الحزب السياسي
د فتحي رجب العكاري
كلمة الحزب تطلق على مجموعة متجانسة وقد
استخدمت في تقسيم القرآن الى ستين حزبا، كما تم ذكرها في القرآن عند الحديث عن
المؤمنين فوصفهم بحزب الله بينما وصف ابالسة الكفر بأنهم حزب الشيطان، أما الحزب
السياسي فيطلق على نخبة سياسية مثقفة من نفس البلد يحملون هموم الوطن ويفكرون في
بنائه وتنميته والذود عنه ويقدمون رؤيا استراتيجية لخدمته وهي تشبه أهل العقد
والحل عند أوائل المسلمين.
كما
كان رسول الله صلى عليه وسلم يشير الى من هاجر من مكة الى المدينة بالمهاجرين ومن
نصرهم من مسلمي المدينة المنورة بالأنصار، كذلك كان سيدنا عمر بن الخطاب يطلب اهل
بدر أو اهل البقرة عندما يريد المشورة.
وفي
زمن الجاهلية أسس العرب حلف الفضول الذي شهده الرسول قبل البعثة وتعاهدوا فيه على بعض
مكارم الاخلاق وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
لقد شهدت مع عمومتي حلفا في دار عبد الله بن جدعان ما أحب أن لي
به حمر النعم، ولو دعيت به في الإسلام لأجبت.
ولقد تشكلت أحزاب سياسية عديدة في ليبيا قبيل الاستقلال وكان
لها دورا بارزا في النضال السياسي الذي سبق الاستقلال، وكان من أبرزها جمعية عمر
المختار التي نجحت في تنظيم اجتماع كبير لقادة قبائل برقة ونتج عنه ميثاق الحرابي
الذي نزع فتائل الفتن من بين أبناء الوطن الواحد.
لو سلمنا ان أعضاء الحزب هم من النخب الواعية
التي تحمل هم الوطن فبالتالي لا يلزم ان يشترك فيه كل الناس أو أغلبهم، بل نخبة من
المثقفين والنشطاء والقادرين على طرح وخدمة الأهداف كل حسب قدراته وفي الموقع الذي
يناسبه. ولكي أوضح هذه النقطة اسوق اليكم وضع الحزب الحاكم في بريطانيا التي تعتبر
أقدم ديمقراطية في العالم الحديث.
عدد
أعضاء حزب المحافظين الحاكم وصل مئة وثمانين ألف عضو من أصل عدد السكان البالغ
66.65 مليون نسمة أي ان نسبة المسجلين في هذا الحزب الحاكم تصل الى حوالى0.27% من
العدد الكلي للمواطنين ولو قسنا هذه النسبة على ليبيا لوجدنا ان الحد الأدنى لحزب
لديه مشروع واعد يريده المواطنون لكان على ابعد تقدير عشرون ألف عضو في سبعين
بلدية مثلا.
ولا
يفوتني هنا ان اذكر ان عدد أعضاء حزب العمال البريطاني المعارض وصل الى 496 ألف عضو،
ولكنه لم يفز في الانتخابات أو يحصل على الأغلبية المطلوبة في مجلس العموم
البريطاني وذلك لان مشروعه وقيادته لم تكن مقنعة للشعب البريطاني فالقصة ليست في العدد،
ولكنها في الرؤيا والمشروع والرجال ومدى قبولها لدى الناخبين.
وبالنسبة لنا في ليبيا رؤية الحزب يجب ان تتمحور
حول:
أولا: استعادة الدولة الليبية وبسط هيبتها
على كامل التراب الليبي وتحقيق الامن والاستقرار وحماية حدود البلاد وتجذير
التداول السلمي على السلطة واحترام حقوق الانسان وتحقيق المصالحة الوطنية وتطوير
التعليم والخدمات الصحية أي انها تنصب على مواجهة كل المشاكل التي تواجه المواطن
في حياته اليومية.
ثانيا:
مشروع الحزب الذي يكمن في توفير حياة كريمة لكل مواطن ليبي ومواطنة ليبية من خلال
تمكين الشباب والمرأة وادماجهم في العملية السياسية ومن خلال المشاركة الفعالة في
إدارة شؤون الدولة.
ثالثا:
الخطط الاستراتيجية للحزب التي تضع برامج لتنفيذ هذه الرؤى والمشاريع في جدول زمني
يمكن قياس نتائجه بمحددات واضحة وهنا يأتي دور الناخبين في انتخاب أصحاب أفضل
مشروع يلائم حاجاتهم.
رابعا: اعداد قوائم مرشحي الحزب من الرجال
والنساء القادرين على كسب ثقة المواطنين وبالتالي تحقيق الفوز في الانتخابات
والزامهم ببرنامج الحزب الانتخابي.
كذلك لو نظرنا الى قادة الأحزاب السياسية في
أوروبا ككل سنجد ان معظمهم تدرج في الحياة السياسية من خلال اتحادات الطلبة
والنقابات والاتحادات المهنية والمجالس المحلية. وبالرغم من ان السلطة الشعبية لم
تكن ناجحة ديمقراطيا الا انها خلقت نوع من الوعي يمكن تطويره وتوجيهه لخدمة
الممارسة الديمقراطية الحديثة بالتدريج بالاستعانة بضوابط النزاهة والصدق والصراحة
في تقييم المترشحين. بالإضافة الى هذا يمكننا إعادة النظر في قوانين الاتحادات
والنقابات والروابط المهنية في أقرب وقت لكي تمارس فيها العملية الديمقراطية بالانتخاب
السري المباشر وتخرج من تحت هيمنة الأجهزة الأمنية والمجموعات الانتهازية وبالتالي
تساهم في تدريب اجيال الشباب.
No comments:
Post a Comment