Sunday, July 7, 2013

ما يحدث في مصر.. وأزمة الديمقراطية



د يونس فنوش

ما يحدث في مصر.. وأزمة الديمقراطية
أختلف تماماً مع أولئك الذين يبدون إعجابهم وحماستهم لما يحدث في مصر، من تجاذب عنيف، واستقطاب حاد، بين تيارين يزعم كل منهما أنه يمثل أغلبية معتبرة من الشعب، وذلك أني أرى في ما يحدث خروجاً عن المسار الصحيح للنهج الديمقراطي.. لقد جاء محمد مرسي إلى موقع الرئاسة وفق انتخابات لم يستطع أحد أن يشكك في نزاهتها وصدقيتها. وعلى الرغم من أنه لم يفز بأغلبية كبيرة، إلا أنه حسب النهج الديمقراطي الذي يحسم مسألة التنافس على مواقع السلطة، فإن من يحصل على الأغلبية المطلقة من أصوات المقترعين يعد هو الفائز، ويتولى المنصب للمدة المنصوص عليها في الدستور، ومن ثم يدعى الناخبون للإدلاء بأصواتهم مرة أخرى، فإذا لم يحصل الذي يقع في موقع السلطة على الأغلبية، يكون عليه أن يسلم السلطة للفائز بها، وأن يأخذ مكانه في مقاعد المعارضة، ويظل، وفق الدستور، من حقه أن يتربص وأن يتهيأ للدخول في المنافسة التالية، وأن يعد نفسه جيدا كي يتأهل للفوز بها.
هذه هي الآلية الوحيدة المقبولة في المسار الديمقراطي. ولذا فإني لا أرى أن من حق المعارضين للرئيس مرسي، والمعارضين من خلال ذلك للإخوان المسلمين الذين يمثلهم، أو يظل محسوباً عليهم، أن يطالبوا بإسقاط الشرعية عنه، بأي أسلوب آخر غير أسلوب الانتخابات والاحتكام إلى صناديق الاقتراع. إن القبول بمثل هذا الأسلوب للمعارضة، أو الاحتجاج، هو في رأيي طعن لمفهوم الديمقراطية في صميم معناه، فلا يمكن أن تقوم الديمقراطية، إذا لم يقبل المتنافسون فيها بنتائج الانتخابات، وما تسفر عنه حسابات أصوات المقترعين، وما لم يوطنوا أنفسهم على الالتزام بما ينص عليه العقد الاجتماعي الذي تقوم عليه الحياة بينهم، أي الدستور، من حيث تحديد المواعيد والآليات التي يتم عبرها الرجوع إلى الشعب لمعرفة رأيه واتجاهات تأييده أو عدم تأييده للأطراف السياسية المتنافسة: الأغلبية والمعارضة.
إن الحديث عن السياسة ووصفها بأنها (لعبة) حديث صحيح في جوهر معناه، فهي أشبه ما تكون بمباراة رياضية، في أي لعبة من الألعاب، يتنافس للفوز بنتيجتها فريقان، فيفوز فيها في النهاية من يدخل الملعب بأفضل ما لديه من لاعبين، ويدخل بهم بعد إحسان تدريبهم وتأهيلهم لإتقان فنون اللعب والتعامل مع مجريات اللعبة.. وينبغي أن يحدث في السياسة، ما يحدث في الملعب، عندما تنتهي المباراة بفوز أحد الفريقين، إذ يسلم المغلوب بفوز الغالب، ويذهب إليه ويهنئه بالفوز، ثم يخرج من الملعب ليعكف على تأمل ودراسة أدائه خلال المباراة التي خسرها: أين كانت نقاط ضعفه، وما كانت نقاط قوة الخصم؟ هل أخطأ في اختيار اللاعبين أصلا، أم أخطأ في وضع اللاعبين في مواقعهم المناسبة؟ هل استعد للمباراة بما كان عليه أن يفعل من حيث التدريب والعناية بصحة اللاعبين ولياقتهم أم أنه قصر في ذلك، ودخل للعب بلاعبين غير مدربين أو غير لائقين صحياً؟
وبعد تدارس هذه النقاط واستعراض هذه المسائل، يشرع على الفور في وضع خطته للاستعداد للمباراة التالية. ومن المعتاد أن يكون مستهجناً من أي فريق يخسر مباراة أن يتهور لاعبوه أو مناصروه في التهجم أو العدوان على لاعبي الفريق المنتصر ومؤيديه، احتجاجاً على نتيجة المباراة، عبر الاندفاع العاطفي للتشكيك في النتيجة وفي نزاهة الحكم وحياده.
ولعلنا نسقط هذه الاعتبارات تماماً على ما حدث في (مباراة) التنافس على منصب الرئاسة في مصر.. لقد دخل المنافسة أحمد شفيق (المحسوب على النظام السابق) ودخل المنافسة محمد مرسي (المحسوب على الإخوان المسلمين) ودخلها أيضاً أربعة أو خمسة مرشحين معظمهم محسوب على ما يسمى التيار الوطني أو الديمقراطي أو الليبرالي، لا فرق. وقد حسمت نتائج الاقتراع الفوز في الجولة الأولى للمرشحين اللذين فازا بالمرتبتين الأولى والثانية (محمد مرسي وأحمد شفيق).. ومن ثم بات من الضروري اللجوء لجولة ثانية لحسم الأمر بين هذين المرشحين. وهنا وجد أنصار المرشحين (الديمقراطيين) أنفسهم أمام خيار بين أمرين أحلاهما مر.. ولم يكن أمامهم إلا اختيار أخف الضررين فيما حسبوا، وهو التصويت لمحمد مرسي.
وفي تقديري أن هؤلاء الديمقراطيين قد ارتكبوا خطأ تكتيكياً وسياسياً فادحاً، وذلك بدخولهم الانتخابات بأكثر من مرشح، فتوزعت أصوات مؤيديهم على هؤلاء المرشحين، فلم يحصل أي منهم على أغلبية مناسبة، تتيح له على الأقل التنافس في الجولة الثانية. ولذا فقد كان عليهم أن يتحملوا مسؤولية هذا الخطأ الجسيم الذي ارتكبوه، وأن يعكفوا، بدلا من حشد الجماهير للتظاهر والاحتجاج على (مرسي) الفائز في الانتخابات، على تأمل ما فعلوه، ودراسة مواطن الخلل والخطأ التي وقعوا فيها، والشروع فورا في التهيؤ للمنافسة الانتخابية القادمة... وقد كان واضحا أن أمامهم استحقاق قريب، هو الانتخابات التشريعية، فكان عليهم أن يستعدوا لخوض هذه الانتخابات، ويقوموا بكل ما يكون من شأنه أن يضمن لهم الفوز بالأغلبية، فيكون من حقهم دستوريا الوصول إلى موقع السلطة التنفيذية، فينفذوا برنامجهم السياسي كما يريدون.
وإني آسف شديد الأسف لرؤية من يفترض أن يكونوا نخبة المجتمع المصري وقياداته السياسية، ينزلقون إلى هذا المنزلق البالغ الخطورة، الذي يوشك أن يقود البلاد كلها إلى هاوية من التحارب والتقاتل العنيف الذي لن يكون فيه خاسر ورابح، بل سيكون الجميع خاسرين، ويكون الوطن والثورة أكبر الخاسرين.
هاتف   0925121949           e-mail:   fannushyounis@yahoo.com

No comments:

Post a Comment