قبل القرن العشرين لم يعرف العالم الدويلات العربية والإسلامية التي نراها الآن، جزء كبير من العالم الإسلامي كان تحت الدولة العثمانية وبقية أطرافه دخلت تحت حكم المستعمر الأوربي النصراني. وكانت الفرصة مناسبة لضرب الدولة العثمانية للقضاء على آخر شوكة للإسلام في العالم المعاصر و تم بالفعل ضرب الدولة العثمانية وقسم الأوربيون البلاد العربية والإسلامية. وبعد عدة عقود من بداية قرن التقسيم والفرقة قامت دعوات لتجميع وتوحيد الأمة أو إحياء دولة الخلافة في حركات متعددة في أطراف العالم الإسلامي اصطدمت بواقع التقسيم ورعاة التقسيم من دول وحكومات وملوك أو مماليك بالإضافة إلي ضعفها وقصورها الذي ولد معها بسبب ظروف انبعاثها . وبالرغم من الاصطدام الداخلي العنيف وسيطرة الحكومات على حكماء الأمة إلا أن الغرب المسيحي لم يطمئن للوضع . ولقد وصف نيكسون العالم الإسلامي بالمارد النائم وتوقع أن يحدث معه الصدام خلال ثلاثين سنة، وبالفعل لم تمر ثلاثون سنة حتى كانت ضربة العراق بداية الصدام الأخير بين الحضارة الإسلامية والحضارة المادية الملحدة المثمتلة في أمريكا وحلفائها. هل هذه هي نهاية المطاف للأمة أم بداية النهاية لأعداء الإسلام؟ إنها معركة هذا القرن.
قوة المارد بين النوم والصحوة
إذا نظرنا إلي الوضع العام للعالم الإسلامي نجد بعض مراكز القوة والتي تعاملت معها أمريكا حسب نوعها ومكانها في الوقت المناسب، ومن هذه المراكز:
1. مراكز القوة التقنية والصناعية، وأبرزها في اندونيسيا ، وماليزيا ثم إيران والعراق وباكستان وربما مصر بشكل محدود. ولقد قامت أمريكا بضربات اقتصادية نوعية لتحجيم كلاً من اندونيسيا وماليزيا في انهيار اقتصاد الشرق الأقصى وحاصرت إيران والعراق واخترقت باكستان وكبلت مصر بالديون والتضخم .
2. مراكز القوة الفكرية والعلمية، وأبرزها إيران والعراق ومصر والسعودية وتعاملت معها أمريكا ولازالت مستمرة في الحد من فعاليتها بأساليب عديدة من الحصار إلي الضغط السياسي أو الإعلامي والتهديد المباشر.
3. مراكز التغيير السياسي، وهي الدول المؤهلة لاستقبال قاعدة الدولة الإسلامية وهي إيران والعراق ومصر والجزائر. فالجزائر لها ثقل كبير في شمال أفريقيا ولكنها معزولة عن بقية العالم الإسلامي وبالتالي دورها محدود ولقد جرى ضربها داخلياً على أيدي العسكر المتحالفين مع الغرب . أما مصر فبالرغم من وزنها البشري والإعلامي إلا أن حصارها سهل فهي لا تحد بدول ذات وزن استراتجي وإسرائيل قادرة على تعطيل دورها بالإضافة إلي الأوضاع الاقتصادية المتردية فيها . بالنسبة لإيران نجح الإسلاميون فيها في الوصول إلي الحكم لكن الانغلاق المذهبي حرمها فرصة قيادة الأمة حتى حين. وبقيت العراق لديها الزخم الحضاري الإسلامي والقوة البشرية والتقنية وتحيط بها دول إسلامية ذات وزن استراتيجي قادر على قلب المعادلة على أمريكا والغرب جميعاً ، وإذا وصل الإسلام إلي الحكم في بغداد فإن جزيرة العرب كلها ومنطقة أسيا الصغرى وإيران وأفغانستان والباكستان متصلة من البحر المتوسط إلي المحيط الهندي وبالتالي توجد مقومات دولة إسلامية عظمى . ولهذا السبب ركزت أمريكا على العراق .
مكامن الضعف في هذا المارد
لقد التقت عدة عوامل داخلية ساهمت في إضعاف الأمة الإسلامية وتمكين الأعداء منها، وأهمها مكايلي:
1. تعميق مفاهيم الفرقة والتشتت في الأمة في التوجهات القومية ثم القطرية على المستوى البشري . ثم في التوجهات الحزبية لحركة النهضة حيث تحولت الحركات والتنظيمات من وسائل إلي غايات مقدسة يتم الذود عنها وتعميق الخلاف بينها كل يوم. أضف إلي هذا التفرق المذهبي .
2. إلغاء دور سيادة الأمة وكونها مصدراً لشرعية نظام الحكم بجعل الخروج على القانون والاستيلاء على السلطة بالقوة هو وسيلة تداول السلطة الوحيدة، بالإضافة الوراثة الجبرية مع مباركة مجامع الإفتاء في الأمة لهذا الأمر.
3. إتباع أساليب القهر والإذلال في التعامل مع تطلعات أجيال النهضة وطموحاتهم إلي مستقبل أفضل .
4. إخفاق علماء الأمة في فهم الواقع حين اختاروا ما تصورا أنه أقل الإضرار بعدم الخروج على الحكام، فعلى المدى البعيد ثبت أنهم اختاروا أكبر الأضرار وأخطرها، فالنتيجة هي هلاك محقق.
5. حكام الدمار الشامل فعلى غرار أسلحة الدمار الشامل عمل حكام هذه الأمة على تدميرها تدميراً شاملاً، وهذا يتمثل في :
· تزوير تاريخها وماضيها المجيد وتدمير الموروثات الحضارية للأمة وهذا تدمير للماضي الموروث.
· تدمير حاضرها من خلال التلاعب بثرواتها وخيراتها وتوجيهها لمصالحهم الشخصية و لخدمة الغرب.
· القضاء على القدرات التقنية والعلمية للأمة بدفع أعداد كبيرة للهجرة إلي خارجها أو تكبليهم بحياة تقضي على جهدهم ووقتهم في مشاريع وهمية أوفي الجري وراء لقمة العيش .
· القضاء على القدرات المستقبلية بعدم بناء أسس للتقدم من مراكز بحوث وجامعات وصناعات متقدمة.
· تدمير القدرات العسكرية وتحويلها إلي حماية أمنية للأنظمة ومطاردة لحركات النهضة وتحويل الجيوش العربية إلي أدوات قمع أجوف لا يقوى على مواجهة أعداء الأمة.
· التحالف الصريح مع أعداء الأمة وتمكنيهم من تنفيذ مخططاتهم في استباحة أرض الإسلام ويجب أن لا ينطلي علينا أعلام الاستهلاك المحلي حينما يدغدغ مشاعر المشاهدين ببعض عبارات الشجب.
إن كل النقاط المذكورة أعلاه هي مخالفات صريحة لنصوص الشريعة الإسلامية ولأدنى القيم والمبادئ الإنسانية. كل الأمم، النصارى واليهود والهندوس والبوذيون والملاحدة نجحوا في التغلب على مشاكل التخلف البشري والقهر السياسي وحققوا لشعوبهم حياة كريمة إلا أمة الإسلام لا زالت تأن من جراحها.
إن معركة العراق هذه قد تكون بداية حرب التحرير المنشودة والتي تؤسس لانتصار الحرية في الوطن العربي والتمكين لأسس الدولة الإسلامية . نحن هنا نتكلم على مدى عشرات السنين وليس بين عشية وضحاها . فالغرب لديه من يخطط ويفكر وهذه الأمة رغم ضعفها فأنها تنتصر من ضعف وتأمن من خوف وتطعم من جوع والتاريخ يشهد على هذا .وعلى شباب الصحوة في كل مكان الاستعداد للنضال ، بإعداد العدة والتدرب على ذلك وعقد النية على بيعة الجنة . فلا يوجد طريق أمام هذه الأمة إلا طلب الموت لتوهب لها الحياة . ويجب أن لا نعول الأنظمة الرسمية فهي شريكة للغرب في المؤامرة وأيديها ملطخة بدماء الأحرار من علماء ودعاة وضباط ومفكرين ومواطنين شرفاء.
مراحل المعركة
بالرغم من التقدم البطئ للقوات الغازية إلا أن الأيام القريبة القادمة سوف تشهد تحولا في سير المعارك . فالإمكانيات المتاحة للقوات الغازية غير محدودة بينما إمكانيات العراق محدودة فهو محاصرة لمدة أثنى عشرة سنة ولا يمكن وصول الإمدادات إليه للأسباب المعروفة . وبالتالي إذا لم يحدث طارئ . فإن الغزاة سوف ينتصرون مؤقتاً ولن يضرب هذه النتيجة شيء إلا جر دول أخرى في المنطقة للحرب مثل إيران وسوريا وتركيا وربما إسرائيل، ربما يكون هذا احتمال بعيد لكنه وارد. وبعد أن يسيطر الغزاة على بغداد بالكامل تبدأ المقاومة العراقية والعربية الإسلامية للقوات الغازية على ساحة شبه الجزيرة العربية بالكامل، وسوف تأخذ شكل عمليات استشهادية تجبر العدو على إعادة حساباته وفي النهاية يكون لها النصر المؤزر بإذن الله. خاصة إذا اندلعت حرب تحرير إسلامية يرافقها انهيار في الأنظمة القزمية القطرية من خلال ثورات شعبية عارمة تعمل علي توحيد وإدماج الإمكانيات العربية والإسلامية في المنطقة.
طريق الخلاص من المجزرة
إن أمريكا ومن حالفها ومن سيحالفها في الأيام القادمة ، كل هؤلاء يهدفون إلي القضاء على أمة الإسلام ، وهذا واضح جليً في كتابات مفكريهم وقادتهم السياسيين ، وليس لهذه الأمة طريق إلي الخلاص إلا بالتحرك السريع على عدة محاور:
1. إرجاع شرعية السلطة للأمة، وعلى علماء الدين المسلمين والمفكرين إسقاط شرعية الأنظمة الحالية وقيادة الجماهير في زحف شعبي على رموز الأنظمة من حكام ومؤسسات وإرجاع ولاية الأمر إلي الأمة كي تختار من يقودها في اختيار حر مباشر. ولقد رأينا كيف تهاوى عرش الشاه في إيران وكيف انهارت إمبراطورية الشر في روسيا وبولونيا والمجر ورومانيا أمام زحف الجماهير خلال أيام معدودات.
2. الانضمام إلي الحركات المناهضة للحرب والمحبة للسلام في العالم ودفعها باتجاه محاربة الدكتاتورية في العالم الثالث وتحقيق الحرية وحقوق الإنسان بما يكفل التداول السلمي للسلطة بشكل عادل، يحقق السلام العالمي المبني على العدل والمساواة بين الشعوب.
3. أن يتحمل كل فرد مسؤوليته في هذه المواجهة وفي عملية التغير التي تبني عليها ، فإن أخطر شيء هو السلبية وتغليب المصالح الشخصية المؤقتة. وهذا كذلك ينطبق على كل الحركات السياسية والإصلاحية في الأمة ؛
وما نيل المطالب بالتمني ولكن تؤخذ الدنيا غلابا
قد لا يروق إلي البعض أجزاء من هذا التحليل لكن قراءة الإحداث تثبت أن ما يجري في العراق هو مخطط قديم ولا علاقة له بأحداث السنوات الأخيرة. وأوضح دليل على ذلك هو تطابق الآراء بين الجمهوريين والديمقراطيين في أمريكا وبين المحافظين وحكومة العمال في بريطانيا والتقاء الفاشية الجديدة في إيطاليا والبرتغال وأسبانيا معهم. فالأمر ليس التحكم في النفط أوتحرير الشعب العراقي ، ولكن الإسلام هو المستهدف والصحوة هي المستهدفة والإمكانيات العلمية والتقنية للأمة هي المستهدفة.
No comments:
Post a Comment