التدبر في
آيات الزواج في القران الكريم
الزواج
رابطة إنسانية تجمع بين رجل وامرأة وكلاهما يقال له زوج وقد وصفه الله سبحانه
وتعالى بأنه ميثاق غليظ يكتب في الأرض ويسجل في السماء وبه تحفظ الانساب وتعرف
الارحام وتستحق به المواريث وتبنى عليه أحكامها. والزواج جاء لتلبية حاجة طبيعية
يحتاج إليها الرجل كما تحتاج إليها المرأة وكذلك لإشباع غريزة حفظ النسل وبالتالي
فالرجل والمرأة هما طرفا هذا الزواج وهما شركاء فيه وعقد القران هو عقد يحدد
العلاقة بين الطرفين ويحفظ لكل منهما حقوقه حسب ما نصت عليه الشريعة الإسلامية
وغيرها كذلك في الشرائع الأخرى.
قال الله
سبحانه وتعالى في سورة الروم:
وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا
لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي
ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ.
التدبر في هذه
الآية يدلنا الى ما يلي:
أولا: يقرر الله
تعالى أن الزواج نعمة من نعم الله التي أنعم بها على عباده رجالا ونساء وأنزل أحكامها
في كتابه وفصلها في سنة نبيه وجعل لها أسسا تؤسس عليها وأحكاما للخروج منها ونقض
عقد النكاح وفصلها في أحكام الطلاق وبين الاحكام المترتبة عليها في أحكام المواريث
والمعاملات.
ثانيا: أن الله
سبحانه وتعالى خلق للبشر جميعا الرجال منهم والنساء على حد سواء أزواجا منهم ومن
بينهم وكلمة أنفسهم لتقريب العلاقة بين طرفي الزواج وكأن الله سبحانه وتعالى أراد
ان يصف الزوجان بأنهما من نفس واحدة وهما كذلك في حقيقة النشأة والخلق إذ أنهما
يرجعان لآدم عليه السلام وكل منهما له زوج من نفسه وأقرب الى روحه من
غيره من الخلق والبشر الآخرين ليدل على علاقة القرب الروحي والنفسي بين
الأزواج وهذه لمسة آلهية جميلة من لطف الله سبحانه وتعالى للتأسيس لعلاقة المحبة
والود. ولا أدل على ذلك من أننا في واقع
حياتنا الذي نعيشة أن معظم وجل البشر سوف يجمعون على هذا من واقع الحياة المعاش
وأنهم يشعرون ويحسون بهذا الإحساس الرباني الجميل، أن زوجه جزء من نفسه فعلا ولا
يستطيع أن يعيش أو يستغني عنه في واقع الحياة.
ثالثا: كلمة أزواجا
تشير كذلك إلى التساوي بين طرفي الزواج فكلاهما يسمى زوج وأقرب ما تكون الى
الشراكة في الحياة والرفقة أو الصحبة في الحياة في طاعة الله واتباع سنة رسوله
وهذا من جمال التصوير في القرآن الكريم ولا يمكن لأحدهما أن يسمى زوجا أو يطلق
عليه هذا المصطلح بمفرده إذا غاب عنه شريكه في الزواج؛ واستمرار صفة الزوجية أو
الزوج لهما مرتبط ببقاء العلاقة الزوجية بينهما.
رابعا: أن الله سبحانه
وتعالى جعل للزواج أسبابا ونتائج تنتج عنه ومن أهم وأسمى أسباب هذا الزواج السكن
او سكون كل من طرفي الزواج مع الاخربه واليه والسكن أو السكون هو الاستقرار والارتياح
الكامل الذي تميل اليه كل المخلوقات وكل شيء في هذا الكون يجري الى مستقر او
ارتياح او راحة كاملة وكذلك كل زوج يسكن ويستقر ويرتاح مع شريكه في الزواج ويملأ
عليه حياته بالسعادة والطمأنينة.
خامسا: أضاف
الله سبحانه وتعالى نعما أخرى للزوجين منها المودة والمحبة الخالصة أو الحب الذي
ينمو مع الأيام ويكفيهما شرفا أن الله سبحانه وتعالى اختار اسم الودود ليكون من
بين أسمائه الحسنى والمودة تحمل في طياتها الحنان والرقة في المشاعر والرأفة.
سادسا: أضاف
الله سبحانه وتعالى الى المودة في العلاقة بين الزوجين الرحمة فكلاهما رحيم بزوجه
حريص عليه يشعر بما يكدره ويفهم ما يضيق به صدره والرحمة والشفقة تزداد مع الأيام
ويكفينا شرفا ان الله جعل الرحمة من اسمائه وصفاته فهو الرؤوف الرحمان الرحيم جلا
وعلا.
سابعا: يقرر
الله سبحانه وتعالى ان هذه النعم هي آيات من الله سبحانه وتعالى لقوم يتفكرون
ويتدبرون في نعمه وآلائه ولطفه وكرمه بعباده المؤمنين وبالناس كافة وهي دعوة صريحة
لنا لنتفكر ونتدبر نعم الله ونحفظها ولا نضيعها.
كذلك يقول الله
سبحانه وتعالى في سورة البقرة اية 187:
هُنَّ لِبَاسٌ
لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ.
أولا: تساوي
هذه الآية بين المرأة والرجل في العلاقة بمساواة كل منهما للأخر في حاجته لزوجه
فوصفت كليهما بنفس الصفة وكذلك تساوي بينهما في حاجته للأخر كما ابرزت تقديم دور المرأة
في حفظها لزوجها وحرصها عليه على دور الرجل.
ثانيا: جعلت
كل منهما لباس للأخر والمعنى الذي يفهم هنا من اللباس هو القرب والملاصقة او
الالتصاق وهي اشبه ما يكون اللباس او الثوب من صاحبه وكذلك يفهم منها ان كلاهما
ستر للأخر وحماية له من المؤثرات الخارجة عنهما كما يغطي عيوبه ونواقصه ويكمل له
مظهره ويحفظ له سره، واللباس كذلك يمثل زينة فكلاهما زينة وجمال للأخر وله. كما
يفهم منها ان كلاهما يختار صاحبه ويرضى عنه قبل ان يقترن به فكل انسان يختار لباسه نوعا وشكلا ليناسب ذوقه
وميوله وكذلك يكون اختيار الأزواج لبعضهم البعض.
ويقول الله سبحانه وتعالى في سورة البقرة آية
223
نِسَاؤُكُمْ
حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّىٰ شِئْتُمْ ۖ وَقَدِّمُوا
لِأَنفُسِكُمْ.
في هذه الآية يخاطب الله سبحانه وتعالى معاشر
الرجال فيقول لهم:
أولا: ان
نساؤكم بمعنى ازواجكم حرث لكم والحرث ما يتوقع منه الربح والفوز والزيادة وهي
المزدرع وهي إشارة ربانية لطيفة لأهمية المرأة في الاسرة فهي أم الاولاد والمربية
والمؤدبة والراعية لهم. وفي العادة أهمية الحرث وثمرته ليست آنية سريعة ولكنها
تأتي بعد جهد وزمن وتتكرر فائدتها وهذا كله في تثمين دور المرأة في الاسرة مع
الأيام.
ثانيا: يأمرهم
الله ويأذن لهم بمباشرة الحرث أي الأزواج بنية الزرع والخلفة بما لا يتعارض مع أحكام
المباشرة المفصلة في الشريعة.
ثالثا: كلمة أنَّى
المذكورة في الآية لها ثلاثة معان عند العرب ووردت في مواقع أخرى من القران فقد تأتي
بمعنى اين أو كيف او متي وقد أسهب قدامى المفسرين في شرحها بمعنى اين او كيف
ولكنني أرجح متى شئتم. وعليه فليس على الناس حرج في المباشرة في أي وقت طالما تحقق
الضابط الشرعي لكيف وأين مع طهر الرحم. وعلينا ان نتدبر حكمة الله ورحمته في هذه
الرخصة فلو كانت المباشرة والحمل مرتبطة بزمان او موسم محدد كما هي الحال في
الكثير من المخلوقات الاخرى لسببت حرجا لبني الانسان بسبب ارتباطهم بأسفار واعمال
قد تبعدهم حين يحين الموسم وهذه نعمة ورحمة من الله واكرام للبشر على سائر
المخلوقات واختلاف مواعيد الولادة يوسع على الناس ويوزع البهجة والفرحة بينهم
بتعدد المناسبات.
رابعا: بعد ما
سمح بالمباشرة في أي وقت بما يوافق الشرع فان الله سبحانه وتعالى ينبه الى ضرورة
التقديم لها والتهيئة بالتلطف والمداعبة والكلمة الطيبة وما اليها من مقدمات تسر
كلا الزوجين وتزيد من بهجة اللقاء ولقد ورد مثل هذا النصح في السنة المباركة في أحاديث
الرسول صلى الله عليه وسلم.
فسبحان من جعل للزواج أسبابا من فضله وانعامه وجمع
به بين قلوب قد تكون بعيدة النسب أو المنشأ او القوم أو الديار فجمع بينها برابطة
تصبح مع الأيام أساسا لأسر وقبائل واقواما وشعوبا فكل البشرية من ذرية ابينا آدم
وأمنا حواء عليهما السلام فحري بنا ان نجلَّ نعمة الزواج ونعطيها حقها ونيسرها
لأبنائنا وبناتنا ونعينهم عليها ففيها بقاء البشرية ودوام الدين وصلاح امر هذه
الامة.
هذا ما هداني
الله لفهمه والله اعلى وأعظم.
د فتحي رجب
العكاري
No comments:
Post a Comment