Friday, April 30, 2021

 

التدبر في بعض لطائف القران الكريم
د فتحي رجب العكاري

الحمد لله الذي انزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا، الحمد لله الذي فرض على المسلمين الإيمان بكتبه التي أنزل على رسله الذين أرسل وجعل ذلك من أركان الإيمان، فهي كلام المولى عز وجلَ وفيها رسالة التوحيد وأحكام العبادات والمعاملات بين أتباع الرسل السابقين من المؤمنين. والإيمان بها جزء لا يتجزأ عن الإيمان بمصدرها ألا وهو الحق سبحان هوتعالى وناقلها إلى الرسل وهم الملائكة الأبرار عليهم السلام وكذلك من بلغها للبشر ألا وهم الرسل عليهم أفضل الصلاة وأتم التسليم.

 ولقد جعل الله سبحانه وتعالى القرآن الكريم خاتما لها ومهيمنا عليها ومصدقا لما سبقه منها في أصلها الصحيح. ولقد أنزل الله سبحانه وتعالى القرآن الكريم في ليلة هي خيرٌ من ألف شهر وهذه مكرمة خاصةً لهذا الكتاب، وذلك لعلو قدره بين الكتب السماوية فهو خير كتاب عرفه البشر وأكمل كتاب من حيث الأصل والمحتوى، ففيه كلام الله تعالى وأحكام شرائع الإسلام وأخبار الدنيا والآخرة واعجازه لا ينتهي.

 لم تعرف العرب قبله أو بعده كتاب يحمل نفس الاسم، كما لم تعرف البشرية في تاريخها كتاب حفظته أعداد مهولة من الناس عن ظهر قلب مثل القرآن وكأني به كتاب لقلوب، وكلما ازداد المرء فيه قراءةً ازداد له حبًا. ولقد شرع الله لمن يريد أن يمس المصحف أن يكون على طهارة زيادة في التكريم ففيه كلام الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. فيه خبر الأولين وعلامات الآخرين واعجازه لا ينتهي فهو صالح لكل زمان ومكان وقراءته عبادة والتدبر فيه عبادة والتفكر فيه عبادة وأول كلمة نزلت منه كلمة اقرأ.

وأول سورة فيه هي سورة الفاتحة أو أم الكتاب أو الشافية وهي خير مقدمة لخير كتاب، فتبدأ بالبسملة باسم الله الرحمان الرحيم، ثم تثنى على الله بالحمد وهو في العربية تكرار ذكر النعمة، ثم تبرز صفات الحق سبحانه بانه الرحمان الرحيم لتفتح باب الرجاء في قبول الدعاء والاهتداء الى صراط الله المستقيم. وهي في مجملها ذكر لله ودعاء، لذا كانت أساس كل صلاة ولا صلاة لمن لم يقرأ بأم الكتاب.

ثم تفتتح سورة البقرة بأصل الكلام ألا وهي الحروف في لمسة بلاغية إعجازية؛ ثم تؤكد مصداقية ومرجعية هذا الكتاب فهو الكتاب بلا منازع ولا شك فيه وهو هدى للمتقين وفيه هدى للمتقين. وبعد ذلك تستفتح بأعلى مراتب البشر عند الله سبحانه وتعالى ألا وهم المتقون. فتحدد أوصافهم وكأني بها تضع الموازين لمن يريد أن يعرف ميزانه في الدنيا ويوم القيامة، ثم تسهب في وصف المنافقين وذلك لكثرة أساليبهم وحججهم دفاعا عن الانحراف.

 وتؤكد استحالة الإيمان لمن رضا بالكفر طريقا؛ والأمر هنا طبيعيا في أحوال البشر الذين يقررون مواقفهم من الدين دون أن يكونوا عونا للشيطان على غيرهم من الناس.

أما آخر كلمة في المصحف وكأني بها أدنى منزلة بين بنى الإنسان فتأتى في سورة الناس حيث يعوذ المؤمن بالله من شر الوسواس الخناس الذي يوسوس في صدور الناس من الجنة والناس. وبالتالي فهي تقرر أن أرذل منزلة بين الناس تكون لمن هو أشد فسقا ووسوسة من شياطين الجن والعياذ بالله من هذا الصنف من البشر الذين هم أبالسة البشر.

أما إذا قسمنا الكتاب إلى نصفين نجد الكلمة المفصلية بينهما ألا هي فليتلطف في سورة الكهف، وهنا التلطف يأتي في شكل المظهر وفى طريقة الاقتراب وفي وسيلة الخطاب. وبالتالي هي تجمع كل معالم الرفق وكفى باللطف منزلة أن الله سبحانه جعله لذاته العلية عنوانا حيث قال: الله لطيف بعباده، وفي موقع آخر قال: وهو اللطيف الخبير. فإذا كان الحق سبحانه وتعالى لطيف بعباده فأولى ببني البشر أن يتخذوا من اللطف طريقةً في الحياة. ولقد حثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على الرفق في كل الأمور فبه تزدان الأعمال والأقوال والمعاملات.

ولقد نزل جبريل عليه السلام بهذا الكتاب منجما على ثلاثة وعشرين سنة في خير بقاع الأرض وهي مكة المكرمة والمدينة المنورة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وبلغه الرسول صلى الله عليه وسلم نطقا إلى أتباعه من المؤمنين الذين حفظوه عنه عن ظهر قلب وتوزع بين صدورهم ولم يدون كاملا كتابةً إلا بعد وفاة الرسول الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.

 ولقد تناقلته الأجيال عبر القرون وبقي محفوظا بحفظ الله له وبإقبال المسلمين على حفظه. ولقد جرت محاولات عديدة للتشكيك فيه أو الطعن في أحكامه عبر العصور لكنها كلها باءت بالفشل. و الحمد لله الذي جعل في هذه الأمة من يحمل القرآن في قلبه وبسند صحيح متصل إلى رب العزة سبحانه وتعالى عن طريق المصطفى صلى الله عليه وسلم.

وما الفصل بين أقوال وأحاديث الرسول الشريفة وبين القرآن الكريم إلَا تمام الإكرام لهذا الكتاب. وبالتالي تميز كلام الله في كتابه الكريم ببلاغة ونهج خاص يختلف كليةً عما ورد في كتب السنة والسيرة والحديث؛ وهذا من تمام النعمة من كرم الله علينا في حفظ هذا الدين من الالتباس مع علمنا وإيماننا بأن رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم ما كان ينطق عن الهوى بل كان كلَ كلامه وحي يوحى، ويدخل في ذلك كل عمله وكل ما أقرَّ من عمل قام به غيره.

ومن مكارم هذا الكتاب حفظه للغة العرب من التبدل أو الاندثار فبحفظ الله لكتابه حفظت اللغة العربية. وهذه من ألطاف القرآن الكريم فالمحفوظ يحفظ الحافظ وهذا يسرى على كل حافظ للقرآن الكريم؛ فسبحان من كان سببا لهذا الحفظ.

 

No comments:

Post a Comment