الوطن كقطعة من الأرض قد تختلف عن غيرها من المواقع، لكن بالتأكيد هناك على سطح الأرض مثلها، أو أسوأ منها، أوأفضل منها من جوانب مختلفة، لكن المثل الليبي يقول " بلاد بلا ناس ما تنداس"، أي أن الأرض بلا ناس ليس فيها ما يدعو المرء إلى البقاء. فهل الوطن هو الناس؛ أي أن الوطن هو العلاقات البشرية سواءً علاقات الدم والقربى أم الصداقة أم روابط الدين واللغة والمصالح؟ أم الوطن هو المكان الذي تجد فيه نفسك وتشعر فيه بالحرية والأمان على أهلك ومالك ودينك؟
أحد الدعاة قال: المسلم يكون غريباً إذا لم يمارس دينه بكل حرية، أما إذا سمح له المكان بالحرية الدينية فهو في وطنه، فالأرض كلها وطن المسلم. وبنفس المقياس فإن الإنسان العربي لا يكون في وطنه إلا إذا تحدث بالعربية وفكر بالعربية وتغنى بالعربية ولبس اللباس العربي واكل الأكل العربي وسمع الموسيقى العربية، ورأى وجوهاً عربيةً أبيةً يشعر بها وتشعر به، تتألم لألمه ويتألم لألمها. عندئدٍ السلام له معنى والإشارات لها معنى والنظرات لها معنى, وكذلك الشارب له معنى واللحية لها معنى والعمامة لها معنى والحياء له معنى والكرم له معنى والشجاعة لها معنى والحياة لها معنى والموت له معنى وكذلك الفرح له معنى والحزن له معنى والحب له معنى والفراق له معنى واللقاء له معنى. العيد له معنى والدين له معنى، الأخلاق لها معنى والشهامة لها معنى. الوالد له معنى والوالدة لها معنى والولد له معنى والجد له معنى ... الخ الخ ...
وهنا يمكن القول إن الوطن هو حيث تجد لكل شيء معنى تفهمه وترضاه؛ وإن لم يكن ذلك كذلك فأنت غريب عن وطنك .
فالوطن أكبر من الأرض والمال والمصالح والناس. الوطن له معنى يجعلنا نضحي في سبيله بالغالي والنفيس. الوطن له طعم خاص في شجره وزهره وشوكه، ولو كنت فيه وحيداً تعرفه وتحس أنه يعرفك. تحن إليه وتشتاق إلى رؤيته، تشتاق إلى الهواء الساخن والنسيم اللطيف، وتشتاق إلى البحر الهاديء صيفاً والموج الهادر شتاءاً. كل شيء فيه له طعم خاص ومتميز، قديم وعميق ومتجدد. إن الوطن له معنى حقاً ومن عرف المعنى دفع الثمن.
No comments:
Post a Comment