Monday, March 28, 2011

النخبة الوطنية و بناء مستقبل ليبيا الحديثة

          مع انبلاج فجر الحرية و تقهقر نظام التعسف و القهر من على الأرض الليبية ستبرز حاجتنا إلى مشاركة الجميع في صناعة مستقبل بلدنا، و كلنا يأمل في تأسيس نظام ديمقراطي تعددي ينعم فيه جميع أبناء الشعب بالحرية و العدالة و المساواة و لكن رواسب الماضي البغيض و الأمراض التي غرسها في المجتمع ستشكل عائقا كبيرا على الطريق نحو هذه الأهداف السامية. فانعدام النشاط السياسي العام و عدم وجود تنظيمات سياسية يشكل اكبر عقبة على طريق التحول السياسي نحو الديمقراطية، و روح السلبية و العزوف عن التفاعل مع الأحداث حول عامة الناس إلى قائمة الانتظار بدلا من ساحة التغيير. و بقايا العهد الفاسد من مرتشين و سراق لثروة الشعب و مزورين و دمويين من أعضاء حركة اللجان القذافية الثورية سيكونون طابورا خامسا و بؤرا للتآمر على الشعب، بل سيحاولون سرقة ثورة الشعب من خلال ركوب الموجة و شراء الذمم على عادتهم في السابق.
 و قد نجد أنفسنا خلال أسابيع قليلة أمام معضلة تأسيس الدولة و حينها لن يتوفر لنا وقتا إضافيا للمناقشة و التقرير و سوف يقترح علينا البعض بعض الحلول و يطلب منا الجميع السير مع الجماعة و تغليب المصلحة و يتكرر نفس أخطاء الزمان القديم و الحديث و نجد دواليب البلاد تلعب بها الرياح الخارجية و الداخلية؛ خاصة إذا عرفنا أن بعض فئات المجتمع تحتفظ بوصفات سحرية جاهزة للطرح عند الحاجة. و لهذه الأسباب رأيت أن استبق الأحداث و أتناول هذا الموضوع و أطرحه عليكم كي يساهم فيه كل من يرغب في ذلك في متسع من الوقت.

أولا: الطابور الخامس
           
  يتكون الطابور الخامس من كل مسئولي العهد الجاهلي الظالم الذين تلطخت أيديهم بالدماء أو جيوبهم بأموال الليبيين و الذين دافعوا عن الطاغوت أو الذين أثروا من خلال النظام. كل هؤلاء يمثلون خطرا على الشعب إذا تركوا بدون محاسبة و لم تسترجع منهم الأموال و سمحنا لهم بالمشاركة السياسية. و لهذا فإني أرى حرمانهم من جميع حقوق المشاركة السياسية و لمدة عشرة سنوات مع تقديمهم للمحاسبة و تجريدهم من كل ما كسبوا بغير حق، و لو تركنا لهم الفرصة فأنهم سوف يزورون الانتخابات و يشترون الأصوات و يركبون الموجة و يضيع الجمل بما حمل، فهم يملكون القدرة على التحرك السياسي المنظم و موزعون على كامل الوطن و لديهم سابق تجربة في 
السيطرة و التحكم في الجماهير و هنا مكمن الخطورة.

ثانيا: السلبية و عدم التفاعل
          
السلبية و عدم التفاعل مع الأحداث يشكلان أحد أكبر الأخطار على مسيرة التغيير الديمقراطي فهي تفقده الزخم        المطلوب لإفراز أفضل العناصر و الأعداد المطلوبة للتأثير في الأحداث من خلال المسيرات و المظاهرات اللازمة لتصحيح مسار الأمور. و هذه نتاج حقبة الإرهاب الجماعي و تزوير الحقائق و تغييب حرية الرأي و انعدام حرية التعبير في ظل إعلام موجه لخدمة الطاغوت و أسرته. و أهم خطوة على طريق العلاج تكمن في تحرير وسائل الإعلام و تسخيرها لتوعية الشعب بمسئولياته خلال المراحل القادمة من خلال تعددية فكرية تقبل بتعدد الآراء. ثم عقد ندوات عامة و مهرجانات شعبية لمناقشة متطلبات المرحلة القادمة.

ثالثا: تسوية مظالم الشعب

        لقد تراكمت على مدى أربعة عقود العديد من المظالم لفئات مختلفة من الناس بين بعضهم البعض، و بينهم و بين دوائر النظام الفاسد، و هذه المظالم قد تقودنا إلى موجات من تصفيات الحسابات الشخصية و مزيدا من الفوضى و تسيب الأمن. و لكي لا نقع في مطب الركون إلى التصرفات الشخصية أرى أن نلتزم جميعا بالآتي:
1) الرجوع إلى القضاء في جميع القضايا المتعلقة باعتداءات الأفراد سواء بصفة شخصية أو من خلال التشريعات السابقة، على أن تضمن الدولة الليبية جميع حقوق المتضررين إلى أن يصدر فيها الحكم القضائي.
2) تتكفل الدولة بتعويض كل من تضرر بإجراءات حكومية بنيت على التشريعات الظالمة التي أصدرها النظام الفاسد في كل ما يتعلق بالخسائر المادية مع استرجاع الأصول الثابتة من مبان و عقارات و أملاك و أراضي.
3) تقوم الدولة بتعويض كل من أصيب أو تضرر أو فقد حياته من خلال معارضته للنظام الفاسد تعويضا مجزيا مرضيا بما يحقق عيشا كريما له أو لورثته من بعده.

رابعا: التعددية السياسية
     
           التعددية السياسية تعني قبول الاختلاف في وجهات النظر السياسية دون تجريم للمختلف أو التفاف على المبدأ العام في أصول العملية السياسية، بمعنى أنه لا يجوز لطرف إذا ملك الأغلبية أن يلغي حقوق الأقليات في الاختلاف و المشاركة أو إلغاء العملية بالكامل. و على سبيل المثال هناك أحزاب تسعى للوصول إلى السلطة عن طريق الانتخابات ثم تنقلب على العملية و تلغي الأحزاب بحجة أن في ذلك تفريق الأمة و هذا أمر خطير جدا.
و للوصول إلى تعددية سياسية في شكل ديمقراطي سليم أرى ضرورة توفر أسس عامة لهذا النشاط تكفل للجميع 
المشاركة في جو وطني يحافظ على ثوابت المجتمع الليبي. و من هذه الأسس الآتي:
1) علنية النشاط السياسي، فلا يجوز في ظل الحرية الكاملة أن يشتغل حزب أو جماعة تحت الأرض، فهذا يضعف اللحمة الوطنية و يمهد لسيطرة الغوغائيين على مجريات الأمور.
2) سلمية النشاط السياسي، فمن غير المقبول داخل نفس المجتمع و في غياب احتلال أجنبي أن توجد تنظيمات أو أحزاب أو جماعات تستخدم العنف بأي شكل من أشكاله.
3) وطنية القيادات السياسية، فهدف النشاط هو مصالح الوطن و بالتالي ليس من المعقول أن يتبع أي تنظيم أو جماعة أو حزب لقيادة خارجية تحت أي مسمى سواء أممي أو إسلامي أو قومي.
4) وطنية الدعوة الفكرية للحركات السياسية، فليس من المعقول رفع شعارات أو أطروحات تدعو إلى تفريق الشعب أو تقسيمه إلى فئات أو إلى تقسيم الوطن أو إلى تجريد المجتمع من عقيدته أو جعلها مدارا للخلافات السياسية. و بالتالي كل الدعوات أو التجمعات الدينية أو المذهبية أو العرقية أو الجهوية أو الإلحادية تمثل خطرا على ثقافة و مكتسبات المجتمع التقليدية.
5) محلية التمويل، فمن غير الصحي قبول أي تنظيم أو جماعة تمويل أو تبرعات من أية جهة من خارج ليبيا لأن مثل هذا إذا حدث يفرض على المتلقين للدعم تقديم تنازلات و خدمات قد تضر بمصلحة بقية أفراد المجتمع.
6) الالتزام بالشرائع و القوانين المحلية المنظمة للعمل السياسي تحت كل الظروف.
7) الانتشار الأفقي على أرض الوطن، فلا يجوز أن يكون النشاط إقليميا أو جهويا أو قبليا بحيث تتضح فيه ملامح التكامل الوطني، و يتوفر له الحد الأدنى من العدد المطلوب لترخيص النشاط. و هذا يكفل مصداقية التمثيل السياسي و ينقذ البلد من التشرذم السياسي في تنظيمات قزمية.
8) الالتزام بمبادئ فكرية كجوهر لأي تنظيم و الابتعاد عن الشعارات الجوفاء و تكرار التجارب الصنمية و التي تنتهي بسيطرة الأقلية و العائلة ثم الفرد الطاغوت. علينا أن نستوعب الدرس من شعارات الانقلابات العربية و تحويلها إلى مبادئ وهمية وصلنا من خلالها إلى ما نراه الآن.

خامسا: الحكومة الانتقالية الوطنية

        سوف تبرز الحاجة إلى تشكيل حكومة وطنية انتقالية في خلال الأيام القليلة القادمة و هنا يجب التأكيد على أنه
في ليبيا كفاءات ليبية على مستوى عالمي و عالي و لا حاجة للاعتماد على شخصيات ارتبطت بالنظام الفاسد، فكل هؤلاء يمثلون خطرا على التحولات الديمقراطية و تصحيح مسار المجتمع. و لقد دفعنا ثمنا باهظا للوصول إلى هذه النقطة من الزمن فلا تضيعونا.

سادسا: انطلاق العمل السياسي الوطني

        بالرغم من أن الجميع على الساحة الليبية يبدو هادئا الآن، فإنني أعرف أن العديد من التنظيمات السياسية الليبية لديها مشاريع أحزاب سياسية تمت دراستها و إعدادها و لديها أشكال تنظيمية و علاقات تنظيمية و سوف تحاول القفز على الأحداث بمجرد سقوط النظام. بل و أرى لها تحركات منظمة على شاشات القنوات الفضائية للتأكيد على وجودها و إبراز قياداتها و التعريف بها.
 و نحن نحترم الاختلاف في وجهات النظر و لكننا كنخبة وطنية ليبية نحتفظ بحقنا في التحرك على الساحة الليبية من خلال حوار فكري يدعو إلى استحداث تنظيم للنخبة الوطنية في الداخل و الخارج و خاصة بين قطاع الشباب الذي يمثل أغلبية المجتمع في الوقت الحالي. و هدفنا من هذا الطرح هو المشاركة الإيجابية و المساهمة في تشكيل المشهد السياسي الليبي الديمقراطي و كلمة الفصل في النهاية ستكون للشعب في اختيار من يرى فيه القدرة على تحقيق أهدافه بناء على قناعات مشتركة و ليس على مصالح أو مشاعر عاطفية عابرة.
 ولقد قمت بالدعوة إلي تشكيل تجمع سياسي في دعوة وجهتها لحوالي مائتين و خمسين شخصية ليبية في الداخل و الخارج  الذين لدي عناوينهم، و نحن في تشاور بهذا الخصوص و لكنني رأيت أن أفتح الباب لكل من يرغب في المساهمة في هذا المشروع الحضاري وسوف يتم تطوير العمل من خلال النقاش و اعتماد رأي الأغلبية في كل قرار بهذا الخصوص.
 و يمكن لكل من له رغبة الاتصال بنا على العنوان الآتي:
H.watnilibi@gmail.com                           
و نصيحتي لكل من يفكر في ولوج عصر التفاعل السياسي أن يتحلى بالصبر وأن يكون قادرا على إقناع الآخرين بوجهة نظره بشكل أخوي و صادق، و هذه العملية قد تأخذ وقتا طويلا لكي تؤتي ثمارها فنحن نخرج من عهد ظالم و دموي قضى على كل مقومات التفاعل الفكري بيننا. 

No comments:

Post a Comment