إن صناعة المستقبل الكريم تحتاج إلي رجال أحرار، أحرار في القرار وأحرار في الأختيار لا قيد يلزمهم إلا مصلحة الوطن وقواعد الدين الحنيف. فالرجال الأحرار هم الذين يبنون وهم الذين يدافعون. وهم الذين يضحون وهم الذين يحققون الحرية وهم الذين يقودن النهضة.
الحرية قبل التحرير
في السبعينيات كتب الأستاد سليم اللوزي مقالاً في مجلة الحوادث بعنوان" الحرية قبل التحرير يا أبو عمار "، ولقد دفع الكاتب حياته ثمناً لهذا المقال والذي تحدث فيه عن أهمية معنى الحرية والممارسات الديمقراطية في المخيمات في لبنان في مرحلة النضال من أجل التحرير ودلل على كلامه بمقولة عنترة بن شداد الذي قال " إن العبد لا يكر " عندما طالبه شداد بالكر على الأعداء، ثم أبرز بطولات عنترة بعدما حرره شداد ونسبه إليه . وفي نفس المقال عرج الكاتب على بعض الأنظمة العربية، مؤكداً على أهمية الممارسات الديمقراطية في ظل الحرية في نسيج العلاقة بين الشعب والقادة. والآن ونحن نرى مراحل النضال الفلسطيني تصل إلي طريق مسدود تسجن فيه السلطة الوطنية المناضلين وتعاقب العصابات الصهيونية أهل الشهداء بتدمير بيوتهم، كما نرى العراق والمنطقة العربية على أبواب مرحلة جديدة من الاستعمار المباشر لا نجد بديلاً عن مبدأ الحرية قبل التحرير. فالأصل في الأمر أن يكون الانسان حراً في وطنه وبين أهله لكي يقرر النضال، لكي يقرر الجهاد ، لكي يقرر الأستشهاد أما إذا كان عبداً مأموراً فإنه لا يفكر إلا في الهروب من المسئولية، ومن النضال ، ومن الجهاد، ومن المعركة وشتان بين الأحرار والعبيد.
إن أمتنا العربية والأسلامية تتطلع إلي اليوم الذي تأخذ فيه مكانها كأمة مستقلة ذات سيادة تتعامل مع الأمم الأخرى على قدم المساواة، تفتخر بحاضرها وتصبو إلي مستقبل أفضل،والبشرية بحاجة إلي دورها في إحياء قيم العدل ونشر السلام في ربوع الدنيا في هذا الوقت أكثر من أي وقت مضى. لكن أنى لها هذا وهي تأن تحت استبداد أبنائها وتدميرهم لكل الامكانيات والطاقات واستخفافهم بكل قيمها. إن الطريق إلي تحرير الأمة وتوحيدها لن يتم إلا إذا تحققت الحرية الكاملة لأبنائها. نعني بالحرية حرية الفكر، حرية النشاط الأقتصادي والأجتماعي من أجل البناء. وتحقيق الحرية الكاملة هو جزء من ثقافة ومنهاج حياة، فنحن دائماً نقول " لا إله إلا الله " وهى تعني أنه لا يوجد سيد يستحق الطاعة الكاملة ونحتاج إلي رضاه كاملاً إلا الله، لا زعيم ولا قبيلة ولا حزب ولا جماعة يجب أن يكون لها هذا الحق أو حتى جزء منه فالاحزاب والحركات والجماعات وسائل يتجمع فيها الناس لتحقيق غايات سامية تخدم مصلحة المجتمع ككل ويجب ألا تتحول إلي معبودٍ آخر أو دين جديد. وإذا كانت الحركات أو الجماعات تصنع قيوداً بأسم السمع والطاعة والالتزام بالعمل فإن هذا يجب ألا يرقى إلي مستوى التضحية بالهدف من أجل الوسلية. وللأسف كثيراً مانلاحظ الصدام الحاد بين الحركات ذات التوجه الواحد مثل روافد التيار الاسلامي أو أجنحة التيار القومي أو فصائل المقاومة أكثر من الاشتباك مع العدو المشترك لها. كما نشاهد ضراوة المعارك بين الدول العربية المتجاورة على عدة حدود في الوطن العربي بينما لا يحدث مثل هذا مع العدو الصهيوني. كما يمكننا أن نسجل مشاركات الجهات الشعبية في الوطن العربي في النضال من أجل التحرير أيام الأستعمار في فلسطين والجزائر وليبيا كان أكثر وأفضل من الدورالذي تقوم به الدول العربية مجتمعة في جامعة الدول العربية. فبالرغم أن ليبيا لم تكن مستقلة سنة 1948 م إلا أن شبابها تطوع ورحل إلي فلسطين وشارك في المعارك وبالرغم من أن الجميع كان ينظر إلي العهد الملكي في ليبيا على أنه رجعي إلا أنه ساهم في تحرير الجزائر أفضل مئة مرة من مساهمة أي دولة عربية في النضال الفلسطني حالياً وهذا يدل على أن الاستقلال الوهمي والأنظمة القطرية كبلت المواطنين وهمشت دورهم في الحياة السياسية والحياة بصفة عامة إلي حياة ميت ينتظر ملك الموت، فلا حياة بدون الحرية ولا معنى لاستقلال بدون حق المشاركة في تقرير المصير من خلال ممارسة السلطة. الحرية مبدأ سامي لا يجوز أن نساوم عليه أو نرضى بحل وسط فيه وهي ممارسة على أرض الواقع وليست شعاراً يرفع ليقتل الناس لأجله. وأعتقد أن الطريق إلي الحرية يحتاج إلي صبر وتضحيات وعمل دؤوب من خلال نضال تشارك فيه فئات المجتمع. وتحقيق الحرية كاملة يعني السعادة للجميع والازدهارللجميع والعزة للجميع والتقدم للجميع. وإذا كانت الحرية غايتنا فيجب أن تكون وسيلتنا، وبتأكيد أهمية الحرية في حياتنا وخلال نضالنا نؤسس لها ونجذر لقيمتها بيننا وفي مجتمعنا ونفوسنا. ولن يتم لنا التحرير الكامل إلا إذا تحققت فينا وبيننا الحرية من كل شئ فالماديات تفنى ولا تبقى إلا المبادئ السامية. وعندها يمكن لأمتنا أن تكمل مشوار التحرير كبقية شعوب العالم. فلا يوجد خيار أمام الشعوب العربية إلا خوض معركة التحرير والله لا يغيرما بقومٍ حتى يغيروا ما بأنفسهم. إن ما حدث منذ عشرات السنين هو استقلال شكلي ولكننا الآن بحاجة إلي أن نحرر:
· الإرادة السياسية بإفراز قيادات منتخبة تمثل الجماهير وتدافع عن مصالحها وتقودها بإخلاص.
· الإرادة الأقتصادية بتسخير امكانيات الأمة العربية الأقتصادية لبناء قدرتها وقوتها وتأسيس اقتصادها على أسس زيادة الأنتاج وعدالة التوزيع بما يحقق الرخاء للجميع.
· الإرادة الحضارية بتحقيق الحرية وحقوق الإنسان بما يحقق انطلاقة فكرية وثقافية وحضارية ابداعية تساهم في صنع مستقبل الأمة وتثري التقدم الحضاري للبشرية.
· الإرادة العسكرية بيناء كوادر عسكرية وطنية تؤمن بالله وبعزة الأمة وتتسلح بالعلم والايمان لحماية الأمة في عصر التقنيات المتقدمة بكافة الوسائل.
ربما يكون الطريق محفوفاً بالمخاطر ومعبداً بالتضحيات، لكنها كلها تهون في سبيل سعادة أبناؤنا وأحفادنا وعزتهم. ولقد كان الطريق أصعب على عبد القادر الجزائري وعمر المختار وأحمد بن بيلا ويمكن أن تكون مهمتنا أسهل بكثير إذا تعلمنا الحوار بدل الصراع وحسن الظن بالجميع بدل سوء الظن، ومحاولة التلاقي بدل التنافر والتناحر، واتبعنا سياسة المراحل بدلاً من القفزات الخيالية والتي تنتهي بنا في الحفر. ولنكن على يقين من أن المستقبل الزاهر فيه خير الجميع وسعادة الجميع ويحتاج إلي جهد الجميع. إذا وعينا ذلك جيداً وقام كل منا بدوره توزع الثقل وقل الضرر.
No comments:
Post a Comment