تمهيد....
الحركة الكشفية هي حركة اجتماعية وثقافية وتربوية تهتم بتوفير جو صحي نفسيا واجتماعيا لتسخير طاقات منتسبيها في أعمال ونشاطات تعود عليهم وعلي المجتمع بالفائدة . ولكي تحقق هذا الهدف تقوم بتنظيم أعضائها حسب فئة السن والجنس مع توفير قيادات قادرة علي استيعاب الفروق الفردية واحتوائها من خلال مجموعات صغيرة متجانسة تسمي أحيانا طلائع وأحيانا باقات. ويتم إعداد المنتمين إليها حسب فئة سنهم في مستويات متعددة تبدأ بدرجة مرشح إلي درجة قائد أو قائدة مسئولين عن عدة فرق أو أفواج.
فتيان الكشافة في مخيم
وخلافا لما قد يظنه بعض الناس فان الحركة الكشفية ليست حركة إصلاحية، فهي في الواقع تفترض في المنتسبين إليها أنهم يمثلون الوسط الذي يعيشون فيه، ولديهم ميل إلي عمل الخير و حب التعاون. والحركة لاتركز اهتمامها علي المتميزين مثلما يحدث في الأندية الرياضية ولكنها تستخدم روح الفريق والتعاون وحب الخير للجميع كقيم كشفية مرجعية لتنمية مواهب الجميع.
ماذا توفر الحركة الكشفية لمنتسبيها ؟
توفر الحركة للمنتسبين لها فرصة الاستفادة من وقت فراغهم في نشاط عام يجمعهم بأقرانهم من نفس السن ولكن تحت إشراف مسئول ملم بمشكلات الشباب وقدراتهم. فمن خلال المجموعات الصغيرة والتي لاتزيد عن عشر ولا تقل عن سبع وتحت إشراف رئيس المجموعة ونائبه يلتقي الفريق وينظم لقاءاته من خلال برنامج عمل يطرح علي قائد الفرقة ومساعديه. وعادة ما تتكون الفرقة من أربع مجموعات صغيرة تسمي طلائع في فرق الفتيان. ورئيس الطليعة يسمي عريف وله نائب ويتم إعدادهما من خلال نشاط الفرقة ومخيمات إعداد ودورات وامتحانات يجتازونها مع توفر موهبة القيادة لديهما. وعاده مايتركز النشاط الكشفى في وقت الفراغ وفى العطلات الصيفية بما لايؤثر علي الدراسة.
نزهة في الغابة
إن توفير جو صحي تحت متابعة في برامج ثقافية واجتماعية وتربوية وخيرية يعتبر مكسبا كبيرا خاصة إذا كان الأبوان مشغولين جدا أو غير قادرين علي توجيه الأبناء لأسباب أخري وهذا هو الحد الأدنى من الاستفادة.
ويمكن أن نسلط الضوء علي بعض المكاسب التي تحقق بشكل مباشر وغير مباشر من خلال الانخراط في النشاط الكشفي والتي لها أثر بالغ في نجاح الكشاف في حياته العملية.
1.تنميه المواهب وبناء القدرات:
تقوم الحركه من خلال نشاطاتها المختلفة باكتشاف المواهب وتنميتها. وسواء كانت هذه المواهب أدبية أو علمية أو فنية أو ثقافية أو رياضية فان الحركة لها نشاطات شاملة في فترات ومواسم مختلفة حسب فصول السنة وبرامج الدراسة لكل طليعة أو فرقة و تضع ضمن برامجها نشاطات من الأنواع المذكورة أعلاه بالإضافة إلي النشاطات الخيرية والتطوعية حسب المواسم والإحداث المحلية والعالمية. والكشاف عادة يطلب منه المشاركة في معظم هذه النشاطات بالإضافة الي الإعمال التدريبية والتنظيمية في نشاطات الفرقة أو الطليعة او المخيم .
الفنان الكشاف سالم بن زابيه في سهرة كشفية
والكشافة يهتمون بالأناشيد الجماعية التي تنمي روح الانتماء للحركة وللوطن وللبشرية وحب الخير والسلام والعدل، كما يهتمون بنشاط التمثيل والرقصات الكشفية وكذلك السباحة وركوب الخيل والرياضات الاخري المعروفة وخاصة الرياضات الجماعية.
2.روح الفريق أو العمل الجماعي:
معظم نشاطات الحركة الكشفية تركز علي تنمية روح الفريق؛ بحيث يتساوى جميع الأفراد في كل المسئوليات ويعملون دائما علي إبراز صفات طليعتهم أو فرقتهم أو حركتهم.
طليعة تستعد للمسير
وهذا يبرز بشكل خاص في النشاطات الخدمية من طبخ وتنظيف وحراسة وإعداد المقر والمحافظة عليه وهذه الصفة تنمو مع الأيام وتتعمق، وتنمو معها المواهب القيادية.
3.تنمية المهارات القيادية:
من خلال النشاط الجماعي المنظم يتم اكتشاف الأعضاء الذين يملكون مواهب قيادية و بالتالي يتم تنميتها من خلال التدرج في سلم المسئوليات حسب العطاء والقدرة علي المواصلة، وبطبيعة الحال فإن البعض يمكن أن يتوقف عند مستوى معين أو قد يبعد إذا لم يحافظ علي المستوي المطلوب من الأداء.
صورة لنخبة من قادة الكشاف في منطقة درنة
والقدرة علي القيادة تبرز من خلال القيادة بالنموذج، والقدرة علي اكتساب ثقة الفريق أوالفرقة وقيادتها، ومن خلال المحافظة علي الانسجام في الطليعة والنجاح في إقناع المرؤوسين علي التعاون الكامل وطاعة الأوامر والتعليمات.
4.تنظيم الوقت:
يتعلم الكشاف تنظيم الوقت بحيث يخطط لكل عمل يقوم به في الوقت المناسب. ولا ينسى وقت الراحة أو القيلولة التي تساعده علي استعادة نشاطه.
جلسة لتنظيم الإعمال
وعادة ماتجلس الطليعة لتضع برامجها الأسبوعية وتقدمها لقائد الفرقة للمناقشة والاعتماد، وكذلك فإن قائد الفرقة يناقش برامجه الشهرية مع الفرقة ويعتمدها من قادته. فهناك تسلسل في المسئوليات يضمن الاستفادة القصوى من جهد الجميع، وتنمو هذه العادة مع الكشاف في حياته فتجده دائما مصحوبا بتقويم فيه مواعيد ما يرغب في انجازه.
5.توزيع المهام:
من خلال البرامج الأسبوعية والمخيمات القصيرة والصيفية والرحلات يقوم الجميع بالمشاركة في كل المهام من التدريب العام إلي الرياضة بأنواعها ثم التمثيل والرقصات والأناشيد والحراسة انتهاء بأعمال الطبخ والتنظيف.
التعاون أساس العمل
وبهذا يتعلم الكشاف كيف يستفيد من جميع من حوله بأسلوب اخوي وودي. وقد ساهم الكشاف الليبي في عدة أعمال تطوعية داخل البلاد وخارجها وإثناء الأزمات والكوارث الطبيعية وأثبتوا قدرات عالية من العمل والانضباط والأمانة.
6.بعث الروح الوطنية:
لقد كان للحركة الكشفية دور مهم في ربط أبناء البلد الواحد والبلدان العربية من خلال المخيمات الصيفية الوطنية والإقليمية والعربية. فهذه المخيمات خلقت صداقات وعلاقات حميمة واعطت الفرصة للشباب للتعرف علي أبناء البلاد العربية الاخري وعاداتهم. كما أن الأناشيد الكشفية تنمي روح الانتماء ومحبة السلام والعدل والمساواة.
7.مناقشة المشكلات وتبادل الخبرات:
خلال نمو الكشاف من مرحلة الأشبال إلي الفتيان ثم الكبار، يكون قد مر عبر مراحل حرجة يحتاج فيها إلي إجابات لبعض أسئلته دون إحراج ودون تسيب وهنا يبرز دور التفاعل بين مراحل السن المختلفة تحت إشراف أمين.
د خليفة الباح يتحدث في ملتقى قدامى الكشافين
فوجود الشاب أو الفتاة مع مجموعة من نفس السن تساعد علي خلق الثقة بالنفس وبناء حوار هادف يمكن من خلاله إضافة إلى الاشراف الواعي والبعد التربوي فهم المشاكل ومحاربة أية عادات ضارة مثل التدخين او مجاراة الأنداد في أمور لا تحمد عقباها. فالنشاط العضلي في مخيمات العمل والإعمال الخيرية فيه استغلال لبعض طاقة الشباب كما أن النشاط الترفيهي والاجتماعي يروح عن النفس و هذا كله يوفر الجو المناسب للتفاعل السليم بين الأجيال.
8.توسيع الأفق الثقافي:
من خلال النشاط الثقافي والرحلات وحضور المخيمات داخل وخارج البلاد يتعرف الكشاف علي أنماط مختلفة من الحياة وطرق التفكير، ويستمع للعديد من الدروس والمحاضرات في الإدارة الكشفية والإدارة العامة والإسعاف ناهيك عن المحاضرات الثقافية والدينية والمسابقات و إصدار الجرائد الحائطية والنشرات مثل مجلة جيل و رسالة الشهيرة. كل هذه النشاطات تساهم في إخراج الشاب أو الفتاة من محيط المدينة الصغيرة او القرية إلي العالم بجميع إبعاده وبالتالي يتسع افقه الثقافي.
9.الاعتماد علي النفس:
إن التكامل في نشاطات الحياة الكشفية من تدريب وتعليم واختبارات وحضور مخيمات ومشاركة في الأعمال من حراسة وطبخ وترتيب وبناء مخيمات ومشاركة في أعمال الإغاثة و الأعمال الخيرية تعد الكشاف كي يعتمد علي نفسه وهذه تعتبر من أهم مقومات الإنسان المستقل.
أعمال جماعية
فعندما يدخل المرحلة الجامعية حيث يضطر للسفر والابتعاد عن الأسرة طلبا للعلم يكون قادرا علي مواجهة هذه الحقبة من حياته. أضف إلي هذا فالصداقات التي كونها مع زملاء من خارج منطقته ستساعده علي إلا يشعر بالغربة في أي مدينة حل بها.
10.تواصل النشاط الكشفي:
يتميز النشاط الكشفي بملاءمته لجميع مراحل النمو الإنساني، فيبدأ المرء طفلا في حركه الأشبال أو الزهرات ويستمر ليصبح من قدماء الكشافين وهنا قد يجد احفاده يشاركونه في النشاط .
م البخاري حودة يستلم الشارة الخشبية
وهذه ميزة لاتتوفر لمعظم الأنشطة الرياضية والاجتماعية. واذكر عندما عقد مخيم العائلات في غابه جود دايم، التقت عدة أجيال من الكشافين وأعدت كل اسرة طعامها بمفردها وجلست حيث تحب في أركان الغابة؛ ثم بعد العصر تحول الجميع إلي المسرح الصيفي، وكان اللقاء الجميل مع أنشطة الكشافة و كانت ذكرى جميلة لاتنسي لجميع أفراد العائلة.
تطلعات مستقبلية
بالرغم من الدور الممتاز الذي لعبته و تلعبه الحركة الكشفية في حياة الأجيال إلا أنى لا أزال أتطلع إلى تحسين دورها و أثرها في الحياة العامة من خلال تطوير إمكانياتها و قدراتها على العطاء. فعلى سبيل المثال لا الحصر يمكن إدخال بعض النشاطات التي سوف تزيد من استفادة أفرادها و كذلك استفادة المجتمع بصفة عامة و منها الأتي:
1) تيسير انتشار المعرفة و المعلومات .
2) تأسيس فرق متخصصة.
3) حماية البيئة.
أولا: تيسير انتشار المعرفة و المعلومات
تهتم الحركة الكشفية بتنمية قدرات منتسبيها في العديد من المجالات و منها نشر المعرفة و توفير مصادر المعلومات، و مع تطور التقنيات الحديثة في هذا المجال أرى ضرورة توفير مكتبة عامة بكل مقرات الكشافة و المرشدات للمطالعة و الإعارة بحيث يتوفر لديها في حدود عشرة آلاف كتاب يخصص جزء منها للأطفال و بالتالي تساهم في نشر الوعي الثقافي. أما في مجال التقنية الحديثة فأرى أن يتم إنشاء مكاتب للحاسوب و شبكة للمعلومات العالمية كي يتعلم الكشافة استعمالات الحاسوب بصفة عامة في مجالات الحياة و تسخيره بصفة خاصة في مجال المعلوماتية و الإعلام.
ثانيا: تأسيس فرق متخصصة
نظرا لاتساع رقعة بلادنا الحبيبة و تنوع تضاريسها و ظروفها البيئية و الجغرافية أقترح توجيه نشاط بعض الفرق إلى مواضيع تخص المنطقة المحيطة. فعلى سبيل المثال يمكن توجيه النشاط للتخصص في المعالم الجبلية، من تسلق الجبال و دراسة الكهوف و النباتات و الأحياء الجبلية و مصادر المياه و الحياة فيها. كما يمكن العناية بالجوانب التاريخية و السياحية لمناطق أخرى، ثم يأتي الاهتمام بركوب الخيل و المسير عليها أو تربية الإبل و ركوبها و تتبع مسارات القوافل القديمة. أما في المدن فيمكن التركيز على المباني التاريخية و الأسواق العامة و التقليدية و المساجد و تاريخ كل منها و كذلك المدارس، اى أن المقصود هو رصد كل معالم الحياة العامة و توثيق هذه المعلومات و نشرها من ضمن النشاط الكشفي.
ثالثا: حماية البيئة
هناك ارتباط و ثيق بين الكشاف و البيئة و أنا اعتقد بأن الحركة الكشفية لها دور هام في متابعة تطورات البيئة من الجوانب المختلفة. فعلى سبيل المثال يمكن مراقبة الحيوانات والطيور المهاجرة في مواسم الهجرة و الأحياء المستقرة في المناطق المختلفة من حيث أنواعها و إحصاء أعدادها و هذا يشمل الحيوان و النبات و التربة و الشواطئ و مصادر المياه. بالطبع هذا لن يحل محل الجهات المختصة و لكن ينشر ثقافة و يوجه الشباب للتخصص في هذه المجالات فى المستقبل .
وقفة وفاء وإكبار...
لا يسعني في ختام هذه المقالة إلا أن أحيي جميع القائمين علي حركة الكشافة والمرشدات في ليبيا و أخص منهم بالذكر المرحوم علي خليفة الزائدي وهو احد كبار المؤسسين ؛ وكذلك الدكتور منصور الكيخيا احد ابرز القادة المؤسسين ، كما لا أنسى المهندس البخاري حودة رمز الشباب الدائم في الكشافة، و كذلك الأستاذ علي عبد الجواد الشاعري مفوض الكشافة في منطقة درنة علي عطائه المستمر.
وتحية خاصة ووقفة تقدير واحترام للرائدات في مجال المرشدات اللاتي التحقن بالحركة الكشفية وواصلن المشوار لعدة عقود من النشاط، حيث برهنت الفتاة الليبية علي قدرتها علي المشاركة بكفاءة عالية و أخلاق حميدة.
No comments:
Post a Comment