تفجرت الثورة الليبية في 17 فبراير و بتوفيق من الله حققت انتصارات عظيمة على الأرض الليبية و هي الآن تزحف نحو العاصمة و كل يوم تزداد قوة، و لقد التف حولها معظم الناس بلا تردد و لكن كثير من بقايا الذل و الخوف لا زالت تعشش في النفوس و المثل يقول " الملدوغ يخاف من الحبل". فلا زال الناس يرددون مقولات الطاغوت و يخافون من بشائر النصر بطريقة غير مباشرة.
فالثورة قامت لتحقق الحرية على أرض الواقع، و الحرية أنواع و أولها الحرية الشخصية في اختيار ما يراه المرء مناسبا له و اتخاذ القرار السليم في ذلك و منها اختيار الموقف السياسي الذي يقتنع به. و هنا تبرز رواسب العقود الأربعة فكثير من الناس لا زال يخاف من اتخاذ القرار، فلا يريد الحزبية و لا يريد الأحزاب بل ويتهم من يدعو إليها بأنه يريد أن يسرق منه نصيبه في الثورة أو يسيطر على مجرى الأحداث. و لقد شارك في زرع هذه المخاوف الحكام و شاركهم في هذا العديد من شيوخ المساجد على جهل في تهويل أخطار الحزبية و محاربتها.
الحزب في حقيقته تجمع لعدد من الناس لهم رؤى متقاربة في العديد من المواقف و ليس بالضرورة نسخة واحدة و متطابقة من الآراء و المواقف فهو ليس إله جديد و إنما وسيلة قد تتغير مع الأيام.
و لقد وصف الله سبحانه و تعالى في كتابه فئات من البشر بلفظ حزب الله كما وصف نقيضهم بلفظ حزب الشيطان، و كان في عهد الرسول صلى الله عليه و سلم أعظم فئتين في تاريخ الإسلام ألا و هما المهاجرين و الأنصار فما ضرهم التمييز بينهم بمواقف أو أعمال قاموا بها. و عند وفاة الرسول صلى الله عليه و سلم تفاوض قادة المهاجرين و الأنصار في من سيخلفه و قرروا الاتفاق على سيدنا أبي بكر الصديق رضي الله عنه.
و الحزبية لا تفرق الناس و ليس مطلوبا أن يكون كل الناس في أحزاب و لكن النخب المثقفة و النشطاء من المواطنين يلتقون في أحزاب و كل حزب يطرح برنامجه السياسي و الناخبون يختارون ما يصلح لهم من البرامج لمرحلة معينة ثم لهم الحق في التغيير بعد ذلك.
و المشكلة عندنا لا تكمن في الحزبية و لكن في عقدة الخوف من التآمر على مصالح الناس و سببها عقدة الأنا، فكل واحد فينا يريد أن يكون حاضرا في كل شيء و هذا لا يمكن، فعلينا أن نثق في المواطن و خاصة إذا اجتمع منهم مجموعة فكل واحد له الحق في المشاركة و هو مؤتمن على الوطن. وهذا لن يحدث حتى تنتصر الثورة في قلوبنا و نهزم الخوف من المجهول و نتعاون في بناء المستقبل.
ثم يأتي دور حرية التعبير و هي من الحقوق الأساسية للإنسان، و لكن بشروط و أهمها أن لا يعتدي المرء على حقوق و خصوصيات الآخرين، و لكي يتمكن الآخرون من الدفاع عن أنفسهم أو حماية حقوقهم فيجب على من يكتب أو يتحدث أن يظهر معلوماته الشخصية. فلا يجوز الكتابة لعامة الناس باسم مستعار بل في بلاد الحريات يطلب من صاحب الرأي أن يوضح اسمه و عنوانه لكي تنشر له الصحيفة رأيه. و عند التعليق يجب الالتزام بمناقشة فكرة أو رأي الكاتب و ليس الهجوم عليه شخصيا و الطعن فيه بل قد تتحول الردود إلى معركة جانبية في مواضيع لا علاقة لها بالمقالة.
لماذا نفترض سوء النية و لا نقبل الرأي و الرأي الآخر بصدر رحب، كل هذا سوف يتغير إذا تساوى المواطنون في عقولنا و لن يحدث هذا حتى تنتصر الثورة في قلوبنا.
بعد ذلك يأتي الاختلاف في المواقف السياسية و هنا تبرز مشكلة تقبل الرأي الآخر و تقبل النقد، فالبعض يعتقد أنه إسلامي أو محافظ و البعض الآخر يرى في نفسه تقدمي أو علماني و يلعب سوء الظن بالرؤوس و نتحول إلى أعداء داخل قلوبنا بالرغم أننا نتصافح و نلتقي أمام الناس و السبب الرئيس في هذا هو أننا لا نجيد الحوار الأخوي و بعضنا يلجأ إلى الحوار المسلح قبل أن يفهم.
كلنا ليبيون و من أصول واحدة، ديننا في العموم واحد و لغتنا الأم واحدة و عاداتنا واحدة فلماذا لا نتصرف بخلق رفيع و نحترم الاختلاف، ففي الشعوب الحرة يعيش العديد من الأديان و المذاهب و اللادينيون في سلام و وئام. بالتأكيد هذا سيحدث إذا انتصرت الثورة في قلوبنا و أصبحنا نحب لأخوتنا ما نحبه لأنفسنا، و لا نرضى لأخوتنا بأقل مما نرضاه لأنفسنا من حقوق.
و في الآخر كيف سيكون موقفنا ممن وقف ضدنا من أبناء وطننا و قاتلنا، فبعد أن تسكت المدافع و يسكن الرصاص في المخازن يجب عاينا أن نتصالح مع من قاتلنا بالأمس بسبب أو بدون سبب و بعلم أو بدون علم. و هذا هو التحدي الأكبر عند ما ننجح في إثبات قدرتنا على العفو و قدرتنا على التسامح و تأكيد حق كل ليبي في العيش بكرامة إنها رسالة الثورة و الثوار فنحن لا نقاتل من أجل أنفسنا فقط و لكن من أجل سعادة الجميع في هذا الوطن. صدقوني لن نستطيع إقناع إخوتنا بسلامة مواقفنا إذا لم تنتصر الثورة في قلوبنا و نتحول إلى دعاة للحرية و الكرامة لكل مواطن ليبي.
و بعد النصر يجب علينا أن نعمل بكامل جهدنا لتوفير حياة أفضل لكل طفل و طفلة في ليبيا و مستقبل أفضل لكل شاب و فتاة في ليبيا و ذلك عند ما ندوس على جراحنا و نتسامح و يغفر بعضنا لبعض عند ما تنتصر الثورة في قلوبنا و ذلك هو النصر العظيم.
No comments:
Post a Comment