لقد منَ الله عليَ بصيام معظم أيام شهر رمضان المعظم في الصين لسنتين متتاليتين عام 2009م و2010م تعرفت من خلالهما علي مسلمي الصين في مدينة نانجين عن كثب و حضرت معهم أداء شعيرة صلاة العيد و الاحتفال بعيد الفطر المبارك؛ فرأيت أن أسجل هذا للتاريخ و أشرك معي القراء في التعرف على هذه الشريحة من العالم الإسلامي. لعلنا نساهم يوما ما في دعم مسيرة الإسلام و المسلمين في هذا البلد النامي.
إعلان دخول الشهر
الصيام في الصين
يصوم الصينيون في العادة ثلاثين يوما فبعد التأكد من بداية الشهر الكريم لا يهتمون كثيرا بهلال العيد و ذلك لعدم وجود جهة منظمة ترعى هذه العملية و لكبر مساحة البلد و صعوبة الاتصال بكل المناطق. و عدد المسلمين الذين يصومون الشهر فعلا قليل بالنسبة للتعداد العام للمسلمين من السكان. و تنظم المساجد في شهر رمضان إفطارا جماعيا يشترك في دفع نفقاته جميع المشاركين المقيمين و يسع المجال لبعض الضيوف. و تشدد إمساكية رمضان على وقت الإمساك قبل صلاة الفجر، فهم يرون ضرورة الفصل بين الإمساك عن الطعام و الصلاة بما يمكن من قراءة خمسين آية، كما يتأخرون في الإفطار قليلا حيث يقوم الجميع بالدعاء قبل الإفطار. و وجبة الإفطار يتكون من فترتين، الأولى و تشتمل على أكل بعض التمرات أو الخبز أو الفطائر مع الشاي الأخضر ثم ينتقل الجميع إلى قاعة الصلاة لتأدية صلاة المغرب ثم بعد ذلك يعودون لاستكمال بقية و جبة الإفطار.
بانتظار موعد الإفطار
و تتكون الوجبة الرئيسة من الأرز و بعض الخضروات المسلوقة و بعض أنواع اللحوم و المرق و تختلف الوجبات من يوم لآخر و ما يبقى من الأكل يتم توزيعه في أكياس يعود بها المسلمون لبيوتهم. و في الإفطار في العادة لا يوجد أطفال و يبقون في البيت مع الأم أو الجدة. و بعد الانتهاء من الأكل يتناول الجميع الشاي و يتوزعون بين حجرات المكاتب و قاعات الجلوس حتى يحين موعد تلاوة القرآن، حيث تتم تلاوة القرآن لمدة لا تزيد عن نصف ساعة. يبدأها منظم التلاوة بالقراءة و الدعاء ثم يشارك بعض المسلمين بتلاوة بعض من قصار السور و في الختام يدعو المنظم و يتم رفع الآذان و تقام الصلاة مباشرة بعد الآذان. و يصلون ركعتين نافلة بعد العشاء ثم يصلون التراويح عشرون ركعة بقصار السور أو آية واحدة. و بعد كل تسليمة ينشدون بعض الأذكار، ثم يختمون بصلاة الوتر ثلاث ركعات متصلة بينها جلسة خفيفة، و في الركعة الثالثة توجد وقفة قصيرة لدعاء القنوت في السر, ثم بعد ذلك يسبح الجميع تسبيح ما بعد الصلاة و يدعو الإمام و يذهب الجميع إلى بيوتهم.
زكاة الفطر في الصين
تتميز الصين بظروف خاصة من حيث كون المسلمين أقلية داخل دولة شيوعية و لهذا يمكن أخذ العبر و الدروس من تجربتهم في الحياة. و في ما يخص الزكاة يحاول المسلمون هنا التصدق و تأدية الزكاة و خاصة زكاة الفطر بالرغم من دخلهم المحدود جدا. فهم يتصدقون طلبا للرحمة لموتاهم. و في العادة يتم دفع الصدقات و الزكاوات للأئمة و يتم إنفاقها على الأئمة لعدم توفر مصدر للدخل لهم من أية جهة كانت و يعتبر علماء مسلمي الصين هذا الإنفاق في سبيل الله من أجل توفير أئمة و معلمين بالمساجد. فإذا سمحت لك الظروف بزيارة الصين فلا تنس أن تحمل معك بعض الصدقات و أموال الزكاة لدعم إخوانك المسلمين بالصين.
بهجة العيد في مسجد نانجين
بعد صيام ثلاثين يوما من شهر رمضان تبدأ ملامح العيد في الإشراق على المكان، فترى أعلاما بألوان مختلفة و بعض اللافتات من اليوم التاسع و العشرين، كما يبدؤون بفرش المسجد ليوم العيد. فيوم العيد هو يوم الإسلام في الصين فيأتي إلى لمسجد من صام و من لم يصم، كما يأتي من يصلى و من لا يصلى و فيه تقام الأسواق لبيع الحلويات و المأكولات و اللحوم الحلال.
جانب من صلاة العيد
يبدأ البرنامج ليوم العيد مبكرا، فتبدأ إذاعة المسجد بملأ الجو بآيات من القرآن الكريم من خلال تسجيلات العديد من مشاهير القراء بدون أن ينتبه احد لها أو لمعانيها، فهي في الواقع خلفية صوتية لهذا الحدث. فالجميع يتحدث و لا يفهمون ما يقال، و لا يوجد تكبير أو تحميد أو تهليل كعادتنا في البلاد العربية و الإسلامية الأخرى. و الجميع مشغول بلقاء الأصدقاء أو تجهيز ما ينوى بيعه للناس. ثم يقوم أحد الأئمة فينصح الناس بضرورة الاعتصام بالدين و التمسك بالصلاة و مراعاة الآداب الإسلامية. و عند اقتراب وقت الصلاة يأتي الأمة الأربعة أو الخمسة جميعا و كل واحد منهم يحمل في يده عود من الطيب إلى المسجد و يجلسون حول المحراب و عندها تبدأ مراسيم صلاة العيد على الطريقة الصينية، فيتحدث كل من الأمة عن جوانب من العيد و صلاة العيد أو يتلو بعض الآيات القرآنية. بعد ذلك يؤم أحد الأئمة المصلين في صلاة العيد و يخطب خطبة العيد، و قد لفت نظري مشاركة جميع الأئمة في مراسم العيد و بعد الصلاة رأيت جموع من المصلين تذهب إلى حجرات الأئمة طلبا لقراءة القرآن و الترحم على موتاهم و الدعاء لهم و يقدمون بعض الصدقات لهم فعرفت سر مشاركة جميع الأئمة في طقوس الصلاة لكي يتعرف عليهم الناس.
جانب من الاحتفال بالعيد منطقة السوق
في عيد الفطر هذا العام شارك في الصلاة ما يقارب من أربعة آلاف مسلم من بين حوالي ستة آلاف مسلم حضروا إلى المسجد، و البقية كانت مشغولة في السوق و الأكل و الاحتفال. و كان الحضور من الطلبة العرب و المسلمين الوافدين للدراسة ملحوظا في جو من المحبة و التراحم، و استمرت مراسم الاحتفال و انعقاد السوق إلى ما بعد صلاة الظهر في ذلك اليوم، حيث بدت المنطقة المحيطة بالمسجد كحي إسلامي بسبب كثرة المسلمين فيها.
إنتهاء صلاة العيد
والحمد لله على نعمة الإسلام التي جمعتنا من ديار بعيدة و شعوب مختلفة لنحتفل بالعيد، و الحمد لله أن أجدادنا لم يكونوا أمثالنا فجابوا الصين و نشروا فيها الإسلام في وقت لم تتوفر فيه لديهم وسائل اتصالاتنا و لا وسائل مواصلاتنا الحديثة.
No comments:
Post a Comment