Wednesday, February 2, 2011

المدينة هي حاضنة التقدم و المدنية




مدينة بريشة الفنان بشير حمودة

        المدينة هي الحاضرة و هي الحاضنة و هي الثقافة و هي التاريخ و هي الحضارة، المدينة هي الذاكرة الاجتماعية و هي وعاء التراث الحضاري. المدينة هي نسيج العلاقات و نمط العادات و التقاليد. المدينة هي محصلة نشاط إنساني تراكمي يتكون حول مراكز الاستقرار البشري. في العالم تبنى المدن حول مراكز المصلحة مثل الموانئ و الأنهار و ملتقى الطرق و القوافل و لكن الإسلام جعل مركزها المساجد و الجوامع فمثل ما يجمع الأذان الناس للصلاة تجمع المساجد السكان حولها كي يشعرون بالأمان و يتعاونون على الخير و الصلاح.

      و تتميز المدينة بالتواصل العمراني خلافا للقرية التي تنتشر فيها البيوت و المباني حسب توزع المزارع أو العائلات، و عادة ما تلتقي المباني في مركز المدينة حيث توجد المساجد و أقدم المباني و مقر الحاكم أو السلطة الممثلة له. و كل المدن العريقة لها طابع تتميز به و عادات و تقاليد خاصة بها و يرتبط هذا الطابع بتاريخ المدينة و أهلها و التطورات التاريخية التي مرت بها. و هيبة أي مدينة و مكانتها بين الفراغات المحيطة بها تعتمد على قدرة السلطات فيها، فمثلا نجد أن المدن الليبية كانت عرضة للغزو من قبائل الأعراب و الدواخل لدرجة أن هذه المدن كانت تحتمي داخل أسوارها معظم أيام السنة و خاصة بالليل حيث يتم غلق أبواب المدينة إلا باب واحد يستقبل الزوار و له حراسة خاصة. و بالرجوع إلى كتاب اليوميات الليبية يتكرر معنا أخبار إطلاق الرصاص و المدافع و الاشتباك مع قبائل الأعراب و الدواخل بشكل يومي أو أسبوعي مع وجود وفيات على الجانبين. فعقلية الأعرابي الجاهلية المؤسسة على الغزو و السطو و روح الانتقام يبرز دورها كل ما تخلف المجتمع و قلت نسبة المتعلمين و الدعاة فيه، أي عند ما تقل الدعوة إلى الله و يضعف الوازع الديني.

ذاكرة المدينة

        في كل مدينة حوافظ للذاكرة المدنية من مدارس و مساجد و زوايا و كتب و أشعار و حكايات، لكن تبقى سجلات الطابو أو دوائر التسجيل العقاري كأهم سجل لتداول الملك و الأملاك فيها. و بدراسة سجلات التسجيل العقاري يمكن التعرف على تغير التركيبة الديموغرافية لها مع تطور التوزيعة السكانية المالكة فيها. و لهذا السبب تحرص معظم الدول و المدن على أن يتولى رعاية هذه السجلات أكثر الناس أمانة و أفضلهم أصلا في المدينة، أما إذا تمكن الغرباء أو الدخلاء على المدينة أو الأجانب فسيدب الفساد إلى هذه السجلات و يتم التلاعب في الأملاك و خاصة أملاك الأيتام و أملاك الوقف و أراضي الدولة و أراضي المصلحة العامة كالحدائق و الساحات العامة. و عندها يمكن أن تختفي ملفات كاملة أو يتم تزويرها أو استبدالها ثم يتطور الأمر إلى حرقها و تدميرها بالكامل.
و للحفاظ على ذاكرة المدن الليبية نرى ضرورة تعيين أفضل القضاة و العلماء من أبناء كل مدينة للإشراف على إدارة التسجيل العقاري فيها و تحميل نسخ من جميع السجلات على الحواسيب في كل مؤسسات التوثيق الوطنية.

جذور المدينة

        المدينة هي حاضنة فكرية و ثقافية و بشرية ثابتة بثبوت أصولها و جذورها ألا و هي الساجد و المدارس و الأسواق الدائمة و مراكز الخدمات العامة. و قد تتطور أشكال و أنواع معظم هذه الجذور و يبقى الثابت الوحيد في المساجد و التي تعتبر وقفا لهذا الغرض. يمكن توسيعها و لا يمكن تحويلها لاستخدام آخر.


مسجد عمر بن الخطاب بغدامس
 بناء على ما تقدم نرى ضرورة الاهتمام بعمارة المساجد شكلا و تصميما و خدمات بحيث تتطور ادوار المساجد مع تطور الزمن و تغير الحاجة إلى خدمات مسجديه من نوع جديد. وفي العديد من المدن الليبية نرى نماذج ممتازة لتصاميم المساجد و لكنها قليلة و أحيانا فيها إهدار للإمكانيات بينما أغلبها سيء التصميم و سيء التنفيذ مع انعدام الصيانة المستدامة. لهذا نرى ضرورة مراجعة تصاميم المساجد من هيئة فنية متخصصة في العمارة الإسلامية و الفقه و التاريخ الإسلامي تحرص على روح العصر مع الإبقاء على جذور الأصالة في التصميم و هذا لا يعني توحيد نماذج التصميم لأن ذلك يعني تدمير الإبداع المعماري.

رئة المدينة

        كل مدينة تحتاج إلى متنفس في شكل مساحات خضراء للترفية و الترويح على سكانها و إضافة بعد جمالي من الطبيعة إلى جمال مبانيها، كما تحتاج إلى مساحات للتوسع السكاني و الخدمي و الاجتماعي. فمع نمو السكان تزداد الحاجة إلى مباني سكنية و أخرى خدمية و مواقع شغل و بالتالي تحتاج المدينة إلى مساحات توسع قانونية.


المدينة كتل صخرية، بريشة الفنان بشير حمودة

 و في كثير من المدن الليبية يتم تصنيف المناطق المحيطة بالمدينة على أنها زراعية بالرغم من عدم وجود المياه للري و انعدام النشاط الزراعي فيها أصلا،  و بالتالي بتم التضييق على المواطنين و ترتفع أسعار الأراضي و تنعدم البنية التحتية و لا يسمع المواطن إلا التهديد من الجهات الرسمية و بصفة دورية بواسطة الهاتف النقال، بأن الدولة سوف تدمر بيتك على رأسك إذا قررت البناء في خارج المخططات القزمية و التي تتحكم فيها أهواء سماسرة التخطيط العمراني. و للخروج من هذا المأزق يجب تحديد مساحات توسع عمراني قانونية و معتمدة و تتوفر فيها خدمات البنية التحتية و بأسعار معقولة.
و هنا كذلك نرى ضرورة أن يكون المسئولين عن التخطيط العمراني من أهل المدينة الأصليين المعروفين بالنزاهة و الاستقامة، و بالتالي يلمون بتاريخ المناطق و العائلات و يحرصون على مستقبل المدينة.

شريان الحياة في المدينة

          لا تعيش مدينة و لا تعمر و لا تستمر فيها الحياة بدون ماء، و الله تعالى يقول في محكم كتابه" و جعلنا من الماء كل شيء حي" و جودة الحياة و جمالها تتوقف على كمية المياه المتوفرة لكل ساكن في المدينة. و قد قامت الدولة بجهود كبيرة في توفير الماء و لكن دور المواطن في ترشيد الاستهلاك لا زال ضعيفا بل تم القضاء على كل الآبار الارتوازية و التي كان من المفترض أن تبقى لحالات الطوارئ و اختلطت المجاري بالمياه الجوفية نظرا للتسرب  بسبب تهري أنابيب الصرف الصحي و هذا أدى إلى تلوث المياه و انتشار الأمراض بالمدن.
و كمجتمع يعيش في المناطق الجافة نسبيا علينا أن نهتم بتدوير المياه و إعادة استغلالها في الري أو التنظيف على مستوى البلدية و غلى مستوى المواطنين مع الاقتصاد في استهلاك المياه في كل استخدام.  

No comments:

Post a Comment