Sunday, February 6, 2011

استمرارية التراث الاجتماعى و الثقافي الغدامسى




حروف لغة التوارق- متحف غدامس

تميزت مدينة غدامس في ليبيا عن بقية المدن الليبية بتركيبة اجتماعية و نمط حياتي فريد تداخل فيه الأساس الشرعي الإسلامي مع المنظومة العرفية و الاجتماعية و البيئية لمنطقة غدامس بشكل لم و لن يتكرر في غيرها. و هنا بيت القصيد فالقيمة في المحافظة على هذا التراث باعتباره القيمة الحقيقة فى المشروع و بالتالي يجب أن نركز على عوامل استمرارية هذه الظاهرة بتوفير كل الظروف اللازمة لبقائها و استمرارها و استثمارها و الاستثمار فيها.


 داخل أحد البيوت
و ننطلق في هذا الشأن عبر محاور مختلفة منها الآتي:

أولا: محور التخطيط العمراني في غدامس.

  يتمثل هذا المحور في استحداث مخطط عام للمدينة يحوى عدة أحياء تحيط بالمدينة على شكل هلال، و يتم تخصيصها للقبائل التي كانت تقطن غدامس و بنفس النمط و التركيبة الاجتماعية و بالتالي نحافظ على النسيج الاجتماعى و اللهجات و التقاليد و العادات. فالذي حدث عندما أنشئت المدينة الجديدة كما نراها الآن لم تراع العلاقة الاجتماعية بين الشوارع القديمة في تخطيط الشوارع الحديثة و بالتالي حدث الخلط و الاختلاط بين مكونات التركيبة الاجتماعية لأهالي غدامس، و إذا أضفنا لهذا الارتباك قدوم سكان جدد من خارج المدينة سوف نعرف حجم تأثير الانتقال من المدينة القديمة على العادات و التقاليد. و في كل دول العالم يسبق التخطيط العمراني دراسات اجتماعية تؤسس لأسلوب التخطيط. فالعلاقات بين الجيران و تركيبة الشارع و المدرسة تساهم في بناء الشخصية الاجتماعية للمواطن، فهي تتحكم في أنماط السلوك و تفرز الأعراف و العادات و التقاليد. أما اختلاط الحابل بالنابل فإنه يكدر العلاقات و يفرز الانحرافات في السلوك و بالتالي يدمر النسيج الاجتماعى، و التخطيط العمراني السليم يبنى على الموروث و يحافظ عليه فالهيكلية العمرانية و الاجتماعية هي جزء من ذاكرة المجتمع ينبغي المحافظة عليها.

ثانيا: محور تثبيت المشروع الثقافي الغدامسى بغدامس.

   و يعنى هذا المحور بتمحيص و تحقيق التراث الغدامسى و تثبيت الصحيح منه في كتب مثل:

         دليل سياحي علمي مفيد

        و من خلال الزيارة يلاحظ المرء اختلاف في اجتهادات بعض الإخوة القائمين على التعريف بتاريخ و تقاليد المدينة و الحل يكمن في تحقيق المعلومات و البيانات و توثيقها و تعميمها على الجميع. و في بعض الحالات يقع بعض الإخوة ممن يقومون بعمل الدليل السياحي في أخطاء فادحة لغياب الدليل السياحي المؤهل علميا و القادر على استخدام اللغات الأجنبية، علما بأنه توجد مبادرات طيبة في هذا المجال.


زخرفة المباني و المساجد

 و أذكر هنا أنى سمعت أحدهم يصف بعض الزخارف على أنها من الموروث المسيحي للمدينة و نبهته على الفور إلى خطأ ما يقول بالدليل، فغدامس بعد أربعة عشر قرنا في الإسلام لا تحتوى في ثقافتها على موروث مسيحي يحمل فى طياته فكرة التثليث. و الواضح لي هنا هو محاولته مجاملة السياح على حساب دين أهل البلدة.

        كتاب منهجي للمرحلة الثانوية

        و هذا المشروع يعنى بتأليف كتاب مدرسي بعنوان مجتمع غدامس يدرس لطلاب المرحلة الثانوية في غدامس و ما حولها يغطى الجوانب الجغرافية و التاريخية و الاجتماعية للمدينة بما يضمن انتشار المعلومة الصحيحة بين الناس فيها، كما يمكن بيعه في المكتبات للمهتمين بهذه الثقافة.


قبس من تاريخ غدامس الحديث بمتحف المدينة

 أما بالنسبة لبقية المدارس الليبية فيمكن إضافة بعض مواضيع من ضمن مادة القراءة بحيث تتناول هذه الجوانب و تؤسس لبعث الرغبة في حب التعرف لديهم على غدامس.

        كتاب نشاط مدرسي

  و هذا الكتاب يعنى بالزخرفة و الفنون الغدامسية و يمكن أن يستخدم في مدارس غدامس لصقل المهارات الفنية للتلاميذ و الحفاظ على الموروث الفني الشعبي الغدامسى، كما يمكن أن يستخدم كمادة تثقيفية و نشاط فني في أوقات الفراغ.


نماذج من الزخارف و الزينات

       و تتميز غدامس ببعض الزخارف و الرسومات المستعملة في المباني القديمة و بمجموعة محددة من الألوان كانت الأمهات تدرب البنات عليها؛ ففي غدامس تقوم العروس بتزيين بيتها و طلائه، ومثل هذه الفكرة صالحة للتطبيق في المدارس الابتدائية بحيث يتدرب الطلاب و الطالبات على هذه الزخارف. و يمكن عمل معارض و مسابقات محلية لمثل هذا النشاط و تحديد جوائز لأفضل الإعمال الفنية بين المدارس المختلفة. كذلك يمكن بيع مثل هذا الكتاب في المكتبات العامة لمن يرغب في تعليم أطفاله نماذج من التراث الليبي الغدامسى.

        قاموس لهجات غدامس

       نظرا لوجود لهجات و مفردات مختلفة بين القبائل الغدامسية نرى ضرورة توثيقها و وضعها في قاموس للمعاني العربية لها و بالتالي لا تندثر مع اختفاء كبار السن بالتدريج. و العالم يبحث في اللغات القديمة و نحن نترك معالم من تراثنا تضيع من بين أيدينا.

        كتاب أنساب غدامس

      تلتقي في غدامس عدة أنساب من أهل البلد الأصليين و من الفئات القادمة إليها من العرب و الأفارقة و بالتالي تبرز الحاجة إلى كتاب الأنساب لربط العائلات من داخل و خارج المدينة و لإثراء التاريخ الاجتماعى لها.


هكذا تم التعريف بصاحب قب
ر
 و قد رأيت بعض المعلومات في هذا المجال مبعثرة و تحتاج إلى تحقيق و توثيق.

ثالثا: محور استكمال مشروع التنمية و التطوير في غدامس.

      بالإضافة إلى إتمام المشروع الحالي يجب الاهتمام ببعث الحياة البيئية التقليدية و ذلك بإنشاء محمية للحيوانات البرية لهذه المنطقة مثل الغزال و النعام و الإبل و بعض الزواحف و الطيور. و يمكن أن يبدأ هذا من خلال إحدى المزارع المستحدثة بالمدينة كمشروع النخيل؛ أو على شكل قرية سياحية استثمارية داخل المشروع أو بالناطق المحيطة بالمدينة مثل منطقة البحيرات على أن يخصص جزء ثابت من دخلها لصندوق غدامس للتنمية و التطوير.


منطقة البحيرات موقع محتمل لمشروع سياحي

 و كثير من السواح الأجانب يروق لهم تجربة رحلات القوافل و أكل لحم الإبل أ و النعام أ و الغزال و العيش في بيئة صحراوية لأسبوع من الزمان و إذا أضفنا لها بعض المناشط الترفيهية للكبار و الصغار نوفر لها أفضل سبل النجاح.
رابعا: محور تواصل و تداخل مع الجهات و المناطق الأخرى.
    من اجل خلق جو من التواصل مع بقية فئات المجتمع الليبي أرى  تنظيم زيارات دورية ميدانية لطلبة السنة الثالثة بأقسام العمارة و الاجتماع و التاريخ و تشجيع البحوث و الدراسات و المشاريع ذات العلاقة بغدامس. كما نرى تنظيم رحلات للكشافة و الجوالة و الشباب لغدامس بحيث يستخدم جزء من المدينة القديمة كبيوت للشباب و بيوت ضيافة للعائلات لقضاء بعض العطلات.


سياح أجانب على كثبان الرمال

        و يمكن استغلال مباني المدينة القديمة في تنظيم دورات  لحفظ القرآن الكريم و مسابقات عالمية في الحفظ بغدامس . فقد ارتبط تراثها بالقرآن الكريم أصلا و كم من عالم و حافظ للقرآن خرج من هذه المدينة؛ و من بين علماء غدامس الشيخ عبد الرحمن البوصيرى و هو عالم و مربى له عدة مؤلفات و اشتعل بالقضاء و انتهى به المطاف قاضى قضاة طرابلس و توفى فيها بعد جولة في عدة مدن و قد أصدرت إدارة البريد طابعا تذكاريا له، و لم تعرف طرابلس جنازة بحجم جنازة الشيخ البوصيرى كما نرى من الصورة.


صلاة الجنازة على الشيخ البوصيرى بتاريخ 19 أبريل 1935م

خامسا: استثمار ما تم إنجازه في التواصل التاريخي مع حضارة غدامس.

   كي يتم التواصل الشعبي مع تاريخ و حضارة غدامس نرى ضرورة  استحداث مشاريع إعلامية بين الخيالة و الإذاعة المرئية و النشاط الترفيهي و المسرحي بإنتاج مسلسلات عن تاريخ و أعلام  و علماء غدامس و حضارتها بحيث تصور على عين المكان كما يعيشها أهلها و بالتالي تخلق فرص عمل و تصقل القدرات الفنية المحلية و تساهم في استغلال الاستثمار الحالي فيها.


صناعات تقليدية بغدامس
 ولو أضفنا إلى هذا محلات لصناعة و بيع المشغولات و الصناعات التقليدية المحلية فإن ذلك سيخلق فرص عمل للنساء و الرجال بالمدينة، وإذا تم تهيئة متحف دائم للتراث داخل المدينة القديمة، فستجمع زيارتها بين المعمار و التراث في وقت واحد.

سادسا: استحداث الهياكل اللازمة لاستمرارية الفكرة.

بالنظر لما نتوقعه من نتائج لهذه الورشة لذا فإننا نقترح استمرارية مثل هذا النشاط و ذلك باستحداث هيئة تنظم مثل هذا الملتقى بشكل دوري سنوي ثابت تحت أسم   " منتدى غدامس للتاريخ الاجتماعى و الثقافي" و يعرض فيه الأدباء و البحاث من المهتمين بشؤون غدامس نتائج بحوثهم و دراساتهم حسب المواضيع المقررة لكل دورة؛ و بهذا الشكل نضمن استمرارية الحوار من أجل إحياء تراث غدامس.
        كان هذا مقترح لبرامج عمل تخدم بعث و إحياء التراث و المحافظة عليه بشكل يساهم في تنشيط الدورة الاقتصادية و يساهم في إضافة مصادر للدخل تضمن الاستمرارية ؛أعددته للمشاركة في دعم و إثراء أعمال ورشة عمل حول تأهيل و توظيف مدينة غدامس القديمة التي عقدت بتاريخ 17و 18 من أبريل 2010م، و لكن الظروف لم تسعفني للمشاركة فيها وأنا هنا اطرحه على جميع المهتمين بهذا الأمر متمنيا التوفيق لجميع المشاركين فى هذا المجهود.

No comments:

Post a Comment