لقد ارتبط تاريخ البشرية فى هذا الكون بعمارة الارض و العيش عليها و معها و بها. و تطور هذا التعمير باشكال و انماط مختلفة عبر التاريخ بعضها تميز بالتعايش مع البيئة و الحفاظ عليها بينما أهمل هذا الجانب فى فترات عديدة جريا وراء الكسب السريع او الحلول المؤقتة و كل هذا تأثر بالدرجة الأولى بثقافة العصر السائدة. و العمارة الخضراء أو الصديقة للبيئة و المنسجمة مع نواميس الكون هى تلك العمارة التى تحافظ على نظافة البيئة و جمال الطبيعة و توفر المحيط المناسب للحياة على الارض بشكل مريح.
وفى هذا العصر الذى طغت عليه المادة نرى بأم أعيننا صدق ما قاله الله سبحانه و تعالى فى كتابه الحكيم: "ظهر الفساد فى البر و البحر بما كسبت أيدى الناس" ؛ و نلمس هذا فى تلوث الجو بالغازات الضارة و تلوث البحر بمخلفات المصانع و تلوث البر بالنفايات و تلوث الانهار بمياة الصرف الصناعى ، و ارتفاع درجة الحرارة فى الارض بسبب الاحتباس الحرارى الناجم عن كل هذا التلوث ثم فى النهاية تلوث صحة الانسان و الحيوان و النبات و تدهورها من جراء كل هذه الظواهر مجتمعة. إ نها فى النهاية دائرة مغلقة متصاعدة بشكل يهدد الحياة على الارض بجميع أشكالها.
و تنطلق العمارة الخضراء عبر عدة محاور أصلها هو التناغم مع خلق الله و نواميسه فى هذا الكون. و المحور الاول يرتكز على اسس التصميم العمارى بما يخدم الاستخدام الأمثل للإمكانات المتاحة من حيث الفراغات المثلى و ملائمتها لحاجة المستخدم ، و المواد المستعملة الصديقة للبيئة و الألوان و الأشكال الملائمة للطبيعة المحيطة و الاستهلاك الاقتصادى لمصادر الطاقة، ثم بالإعتماد على أسليب التدوير لإعادة استخدام المخلفات الناتجة من البناء أو الاستعمال. و هنا يجب أن لا يفوتنا أن نؤكد على ضرورة اللجوء الى المعمارى المتخصص فى اعمال التصميم و يتضح هذا جليا فى الصورة الآتية.
تناغم المبنى مع الطبيعة
و المحور الثانى يؤسس لأساليب إنتاج مواد البناء بالإستخدام الامثل للموارد الطبيعية بما يضمن سهولة إعادة استعمالها و تدويرها من جديد، و كما نعلم هناك بعض المواد المستعملة الآن لا تقبل التدوير و يصعب التخلص منها باساليب صحية بيئيا. ثم تأخذ فى الاعتبار خواص هذه المواد من المزايا الاعمارية و هى درجة العزل للحرارة و الصوت و طول العمر المفيد و القدرة على تحمل الاحمال، اى الصفات الميكانيكية.
عازل حرارى داخل الجدار
عازل حرارى مناسب للمسطحات
نوافذ ذات عزل حرارى عالى
اما المحور الثالث فيعنى بأساليب البناء بحيث يستعمل البناؤون الموارد و القدرات لإتمام المبنى بأسلوب إقتصادى من حيث كمية المواد وإستهلاك الطاقة و زمن التنفيذ و جودة المنتج. فعلى سبيل المثال يمكن تيسير عملية البناء بإستخدام و حدات بناء خفيفة الوزن عالية العزل و سهلة التجميع و التركيب.
ارضية خشبية فوق عازل حرارى
أما المحور الرابع و فهو الاستخدام و الاستعمال المستديم للمبنى بما يحقق الحفاظ على البيئة باستخدام إقتصادى لمصادر الطاقة و بتدوير المخلفات و صيانة المبنى حسب المواصفات المطلوبة.
اسقف معشبة
ثم يأتى المحور الخامس و الذى يعنى بإستخدام الطاقات المتجددة فى تزويد المبنى بما يحتاجه من إضاءة و تكييف لدرجات الحرارة صيفا و شتاءا و من تسخين للمياة بالطاقة الشمسية أو الطاقة الجيوحرارية ، أو فى توليد الطاقة الكهربائية باستخدام الخلايا الشمسية و الرياح، كذلك يعنى بتجميع و تخزين مياه الأمطار و استغلالها الاستغلال الأمثل.
تسخين المياة بحرارة الشمس
كهرباء من الرياح
خلايا شمسية لتوليد الكهرباء
و يمكن تحديد أهم مزايا العمارة الخضراء فى النقاط الآتية:
التصميم الإقتصادى الذى يستعمل الفراغات بكفاءة عالية تناسب حاجة المستخدم.
التصميم المعمارى الملائم للبيئة المحيطة.
الإستخدام الأمثل للموارد الطبيعية بالمنطقة.
استخدام مواد البناء الصديقة للبيئة من حيث العزل الحرارى و الصوتى و التدوير.
استخدام أساليب البناء الصديقة للبيئة و تدوير المخلفات.
الاستعمال الإقتصادى للطاقة بالمبنى.
الإعتماد على مصادر الطاقة المتجددة.
معالجة و تدويرجميع المخلفات و الإستفادة منها.
تجميع و استغلال مياه الأمطار.
إستخدام أساليب الرى الاقتصادى.
توفير جوصحى و مريح للمستخدم من حيث درجات الحرارة و الضوضاء و الإضاءة.
اما من الناحية المادية فإن البيت الاقتصادى ليس بالضرورة هو البيت الرخيص، و المردود الهام لأى مبنى يكمن فى درجة الاستفادة و تكلفة هذا الاستخدام عبر السنين. و لقد ثبت فى كثير من هذه المبانى فى أوروبا أنها إقتصادية على مدى عشرة سنوات بالرغم من انها لازالت فى طور التجريب و لم تكتسح السوق بحجم كبير يساعد على إنخفاض الاسعار.و بالنسبة لمنطقتنا حيث الطاقة المتجددة موجودة بوفرة و المياه شحيحة جدا فإن الوقت قد حان لولوج هذه التقنية، و لقد استعمل الانسان العربى فى القديم أنماطا من البناء هى أكثر صداقة للبيئة مما نراه فى القوالب المستوردة لتقنية البناء فى الوقت الحالى.
و فى خضم النهضة العمرانية الحادثة فى وطننا الحبيب و بشكل غير مسبوق حجما و امكانيات مادية و تنفيذية أتوجه الى المسئولين عن هذا القطاع بضرورة الاسراع فى بعث و تطوير أساليب العمارة الخضراء فى وطننا الحبيب كى ندخل عصر الصداقة مع البيئة و عصر الطاقات المتجددة بمختلف اشكالها، و بالتالى تثمر هذه الاستثمارات فى تطوير حياة و ثقافة المواطن الليبى لعدة اجيال. و بالتأكيد هذا سوف يساعد على دعم الشركات و المؤسسات المهتمة بمثل هذه التطورات و يساهم فى نشر الوعى البيئى والمعمارى السليم فى المجتمع الليبى.
No comments:
Post a Comment