لقد صبرت بلادنا طويلا و تململت كثيرا و عانت ذلا كبيرا و ذاقت الويلات على مدى أربعة عقود، فأوصالها كانت تتقطع مع كل شاب بريء يسجن أو يقتل أو ينفى و مع كل دمعة أم تسيل ألما على فقد وليدها. و بفضل الله و منة منه و كرم من عنده تفجرت ثورة هذا الشعب الأبي و دمرت قواعد الظالم ورجاله و انتصرت مبادئ الحرية و الكرامة، بل من فضل الله علينا أن الأرض و السماء كانت تقاتل مع المظلومين و نصرنا الله بجند لا نعلمهم و يكفي أن حلف الناتو يتحرك لنصرة هذا الشعب فالحمد لله الذي سخر لنا هذا و ما كنا له بمقرنين.
و بانتهاء المعارك و إعلان النصر بعد أن أصبحت سرت مسقطا لرأس ألقذافي انتهى الجهاد الأصغر في تاريخنا الحديث و بدأ مشوار الجهاد الأكبر في حياتنا و به فعلا تبدأ معركة جديدة.
و لو نظرنا للخاف لشاهدنا يوم ميلاد ليبيا الحديثة بعد الاستقلال حيث خرجت إلى الحياة دولة لا موارد لها إلا الثقة بالله و لا يحمل شبابها مؤهلات و لا علم و لا تجارب في الحكم و الحكومات و لكنهم كانوا يحملون الإصرار على الاستقلال و بناء الدولة المستقلة بجهودهم و عرقهم. و جيلنا يتذكر كيف كان البناء ليبيا و المدرس ليبيا و النجار ليبيا و العامل ليبيا و الفلاح ليبيا و السائق ليبيا، فلم نعرف في ذلك الزمان عمالة أجنبية و ما عرفناها إلا بعد اكتشاف النفط فهل بإمكان الليبي أن يصنع المعجزة و يبنى بلاده بأقل حجم للعمالة الأجنبية. و يتكلم الجميع في هذه الأيام عن حجم البطالة في ليبيا و قد يوصلها البعض إلى مستوى 40 في المائة من السكان القادرين، و السؤال كيف نترك بلادنا لغيرنا يبنيها و نحن من ضحى في سبيلها.
على الشباب أن يتيقنوا أن خير الرجال من يأكل من عمل يده و عرق جبينه و كذلك يفعل الأنبياء و الشرفاء. و من المستحيل أن نتخيل دورنا أمراء و وزراء كلنا و نترك العمل لعمالة مستوردة لا يهما إلا المقابل المادي، و يحضرني هنا قول أحد الفقهاء" أقرب الرزق إلى الحلال في الكد باليمين و الشمال"، و لقد بارك الله في جهادنا و نرجوه أن يبارك في مجهودنا لغرض البناء.
إن الثورة الليبية ثورة شعبية بامتياز و قائدها هو الضمير الوطني الليبي فأين ضمائرنا من الوضع الحالي لبلادنا، هل نرضى بالتسيب و عودة الفساد و إهمال الأعمال و تدمير مكاسبنا. و الرسول صلى الله عليه و سلم يقول : كلكم راع و كلكم مسئول عن رعيته" على كل مواطن ليبي حر غيور على بلده أن يتحرك و يكشف مواطن الخلل و يأمر بالمعروف و ينهى عن المنكر بالتعاون مع أجهزة الحكومة الجديدة و مؤسساتها. علينا أن نبايع على تكريس عشرة ساعات يوميا من العمل البناء و عندها سيبارك الله لنا في سعينا و نحصد أفضل النتائج و هذا أقل وفاء لأرواح الشهداء.
يجب علينا أن نتذكر واجبنا تجاه بلادنا قبل أن نذكر حقوقنا، فالحق يبنى على أداء الواجب فلا تجب لأحد حقوق إذا ضيع أمانته و قصر في عمله. و هنا كذلك لا ننسى المداومة على تحسن القدرات بالإطلاع و الدراسة و التقييم و المتابعة فلا نتقدم إذا ما كررنا نفس الأعمال و لا أقول نفس الأخطاء. كلنا يعرف دوره و يعرف تقصيره فهو أدرى بمجال تخصصه منا جميعا. و ليبيا تنادى:
حيا على العمل .......حيا على البناء........حيا على الوفاء ..........هلموا يا أبناء ليبيا الكرام،
فلقد ضيعنا وقتا طويلا بدون عطاء و بدون عمل و بدون نتائج. كفانا دم و كفانا دموع و كفانا تضييع للوقت في سيرة المجرم و عياله.
نريد أن نبعث الأمل من جديد، نريد أن نحلم بالمستقبل الزاهر لأطفالنا و أحفادنا من بعدهم. اتقوا الله في ليبيا، اتقوا الله في خيرات ليبيا، اتقوا الله في دماء الشهداء، اتقوا الله في دموع الأرامل و آهات الأيتام و حزن الثكالى. و إن لكل أمر ما بعده و نرجو الله أن تسير أمورنا نحو الأفضل.
No comments:
Post a Comment