالتالى يتم توفير أفضل فرص النجاح لعملية الإصلاح من خلال منظومات التداول السلمي للسلطة ،  و لهذا  لا توجد حاجة إلى قوة السيف أو قوة العصا ، فالعملية يجب أن تكون خيارا حضاريا قبل كل شيء . كما أنها ليست عملية فوقية يصدر بها قرار من اعلي نقطة في هرم السلطة. لكن إذا تراكم الأمر لأكثر من ربع قرن من الممارسات الخاطئة ، فإننا أمام معضلة يكون السبب الاساسى فيها  منظومة الإدارة التنفيذية التي لا تزال تعارض عملية الإصلاح ، والتي يرى فيها البعض منهم تهديدا لمصالحه ، وعند ذلك ليس هناك مفر من تدابير خاصة .
و على المستوى الشعبي ، يمكن أن يساهم كل مواطن بالحد الأدنى فى العملية ، و هو أن يؤدى واجبه بإخلاص مثلما يطالب الآخرين بذلك .  كما عليه أن يلتزم بساعات الدوام الرسمي و تقديم الخدمات على أحسن شكل ، وعليه أيضا أن يلزم أبناءه  و أسرته كلا في موقعه بالاستفادة من الفرص التي يوفرها المجتمع على الشكل الأمثل . فكل دقيقة ضائعة أو جهد ضائع هما خسارة للجميع . و لكن هذا لن يعيد السلطة للشعب كما لن يعيد الثروة للشعب، و أنا هنا أقصد أن يعيش الشعب كريما على أرضه. و عندها لن يحتاج المواطن الليبي لمنحة أو مساعدة من أحد.
أما على المستوى الرسمي فإننا نحتاج إلى خلخلة كبيرة في المنظومة الإدارية و التنظيمية من خلال مشروع اصلاحى صادق و مخلص و حريص على مصلحة الجميع ،  و عندما تظهر بوادر النجاح فأنا متأكد من أن الجميع سيلتف حول  مشروع الإصلاح .
     و قبل أن أجيب على السؤال المطروح كعنوان يجب أن نسأل: هل يحتاج سيف إلى الإصلاح؟  بعض الناس قد يقول إنه يحتاج للمشروع ، فهو يستخدم مشروع الإصلاح هذا للوصول إلى السلطة  ، و لكنني أرجح أن سيف الإسلام  كأي شاب  متعلم و غيور على بلده من حقه أن يتطلع إلى أفضل السبل لتقدم أهله و أبناء بلده بغض النظر عن موقعه ، و هو فعلا يواجه معارضة قوية من أكثر الناس قربا له .
 و بالفعل استطاع سيف الإسلام أن يقطع شوطا كبيرا على طريق الإصلاح و لولاه لما حدث ما حدث، و من لا يشكر الناس لا يشكر الله. و التغيرات الحادثة على أرض الواقع تشهد بهذه الحقيقة . و لهذا السبب أرى أن سيف يريد الإصلاح و الإصلاح يحتاج إلى سيف و لكن مع من ؟ و بمن ؟ و كيف يمكن تحقيق افضل النتائج و باقل التكاليف ؟ .
ينقسم الناس في موقفهم من أمر الإصلاح إلى عدة فئات، يمكن حصرها في المجموعات التالية:
أولا: الرافضون لفكرة الإصلاح أصلا
      و تتكون هذه المجموعة من المستفيدين من الفوضى و انتشار الفساد، و هذه المجموعة لا تهمها إلا مصالحها المادية و قد تجمعت لدى البعض منهم إمكانيات هائلة وقد أصبحوا يشكلون مراكز قوة لا يستهان بها. و لقد كشر بعضهم عن أنيابه، و ربما يصفهم البعض بالقطط السمان، لكن في غياب الأسود تتحول القطط السمان إلى ضباع أو ذئاب أو ربما نمور. و في نظري، أرى أنه إذا توفر لمشروع الإصلاح الزخم الشعبي فسوف تنتهي هذه المجموعة، أو تغير موقفها عندما تتضح لها نتائج الأمور، و مصلحة الشعب ومصلحة البلاد يجب أن يكونا فوق الجميع، و هي لصالح الجميع حتى إذا غفلوا عن رؤية هذا.
ثانيا : المعارضون لوجود سيف كرمز للإصلاح
    و تتكون هذه المجموعة من أناس على قناعة بالإصلاح، و لكن لديهم إما تصور خاص بهم له، أو إنهم لا يرون للإصلاح سبيلا بوجوده. عندما تناقشهم يقول البعض : إذا كان يريد الإصلاح فعلا كما يقول فلماذا لا ينأى بنفسه عن الممارسات السلطوية ؟ و لماذا تسير الأمور و كأنها مسرحية ؟ و الإجابة على هذه الأسئلة ليست سهلة، و لكنني أقول لولا موقعه الخاص لما كان هناك أمل في دوره أو فيما حققه. فموقعه من السلطة يعتبر عاملا ايجابيا لطمأنة الجميع  على إمكانية الانتقال من مرحلة الخطر إلى شاطئ السلامة . و هذه المجموعة أقل خطرا على العملية ويعد إقناعها أسهل إذا تحسنت الأوضاع على أرض الواقع.
ثالثا : المؤيدون لوجود سيف كرائد للإصلاح
 و تتكون هذه المجموعة بالدرجة الأولى  من الفئات المحيطة بسيف ، ففي الدائرة الضيقة يوجد عدد من المقتنعين بالعملية من أجل الصالح العام و عدد يريد إن يؤمن مصالحه ، أو استمرارا لدوره السابق فى دواليب الأجهزة . كما يتم استقطاب مجموعات واسعة من خلال تلبية مصالحها و هذا في غير صالح العملية، فقد يعيد التاريخ نفسه و تطغى حماية المصالح الخاصة على الصالح العام، و نعود لنفس النقطة طال الزمن أم قصر.  و ربما يكون أحد أسباب إعلان سيف عن تركه للتدخل السياسي هو هذا الكم ممن يسيرون وراء تحقيق مصالحهم من بعثات و سيارات أو بيوت و أراضى. فالمشاركون في اللقاءات تقلهم قوافل و طائرات و يقيمون فى فنادق ، فالأمر ليس مسيرات عفوية أو التحام شعبي صادق . و صدق سيف عندما قال في لقائه الأخير عليكم أن تشاركوا في صنع التحول و أن لا تنتظروا منى كل شيء.
الإصلاح اذا بحاجة إلى صدق و مصداقية و نحن أمام فرصة تاريخية لبناء ليبيا الحديثة . أما إذا سرنا على نفس النهج القديم فان تجربة الاتحاد الاشتراكي و اللجان الثورية و لجان التطهير لا زالت قريبة منا ونعيش في ظلالها، و لو حققت ما وعدت به ما كنا بحاجة إلى إصلاح، مع احترامنا للمخلصين فيها.
رابعا: المؤيدون للإصلاح عن بعد
    و تشمل جميع من يدعون للإصلاح في الداخل و الخارج على بعد عن العملية فعليا. أي إنهم لا يملكون وسيلة عملية للإسهام أو المشاركة الفعلية ، و دورهم ينحصر في طرح أفكار ايجابية و لكن هذا بطبيعة الحال لايكفى . و بعض هذا يرجع إلى طبيعتنا السلبية بصفة عامة و إلى انعدام أسلوب التحاور في ثقافتنا . و هذه الفئة تهمها الفكرة أصلا و ترى أن مصلحتها تتطابق مع الصالح العام إذا صح التعبير.
 ومعظمهم لا يمانع في ما يقوم به سيف و لكنهم ينتظرون التحام سيف بالشارع و التفاف الشارع العام حول سيف. و بعضهم يرى أن سيف لا يحتاج لمن ارتبط تاريخهم بالاجهزة الأمنية ، أو القمع السياسي أو إرهاب الجماهير ، فالمرحلة القادمة يجب أن تحظى بأعلى درجات التأييد الشعبي ، وصولا إلى الدستورية و التداول السلمي للسلطة ، و عندئذ تتحقق الشرعية الحقيقية بغض النظر عمن يكون في السلطة .
خامسا: قائمة الانتظار
      مثلما يحدث في كل أمر فإن عامة الليبيين دائما يفضلون قائمة الانتظار. في العالم المتقدم تجد في قائمة الانتظار شخصين أو ثلاثة، أما عندنا فتجدهم أكثر من عدد الركاب. و كذلك في أمر الإصلاح الغالبية تنتظر في حل من السماء أو من الخارج أو من الداخل، و لا يهمهم كيف يكون وعلى حساب من يكون؟ إنها القناعة العامة ؛ اخطى راسي و قص ، أو راسى بره وايدى وراى ، كما في المثل . و يدخل ضمنها كل السلبيين بعذر أو من دون عذر ، فالكرامة لها ثمن و الحرية لها ثمن أيضا ، و الوطن له حق حقيق بان يحترم . وحتى وإن اختلفنا فنحن أبناء هذا الوطن عزنا من عزه و ذلنا في ذله، و مهما اختلفنا يجب أن لا نخون هذا الوطن، والسلبية في بعض الأحيان ترقى إلى درجة الخيانة عندما يفضل الإنسان سلامته على سلامة وطنه.
 و بعيدا عن كل هذه المجموعات، يرى كل عاقل أن هدف مشروع الإصلاح الاسمي على المدى البعيد هو الوصول بالبلاد إلى شاطئ الأمان بدون خسائر أو بأقل الخسائر. و هو حاجة وطنية ملحة و يعرف هذا القاصي و الداني، و أهل مكة ادري بشعابها. و دعوة الإصلاح هي روح الإسلام وأساس السلام المبنى على العدل. و نحن لن نصل إلى هذا بين يوم و ليلة، و تجارب الشعوب الأخرى أمامنا. و بالتالي يجب أن نرحب بكل خطوة في الاتجاه الصحيح. ولقد أهدر التطرف من جميع الإطراف دماء شرفاء الجزائر ، و أهدر التدخل الاجنبى شرف و كرامة العراق و أهله ، كما مزق غياب القانون دولة الصومال و شعبها . و الحمدلله أن بلادنا و شعبنا بعيدون عن هذه المطبات ، و نحن بحاجة إلى مزيد من الفهم و التفاهم و التصالح وصولا إلى الإصلاح ، خاصة أن هذا يحدث بمباركة معظم السلطات.
على ما تقدم أرى أن الإصلاح يجب أن يكون مشروعا وطنيا و يجب أيضا أن يساهم فيه الجميع من دون حواجز أو موانع. و على كل من يملك القدرة أن يساهم  بشكل ايجابي و يسمح لغيره بالإسهام ، فلا يجوز أن يتحول هذا المشروع إلى مشروع فردى أو فئوي أو جهوى . كما يجب أن لا يتحول إلى مشروع إقصاء أو تصفية حسابات. لهذا يجب أن تعقد المنابر و الندوات في كل المدن و الجامعات ، و في الداخل و الخارج ؛ لأن هذا الأمر يجب أن يبنى على أساس صحيح من رفع المظالم و رد الحقوق و إرساء دولة القانون و إلغاء التهميش و احترام الرأي الآخر ، ومن المفترض أن يكون إصلاحا يقود إلى استقرارا سياسيا و اقتصاديا يبنى التقدم للبلاد و يحقق السعادة للجميع .
و هنا أدعو جميع من يرى في هذا المشروع سبيلا للخلاص الوطني الليبي في الداخل و الخارج و على رأسهم سيف الإسلام القذافى للتخطيط لعقد مؤتمر وطني للإصلاح لدراسة الشروط اللازمة له ، حتى يتسنى إنجاح هذا المشروع و بعث الزخم الشعبي و السياسي اللازمين له ، و إن أريد  إلا الاصلاح ما استطعت ، و الله من وراء القصد و هو يتولى المصلحين .


No comments:

Post a Comment