Thursday, December 30, 2010

عراجين الموتى فى ليبيا





            لقد مات محمد صلى الله عليه و سلم فى يوم تاريخى، يمثل الحد الفاصل بين زمن النبوة و المعجزات وزمان تمام الرسالة و كمال الدين و نضج العقل البشرى بفتح افاق المعارف  لمن يطلب المعرفة. و أنا هنا لا أقول بكت عليه السماء و لكننى ارى انها فرحت لعروج اسمى روح بشرية عبرها الى خالقها، و لا اقول اهتزت لموته الارض و لكننى اقول بأن الارض سعدت بضم اطهر جسد مشى على الارض الى قلبها فى اطهر بقاع الارض بعد الحرم المكى الا و هى المدينة المنورة.
 و مع كل الحب من المسلمين للمصطفى عليه الصلاة و السلام و مع حب الرسول لمكة و حرمها لم يدعى مسلما انه رأى الرسول يطوف بمكة بعد و فاته،  فلا يجوز لاحد ان يراه فى اليقضة الا من تلبس عليه امر ابليس او لبسه ابليس.
          أما عندنا فى ليبيا فتجد بعض المحسوبين على الثقافة  يروج لاشاعات او اخبار كاذبة او التباس احوال فتظهر كرامات لبعض من عرفهم الناس بقلة الدين . فهناك من يقول لنا ان هناك من راى أحد المطربين وهو من اهل الكيف على دراجته فى شوارع طرابلس بعد موته. هذا قد يحدث لصاحب هذه الرؤية اذا لم يذهب عنه تاثير المسكر حتى ظهر اليوم التالى، سواءا كان خمرا او حبوبا. و آخر يصف كيف تستقبل صنافر الجنة بطل احلامه و لا يجوز الحديث فى هذا بعد وفاة محمد صلى الله عليه و سلم؛ فلا احد يعرف مكان احد من الجنة ومن رضى الله، و ثالث يتحدث عن بشرى لمن ضاع عمره بين اللحن و النغم صحبة كؤوس اللهو و هو فى هرم من العمر. و رابع يمتدح ايام الصعلكة و رفاق الصعلكة و التى ما كانت لوجه الله، بل كان عمادها البوخة و الحشيش و النساء ثم بعد ذلك يتحدثون عن تطوير مفاهيم الاسلام و تطويعها للقيم الجديدة أو محاربة التشدد و التعصب للحق.
أما فى مجال السياسة و التاريخ فحدث ولا حرج، فتجد من يقلب الموازين و يصور الهزائم على انها بطولات و رجال الحكم الفاسدين على انهم رجال دولة، بالطبع هم رجال دولة و لكنها كانت دولة فاسدة. فمجلس الوزراء بعد ان ينفض اجتماعه الرسمى يلتئم من جديد بمعظم افراده فى سهرات الخمر، وحينما يذهب بعضهم للعمرة يعرج بعد ذلك على روما للتنفيس، و برنامج الرشاوى بدأ من فوق ثم أخذ ينزل مع الايام حتى وصل بواب الوزير،  و قس على ذلك.
كما يتحول من خدموا جنودا للمستعمر الى ابطال للجهاد، و يطمس تاريخ من وقفوا حياتهم للجهاد لانهم يعرفون الحقيقة، بل تم حرمان ابرز المناضلين السياسيين من اجل الاستقلال من البقاء فى البلد ارضاءا لرغبة بريطانيا العظمى.
و فى المقابل نهاجم كل من يحاول ان ينير الطريق أو من يدعو للاصلاح أو النهضة من حال التخلف، و دائما تغلب على رؤيتنا السلبية و تعويق من يريد ان نتقدم و لا نجد لعمله تفسيرا الا المصلحة الشخصية و محاولة الوصول و يا ليت كل من وصل سلم.
 قد يحدث هذا من كاتب مستأجرلغرض المدح أما أن يتطوع كاتب بجهده ووقته فى تزييف الحقائق و الاستخفاف بعقول الناس فهذا أمر غير مقبول.



أما بالنسبة لعراجين الموتى فهى على وزن المثل الشعبى: و هو حى مشتهى البلحة و بعد ما مات علقوا له عرجون. و قد صور الفنان بشير حمودة هذا المثل فى اللوحة العليا ، حيث رسم جمجمة الهر فى حجم اكبريقرب من حجم النمر للدلالة على تفخيم حجمه بعد الموت، ووضع امام الجمجمة سمكة ساورو كم كان يحلم الهر بعظامها فى حياته.


 كم يكون الانسان بحاجة الى دعم أخيه فى حياته و كم هو جميل ان تجد من يساندك فى حياتك؛ و كما نعرف جميعا فان دموعه لا تنفع بعد الممات. علينا ان ننظر بايجابية لكل امر و نبحث عن وسيلة دعمه و دفعه الى الامام و بالتأكيد سوف نتقدم و نصل الى ما نصبو اليه؛ و لنترك البحث عن ابطال وهميين نعلق عليهم آمالنا بل علينا ان نترك الممارسة و التجربة تفرز من بيننا ابطالا لنضالنا.

Wednesday, December 29, 2010

صناعة المستقبل 2

 نشر هذا المقال في 26 مارس 2003م


               إنما يصنع المستقبل الزاهر رجالُ يؤمنون بقمية الحرية يقدسونها، يدفعون ثمنها ويدافعون عنها. والمستقبل الزاهر هو مستقبل يحمل في طياته عناصر الإثمار والخير والعدل والسلام. فالحرية هي الهدف والأداة والوسلية، وهي جزءُ لا يتجزأ، وهي ثمرة الايمان الكامل بلا إله إلا الله.

الحرية 

           الحرية قمية إنسانية فطرية، فالانسان يولد حراً في الأصل إنما ابتدع القيود والعبودية الظلمة والطواغيت والبغاة من بني الإنسان. وأصبح على أجيالنا أن تناضل من أجل أن تنعم بها كاملة غير منقوصة. فالحرية تعني التفكير الحر والقرار الحر والعمل الحر فهي لا ترضى الاكراه  أو القيود أو المحاذير والموانع التي تحمي الخاصة. ولقد وصلت الانسانية الي مرحلة راقية بحيث حرمت على نفسها استعباد الانسان وبيعه في أسواق الرقيق وهذا ماسعى إليه الاسلام من خلال ممارسته بحيث ربط بين تحرير الرقيق ومساواتهم كاخوة بين ابناء المجتمع المسلم وبالتالي حقق الهدف في مثالية رائعة منذ أربعة عشر قرنا حيث ساوى بين سيدنا بلال الحبشي رضي الله عنه وسيدنا أبي بكر الصديق رضى الله عنه وأرضاه الذي أعتقه. وإذا أردنا أن نعرف معنى الحرية علينا أن نراجع أحكام الرقيق في أعدل شرع عرفه التاريخ وهو الشرع الاسلامي. وقد حول الظلمة المالك من إنسان إلي الدولة أو الحزب أو القبيلة أو النظام وتفننوا في تزين القيود وعلينا أن نعرف أن القيد قيداً ولو كان من ذهب،  فالعبرة بالنتيجة وليست بالوسلية . والحرية قمية إنسانية رائعة تنمو وتزدهر بالممارسة ولا تزدهرحضارة في غيابها بل يمكننا القول أن الحرية هي الركيزة الانسانية للحضارة الانسانية واذا رافقها العدل دامت.
           ويمكن أن نعرف أنواع الحريات فيما يلي :-
1.      حرية الإعتقاد، وهي تكفل للإنسان الحرية الكاملة في اختيار الدين وبالتالي الحق في ممارسته والأصل في الدين هو السمو بممارسات الانسان إلي أفضل مستوى.
2.       حرية التفكير، وهذه تكفل حرية الابداع والاختراع وطرح الافكار ومناقشتها والتفكير فيما يمكن أن يكون نافعاً للناس لاقامته أو ضاراً لدفعه.
3.      حرية التعبير فكل إنسان له الحق في التعبير عن أراءه وأفكاره بجميع الواسائل المتاحة له بكل أمان.
4.      حرية التصرف، فالإنسان حر في أن يتصرف فيما يملك مادام قادراً على إتخاذ القرار السليم وإنما يحجر على السفيه في الأسلام لحمايته من سوء تقديره وليس للتلاعب في ماله.
5.      حرية الاختيار بين البدائل المتوفرة فعندما يتساوى الناس وتتساوى فرص الاختيار يجب تحقيق الحرية في الاختيار ولو أدى الأمر إلى اجراء القرعة بين المتقدمين.

واقع الحريات في الوطن العربي 

             بعد قرون من الكفاح والنضال وملايين الضحايا التي قدمتها الأمة العربية على طريق الحرية يوجد بلد عربي واحد تتوفر فيه كل الحريات ففي بعض الحالات يوجد هامش بسيط من الحريات وكم هائل من القيود المحاذير والعقوبات. وهذا راجع إلى عدة عوامل أهمها الجهل بقيمة الحرية والجهل بطرق ادارة الأمور والأعتماد على نصائح اعداء الأمة . والسؤال الذي يفرض نفسه لماذا لم تتحقق الحرية كاملة عند الاستقلال في كل دولة عربية؟ والاجابة قد تختلف من قطر لآخر حسب نسبة الحسم في عملية التحرر وهي كلها قد تقع تحت أحد الأسباب التالية:-
·         عدم تحقيق انتصاراً بيناً على المستعمر وهذا يعني أن يدخل أهل القطر في مفاوضات مع المستعمر قبل النصر وبالتالي يتشكل نظام الحكم حسب ما يحقق هدف المستعمر الأصلي من التمكن في خيرات  البلد والتحكم في مصيره. وليس أدل على ذلك مما يجري على يد السلطة الوطنية الفلسطنية فهى تبني السجون وتعتقل المناضلين قبل أن تبني الدولة.
·         التفاف عملاء المستعمر حول طلائع التحرير في اللحظات الأخيرة قبل حسم المعركة مثلما نجح عملاء المستعمر في كثير من الدول من الأنضمام إلى جبهات التحرير أو الحكومات الوطنية ثم الانقلاب عليها واجهاضها من الداخل ، وأوضح مثال على هذا هو خروج أحمد بن بلا من السلطة مع أنه بطل تحرير الجزائر.
·         تسامح المنتصرين في عملية التحرير مع من تعاون مع الاستعمار ونسيان الماضي وبعد ذلك يعاود الخونة وأبنائهم اختراق الصفوف و لعب دور الطابور الخامس والذي ينتهي به الحال إلى سدة الحكم، وفي كثير من الدول العربية أحفاد أبطال الجهاد لاجئون في الخارج وأحفاد الخونة يسطيرون على الأنظمة.
·         انخفاض مستوى التعليم في القطر وبالتالي يحتاج النظام الوطني المستقل إلى مستشارين عرب أو أجانب يوجهونه حسب مصالح بلادهم وإلى أساليب المستعمر في التحكم في الشعوب.
·         ضيق الأفق وعدم وجود رؤية مستقبلية تؤمن سلامة تداول السلطة، وهذا يؤدي إلى بقاء الحاكم مدى الحياة، فيتحكم في البلد ويتحول إلى فرعون عصره ثم لا يرضى بهذا فقط فيفكر في استمرار السلطة في اسرته.
·         الثقة الساذجة من الشعوب وانخفاض مستوى التعليم يساعد على خلق الفراعنة والله سبحانه وتعالى يقول " استخف قومه فأطاعوه " والرسول الكريم صلى الله عليه وسلم يقول " لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ".
·         الاقبال على الدينا والأعراض عن المبادئ والقيم الانسانية ملأ قلوب علماؤنا ومفكرونا بالجبن مما ساعدهم على الرضى بأعلى مستويات الجهل بين عامة الشعوب.  وبدل أن يستثمروا قدراتهم وعلمهم في النهوض بالأمة تفننوا في الوصول إلى أعلى مستويات الكسب المادي.

طريق الحرية في الوطن العربي

              لقد تغنى شعراؤنا بالحرية، ودعوا إلى بذل الغالي والرخيص في سبيلها أيام الاستعمار ولكنهم لم يعيشوا ليتمتعوا بها. ولا زال النداء حياً ولكن الوسائل قد تتغير. ربما يطول الطريق ولكن النتيجة مؤكدة، وما ضاع حق وراءه مطالب. وبالرغم من الصورة القاتمة أحياناً التي نحاول أن نرسمها للماضي والمستقبل إلا أننا يجب أن نعترف بأن الأمة قد حققت مراحل كبيرة على طريق الحرية وهي بحاجة إلى النهوض المتكامل إنسانياً ومادياً ومعنوياً لكي تأخذ مكانها بين الأمم. لقد ذهب الاستعمار إلى غير رجعة حتى وإن بقي أعوانه أو أذنابه وتحقق هامش من الحرية والاستقلال ولو كان بسيطاً، فلدينا من الضوء ما يكفي لتبديد الظلام.

                وطريق الخلاص والنهضة يحتاج إلى :-

1.      رجال يعشقون الحرية بناً على قناعات راسخة وليس مشاعر وأحاسيس وأحلام لا تقوى على مواجهة الصعوبات. ووظيفة هؤلاء الرجال هي رفع لواء الحرية وقيادة حركة النهضة في هدوء وسكينة وبمنتهى الحكمة في ظل معرفة للواقع وإيماناً بحتمية المستقبل سلاحهم الأساسي على هذه الطريق هو المبدأ السامي في تحقيق الحرية على أرض الواقع.

2.      توعية مستمرة بأهمية الحرية كمبدأ وكممارسة، فا لسلاح الأقوى هو وعي الجماهير لأهمية الحرية للوصول إلى العدل والمساواة ثم بعث الحضارة بأبعادها المعنوية والمادية بما يحقق كرامة العيش بين الشعوب الأخري.

3.      شمولية النهضة فالكل جزء من المجتمع ولا يمكن أن نبني حضارة على جماجم الشعب بل بسواعد الجميع.

4.      إتباع الأساليب والوسائل السلمية في النضال من أجل استكمال الحرية.

5.      إتباع الطريق العلني في العمل فالأساليب السرية تغيب قطاعات كبيرة من المجتمع ثم تستخف بها وبالتالي تسلبها حقها في الحرية.

 


Tuesday, December 28, 2010

الشيخ محمد الامام الزنتانى...العالم المجاهد




صورة الشيخ محمد الزنتانى من أرشيف المحاكم الايطالية
مولده و نشأته

ولد الشيخ محمد الامام الزنتانى سنة 1857م ، حسب شهادة ميلاد صادرة عن الدولة العثمانية فى قرية تاغرمين بالجبل الغربى التي تعرف الان بالزنتان نسبة الى قبيلة الزنتان التى تسكنها، و تنتمى قبيلة الزنتان إلى قبيلة الدواسر بنجد الكبرى.  نشأ محمد يتيما حيث توفى والده محمد بن محمد بن أحمد بن سالم بن خليفة بن عبد الكريم الذويب و هو جنينا فى بطن امه و ترك له و أخوته ثروة كبيرة من الأغنام و الإبل و الأراضى و المغروسات. و بعد ولادته أرضعته أمه مبروكة بنت الحاج أحمد الرماح من قبيلة العميان وقد تولى رعايته جده الحاج أحمد الذى ألحقه بمدرسة قرآنية و هو فى سن الخامسة من العمر حيث استطاع أن يحفظ القرآن كاملا و سنه لم تتجاوز العشر سنوات الأمر الذى رسخ فى نفسه حب العلم و العلماء؛ وولد لديه الاصرار على مواصلة طلب العلم فكان حريصا على حضور حلقات الدرس فى المساجد القريبة و إن كانت غير منتظمة و موجهة لتوعية العامة أكثر من كونها علمية.
     و مع مرور الأيام بدأ شيخنا يتطلع الى الرحيل طلبا للعلم الذى لا يتأتى إلا بالتلقى عن علماء متخصصين و فى حلقات منتظمة و مستمرة. و فى ذلك الزمان كانت الناس ترحل إلى جامع الزيتونة أو الجامع الأزهر أو المعهد الأسمرى بزليتن طلبا للعلم فبدأ يخطط للإلتحاق بالمعهد الأسمرى فى زليتن فذهب فى قافلة تجارية الى الساحل و بعد أن نجح فى إتمام كل المعاملات الخاصة بأسرته إستخلف أبناء خاله لتوصيل البضائع و الأموال و رحل إلى طرابلس حيث باع فرسه التى ورثها عن  والده و سافر إلى زليتن و إلتحق بالمعهد بعد أن اجتاز إمتحان القبول و من هناك بدأت رحلته العلمية.

رحلته فى طلب العلم

بعد التحاقه بالمعهد انكب الشيخ محمد على طلب العلم و متابعة الدروس و إجادة التمكن من معرفة دقائق العلوم المختلفة حيث درس الفقه و النحو و الصرف و البلاغة و أحكام المواريث و علم التوحيد و علم الحديث و علوم المنطق و العرض و القوافى و التفسير فى جوٍ روحانىٍ تمتزج فيه العبادة مع التفرغ الكامل لطلب العلم و الزهد فى الدنيا من خلال العيش فى خلوة بالمعهد و فى ظروف مادية صعبة حيث ينفق الطالب على نفسه بما توفر لديه من مال محدود و باختياره هو و لم يكن مضطرا فاسرته كانت ميسورة الحال و لكنه فضل طلب العلم على الراحة بين أهله.
 و من خلال دراسته تتلمذ على يد العديد من علماء زمانه و منهم:
الشيخ مصطفى السلاع من زاوية العميان بالزنتان
الشيخ محمد الكميشى من زاوية الطواهرية بابى زيان بغريان
الشيخ محمد عيون الغزال
الشيخ محمد الفطيسى و كان مشرفا على المعهد
الشيخ عبد الله بن عمار
و بعد أن تحصل على الإجازة  قفل راجعا إلى مسقط رأسه حوالى سنة 1880م فتولى مهمة الإمام الراتب فى مسجد قرية الزنتان حيث بقى فترة يؤم الناس فى الصلاة و يعلمهم أمور دينهم و يربى أطفالهم فلقبوه بالإمام و كانت هذه أول المسؤوليات في حياته العملية.
 و لكن مسيرته العلمية لم تتوقف عند هذا الحد بل زاد اهتمامه بطلب العلم و المساهمة في نشره بالتدريس و التعليم والتأليف و الكتابة. و من أشهر تلاميذه الشيخ امحمد بو ذينة الزنتانى الذى تولى رئاسة هيئة كبار العلماء التى تشرف على رواق المغاربة بالازهر الشريف ، كما تولى منصب شيخ جامعة محمد بن على السنوسى الاسلامية بالبيضاء.

مؤلفاته

لقد كان شيخنا الفاضل بحرا زاخرا فى مجال العلم و الفتوى و ملما بجميع المذاهب و له مشاركات فى بعض المجلات العربية و منها مجلة نور الاسلام حيث كان يساهم فى الرد على العديد من المسائل الشائكة و كانت ردوده دائما مطابقة للصواب. كما ترك لنا العديد من الكتب التى خطها بيده، بعضها وصلنا و بعضها ضاع بين المستعيرين أو بين المكتبات.


صورة صفحة من كتاب الروض الشامل
 و من الكتب التى نعرف مكانها و توجد نسخ منها محفوظة بمركز دراسات جهاد الليبيين ما يأتى:

مخطوط كتاب قرة العين و سعادة الدارين بالصلاة على أكرم المخلوقين
مخطوط كتاب أوضح المسالك إلى مذهب الامام مالك
مخطوط كتاب مسائل الحج و ما يتعلق به
مخطوط كتاب كشف الحجاب فى وجه أسئلة الجان
مخطوط كتاب الروض الحافل و المجموع الشامل لبعض الرسائل و النوازل
مخطوط كتاب الاصل فى مقدمة الروض الشامل
مخطوط شرح حزب فى التصوف
مخطوط كتاب المسك الادفر العباق لمن أراد الدخول لحظرة الملك الخلاق فى الصلاة على من جمع مكارم الاخلاق
مخطوط كتاب سلم السعادة و عنوان الشهادة فى الصلاة و السلام على سيد المبعوثين و السادة
مخطوط أدعية
مخطوط كتاب رسالة في التصوف



صورة مجلد كتاب الروض الشامل صيف 2010 م
بالإضافة إلى هذا المجهود في مجال التأليف كان الشيخ شاعرا رقيقا وله العديد من القصائد التى لم يصل إلينا إلا بعضها فى روايات شفهية، أما شعره الدينى فقد تركز جله فى المناجاة و تخميس المضرية التى لم يسبقه إليها أحد كما جاء فى قوله:
هذا تخميس أبيات المناجاة لم       يسبق إليه سوى الامام فى ما علم
للمضرية كالذيل الجميل يضم   فانهض تبتل بجوف الليل و ادع و قم
بالفقر و الذل الدموع تنهمر
  و تقع فى ستة و ستين بيتا منها التخميسات الثلاث الاولى لشيخنا و البقية لمؤلف المضرية.                      أما في المناجاة فوصلنا  قصيدتان و يتضح فيهما جليا امتزاج التزكية الروحانية بجميل التعابير الشعرية في لغة عربية فصيحة، كما يظهر فيهما الافتقار و التذلل لعظمة العزيز الجبار و هما:

إلهي

يا من برحمتهِ الأرزاقُ تنبسطُ ___________________________________
  
على الخلائق طرّاً كلما قحطوا ___________________________________
يا من يعاملُ بالإحسانِ إن قسَطوا ___________________________________
  
يامَن يغيث الورى من بعد ما قَنطوا ___________________________________
اِرحمْ عبيدًا أكفَّ الذلِّ قد بسطوا ___________________________________
  
أنتَ الكريمُ الذي وفّى بحقّهمُ ___________________________________
فقصّروا ونسُوْا مقدارَ رزقهمُ ___________________________________
  
الآنَ جاءوكَ طلابًا لرزقهمُ ___________________________________
واستنزلوا جودَكَ المعهود فاسقهمُ ___________________________________
  
ريًا يُريهم رضًا لم يتلُه سخَط ___________________________________
يا ربّ خلقُكَ يا رحمنُ قد وقفُوا ___________________________________
  
وكلّهم مشفقٌ من وزره دنِفُ ___________________________________
فاقبلْ تضرُّعَهم يا من له اعترفوا ___________________________________
  
وعاملِ الكلّ بالفضل الذي أَلِفُوا ___________________________________
يا عادلاً لا يُرى في حكمه شطَط ___________________________________
  
ترى الخلائق في كربٍ وتسمعُها ___________________________________
فمن يطيق إذا أمسكتَ ينفعُها؟ ___________________________________
  
ومَن يطيق إذا أعطيتَ يمنعُها؟ ___________________________________
إنّ البهائم أضحى التُربَ مرتعُها ___________________________________
  
والطيرُ تغدو من الحصباء تلتقط ___________________________________
تغدو وترتعُ ليلاً وهي طاويةٌ ___________________________________
  
وعن معاهدها في الرزقِ نائيةٌ ___________________________________
وأدمعُ الخلقِ في البيداءِ هاميةٌ ___________________________________
  
والأرضُ من حليةِ الأزهارِ عاريةٌ ___________________________________
كأنَّها ما تحلتْ بالنبات قَطُ ___________________________________
  
كمْ سائلٍ نالَ قَصْدًا منك أمَّلَهُ ___________________________________
ومذنبٍ حطّ وزرًا كانَ أثقله ___________________________________
  
أنَّى نجيب رجاءً كنتَ مأملَه ___________________________________
وأنت أكرمُ مفضال تُمَدُّ له ___________________________________
  
أيدي العصاةِ وإن جارُوا وإن قسطوا ___________________________________
أنتَ الغنيُّ فلم يُشبِه غناكَ غِنى ___________________________________
  
وفقرُنا لكَ أصلٌ في جبلَّتِنا ___________________________________
فارحمْ عبيدكَ واقبَلْ من نأى ودنا ___________________________________
  
ناجَوْكَ والليل جلاّه الصباح سنا ___________________________________
كما جلا من سوادِ اللِّمة الشَّمَط ___________________________________
  
قضيتَ أفعالَهم فيما قضيت به ___________________________________
وما رضيتَ من الجاني بمذهبهِ ___________________________________
  
أحطت بالكلّ علمًا في تقلُّبه ___________________________________
فشارقٌ بعظيم الذنب غصَّ به ___________________________________
  
وآخرون كما أخبرتنا خلَطوا ___________________________________
وخائفٍ صارَ خلفَ الناسِ معتذرًا ___________________________________
  
ومُرْتَجٍ منك لطفًا يكشفُ الضررا ___________________________________
وعنكَ مرتقبٌ لا يصرفُ النظَرا ___________________________________
  
ومنعم في لفيفِ الناس وهو يُرى ___________________________________
في سلْكِ من حامَ حول العرش ينخرط ___________________________________
  
وغافلٌ غارقٌ فيما تخوَّلَه ___________________________________
وجاهلٌ غرَّهُ جاهٌ تحمَّلَه ___________________________________
  
ومُعرِضٌ عنك والإعراض أهمله ___________________________________
وملحدٌ يدَّعي ربّاً سواك لهُ ___________________________________
  
حيرانَ في شَرَكِ الإشراك يختبط ___________________________________
أنتَ الذي كلّهم يرجونَ رحمتهُ ___________________________________
  
ويسألون جميعًا منه نعمتَه ___________________________________
يُسْرٌ به أظهرَ الرحمنُ حكمتَه ___________________________________
  
كلٌّ ينال من المقدورِ قِسمَته ___________________________________
قومٌ ترقَّوا وقومٌ في الهوى سقطوا ___________________________________
  
ومن ترقّى يرى عُقبَى مروءتهِ ___________________________________
ومن هوى هام في بلوى خطيئته ___________________________________
  
كلاهما تحتَ قهرٍ بمشيئته ___________________________________
حكمٌ من اللّه عدلٌ في بريّته ___________________________________
  
فرض علينا له التسليم مشترَط ___________________________________
فسلّمِ الأمرَ للرحمنِ كيفَ قضى ___________________________________
  
وإن عصيتَ جرى ما شاءه ومضى ___________________________________
فلا تكُ الدهر ممّن حكمه اعترضا ___________________________________
  
ومن تصدّى لحكم الله معترِضا ___________________________________
فقد تصدّى له الخذلان والغلَط ___________________________________
  
ربٌّ يُري خلقَه أسبابَ نِقمتِهِ ___________________________________
ليرجعوا أبدًا عن كفرِ نعمته ___________________________________
  
فيجتبيهم ويهديهم لخدمتهِ ___________________________________
وما ذنوبُ الورى في جنب رحمته ___________________________________
  
وهلْ يقاسُ بفيض الأبحُرِ النُّقَط ___________________________________
للهِ فضلٌ علينا واسعٌ ومِنَنْ ___________________________________
  
واللطف منه لنا يأتي بكل زمنْ ___________________________________
فهل سمعتَ وهل أبصرت غير حَسَنْ ___________________________________
  
وما لنا ملجأٌ غير الكريم ومن ___________________________________
يُلفى على الحوض وهو السابق الفَرَط ___________________________________
  
مقامه في المعالي غيرُ مشتبِهِ ___________________________________
وفضلهُ دائمًا يبدو لمنتبه ___________________________________
  
والأنبياءُ جميعًا تحت موكبه ___________________________________
ذاك الرسول الذي كلّ الأنامِ به ___________________________________
  
يومَ القيامة مسرورٌ ومغتبِط ___________________________________
هو النجاة لمن قد كان أملَّها ___________________________________
  
ونعمةٌ من إله العرش خوَّلها ___________________________________
ورحمةٌ لجميع الخلقِ أرسلها ___________________________________
  
صلّ عليه صلاة لا نفاد لها ___________________________________
مَنِ اسمُهُ باسمِهِ في الذكرِ مرتبطُ __________
  
يا رب

يا من علينا بكل المكرمات يَمُنْ ___________________________________
  
ويدفع الضّرَّ عمن يكتوي بإحَنْ ___________________________________
يا كاسرَ القيد عمّن في السجون سُجِن ___________________________________
  
يا خالق الخلق يا ربَّ العباد ومن ___________________________________
قَد قال في مُحكم التنزيلِ: أدعوني ___________________________________
  
أنتَ المغيثُ فكن عوني وكَن سندي ___________________________________
على عدوِّ لنا في الديّنِ والبلد ___________________________________
  
أرجوكَ نصرًا يفلُّ قوة العدد ___________________________________
إني دعوتك مضطرًا فخذْ بيدي ___________________________________
  
يا جامعَ الأمر بين الكاف والنون ___________________________________
قلبي لآلائكَ العظمى إلَهي وعى ___________________________________
  
فباتَ مغتبطًا للمكرُمات سعى ___________________________________
فاحفظه ممّا يثيرُ الهمَّ والفزعا ___________________________________
  
نجّيتَ أيوبَ مِنْ بلواه حين دعا ___________________________________
كمثل أيوب ياذا الفضلِ نجيني ________
  

مسؤولياته الوطنية

بعد تخرجه من المعهد الاسمرى فى زليتن تولى عدة مهام على المستوى المحلى و الوطنى و هى:
إمام مسجد الزنتان من سنة 1880م إلى 1900م حيث تولى الدرس و الامامة فى الصلوات و الافتاء، و خلال هذه الفترة انتقل للتدريس بزاوية العالم لمدة سنتين.
عين نائبا للقضاء الشرعى بالزنتان سنة 1900 م ، ثم قاضيا بيفرن سنة 1917م.
عين وكيلا للمجلس الشرعى فى العزيزية فى 11 أبريل 1918م ثم نقل إلى الزاوية الغربية.
فى 4 سبتمبر 1918م تم تعيينه بالمجلس الحربي العرفي.
فى 16 سبتمبر 1918م تم انتخابه عضوا للمجلس الشرعى للجمهورية الطرابلسية.
فى سنة 1919م أسندت إليه رئاسة المجلس الشرعى و هو منصب يوازى منصب وزير العدل في الجمهورية الطرابلسية.

جهاده العلمى و العملى

عندما داست جحافل المحتلين الطغاة من الايطاليين ارض الوطن لبى الشيخ الزنتانى نداء الجهاد و انضم إلى صفوف المجاهدين مقاتلا و محرضا على القتال و شارك فى المعارك الاتية:
معركة الهانى و غنم فيها بندقية موزر
معركة زوارة  بمنطقة سيدى سعيد
معركة غوط الديس بالعجيلات
معركة الكردون بالزنتان
أما على صعيد العلم و الفتوى فقد أفتى شيخنا الجليل باستباحة دماء و أموال الخونة و الجواسيس و عملاء الطليان الذين كانوا يدلون الايطاليين إلى أماكن المجاهدين و ضرورة معاملتهم معاملة الاعداء. و قد سببت له هذه الفتوى عداوات مع العديد من القبائل فى منطقة الجبل الغربى. كذلك كان شيخنا الوحيد الذى لم يوقع على ما يسمى محضر اجتماع خلة الزيتون و صلح غريان الذى وافق فيه قادة الجهاد على ترك الساحل للايطالين و تركيز المقاومة فى الجبل و الدواخل لان فى ذلك اعتراف بحق الغزاة فى احتلال البلاد.
وبعد ان استتب الامر للايطاليين فى المنطقة الغربية تمكنوا من القبض على الشيخ الزنتانى و اقتيد مسلسلا إلى طرابلس و تم تقديمه للمحكمة و صدر فى حقه حكم بالاعدام و لكنه لم ينفذ و بقى فى سجنهم سنوات طويلة ثم أفرج عنه نظرا لتردى حالته الصحية ليبقى تحت الاقامة الجبرية في بيته محروما حتى من أداء الصلاة في مسجده الذي لا يبعد عن بيته سوى عدة أمتار إلى أن انتقل إلى الرفيق الأعلى. و مما يجب ذكره هنا هو موقفه في المحكمة عندما نطق القاضي الايطالي بالحكم قائلا:" حكمت عليك المحكمة بموجب القانون الايطالي بالإعدام". فأجابه الشيخ:" إنني لا أعترف بك و لا بقانونك الذي تشير إليه".  قال ذلك فى عزة و إباء ولم يطلب عفوا و لا تخفيفا للحكم.

وفاته

انتقل إلى رحمة الله الشيخ الجليل محمد الامام الزنتانى عن عمر يناهز85 عاما فى بيته بقرية الزنتان وهو تحت الاقامة الجبرية عند الاذان الاول ليوم الجمعة الموافق للعشرين من رمضان سنة 1261 هجرية، و بذلك انطفأ مصباح كان يضىء و يرشد الناس إلى معرفة الحقيقة و فقدت ليبيا منارة من منارات العلم الشرعى بغيابه، و دفن بقرية الزنتان مسقط رأسه.



قبر الشيخ بالزنتان صيف 2010م
 و قد حزن لفراقه  كل من عرفه من العلماء و الطلاب و عامة الناس و رثاه الشيخ شعبان الغرارى الفيتورى فى قصيدة من 23 بيتا يقول فى مطلعها:
جزعت لموته اهل قطره كلهم        من صبية أو نسوة و رجال
لا سيما أنجال له و صغارهم          و تلاميذ و أفاضل و موالى
كان بتاغرمين شمسا مشرقا             يفتى لهم و يحلل الاشكال
يأوى الغريب و ينصر المظلوم لا  يسمع لقول المرتكب ذى المال
الله أكبر لا مرد لحكمه                 حكم بموت الكل غير مبال
رحم الله شيخنا الجليل رحمة و واسعة و أسكنه فسيح جناته مع الشهداء و الصديقين و حسن أولئك رفيقا، فقد مات فى سجنه بسبب جهاده بالعلم و الفتوى و قتاله للمعتدين.
و يتضح لنا من خلال هذه السيرة العطرة عطاء هذا الشيخ الجليل و مساهمته في نهضة بلاده متسلحا بإيمانه و معتمدا على قدراته الذاتية، فقدم ما أمكنه في وقت السلم ووقت الحرب. كما أن وصوله إلى أحد أعلى المناصب في الجمهورية الطرابلسية دليل على اعتراف أبناء جيله بقدراته و تقديمه على العديد من الشيوخ في زمانه و دليل  على حكمة و عدل من كان بيدهم تسيير الأمور.

أهم المراجع:
الإمام المكي محمد الإمام" السيرة الذاتية لفضيلة الشيخ العلامة محمد الإمام الزنتانى، غير منشورة.
صالح المختار ابوبكر التومى" الحج و ما يتعلق به من مسائل للشيخ محمد الامام الذويبى الزنتانى" أطروحة رسالة الماجستير، جامعة الجبل الغربي سنة 2008 م.