ثورة الشعب أو صرخة الحق للفنان بشير حمودة
إن ما حدث في مصر في الأسابيع الأخيرة أعاد لمصر الحياة و أعاد لها دورها في حياة العرب و أعاد الحياة لكل العرب، و لا أقول جاء الحق و زهق الباطل بل أقول انتصر الحق و هزم الباطل. لقد خرج الحق في مصر للدنيا بعد أن كان مكبلا في سجون الفرعونية الجديدة. فالحق لم يغب عن مصر أبدا و كان دائما متواجدا في وجدان أبناء الشعب المصري و في دعائهم و في صلواتهم من أجل يوم الخلاص. و ما أشبه اليوم بالأمس البعيد فنحن نرى حسني مبارك يغرق في أمواج بشرية تماما مثل ما غرق فرعون موسى في أمواج البحر. و فرعون موسى غرق بمعجزة و لكن فرعون زماننا غرق بإرادة الشعب و إنما هي سنة الله في كونه؛ و إذا الشعب يوما أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر. و عند ما التقت إرادة الشعب المصري على الحق و طلب العزة و الكرامة استجاب الله سبحانه و تعالى و نصرهم على عدوهم و على أعداء الحق من ورائه.
و إن موقع مصر الجغرافي و السياسي و التاريخي في بلاد العرب يجعل هذا الحدث بداية عصر جديد يبني على فجر الحرية في تونس و يؤسس لحرية كل العرب، و البقية ستأتي طوعا أو كرها و سوف تتدحرج رؤوس الطغاة و الخونة و العملاء.
ثورة الشعب في مصر
ما يميز هذه الثورة عن الانقلابات المعهودة هو أن من خطط لها و من قام بها هم أفراد من الشعب مدنيون و لم يشهروا سلاحا في وجه النظام و لم يهددوا أحدا من النظام و لكنهم طلبوا منه أن يرحل. و أشعل فتيلها الشباب و تنادت جموع الشعب و لبت نداء الثورة، فهي بالفعل كانت ثورة شعبية بامتياز و كانت ثورة سلمية بامتياز و كانت ثورة عصرية بامتياز و لم ترض بحلول وسطية خادعة فكانت ثورة شعبية بامتياز. جاءت بعد صبر طويل على ظلم النظام و أعوانه، و جاءت بعد غياب طويل في ظل زمان ناب فيه عن الشعب ضباط الجيش في ما يعرف بثورة يوليو و لكنهم استبدلوا الملك بجيش من الملوك و استبدلوا كلابه بجيوش من كلاب المخابرات و امن الدولة. و إذا كانت جريمة الملك فاروق أنه لم يستعد لقتال اليهود في حرب فلسطين فإن ضباط الثورة وقعوا سلاما مع إسرائيل و تبادلوا السفارات و الزيارات و بدلا من حصارها أخذوا يحاصرون شعب فلسطين الأعزل. و باسم الثورة و للحفاظ على الثورة عاش الشعب المصري في ظل قانون الطوارئ و دخل عشرات الألوف منه السجون و تشردت الملايين منه في أصقاع الأرض طلبا للرزق، و تحول تلاميذ عبد الناصر إلى فراعنة هذا العصر و لولا ثورة الشعب هذه لاحتفظوا بهم في أشكال مومياء على كراسي السلطة حنى بعد موتهم.
أما أجمل ما يميز هذه الثورة فهو روح الأخوة بين أبناء الشعب فلا فرق بين عربي و قبطي و لا بين مسلم و مسيحي و لا بين زنجي و أبيض و لا بين بدوي و حضري و لا بين متعلم و أمي و لا بين مستقل و حزبي الكل وقف وقفة رجل واحد في وجه النظام الفاسد بلا حقد و لا تشفي و لا روح انتقام و كان خطابهم في منتهى
الأدب و يحرصون على لفظ سيادة الرئيس أو الريس إلى آخر لحظة.
جمهورية الشعب في مصر
بعد نجاح هذه الثورة المباركة على المصريين أن يعيدوا تأسيس جمهورية الشعب في مصر، فما كان في السابق هو جمهورية السيد الرئيس و الشعب فيها تحولوا إلى عبيد له. و لأول مرة تدخل مصر عصر الجمهوريات في هذه الأيام عند ما أسقط الشعب الرئيس ليستبدله بنظام برلماني متعدد الأحزاب بدلا من جمهورية البلطجة التي أرادت بدونة الدولة و إحياء النعرة الطائفية و القبلية و الجهوية. و حري بالمصريين أن يسموا بلدهم جمهورية الشعب في مصر. فلقد استلم الشعب السلطة بداية من 11فبراير لسنة 2011 ميلادية في يوم التحرير و ذلك بسقوط نظام حسني مبارك. و عليهم الآن وضع الأسس القانونية بما يضمن سلامة التداول السلمي على السلطة و يحفظ كرامة الشعب و يحافظ على مكتسبات مصر و حضارتها و تاريخها العريق.
مسيرة البناء
بعد ثلاثين عاما من التسويف و الضياع هاهي مصر تشمر عن سواعدها من أجل بناء الدولة الحديثة، و لقد أعجبني جدا إصرار الشباب على البناء فهم لم يستغلوا ظرف انتصارهم للمطالبة بما ضاع من حقوق شخصية و لكنهم كلهم أمل في مستقبل أفضل. فالمرحلة القادمة ليست للمطالبة و لكنها للعمل و البناء و تسخير الطاقات المصرية لبناء قاعدة صناعية و تقنية و زراعية و إنتاجية تخدم المنطقة بكاملها. أعجبني في الشباب تخطيطهم لإعادة ميدان التحرير إلى ما كان عليه قبل الاعتصام و إعادة جمال الحياة إلى شوارع المدن المصرية. إن عقلية الفوضى و التدمير و حرق مباني الدولة تلتصق ببلطجية النظام و لا مكان لها مع شفافية و نقاء أبناء الثورة الأحرار. و هذا درس لبقية الشعوب العربية فلا مكان للنهب و السلب و الاستيلاء على أموال و ممتلكات الناس بعد انتصار الثورة خاصة في غياب الشرطة السوية التي تسهر على سلامة المواطنين.
طوبى لشعب مصر و طوبى لشباب مصر و طوبى لكل العرب، و الحمد لله الذي أيد الشعوب العربية بنصره في تونس و في مصر و الله ولي التوفيق في الباقيات.
No comments:
Post a Comment