Thursday, August 18, 2011

صفحة من جهاد طرابلس


              لقد تعودت طرابلس عبر تاريخها على تلقي الصدمة الكبرى في كل المعارك التي خاضها الليبيون فهي تمثل قلعة الوطن إذا سقطت سقط الوطن و إذا تحررت ينعم الوطن كله بالحرية. و قد بدأ الإيطاليون غزوهم بطرابلس ثم منها انتشروا في ربوع ليبيا، و لكن نسق الحياة في طرابلس سريع و قد تتابع الأحداث و لا يذكر الناس الوقائع و لا نجد الكثير عن ما حدث فيها و بالتأكيد دارت معارك فيها و اشهرها معركة الهاني و معركة قصر بن غشير. و عند ذكرها نذكر ميدان الشهداء حيث تم إعدام العديد من أبطال طرابلس، كما يجب أن لا ننسى المئات من الشهداء الذين سقطوا في شوارع طرابلس في اللحظات الأولى للغزو و لم يذكرهم أحد، فالقتال دار زنقة زنقة و بيت بيت.
 في هذه الأيام ما أحوجنا إلى أخبار الأجداد أيام الجهاد كي نستخلص العبر و الدروس. و في هذه الصفحة نتحدث بعجالة عن أحد أبطال الجهاد في مدينة طرابلس ألا و هو المجاهد سالم أزوييليمة.
سالم إزويليمة
ولد سالم أزويليمة في قصر بن غشير و هو ينتمي إلى قبيلة عكارة. كان سالم ميسور الحال غنيا و كان شهما كريما و فارسا شجاعا لا يرضى بالذل لبلده أو أهله، كما كان مسموع الكلمة بين أبناء قصر بن غشير. و عند ما غزت إيطاليا ليبيا كان من أوائل من لبى نداء الجهاد فشارك في معارك عديدة منها معركة الهاني و معركة قصر بن غشير و معركة زوارة و معركة القرضابية.
 و كان من أقرب الثقات إلى المجاهد الكبير رمضان السويحلي الذي كان ينزل بقصر بن غشير كلما زار طرابلس.
 و في يوم زوارة أنشد أحد الشعراء الشعبيين أبيات في تخليد شجاعة سالم فقال:
يوم زواره
يوم فيه التفاح الشين
 وين الجار يخلي جاره
سالم يضرب بالوجهين
 فوق فرس مختارة
و سرج مكلف بالبارة
فرس سالم
      أتى بهذه الفرس الحاج محمد إزويليمة من المغرب مهرة، و كان يتاجر بين المغرب و الإسكندرية. و تتميز هذه الفرس بتناغمها مع فارسها سالم عند ركوبه عليها و عند ما يبدأ في إطلاق النار. فعند الركوب تخفض ظهرها كي يصعدها بسهولة و كان سالم قصير القامة، أما عند الرمي فتسوي ظهرها و تنخفض قليلا كي يصيب هدفه بدقة كما كانت سريعة عند السباق. و في إحدى زيارات المجاهد الكبير رمضان السويحلى لقصر بن غشير تسابق مع سالم في وادي المجينين بقصر بن غشير و سبقت فرس سالم حصان رمضان. و أعجب رمضان بالفرس و طلب منه أن  تكون له، فقال له سالم: إنها موقوفة للجهاد، فرد عليه رمضان: هي لما أوقفتها له، لتبقى عندك تعينك في جهادك. و من المعروف أن المجاهد رمضان السويحلي كان ينام في بيت سالم إزويليمة كلما أتى إلى طرابلس.
و مما يذكر عن هذه الفرس انها وجدت ميتة في مربطها منخنقة برباطها عند ما أسر سالم، و بذلك لم يركبها أحد بعده.
 و بهذه المناسبة لا زال أبناء عكارة و قصر بن غشير يعشقون ركوب الخيل الأصيلة و يبرزون في ساحات السباق في أطراف طرابلس.
مواقف في حياة سالم
  - في إحدى المعارك أسر سالم ضابط إيطالي و لكن بعد أن ابتعد عن أرض المعركة أخذته شفقة بهذا الضابط فأطلق سراحه، و هنا يتجلى العفو عند المقدرة.
  - في أحد الأيام سمع صياح امرأة ليبية وقعت في الأسر عند بعض جنود الطليان من المصوع، فخرج بمفرده و أخذ يهاجمهم من عدة مواقع ليوهمهم بوجود عدد من المقاتلين ثم اغار عليهم بعد ما قتل عدد منهم و انتشل المرأة من ذراعها و حملها على فرسه و هرب بها. و هذه المرأة تعرف بالدرعية و قد نذرت في حياتها أن لا تزغرد إلا لعكاري، و كانت كلما مر عليها أحدهم تزغرد إكراما لبطولة سالم إزويليمة الذي أنقذ حياتها و أنقذ شرفها.
  - في يوم صلح سواني بن يادم قرر سالم أن يكون غداء كل المجاهدين عند قبيلة عكارة و كان عددهم بالألوف و قد جاءوا من مختلف مناطق غرب ليبيا و تحمل هو معظم التكلفة و كان ذلك في أرض الرحايمية أخواله.
   - عند ما وقع في الأسر و حكمت عليه المحكمة بالإعدام قال له القاضي ما هي أمنيتك، فرد عليه: كنت أتمنى لو قابلتكم أنتم في المعركة و ليس الشباب الصغار. و هنا يجدر بنا أن نذكر أن الضابط الإيطالي الذي عفا عنه سالم شفع فيه بعد أن رأى الحكم و طلب تحويله إلى مؤبد فكان ذلك.
  - حكمت المحكمة بمصادرة أملاك سالم إزويليمة و التي تقدر بالملايين بأسعارنا الحالية. فكانت تشمل ذهبا و حوالي ألفي رأس من الأغنام و حوالي خمسمائة جمل و حوالي أربعمائة راس من البقر و أراضي و مزارع في مناطق من طرابلس. و بعد خروج الطليان اقترح عليه بعض الناس أن يطالب باستعادتها أو طلب التعويض عنها، فقال: لقد ذهبت في سبيل الله و لن أطلبها و لن أقبل فيها تعويضا، إنه إخلاص النية لله.
  - تنقل سالم بين المعارك من ألهاني إلى قصر بن غشير ثم إلى زوارة ثم  إلى القرضابية في نسق وطني  لا يعرف حدود و لو لم يقع في الأسر لذهب لمساندة شيخ الشهداء عمر المختار، فالليبي الحر لا يعرف للوطن حدود إذا ما دعا داعي الجهاد و قد ذهب بعضهم إلى فلسطين مجاهدا عند النكبة.
        و في الختام ندعو الله أن يتقبل شهدائنا في كل زمان و في كل مكان، و أن يجعلنا خير خلف لهم في ساحات الوغى و أن يختم لنا شهر رمضان بعيدين، عيد الفطر و عيد النصر.

1 comment:

  1. سلام عليكم
    ماشاء الله على الاجداد حلو تاريخنا بس خسارة ماعرفناه بسبب الطاغي المقبور
    انى عكارية وعجبنى موقف المراة

    ReplyDelete