Saturday, March 5, 2011

ثورة فبراير و تحديات المراحل القادمة

        
            لقد واجهت ثورة فبراير العديد من التحديات في الداخل و استطاعت أن تتغلب عليها بفضل تضافر الجهود و بتوفيق الله سبحانه و تعالى. و سوف تفرض المراحل القادمة على هذه الثورة تحديات أكبر كما و كيفا و تنوعا في الخارج و الداخل و علينا أن نستبق الأحداث و نستشرف الأيام القادمة و نتناول بعض جوانب أبرز هذه التحديات.
أولا: شكل الدولة الليبية
           يوجد شبه إجماع على أن الدولة الليبية يجب أن تكون برلمانية دستورية و يقرر تكوين و استمرارية حكومتها و يحاسبها برلمان منتخب. أما شكل الدولة الليبية فسوف يتأثر بتجارب الشعب الليبي السابقة. فالشعب الليبي عرف ثلاثة تجارب الأولى كانت في دولة الاستقلال الملكية ثم الجمهورية التي تأسست بعد الإطاحة بالنظام الملكي و ما رافقها من استبعاد لجميع القوى الوطنية و تغييب للدستور و أخيرا ما يسمى بالجماهيرية و التي تحولت إلى نظام إقطاعي قبلي متخلف ثار الشعب عليه و لا يمكن الرجوع إليه مهما كان الثمن. و هنا تبرز الحاجة إلى حوار وطني يعقبه استفتاء للشعب الليبي للاختيار بين النظام الملكي أو النظام الجمهوري و تحديد اسم الدولة الرسمي و وضع دستور لها. على أن يتم انتخاب لجنة تأسيسية لوضع الدستور و عرضه على الشعب في استفتاء عام.
ثانيا: الحياة السياسية
 يتطلع الكثير من المثقفين و المثقفات إلى بعث حياة سياسية قانونية و علنية تساهم في دفع عجلة التقدم الاجتماعي و السياسي للدولة الفتية. و يمكن رؤية حراك سياسي خلف الكواليس للتنظيمات التي حاربها النظام المخلوع و لكي لا تنفرد فئات معينة بالميدان يجب على الجميع التفكير في تحديد توجهاتهم السياسية و التأطر في تجمعات يمكن لهم من خلالها المساهمة في الحياة السياسية، و الدستور المرتقب سوف يقوم بتقنين هذا الأمر. كما أن جميع الفئات المهنية مدعوة لإعادة تشكيل أطرها المهنية بشكل حر و مستقل عن تدخلات الدولة كي تشارك في حماية الثورة و تتمكن من حماية حقوقها المهنية.
ثالثا: حرية الإعلام
 مع تحرر الشعب الليبي و تمكنه من مقدراته يجب تحرير الإعلام بالكامل من سيطرة الدولة فيجب أن تختفي من حياتنا الصحف و وسائل الإعلام المملوكة للدولة، و عندها سيبقى في الميدان القادر على تلبية رغبات الشعب و طرح قضاياه بكل صدق و تجرد و تختفي من حياتنا أبواق الدعاية الرسمية، و تُزال عن كاهل المجتمع المبالغ التي تصرف عليها.
رابعا: الحياة الاقتصادية
 لكي تتوفر للدولة أسس الاستقرار و الاستمرارية يجب علينا بعث اقتصاد إنتاجي يشجع على الاستثمار و يحمي حقوق الجميع، و من المهم بمكان في هذا الشأن إعادة القيمة الحقيقية للدينار الليبي بسعر الصرف المعهود قبل ارتكاب ألقذافي لجريمة لوكربي. و عندها سوف تفرج أزمة ارتفاع الأسعار و تتحسن فرص المنافسة الاستثمارية للمواطنين. و هنا كذلك يجب أن ترفع الدولة يدها عن قطاعات الاستثمار و التجارة إلا في ما يخص توفير مخزون استراتيجي للأمن الغذائي. هذا بالإضافة إلى إعادة النظر في مرتبات موظفي الدولة و إعادة تنظيم قطاع الضمان الاجتماعي.
خامسا: تحقيق العدالة و المساواة
أهم سبب في قيام ثورة فبراير هو تحقيق العدالة بين الناس و المساواة بين الناس في كل مناطق ليبيا الحبيبة، و لن يتحقق هذا إلا باستعادة الحقوق المسلوبة أو المهضومة بجميع أنواعها بدءا بالأموال التي سرقها المسئولون السابقون و أقاربهم على جميع مستويات النظام الفاسد، و كذلك الحقوق التي اغتصبها الأفراد في ظل التشريعات الظالمة. ناهيك عن محاسبة من أجرموا في حق المسجونين السياسيين أو الذين خانوا الوطن و انحازوا إلى جانب ألقذافي في مرحلة الثورة أو محاسبة من سرقوا ثروات الشعب و استغنوا بطرق غير مشروعة على أن يتم هذا من خلال مؤسسات قانونية مستقلة و عادلة.
سادسا: إعادة هيكلة الدولة
لقد تعرضت الدولة الليبية خلال العقود المنصرمة لمؤامرة قذرة قضت على معظم مكونات النظام الإداري و حولتها إلى نوع من الهمجية و القرصنة أدى إلى اختطاف المؤسسات و تحويلها إلى شركات خاصة أو مؤسسات قبلية أو عائلية. و إصلاح هذا الأمر يحتاج إلى خبرة و إعادة تأهيل و تدريب للعاملين ثم فصل الإدارة الحكومية عن الحياة السياسية بالكامل في المستقبل. و أول خطوة في هذا المشوار تبدأ باستبعاد العناصر المفسدة من أعضاء اللجان الثورية ألقذافية و رجال الأمن ألقذافي و محاسبتهم على ما اقترفوا من جرائم في حق الشعب الليبي.
ثامنا: حماية الوطن
تحتاج ليبيا في المرحلة القادمة إلى إعادة تأسيس و تدريب و تسليح جميع قطاعات القوات المسلحة و توجيه قدراتها لحماية الوطن و تصحيح عقيدتها القتالية بما يحقق هذا الهدف. كما أن أجهزة الشرطة بحاجة ماسة إلى إعادة تنظيم و إلى تطوير إمكانياتها بما يخدم مصلحة الشعب فعلا من خلال تحديث أساليبها بما يتناسب و دورها الجديد. و هنا كذلك يجب إبعاد جميع العناصر الموالية للقذافي أو التي أجرمت في حق الوطن من المفسدين و أعضاء حركة اللجان الثورية القذافية.
تاسعا: المصالحة الوطنية
المصالحة الوطنية ممارسة حضارية يجب أن نبدأ في ممارستها بعد هذا التغيير الشامل كما أننا سنحتاجها عند الخروج من كل انتخابات عامة، ففي العادة قد تتأثر بعض الفئات بسبب بعض الخسائر التي قد تلحق بها و بالتالي من الضروري بمكان أن نطمئنها أن ما حدث كان ضروريا من أجل المصلحة العامة، و أن كل مواطن له مكانه و مصلحته سوف تراعى. و أن الوطن للجميع.
 كما أنه من المفيد بعد الثورة صرف تعويضات مجزية لكل من تضرر من العهد المباد و يمكن تنظيم هذا من خلال تشريعات خاصة. كما يجب تكريم كل من ساهم في ثورة فبراير المجيدة و رصد تعويضات مجزية لكل من أصيب من خلال مشاركته في هذا العمل التاريخي، بحيث تضمن له و لمن يعول حياة كريمة.




No comments:

Post a Comment