لقد كان للسلبية دور قاتل في مجتمعنا خلال العقود الماضية عند ما كان الجميع ينتظرون من مجهول أن يأتي لإنقاذهم، و لقد رأينا كيف كان دور الإيجابية في التفاعل مع الأحداث خلال الأسابيع القليلة الماضية في تغيير مجرى الأحداث في المناطق المحررة أو المدن الصامدة و المجاهدة مثل الزنتان و مصراتة و الزاوية بينما تنتظر بعض المناطق الأخرى الوقت الإضافي كي تدخل إلى جانب الرابح و تنضم إليه و هي بذلك تخذل الانتفاضة حتى و إن لم تقاتل ضدها. و لا أجد حرجا في أن أقول من أراد الحرية عليه أن يتحرك و يساهم و لا يجلس في بيته و يطلب من المدن الأخرى أن تضحي بشبابها من اجله، كي يعود إلى مكاسبه و استمتاعه بخيرات الوطن.
و أوضح مثال على آثار السلبية القاتلة ما يقوم به الجنود و الضباط الذين يجلسون داخل كتائب النظام حنى يطلب منهم إطلاق النار على الثوار أو المدنيين العزل فيرفضون طاعة الأوامر و يتم إعدامهم بدم بارد، فهم كانوا يتوقعون أن ينتصر الثوار قبل أن يدخلوا في المواجهة، و يسطرون موقفا جبانا فلا ينضمون لقوى الشعب. و من سيغفر لجنود و ضباط القوات الجوية الذين يحملون الطائرات بالقنابل أو يقصفون المدن، من سيغفر لهم هذه الخيانة. و أنا أتوقع محاكمات بالجملة لكل من خان الأمانة من مدنيين و عسكريين بعد انتهاء الاشتباكات و سقوط النظام.
و السلبية مثل ما هي قاتلة في مجال العمل الفعلي فهي اقتل في مجال الفكر و متابعة الأحداث و تحليلها، فنجد الكثيرين ممن يتركون شبكة المعلومات للعب الأطفال أو لا يتابعون الأحداث و لا يشاركون برأي بل يخافون من إبداء الآخرين للرأي.
و لو تمعنا في السلبية قليلا لوجدنا أنها تنبني على ثلاثة أسس، الأول هو النظرة المصلحية أي البحث عن المصالح الشخصية بالدرجة الأولى في أي موقف أو حدث و قد يقول لك احدهم: أنا ليس لدي مصلحة في هذا الكلام بكل صراحة، ثم تراه يركض إلى القنوات الفضائية و يتكلم بمعلومات غير صحيحة.
ثم يأتي في المرتبة الثانية الخوف على الأقرباء و الأهل أو النفس و هذا أصله الجبن و ضعف الإيمان فالمرء لا يموت إلا في يومه، و أما الثالثة فهي الجهل و الناس أعداء لما جهلوا فتجد المرء يرضى بما يعرف و لو كان فيه ذله بل و يخشى عليه من التغيير.
و مع تطور الأحداث للأفضل بإذن الله فان الجميع مدعوون للمشاركة الايجابية في صنع الأحداث و تغييرها بما يخدم مصلحة الوطن. وفي كل موقع نحتاج لمن يعمل و يتحرك و ينتقد و يسدد القرارات إلى الصواب. و علينا تجنب المزايدة و التخوين و الدفاع الأعمى عن أولي القربة أو أصحاب المصلحة المشتركة.
أما ما هو أسوء من ذلك فيكمن في الروح الظلامية و التي تتمثل في فريق من الناس يلمز و يطعن في الآخرين من وراء نقاب و ليس حجاب. فيضع اسما مستعارا و يهاجم و يسب و يلعن و هو في مأمن من الرد أو حتى معرفة خلفياته التي ينطلق منها و يبني عليها هجومه. و قد نجد عذرا لمن يشارك برأيسديد و لكنه يخاف على سلامته و لكن عند ما يكون الأمر محاربة و طعن في العديد من الصادقين فإن الأمر يتحول إلى جريمة و الناشر لها مشارك فيها و يتحمل أوزارها مع الفاعل.
و مع انبلاج فجر الحرية و اختراق حواجز الخوف و جدار الصمت فإن الجميع مدعوون للمشاركة العلنية بأسمائهم الفعلية و صورهم و عناوينهم الصحيحة و عندها فقط تظهر المصداقية و يكون للرجال مقال و مقام و مواقف و يحجب السفهاء و يحجر عليهم. علينا أن نطالب بالشفافية و قبل ذلك علينا أن نمارسها، فكيف نطالب بحق نحن لا نؤديه لغيرنا. و إذا أردنا أن نتقدم فعلينا أن نتقبل النقد بصدر رحب و نقبل بالرأي الآخر و عندها سوف نعرف المعنى الحقيقي للحرية و المساواة.
أما روح الخداع المتمثلة في ترك الحبل على الغارب حتى تحين الفرصة للانقضاض على الأمور فهذه عقلية انقلابية لا نريدها في مجتمعنا. علينا أن نبني كل خطوة نمشيها على الحق و بالحق و العدل فما بني على باطل فهو باطل آيل للزوال و لو بعد حين. و إذا كان الكذب ينجي فالصدق أنجى و أنجى.
هذا على مستوى الأفراد أما على مستوى المؤسسات فيجب اعتماد الشفافية الكاملة و خاصة في القرارات المصيرية، فلا يعقل أن تدار الأمور في ظل تعتيم إعلامي فلا نعرف من حضر و لا من ناقش و لا من قرر و لا من اعتمد القرار. كيف ترضون بوصاية مجهولة و غير شفافة، و ربما كان هذا مقبولا في المرحلة الأولى لكنه يجب أن لا يستمر. إننا نطالب ببيانات صحفية عامة تشرح المواقف و الإجراءات عند كل حدث لكي يعرف الشعب الحقيقة و لنعلم جميعا أن الثقة العمياء و تغييب الشعب هو الذي قادنا إلى المهالك. كما أنه من حقنا معرفة خلفيات الأحداث و أسباب الأخطاء و التجاوزات و من حقنا محاسبة من يقصر و المطالبة بتنحي من لا يملك ثقتنا بل أقولها بصراحة : إننا سوف نطالب بمحاكمة من ساهم في كبت الحريات من الذين كانوا يكتبون التقارير في الشرفاء من أبناء ليبيا، و لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين، و حقوقنا لا تسقط بالتقادم.
No comments:
Post a Comment