Saturday, May 14, 2011

مراتب الكلاب


لقد شاع بين الناس الحديث عن وفاء الكلاب حتي أن بعض الشعراء استعاره لوصف رجال أوفياء، لكن هل الكلاب وفية بطبعها فعلا؟ أم أن هذا الطبع يكتسب من البيئة المحيطة ؟

كلنا مرت عليه بعض أنواع الكلاب في حياته، وكلنا نبح عليه كلب أو أكثر، وبعض منا يتردد لفظ الكلب أو الكلاب علي لسانه مرات عديدة يوميا. كل هذا يجعلنا بحاجه إلي التعرف علي أنواع الكلاب وترتيبها. ولقد تفنن الناس عبر السنين في تربية الكلاب وتصنيفها بطريقة جعلت كلاب تتخصص في أعمال محددة ولا تجيد غيرها.
 ومن أقدم ما عرف البشر من أنواع الكلاب كلاب الحراسة، وهي لاتعرف الامطاردة الغريب ومهاجمته أو تنبيه أصحاب المكان بنباحها إن كانت مقيدة الحركة. ثم عرف الإنسان كلاب الرعي وهي تحتاج إلي بعض التدريب لكي تلم شمل القطيع ولا تسمح لبعضه بالخروج عن القطيع. ومع توسع رقعه اهتمام البشر بالمناطق الجليدية استخدمت الكلاب في جر عربات الجليد وتخصصت هذه الكلاب في المواصلات. ثم برزت الحاجة للبحث عن الناجين في جبال الجليد وبدأ دور الكلاب في الإنقاذ. ورويدا رويدا بدأ العالم يعرف تخصصات للكلاب فبعضها كلاب للزينة والجمال وهي كثيرا ما تعيش مدللة في أحضان سيدات المجتمع الفني. ثم الكلاب البوليسية وتستخدم في مكافحة الجريمة ومطاردة المجرمين والكشف عن المخدرات أو المهربات والموتى وأثار الموتى وفي التحقيق و التعذيب أو الإرهاب ومكافحه الشغب؛ ثم دخلت الكلاب المجال العسكري حيث تكونت كتائب للكلاب في جيوش الدول ألكبري مهمتها دعم الجيوش في الميدان.
كذلك دخلت الكلاب حلبات المصارعة وحلبات السباق ومسابقات الجمال ويراهن البشر علي من يفوز منها في كل ليلة في كثير من دول العالم وبعضها يقوم بأعمال إنسانية مثل قيادة العمى أو الإنقاذ.
 أما عن استخدام لحم الكلاب للأكل، فربما أكلت بعض شعوب الأرض لحم الكلاب، ولكن أكثر من أشتهر بأكله هم الصينيون والكوريون و إحدى مقاطعات سويسرا. ولو افترضنا أن الأولين أكلا لحوم الكلاب من الفقر أو كثرة الناس فان السويسريين يستمتعون بلحم بعض أنواع الكلاب طريا أو مصنعا في أرقى مدن أوروبا في أحدى مقاطعات سويسرا.

أما الكلاب التي لاراعي لها فتدور في  الأرض وتعرف بالكلاب الضالة خطأً و الأدق تسميتها  الكلاب السائبة أوالكلاب الشاردة وهي خليط أجناس وألوان مختلفة؛ ومن الصعب تدريبها لعمل معين لانها ترفض الانقياد أو الطاعة العمياء.
 والكلاب النقية عرقيا عادة مايرافقها شهادة ميلاد تثبث أصولها من الجانبين وخلط الأنساب في العادة يؤدي إلي انخفاض قيمة الكلاب عند مربيي الكلاب.

مما تقدم نستطيع القول أن طبع الوفاء ليس ملازما للكلب بل الكلب يتقن ماتدرب عليه. والكلب يقوم بما يطلبه منه سيده ويري ذلك في رضاه عنه وإمداده بالطعام أو المداعبة إذا رأي منه مايعجبه.    وأورد هنا قصتان علي سبيل الاستدلال علي أن الكلب قد يعود لطبعه الأصيل من فصيلة الذئاب و يهوي الانطلاق حرا.
   القصة  الأولي حدثت في أحدي المزارع بأمريكا حيث كنا نذبح بعض الخراف للاستهلاك العائلي لعدم توفر اللحم الحلال. كان ذلك في احدي المزارع لأحد مربي الأغنام، وقد أكد علينا صاحب المزرعة ضرورة تنظيف مكان الذبح قبل مغادرة المكان. سار الأمر علي ما يرام عدة أشهر ثم زار المزرعة بعض الطلاب من الخليج وبعد الذبح تركوا الدم وبعض قطع اللحم في مكانها ثم غادروا المزرعة. وفى المساء عادت بعض كلاب الراعي فأكلت اللحم الطري وتذوقت الدم فما كان منها إلا رجعت إلي طبيعتها الوحشية وأخذت تهاجم الخراف التي تحرسها. فاضطر صاحب المزرعة في اليوم التالي إلا أن  يعدم جميع الكلاب ويشتري كلاب جديدة ثم منع المسلمين من الذبح في مزرعته بعد تلك الحادثة .
   والقصة الثانية حدثت مع أحدي الأسر الليبية التي تعيش في حي الأندلس وتملك كلبا مدربا، وكان الكلب يصافح من يصافحه باليد ويعيش عيشه طيبة، أكله خاص ومكانه خاص وذات ليلة خرج من باب الفيلا ولم يعد. مرت به كلاب طليقة تعيش في بعض الغابات فخرج معها ليعود بعد أشهر عديدة إلي البيت. وعند العودة أظهر سروره بلقاء الأسرة التي أكرمته لكنه عاود الخروج من حيث أتي ولم يعد بعدها. هل نقول أن الطبع يغلب التطبع، ربما. هل الوفاء لازم الكلب عندما كان الرجال أوفياء ؟ وبالتالي يكون الكلب علي خلق سيده، وعندما قل الوفاء واختفت الرحمة من قلوب البشر برزت فئة الكلاب الشرسة امتدادا لأصولها من الذئاب أوقل انعكاسا لتصرفات ذئاب البشر.

الكلاب عند العرب

لقد ربي العرب الكلاب منذ القدم للحراسة والرعي ويتميزون بالذات في كلاب الصيد حيث عرف العالم كلب الصيد المعروف بالسلوقي عند العرب. ويعرف بالكلب العربي ويتميز بطول الأرجل وطول الظهر وضمور البطن وقدرته علي العدو وهو الان مستخدم في ساحات السباق في العالم. وبعد انتشار الإسلام في أرض العرب تحددت مهمة الكلاب في الحراسة والرعي والصيد لا أكثر وذلك عند المسلمين منهم.

أما عن معاملة العرب للكلاب فالأمثال الشعبية خير دليل، فهي تعطي الانطباع السائد عند الناس وبالتالي يقولون مثلا ما تضرب الكلب نين تعرف سيده وهذا يعني أن مكانة الكلب من مكانة سيده و ليس مالكه فالكلاب لاتباع عند العرب. أما إذا كان الأمر يتعلق بالطاعة المطلقة فيقول المثل: جوع كلبك يتبعك؛  إذا خافوا من التمرد  ويقولون: سمن كلبك ياكلك، أي انه إذا تعوده علي كثرة الأكل يستقوي عليك .
أما إذا كانت للنهي عن الظلم فيقولون: زر كلبك علي الطاقة ياكلك ، أي إذا اضطررت كلبك ألي ركن وضربته فانه سيدافع عن نفسه ويهاجمك بضراوة. وعندما يريدون تقبيح النصرة الجماعية في الحق والباطل فيقولون نصرة كلاب، فهي عادة ما تهاجم في مجموعات وهذه عادة الجبناء.
والكلاب في المجتمع العربي تمثل أدني مراتب الحيوانات احتراما من الناحية الاجتماعية بالرغم من فائدتها في الحياة. وهي حيوان محتقر وإذا أضيفت له صفات أخري صار الوصف أسوا لمن يوصف به، فيقولون عيشه كلاب لمن كانت معيشته لا قدر ولا احترام فيها. ويقولون الكلب ماياكلها إلا امرمدة إشارة إلي الذي لا يتعفف في طلب الدنيا. و يقولون: الكلب الحمر يحساب روحه من العجول لمن يحسب نفسه مهما، و أصلها إن العجول في فصل الربيع عادة ما تتسابق و تلعب و هذا قد يغرى الكلب بالمشاركة معها في اللعب و لكل منهما قيمته في عين الراعي.
كذلك يقول الناس: اللي يربي الكلب تصبح مزرعته خالية. و تقال عند ما يتبع الرجل زوجته إلى بيت أهلها و ينحاز لهم و يترك والديه و أهله.

و اذا هاجمك كلب فأعلم أن نقطه ضعفه تقع في مركز قوته إلا وهي حاسة الشم و المثل الليبي يقول: أضرب الكلب علي خشمه. والكلاب عادة تعتبر النظر في العينين مباشرة علامة علي العداوة وبداية الاشتباك أما الابتسامة التي تظهر الأسنان فتري فيها بداية المعركة. ولهذا عليك تجنب الابتسام بالقرب من أي كلب معادي، فيجب إلا تريه أسنانك ولا تنظر في عينيه.
 أما إذا هربت من إمام الكلب فذلك يعني انهزامك وانتصاره عليك وبالتالي سوف يطاردك، أما إذا هزمته فانه سوف يخافك إلي الابد والمثل يقول: الكلب مايعرف إلا خانقه، أي أنه لا ينساه.

الكلاب في السياسة

   دخلت الكلاب القاموس السياسي فى الوطن العربي عندما وصف الحكام من يخالفهم بفئة الكلاب الضالة أو عندما وصف السجناء سجانيهم و من يعذبهم بكلاب الدم.
 أما ابلغ وصف لخيانة الرجال ما ورد على لسان رجل عجوز من مدينة البيضاء في ليبيا بعد الانقلاب على الملك إدريس عند ما قال:لو كان سيدي إدريس ربى كلاب راهن انبحن دونه.

 و مما يذكر في هذا المجال أيضا أن معارضا ليبيَا عاد إلى ليبيا من المهجر في أواخر القرن الماضي بعد أن تاب من المعارضة و أراد أن يقدم مراسم الولاء و الطاعة لقائده فطلب مقابلته. و حين ما حضر إلى الخيمة وقف بالباب فنادى الحرس: سيدي الكلب الضال يوشا بالباب و يستأذن بالدخول. فرد قائده: أنا لا أسمع كلبا ينبح. فاخذ يوشا ينبح و دخل الخيمة على أطرافه الأربعة و هو يهز رأسه مع النباح سعادة بلقاء سيده، و لو كان له ذيل لهزه طربا بهذه اللحظة التاريخية.

و هكذا ينظر بعض الزعماء العرب إلى شعوبهم كالكلاب، فمنهم كلاب حراسة، و منهم كلاب زينة و منهم من هم كلاب السيرك السياسي، و منهم من هم كلاب صيد، و منهم من هم كلاب و كلبات متعة و استمتاع، و منهم من هم كلاب الدعاية، و منهم كلاب عسكرية، و منهم كلاب بوليسية، و منهم من هم كلاب شغالة، و منهم من هم كلاب على التقاعد. و كم هو مؤلم و مخز عند ما يعتبر الحاكم شعبه طبقات من الكلاب تحدد مراتب المواطنة في نظره، و هذه هي مراتب الكلاب التي قصدتها في هذا المقال المنشور منذ مدة. و بهذا يرضى الزعماء بأن يكونوا قادة للكلاب فيتحول احدهم إلى قائد للكلاب أو الكلب القائد.

الكلاب عند الغرب

الكلاب عند الغرب تحضا بعناية خاصة تفوق أحيانا مكانة البشر في دول العالم الأخرى. فهي تأكل أنواعا خاصة من الطعام و في أواني خاصة و نظيفة و تتمتع بالرعاية الصحية الجيدة و تنام في مراتب خاصة داخل البيوت. أما إذا ما ماتت فتدفن في مقابر خاصة للكلاب و توضع على قبرها أحجار منقوش عليها اسمها و تاريخ وفاتها. و الغربيون بصفة عامة يثمنون الكلاب عاليا لحسن الرفقة و الوفاء، و في بعض الأحيان يترك مالك الكلب كل ثروته لكلبه إذا ما مات قبله، إنها معيشة الكلاب فى الغرب و المثل يقول: وين ما تحط روحك تلقاها.

الكلاب عند المسلمين

يعتبرالدين الاسلامى الكلب حيوان غير طاهر بصفة عامة و ذلك في إحكام الطهارة، و على المسلم أن يحترز من نجاسة الكلاب بصفة عامة  أما إذا كان الكلب شاردا  فالاحتراز يكون أكبر خوفا من داء الكلب الشهير، و لكن الشارع أباح ما يصطاده كلب الصيد المعلم في إشارة لطيفة لرفع العلم لمكانة من يتعلم.
 و لقد ذكر الله سبحانه و تعالى الكلب في أكثر من موضع في القران الكريم، و هو حيوان يستحق المعاملة الحسنة ففي كل كبد رطبة اجر و في الإحسان للكلاب أجر لمن فعلها لوجه الله. و الرفق بالكلاب و بقية الإحياء دلالة على رحمة المرء و كرمه و كلنا يذكر مقولة: ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء.

1 comment: