Thursday, November 22, 2012

لماذا قامت الثورة في ليبيا



          تفجرت الثورة الليبية في منتصف فبراير 2011م بشكل عفوي تلقائي استجابة لآلام وأمال مئات الألوف من المعارضين للظلم والطغيان الذي شكله الطاغية وأزلامه طوال أربعة عقود. حيث تصدع هيكل دولة الجاهلية العظمى في شرق ليبيا خلال أسبوعين وتحررت معظم مدن الشرق الليبي وانتفضت العديد من مدن غرب ليبيا وخاصة طرابلس والزاوية ومصراته والزنتان ولكنها جوبهت بالحديد والنار والقصة معروفة بتفاصيلها، ولكن الأسئلة المحيرة التي تفرض نفسها بعد أكثر من عام ونصف هي:
ماذا كانت الأسباب الحقيقية للثورة؟ وأعني بها الأهداف الكامنة في النفوس.

هل كان مطلبنا الأساسي هو الحرية أم الفوضى؟
هل كان هدفنا الأسمى هو العدالة والمساواة أم الانتقام؟
هل كانت غايتنا المنشودة هي الديمقراطية أم المصالح الشخصية؟

ثم السؤال الذي يفرض نفسه الآن هو:
هل سنحتاج إلى تصحيح مسار الثورة قريبا أم سنخرج من كبوتنا؟
       
منذ الأيام الأولى انطلق العديد من الشباب الذي لا يقدر المسئولية إلى مؤسسات الحكومة موانئ ومعسكرات ومكاتب شرطة وأخذوا في حرقها وسلب ما بها من ممتلكات، بل وصل الأمر إلى سرقة السيارات من حظائر بعض الموانئ وهذه السيارات تخص مواطنين أو شركات خاصة. ناهيك عن نهب وسلب ممتلكات الشركات الأجنبية العاملة في بناء ليبيا وسرقة مواد البناء وأثاث المكاتب، فهل قامت الثورة من أجل النهب والسلب والحرق والسرقة؟
      
في الأسابيع التالية تحركت مجموعات الثوار الحقيقيين إلى خطوط الجبهات في البريقة وبدأت العمليات بالتدريج في مناطق الزنتان وكنا على اتصال بالعديد منهم من خلال الوسطاء ثم بالاتصال المباشر بعد إمدادهم من الخارج بأجهزة اتصالات وأجهزة الرؤية الليلية ومعدات الإسعاف وفي إحدى المرات سألت أحد الثوار عن كثرة الأعداد المتحركة على طريق البريقة رأس لانوف فقال: هناك أقل من ألف رجل يقاتلون في الجبهات وأعداد كبيرة يحملون تموين أو يبحثون عن غنائم من سيارات أو أسلحة. بل بدأ البعض يستولي على مخازن الأسلحة وأصبح يتاجر في أملاك الشعب الليبي ووصل سعر البندقية آلاف الدينارات بالرغم أنها لم تكلف بائعها مليم واحد. فهل قامت الثورة لكي نتاجر في سلاحنا وذخائرنا؟
    
  تزامن تشكيل المجالس المحلية لإدارة المدن مع تقدم الثوار غربا وفي نفس الفترة تشكل المجلس الوطني الانتقالي في غياب الثوار الحقيقيين الذين كانوا على الجبهات بشكل توافقي تحول مع الأيام إلى شكل انتقائي من طرف شخصين على الأكثر في معظم الأحيان وبذلك ازدادت الهوة بين شباب  الثورة على الجبهات والمجلس في بنغازي والمكتب التنفيذي الذي كان يقود البلاد عن بعد. ولكي ادلل على الهوة المعنوية يكفي أن نعرف انه من بين أعضاء المجلس والمكتب التنفيذي من كانوا خارج البلاد أو لم يكن لهم اتصال متواصل مع بالثوار، بينما يطلب الثوار الشهادة في سبيل الله ويكبرون ويدعون الله في كل لحظة على الجبهات. ولقد استشهد منهم عدد كبير في ظل ظروف قتالية قاسية خلال المعارك وبدون تجهيزات مناسبة ومروا بظروف معيشية صعبة في باقي الأوقات من نقص في التموين والإمدادات في وسط الصحراء الليبية.  فهل من المعقول أن تكون القيادة في واد والثوار في واد؟

   وبعد تحقيق النصر وإعلان التحرير فشل المجلس الانتقالي والمكتب التنفيذي ثم من بعده الحكومة الانتقالية في تسخير الروح المعنوية والوطنية العالية في دفع الثوار والشعب ككل في اتجاه بناء مؤسسات الدولة والتحول من مظاهر العسكرة إلى المظاهر المدنية السلمية. و لكن على العكس تم استعمال الحوافز المادية من منح وهبات مادية بدون مقابل ايجابي مما حول الغالبية إلى سبل الابتزاز تحت أي مسمى. ليس هذا فحسب بل هناك تطلع عام من جميع الناس للحصول على فرصة للخروج من البلد بأي شكل كان للعلاج أو الدراسة أو العمل بالسفارات ومن جميع المستويات من الطالب إلى عضو المجلس الانتقالي إلى الوزراء. فهل حررنا ليبيا لكي نذهب للخارج ونغادرها؟ وإذا سافرنا كلنا وتركناها فمن سيبنيها؟
      
  ومن المؤسف جدا أن تستمر نفس أساليب الوساطة والمحسوبية في العديد من دوائر الدولة الجديدة من خلال تعليق عدد كبير من كبار المسئولين على الطلبات لدعمها بطرق تخالف اللوائح أو تخرج عن اختصاصاتهم، بل تتحرك مجالس محلية وتتدخل في شؤون ليست من اختصاصها وهي من الاختصاص الأصيل لوزارات قائمة. بل أحيانا تأتي مراسلة في نفس الموضوع من عدة مكاتب ليس لها علاقة وفي مستويات مختلفة وكأن الجهد أو الوقت ليس له قيمة. فهل قامت الثورة لكي تستمر ممارسات الماضي؟

     أما عن الممارسات المناهضة لأهداف الثورة في الإصلاح والتطوير فحدث ولا حرج، وفي الحقيقة يبدو أننا انتصرنا عسكريا ولكن الثورة  لم تصل إلى دواليب الدولة ومفاصلها فعلا وساهم في هذا إلى حد كبير التسامح مع الأزلام الذي وصل إلى مستوى التفريط في أهداف الثورة وفي التضحيات التي بذلها شبابنا في الميدان لإرضاء بعض العوائل والقبائل. ووصل الأمر إلى بقاء العديد من أزلام الطاغية في مواقع قيادية أو حساسة في الإدارات والسفارات والشركات في الداخل والخارج. فهل قام الشعب بالثورة لكي يستمر الفساد؟
   
      لقد كان فرح الليبيين عظيما بانتخاب المؤتمر الوطني وبزوغ عصر الديمقراطية في ليبيا ولكن بعض الممارسات تدل على أن الكثيرين منا لا زالوا يعيشون الممارسات الشعبية، فالأصل في النظام الديمقراطي يكمن في فصل التشريع عن التنفيذ عن القضاء ولكننا نرى تدخلا مباشرا من المشرعين في أمور الحكومة التنفيذية. بل بدا لكثير من أعضاء المؤتمر أنهم أعضاء برلمان ونسوا الهدف الأصيل ألا وهو وضع الدستور وليس التشريع في مرحلة انتقالية محدودة زمنيا. ناهيك عن الإجازات والحج والزيارات الخارجية وكثرة اللجان الداخلية التي أنهكت أعضاء المؤتمر وقد تحيد بهم عن الهدف في غياب إعلام وطني مستقل وحريص يراقب ويسدد بدون إثارة مشاكل أو قلاقل. فهل نحن نريد لليبيا دولة ديمقراطية أم سنعود إلى ممارسات السلطة الشعبية البغيضة؟

 والأمر المثير للمخاوف حاليا هو التوافق الكبير بين أعضاء المؤتمر كتلا وأفرادا على الحكومة المؤقتة فهذا قد يقودنا إلى دكتاتورية برلمانية في غياب معارضة وطنية داخل المؤتمر.  والعملية الديمقراطية السليمة في ليبيا تحتاج إلى كتلة وطنية قوية معارضة لتصحيح المسار ديمقراطيا كلّ ما دعت الحاجة إلى ذلك لكي نخرج من أي كبوة بأساليب سلمية ودون اللجوء إلى تصحيح مثار الثورة بأساليب أخرى، والكل يرى انزعاج طوائف كبيرة من الثوار من كثير من الإجراءات والترتيبات الجارية في كثير من الأمور. فهل نستطيع أن نصحح مسارنا ديمقراطيا أم سنحتاج إلى تصحيح 
المسار؟

لقد دفع الشعب الليبي الثمن من أرواح و دماء وآلام ودموع في السجون والمهاجر وعلى كامل تراب
 ليبيا الحبيبة خلال مسيرة أربعة عقود من الظلم والطغيان ثم توج هذا بثورة مباركة عمدها بالدماء والتضامن الشعبي الكامل، أفلا يستحق هذا الشعب الكريم نتائج أفضل؟



Sunday, November 11, 2012

التعليم العالي في الميزان


    لقد وُجِهت السهام  والاتهامات لقطاع التعليم العالي في حملة إعلامية مسعورة بنيت على عجل وفي ظل جهل القائمين علي هذه الحملة بأسس التقييم وأهدافه، فنحن يجب أن لا ننتقد لأجل الانتقاد والبحث عن المشاكل ولكن  يجب أن يكون هدفنا هو تقديم حلول واقتراحات بدلا عن التهم.
 ولو تفحصنا سجل الوزارة بروية لاتضح لنا الآتي:
أولا: المرجعية العلمية والقانونية
نجحت الوزارة في إعادة ترتيب الجامعات والمعاهد من خلال تكليف أساتذة مشهود لهم بالكفاءة بتسيير العملية التعليمية وقد واجهتها بعض الصعوبات المتمثلة في رفض بعض المستفيدين سابقا من بعض أعضاء هيئة التدريس و بعض الموظفين وبعض الطلبة من خلال عرقلة العملية التعليمية بإغلاق المباني والقيام باعتصامات غير قانونية وغير مبررة، ولكن الوزارة تمكنت  من توفير جو دراسي مناسب لحوالي 530 ألف طالب وطالبة على كامل تراب ليبيا بشكل يومي منتظم.
 هذا مع العلم بأن الوزارة لم تستلم كامل ميزانيتها حتى الآن ولم يتم إضافة إمكانيات أو تجهيزات جديدة لها ولم تستكمل المباني التي تحت الإنشاء و التي تعطلت في ظل ظروف التحرير.
ثانيا: العملية التعليمية
نجحت الوزارة في استتباب العملية التعليمية بالرغم من النواقص والصعوبات وذلك بتلبية حاجات الطلاب المختلفة بين فئات نازحة وأخرى كانت تقاتل مع الثوار أو اعتصمت في بيوتها. ولقد تم التغلب على جميع المشاكل من خلال المرونة في التعامل ووضع مصلحة الطالب فوق كل شيء. ونتج عن هذه المرونة أن بعض الكليات كانت تدرس وأخرى تمتحن دور أول وثالثة في دور ثاني ومجموعات تراجع، المهم أننا حققنا مطالب الجميع في فترة انتقالية صعبة في ظل مقاومة مقنعة من أزلام النظام أو أعداء الإصلاح أو أصحاب المصالح الخاصة.
ثالثا: تطوير التعليم العالي
دأبت الوزارة منذ بداية عملها على تطوير العملية التعليمية من خلال تشكيل اللجان الآتية:
لجنة تطوير قوانين التعليم العالي
لجنة دراسة التخصصات وتوزيع الجامعات والكليات
لجنة هيكلة التعليم التقني
لجنة دراسة التعليم التقني الخاص
لجنة كليات المحلات
لجنة تطوير تعليم اللغات الأجنبية
لجنة تطوير التعليم في مجالات علوم الصحة
لجنة دراسة كليات الطب
لجنة دراسة أوضاع خريجي المؤسسات التعليمية الخاصة
 وقد تكونت هذه اللجان من أساتذة من الجامعات و من المعاهد و من  خبراء من القطاعات ذات العلاقة. هذا بطبيعة الحال بالإضافة إلى جهود مركز ضمان الجودة في متابعة الجامعات والمعاهد بصفة عامة وتنظيم دورات في مجالات تطوير الجودة وتقييم الأداء.
رابعا: شؤون الطلاب
           لقد كان محور اهتمام الوزارة منذ اليوم الأول  لتكوينها منصبا على تحسين ظروف  الجو العام بالجامعات بما يخدم تيسير التحصيل العلمي للطلاب حيث نجحت الوزارة  في استصدار قرارات من مجلس الوزراء من أجل توفير منحة شهرية لدعم الطالب ورفع معدلات الصرف على وجبات القسم الداخلي بما ما يعادل 450 دينار شهريا للطالب.
 كما حثت الوزارة جميع الجامعات على تطوير خدمات الأقسام الداخلية والتوسع فيها، كما دعت الطلاب إلى تشكيل اتحاد الطلبة بأسرع ما يمكن بشكل ديمقراطي.
 كذلك مكنت الوزارة الطلاب ذوي المشاكل الخاصة أو النازحين من الدراسة بشكل مؤقت في اقرب كلية أو جامعة مناظرة إلى حين التغلب على مشاكلهم وفي بعض الحالات تم فتح فصول دراسية مؤقتة للتغلب على الأزمات بين المناطق المتجاورة في حالة وجود حساسيات اجتماعية و تمت الاستعانة بأعضاء هيأة تدريس متعاونين في كثير من هذه الحالات.
خامسا: الاهتمام بالتدريب
في سياق مساعي الوزارة لتنمية قدرات وكفاءات أعضاء هيئة التدريس والإدارات بالجامعات   أنجزت الوزارة البرامج الآتية :-

1 - ورشة عمل تحت عنوان " برنامج القيادة والإدارة في التعليم العالي " والتي قام بإنجازها فريق تدريبي من مؤسسة Leadership Foundation for Higher Educator  البريطانية تحت إشراف المجلس الثقافي البريطاني مكتب ليبيا خلال الفترة من 25-29/-/3/2012م .

2- محاضرة تحت عنوان"استراتيجيات إصلاح التعليم العالي"ألقاها السير/مايكل باربر(Sir Michal Barber) يوم الأربعاء 09/05/2012م بمقر الأكاديمية الليبية / جنزور .
         وقد حضر هذه المحاضرة السادة رؤساء الجامعات وعمداء الكليات والمعاهد العليا العامة وعدد من المعنيين   بالوزارات ذات العلاقة ، وبعض من الوزارات الأخرى، وزارة الاقتصاد ، ووزارة العمل ، ووزارة التربية والتعليم .
         وعنيت المحاضرة في مجملها بإستراتيجية التعليم لاسيما في الانتقال من الدكتاتورية إلى الديمقراطية وأثرها على إصلاح التعليم العالي .

3- ورشة عمل تحت عنوان " المواطنة الفعالة " التي استضافتها جامعة بنغازي وبمشاركة الجامعات العامة الأخرى، وذلك يوم 12/05/2012م واستمرت لمدة ثلاثة أيام. وهذه الدورة تؤسس لمناهج ومفهوم التربية الوطنية وثقافتها وقد حضرها أعضاء هيئة تدريس من جميع الجامعات العامة  و نفذها الأستاذ علي بو زعكوك.

4- تنفيـــذ محاضرات عامة ودورة تدريبية بالتنسيق مع شركة المبادرة للتدريب والتأهيل والاستشارات، خلال الفترة ما بين 20-26/5/2012م من خلال محاضرات في :
(1)   مهارات التفكير الإبداعي.
 وكان مقررا لها الانعقاد في جامعة طرابلس لكنها لم تعقد بسبب الظروف المترتبة عن اعتصام مزمع للعاملين بالجامعة.
         (2) روح الإبداع ودورها في تطوير العليم العالي .
            ألقاها السيد/ د.جمال أحمد بادي - أستاذ زائر وعضو هيئة تدريس بالجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا بمدرج الأكاديمية الليبية بجنزور.                    
(2)   دورة تدريبية في مجال التفكير الإبداعي
تم تنفيذها لأعضاء هيئة التدريس بعدد من الجامعات العامة في مجال التفكير الابداعي ولمدة يومين في مركز تدريب اللغات بجامعة طرابلس نفذها دجمال بادي.           
سادسا: شؤون المبعوثين
1- الصرف على الطلاب:
لم يتوقف الصرف على أي طالب يحق له الصرف قانوناً حسب إجراءات الإيفاد المعمل بها حاليا.
2- التمديد:
لم تمانع الوزارة التمديد العادي أو الاستثنائي- تقديراً لظروف الطلاب خلال فترة الثورة- لأي طالب يحق له ذلك بناءً على نتائج دراسته، أي أنه قادر على التخرج في المدة الممنوحة.
3- الضم:
تم ضم كل من يستحق الضم قانوناً والبعض الآخر لازال تحت الإجراءات حسب اللوائح المعمول بها في البعثات.
4- قرار الضم 34:
هذا القرار صدر في سنة 2010 وبدء في تنفيذه بعد اندلاع ثورة 17 فبراير لأسباب سياسية وتم التفويض بالصرف على الطلاب من بداية فبراير 2011 واستمر حتى نهاية ديسمبر 2011 دون انقطاع، واستمرت الوزارة بالصرف على الطلاب إلى حين إتمام الدراسة التي تم ضمهم خلالها.
 وهُنا نؤكد على أن الوزارة غير مسئولة عن أية مجموعات تدعي غير هذا وتقوم بإجراءات تعرقل سير عمل الوزارة أو الملحقيات الثقافية أو السفارات.



Thursday, November 1, 2012

أبوشاقور والهبوط قبل الإقلاع


    السيد مصطفى بوشاقور شخصية علمية مرموقة دفعت بها ظروف تحرير ليبيا للخوض في غمار السياسة بسبب الفراغ في القيادات على الساحة الليبية الذي صنعه حكم دكتاتوري ظالم على مدى أربعة عقود فتحول الجميع إلى مجاميع تنتظر تعليمات الطاغية أو أبنائه ناهيك عن من تورطوا في أموال وأعراض ودماء الليبيين أو ساهموا في تدمير الأخلاق والثقافة والوعي العام والتعليم في البلاد.
   نشأ السيد د مصطفى بوشاقور في رحاب الجامعات والتعليم والبحث العلمي  يؤمن أن "واحد زايد واحد يساوي اثنان" لكن فاته أنه في عالم السياسة يمكن أن يكون الناتج حكومة أو سقوط حكومة، خاصة إذا كان أحدهما أو كلاهما داهية أو جاهلا في علوم السياسة والكولسة.
 والواضح أن السيد أبوشاقور كان يعتقد أنه فاز بالترشح لمنصب رئيس الوزراء، وفي الحقيقة هو لم يفز ود.جبريل لم يخسر المنافسة بالرغم من حشد العديد من الأصوات الهلامية ضده فهي لم تكن لصالح ابوشاقور، وأكاد اجزم بان الفائز هو د جبريل الذي نجح في زيادة عدد المصوتين له من بين المستقلين. وفي النظم الديمقراطية لا معنى لفوز في مجلس منتخب أو برلمان إذا لم يكن مدعوما بتأييد حزبي وائتلاف دائم وفي الواقع لم يملك السيد أبو شاقور أكثر من أصوات حزب الجبهة الوطنية.
          بالتأكيد كان الخاسر الأكيد هو العملية الديمقراطية عندما تم تفصيلها لإقصاء مرشح العدالة والبناء أولا في الجولة الأولى، ثم إقصاء د جبريل ثانيا في الجولة الثانية وجاءت الضربة القاضية ثالثا بتشكيلة حكومة أبو شاقور الأولى الخالية من الحكمة في غياب النصيحة الوطنية الخالصة ثم كانت مسرحية الانسحاب بكرامة من حلبة النزال في التشكيلة الثانية في حكم القشة التي قصمت ظهر البعير، وبالتالي غابت الروح الوطنية من الميدان وكشرت الجهوية والقبلية والمصلحية عن أنيابها وأصبح المؤتمر الوطني في مهب الريح وانهزم النهج الديمقراطي ودخلنا نفق البحث عن حلول.
       ويتحمل جميع أعضاء المؤتمر الوطني كتلا ومستقلين كامل المسئولية عن ما حدث، فالأمر كان واضحا في غياب الأعضاء عن جلسات تقديم المرشحين لرؤيتهم وانشغالهم بالكولسة خارج القاعة بالإضافة إلى قرارهم البعيد عن الصواب الذي أجهض العملية الديمقراطية  وانتهى بالفشل. وهذا يدل على غياب الحنكة السياسية وسوء تقدير الموقف وتغليب المصالح الجهوية والحزبية والشخصية على مصلحة الوطن، كما يدل على عجز قيادات المؤتمر أفرادا وجماعات عن تغليب المصالح العليا للوطن وانعدام قدرتهم على مواجهة مواقف حرجة في ظروف استثنائية.
        كان الجميع يتوقعون من السيد أبو شاقور كما وعد مسبقا حكمة اكبر وتشاور أوسع وتشكيلة أفضل بكثير مما تقدم به في المرة الأولى فهو فعلا خسر السباق عندما تقدم بها في اليوم الأول، وقد خيب ظن أقرب مستشاريه في اختيار الوزراء عندما مال إلى رأي المقربين منه وخرج علينا بتشكيلة جهوية عرجاء؛ وهنا يمكن أن نقول واحد زايد واحد قد يساوي مصيبة و لا أدري ماذا فعل السيد أبوشاقور بالعدد المهول من السير الذاتية أم أن الأمر لم يزد عن كونه متابعة لكشكول المجلس الانتقالي.
   يتضح جليا مما حدث أن وجود أبو شاقور في الحكومة الانتقالية لم يحرك ساكنا ولم يضف إلى خبرته السياسية، فالدكتور عبد الرحيم الكيب باستخدام السير الذاتية وقوائم المرشحين شكل حكومة حققت العديد من الانجازات ونقلت البلاد إلى بر الأمان في ظروف أمنية واقتصادية صعبة للغاية، وحازت على رضا المجلس الانتقالي إلى آخر لحظة في عهده وهي الآن تسير الأمور في عهد المؤتمر الوطني بدرجة مرضية وتمكنت من استرجاع مجرمين كبار وحررت الأرصدة المجمدة، ولها الفضل أخيرا في إعادة بني وليد وأهلها إلى حضن الوطن ولو استمرت في الحكم ربما كانت أنجح من غيرها.
           ولكي نتصور حجم المصيبة اقترح على الجميع مقارنة الشعور العام في ليبيا ليلة الإعلان عن حكومة السيد الكيب  بما حدث ليلة تقديم أبو شاقور لتشكيلته الأولى، عندها يتضح الإحباط العام الذي عم ليبيا وأدخلها النفق المظلم بالهجوم على مقر المؤتمر الوطني.
 فالسيد أبو شاقور لم يقدر الموقف ولم يراع حجم المسئولية الملقاة على عاتقه فالبلاد دخلت في أزمة من أول ليلة في تاريخ حكومته وكم كان بودي لو أنه شكل حكومة قوية ووطنية بامتياز ترضي مصالح الوطن في المرة الأولى وطلب الثقة جماعية من أول يوم أو الانسحاب بدلا من المناورة الفاشلة.
أما الحديث عن الضغوط السياسية من الكتل فهذا أمر متوقع فانتخاب أبو شاقور جاء بعملية قيصرية بامتياز وعادة ما يعقبها مشاكل خاصة إذا لم يسبقها تمهيد أو اتفاق، فعلى سبيل المثال اتصل بي أحد قيادات حزب العدالة والبناء ليلة التصويت على الجولة الثانية وابلغني بأنهم حاولوا الاتصال بالسيد أبوشاقور لمدة ثلاث ساعات بدون أن يرد عليهم أحد؛ وكأني بهم كانوا يبحثون عن أساس لاتفاق ووضعوا تحت ضغط الحدث أي القبول بالأمر الواقع وهو ما نسميه بالليبي "محاصلة"  ويمكننا تصور مشاعر حزب التحالف الوطني وبالتالي يقع اللوم على من يسيء تقدير المواقف وليس على من يستخدم قوته دفاعا عن مصالحه.
ومن الآخر السياسة هي لعبة البحث عن المصالح والتوافقات وأساسها الالتزام بما يتفق عليه الأطراف من خلال طرح صادق وواضح، أما السياسة القذرة فتبنى على المقالب والخداع وفي النهاية ينكشف أمرها وتذهب أدراج الرياح.
        وفي الختام يمكننا القول أن حكومة السيد أبو شاقور هبطت قبل أن تقلع، وتم سحب الثقة منها قبل أن تستلمها وهي بالتالي تعتبر أسرع حكومة منتخبة تحجب عنها الثقة في تاريخ الديمقراطية في ليبيا، والله ندعو أن لا يتكرر هذا في القريب العاجل وأن يستفيد الجميع من هذا الدرس.



مؤامرة على الثورة


المسألة لم تعد بحاجة إلى كثير من النظر... أخذت الأمور تتضح شيئا فشيئاً، وبدأت ملامح المؤامرة على الثورة والشرعية والدولة تبرز إلى العيان دون أي ستار... ما يحدث ليس مجرد مجموعة تحتج على أمر ما، أو تطالب بمطلب معين، إنها مؤامرة للحيلولة دون استقرار البلاد، حتى تتمكن السلطات التشريعية والتنفيذية من بسط سيادة الدولة والقانون على الجميع، وتقنين الممارسة الديمقراطية في مجال التعبير عن الرأي، وترسيخ مبدأ القبول برأي الأغلبية.
إن المساس بهيبة المؤتمر الوطني العام هو مساس بإرادة الناخبين الذين أدلوا بأصواتهم، وعبروا عن آرائهم يوم 7/7، وهو إهانة وتهديد لهيبة الدولة... وإني أدعو إخواني في المؤتمر الوطني لأن يقفوا بقوة وحزم ضد هذه الهجمة والمؤامرة المقصودة، وأدعو الثوار الحقيقيين،لا هؤلاء المزيفين المدعين، للتنادي مع المواطنين من أجل تكوين دروع بشرية حول مقر المؤتمر الوطني، كي يعلم الجميع أن المؤتمر وأعضاءه هم في حماية الشعب، لأنهم المعبرون عن إرادته.. يجب أن نقف جميعنا بمنتهى القوة والحزم ضد هذه المؤامرة، وأن ندعم الحكومة كي تشرع فوراً في وضع برامجها و خططها موضع التنفيذ، وندعم المؤتمر الوطني كي يتمكن من التفرغ لإنجاز ما عليه من استحقاقات باقية، وفي مقدمتها لجنة صياغة الدستور وما سوف تتطلبه من قوانين وتشريعات.
د يونس فنوش