Wednesday, May 26, 2021

 

الهوية الليبية

استوقفني نقاش اخي وزميلي ا د نجيب الحصادي في برنامج مرئي على قناة الوسط في حديثه عن الهوية الليبية حيث قال: كليبيون تجمعنا اللغة والدين والتاريخ والجغرافيا واشار الى انها جوامع سلفية تتحدث عن الماضي اي أنها لا تمثل واقعا أو إنجازا حضاريا معاصرا، وهنا يقع مربط الفرس. فاللغة نتحدثها كل يوم ونعبر من خلالها عن مشاعرنا وامالنا وطموحاتنا ونكتب بها تاريخنا فهي أذن حية وليست من الماضي علما بأن الماضي يثريها وشعرنا الشعبي يرسم انماط حياتنا في السلم والحرب ويصور مشاعر الحب، والغزل، والمدح، والهجاء.

 وكذلك ديننا الحنيف نمارسه كل لحظة في حياتنا ونضيف بذلك الى رصيدنا كما نطوره من خلال اجتهاد علمائنا، وديننا هو ذخيرتنا في دفاعنا عن وطننا. اما التاريخ فهو يصل ماضينا بحاضرنا وفيه العبرة والدروس ولولاه لما عرفنا مقولات شبابنا "نحن احفاد المختار ننتصر او نموت"، و "مرحب بالجنة جت تدنى". والجغرافيا أي جغرافية ليبيا بجبالها وصحاريها ساهمت في الصلابة ورباطة الجأش والصمود كما مهدت لأخلاق الكرم والمروءة وحسن الجوار.
كل هذه العوامل لو تفاعلت في جو طبيعي إيجابي لرسمت أسمى معاني الروح الوطنية للهوية الليبية، لكن الخمسة عقود العجاف السابقة ساهمت في تدمير الصورة الجميلة التي ارتسمت على محيا ليبيا خلال سني العهد الملكي المحدودة. ولو اشتركت المدارس والجوامع والجامعات وأجهزة الإعلام في المستقبل القريب في إحياء الموروث الوطني الليبي لأعادت الى اهلها جمال هويتهم، ولأشترك جميع هذه العناصر في رسم معالم المستقبل الذي نتطلع اليه.

تمر بي لحظات اشعر وكأن بعض فلاسفة بلادنا والدارسين للعوم الإنسانية يعيشون في واقع غريب ويحاولون مجاراة الشعوب التائهة والتي بنت كل حياتها على الجوانب المادية وأهملت الدين ودوره في الحياة وخاصة في تشكيل النفوس الإنسانية السوية، ويبرز هذا الشعور خاصة في تكرار الحديث عن الهوية في أوساط مفرغة من الروح الإسلامية.

 

Tuesday, May 25, 2021

 

ثراء اللغة العربية

تمتاز اللغة العربية بثراء لا تملكه أي لغة حية أخرى فهي توفر لمستخدمها عدد كبير من استخدام الحروف الابجدية باستخدام التنوين والتشكيل وحروف الجر والضم والنصب والشدة؛ وبالتالي نفس الحرف يمكن ان يستخدم ما يقارب من ثماني استخدامات مختلفة وبمعاني مختلفة. ولو على سبيل المثال نظرنا الى حرف الباء وأدخلنا عليه أدوات التشكيل لتحصلنا على حوالي تسعة أوضاع مختلفة كما هو موضح بالشكل المرفق:

ب

بَ    بِ   بُ

  بَّ    بِّ    بُّ

 بً    بٍ     بٌ

 بْ

علما باننا لو حاولنا كتابة نفس المنطوق الناتج بلغة أخرى سنحتاج على الأقل الى كتابة حرفين الى ثلاثة أحرف للوصول لنفس النتيجة. ويكفي اللغة العربية فخرا انها حوت كتاب الله فحفظته وحفظها وانها استفادت من التطورات الفنية والتقنية مع تطور العلوم من فنون الكتابة وتطورات الخط العربي ثم مؤخرا الى الطباعة وأخيرا تقنية المعلومات وستكون هي لغة التوثيق في مستقبل الأيام حيث كلماتها ومعانيها ثابتة مع الزمن وبالتالي ستكون خير حافظ للتقدم العلمي والتقني في العالم الحديث.

اما إذا نظرنا الى بلاغة وذكاء الانسان العربي الفطرية فأننا سنرى العجب العجاب فمثلا في العصر الجاهلي لم يعرف العرب الكتابة فهم كانوا مجتمعا اميا، كانوا يحفظون الشعر ويقولونه على السليقة ولم تعرف اللغة العربية التنقيط او أدوات التشكيل المختلفة الا بعد الإسلام وانتشار اللغة العربية بين الشعوب الأخرى ومع هذا وصلنا الكثير من اخبارهم، وحروبهم وتاريخهم واشعارهم.

 ويحضرني بيت شعر يصف فيه امرؤ القيس حصانه في ساحات الوغى حيث يقول الشاعر:

مِكر مِفر مُقبل مُدبر معا      كجلمود صخرٍ حطه السيل من علي

في هذا البيت يصور الشاعر حركة ديناميكية متواصلة باستخدام عدد محدود من الكلمات ولو صورنا المشهد حاليا لاحتجنا الى شريط سينمائي وبموسيقى تصويرية لتمثيل المشهد.  

عبد الرحيم الكيب رجل الدولة الذي فقدناه

لقد كان الدكتور عبد الرحيم عبد الحفيظ الكيب رئيسا للوزراء لأول حكومة انتقالية بعد الإطاحة بنظام القذافي شخصية سياسية فريدة فهو رئيس الوزراء الوحيد في التاريخ الحديث الذي لم يتلق مقابلا ماديا خلال خدمته كرئيس وزراء فهو كان يعتبر وجوده في الحكومة خدمة وطنية تطوعية لإنقاذ الوطن من الفوضى التي عمت البلاد. واستطاع في فترة وجيزة لا تتجاوز العام مع أفراد حكومته من وضع اللبنات الأساسية لاستعادة بناء الدولة وتحقيق العدالة والمساواة بين جميع أفراد الشعب وغادر الحكومة في مشهد حضاري بهيج يعكس مدنية الدولة ثم لم يغادر الوطن وعاش بين أهله وقد اعتزل النشاط السياسي. بالتأكيد وقع بعض التقصير غير المقصود، ولكن لظروف فرضتها المرحلة والتدخلات السياسية في أمور الدولة من أطراف أخرى داخل البلاد. واليوم يبدو واضحا للعيان ما فقدناه بغيابه عن رئاسة الحكومة وما نفقده حاليا بوفاته لأنه لو كان حيا لكان أفضل مرشحا لرئاسة الجمهورية إذا حدثت الانتخابات في موعدها.

نشأته

ولد عبد الرحيم خالد الكيب في بنغازي بتاريخ 2 مارس 1950م لعائلة أصولها من صبراته وعاش وترعرع في طرابلس أيام العهد الملكي وتحصل على شهادة الثانوية العامة في يونيو 1968م والتحق بكلية الهندسة - طرابلس وهي احدى كليات الجامعة الليبية واختار قسم الهندسة الكهربائية شعبة القوى كمجال تخصصه، وتخرج في يونيو 1973م وعين معيدا بنفس الكلية وسافر في بعثة الى الولايات المتحدة لنيل درجة الماجستير والتي تحصل عليها في يونيو 1976م من جامعة جنوب كاليفورنيا. ثم عاد لأرض الوطن ليباشر عمله كعضو هيئة تدريس بنفس القسم الى ان تقرر ايفاده لنيل درجة الدكتوراة والتي تحصل عليها من جامعة ولاية كارولينا الشمالية بتاريخ 1984م حيث استقر به المقام للعيش خارج الوطن لأسباب سياسية.

صفاته

تميز عبد الرحيم بصفات حميدة ومنها بشاشة الوجه ولطف المعشر والتواضع والوفاء والصدق ولين الجانب وكان اجتماعيا يحب لقاء الأصدقاء ويشارك في النشاط الرياضي ويحب الموسيقى والفن. كان حسن المظهر دائما، انيقا كريما يتواصل مع أصدقائه وتعلو وجهه ابتسامة لطيفة ويحمل في قلبه حبا كبيرا للوطن وكثيرا ما كان يتحدث عنه في الغربة.

 كما كانت له قدرات علمية متميزة حيث درّس في العديد من الجامعات ونشر عددا كبيرا من الأبحاث في مجال تخصصه وأشرف على عدد كبير من طلاب الدراسات العليا.

اما في حياته العملية فقد كان جادا ومخلصا وصارما في أداء العمل الوظيفي وحريصا جدا على المال العام ومنظما في إدارة وتسيير اعماله.

تشكيل الحكومة

لقد بدأ عبد الرحيم في تشكيل حكومته من لحظة انتخابه من قبل المجلس الانتقالي واجتهد في اختيار انسب الأعضاء في الحكومة على أساس الكفاءة وكان يطلب من كل وزير يتفق معه على إعداد خطة لبناء الوزارة تعرض عليه لاعتمادها ثم تثبت في رئاسة مجلس الوزراء وقد حدث هذا مع عدد من الوزراء حتى قبل اعتماد الحكومة.

ولكن تشكيل الحكومة لم يسلم من تدخلات المجلس الانتقالي عندما فرض على عبد الرحيم ثلاث وزراء وهم وزير الدفاع ووزير الداخلية ووزير الصحة وبالتالي فقد رئيس الوزراء السيطرة على هذه الوزارات وأصبحت مصدر ازعاج لمجلس الوزراء بسبب تغيب بعضهم عن الحضور عن الجلسات وخاصة الدفاع والداخلية وتصرفهم خارج الحكومة في تشكيل ودعم تشكيلات مسلحة وتسليحها وتمويلها. كذلك عرقل المجلس الانتقالي تعيين بعض الوزراء ثم بعد تشكيل الحكومة بمدة فرض المجلس الانتقالي تعيين وكيلا لوزارة الدفاع وبميزانية خاصة به ليعمل في المنطقة الشرقية من إقليم برقة وهذه الأخيرة خلقت بذورا للفتنة في المنطقة.

إنجازات حكومة الكيب

لقد نجحت الحكومة الانتقالية في استعادة تدوير عجلة الدولة في كل البلاد وذلك لاعتمادها مبدأ الكفاءة لا المحاصصة في اختيار الوزراء كلما أمكن ذلك ومن أهم إنجازاتها على سبيل المثال لا الحصر الاتي:

1- السيطرة على منافذ البلاد وتحقيق كم كبير من الامن والأمان فبالرغم من انتشار السلاح في كل مدينة وقرية وشارع لم تحدث تصفيات او اغتيالات او جرائم سطو.

2- توفير السيولة في المصارف وتدني سعر الصرف للعملات الأجنبية.

3- توفير الحاجيات اليومية للمواطنين بأسعار معقولة وتوفر الماء والكهرباء.

4- عودة جميع طلاب المدارس والمعاهد والجامعات لفصول الدراسة ومعالجة المشاكل الناجمة عن مرحلة الاشتباكات ويكفي ان نذكر ان عدد طلاب التعليم كان يقترب من نصف مليون طالب وطالبة.

5- الحرص على سيادة ليبيا واستقلالها بعدم توريطها في أي اتفاقية قد تنتقص من حريتها واستقلالها فرفضت الحكومة ممثلة في رئيسها المعاهدة الإيطالية وعرضا أمريكيا بالدعم العسكري وحماية الحدود انتظارا لعودة القوات المسلحة لتولي إدارة مثل هذه الأمور.

6- فتح المجال الجوي للرحلات الدولية وصيانة بعض المطارات لتمكين المواطنين من السفر في ظروف آمنة.

7- دعم المفوضية العامة للانتخابات وتوفير ما يلزمها من اجل إنجاح اول انتخابات نزيهة في تاريخ ليبيا والتي افرزت المؤتمر الوطني العام.

8- العمل على استكمال منظومة الرقم الوطني وإصدار جواز سفر ليبي الكتروني حيث تمت جميع الاعدادات له وتم تنفيذه بعد التسليم للحكومة التالية.

9- استعادة تشغيل حقول النفط ورفع مستوى الإنتاج والتصدير الى الطاقة القصوى خلال عدة أشهر من العمل.

الصعوبات التي واجهت حكومته

لقد استلم عبد الرحيم الحكومة في وضع كانت فيه الدولة ممزقة ويكفي ان رئيس المكتب التنفيذي أيام احداث 2011 كان لا يقيم داخل ليبيا. وقد واجهته وحكومته صعوبات جمة ومنها:

أولا: تدخلات المجلس الانتقالي

لقد كان المجلس الانتقالي متمثلا في رئيسه يتدخل وبشكل متكرر في اختصاصات رئيس الوزراء وفي اختصاصات الحكومة بداية بفرض وزراء ووكيل وزارة ثم قرار دفع مكافئات لأعداد مهولة من الكتائب التي اعتمدها دون الرجوع للحكومة ودون اتخاذ أي إجراءات تدقيق ففي نهاية 2011 كان عدد الثوار لا يتجاوز عشرة آلاف ثم وجدنا ان الكتائب التي تم اعتمادها خلال أشهر قليلة يصل عدد منتسبيها الى حوالي ربع مليون. ثم جاء قرار دفع المكافآت والذي أرهق ميزانية الدولة ووضعها تحت ضغوط امنية هائلة. ولقد اضطر عبد الرحيم لتقديم استقالته للمجلس الانتقالي، ولكنه رفضها.

تانيا: التهديدات الأمنية

لقد تعرض عبد الرحيم شخصيا في عدة مناسبات للتهديد بالسلاح وفي أكثر من مدينة حيث أشهر السلاح في وجهه بسبب رفضه لمبدأ المكافآت والتدخلات العسكرية في إدارة شؤون الدولة. كما تم اقتحام مكتبه أكثر من مرة واقتحام مقر الحكومة ووصل الامر بأحدهم ان وضع مسدسا في راسه واخر ليجذبه من رباط عنقه وهذا أذكره لكي يعرف الشعب الحقيقة وعند الله تلتقي الخصوم.

ثالثا: المؤتمر الوطني العام

بالرغم من أن عبد الرحيم وحكومته كانوا حريصين على نجاح الانتخابات بشكل نزيه الا ان المؤتمر الوطني بدل ان يركز على مهمة اعداد الدستور قفز الى انهاء حكومة الكيب واستبدالها في شكل هزلي راميا عرض الحائط بما أنجزت وما كان يمكن ان تحقق لو استمرت في إدارة شؤون البلاد. بل الأنكى من هذا سعى رئيس المؤتمر الى تشويه سمعة الرئيس الكيب بقوله انه أنفق خمس مليارات على القرطاسية علما بان الحكومة اشتغلت سبعة أشهر بدون ميزانية ثم بعد اعتماد الميزانية تحولت الى حكومة تسيير اعمال بعد شهرين استعدادا للتسليم للحكومة القادمة. ثم زاد الطين بلة رئيس الحكومة التالية عندما قرر الاستغناء عن كل من عمل في حكومة الدكتور الكيب ورفض دراسة التقارير التي أعدتها حكومة الدكتور الكيب قبل التسليم وبالتالي دخلت حكومته في دوامة.

وفاته

توفى الدكتور عبد الرحيم الكيب بتاريخ 21 ابريل 2020 إثر نوبة قلبية في الولايات المتحدة التي ذهب اليها الخاص للعلاج على حسابه الخاص، حيث أجرى عملية جراحية كبيرة تكللت بالنجاح ثم رأى الأطباء انه يحتاج الى عملية أخرى على القلب فطلب من أحد أصدقائه بيع ارض يملكها بطرابلس لكي يصرف على علاجه من ماله الخاص وداهمته الازمة القلبية بعد سويعات من اخر اتصال هاتفي له بليبيا. كان بالبيت مع زوجته قبل المغرب وطلب منها اعداد اكلة ليبية يحبها وجلس في الحديقة ثم شعر برعشة بسيطة فدخل بالداخل وعندما لحقت به زوجته وجدته شبه مغمى عليه فطلبت الإسعاف وبعد حوالي الساعة فارق الحياة في المستشفى وبذلك طويت صحيفة مليئة بالخدمة العامة والوطنية والاجتماعية أينما حل عبد الرحيم.

كانت وصيته ان يدفن في ليبيا، ولكن ظروف الجائحة التي يمر بها العالم منعت من ذلك فتم دفنه في أمريكا على امل نقل جثمانه ليوارى التراب بمدينة طرابلس عندما تكون لنا دولة قادرة.

  

Sunday, May 23, 2021

 

The need for a global language

Fathi R. Akkari

Going global means making information accessible and saving it for future generations. This means that the time has come for a global language that will coexist with all our local national languages. This language should be rich, widespread, and written so it will save all advances of science and technology for long time to come. The Arabic language should be the right candidate.

Merits of the Arabic language

Among more than seven thousand languages that exist today the Arabic language stands alone with several merits that no other living language possesses.

·       It is the oldest living language; some sources suggest that it is about 1700 years old. As a matter of fact, Muslims have been reading the same book in their prayers for the last 1450 years, namely The Quran.

·       It is the official or semi-official language for twenty-five countries.

·       It is one of the official languages in the united nations.

·       It is the richest language to date with more than twelve million words.

·       It has twenty-nine letters but using vowels these letters can extend to more than two hundred useful ones.

·       Arabic is a written language therefore it can be read and understood for thousands of years. It maintains the same way of writing and the same meanings.

·       Every written letter  is normally pronounced.

·       It is the fifth most spoken language worldwide.

·        Arabic language is the most used language in religion, about 1.3 billion Muslim use it in their daily prayers all over the world.

·       Arabic is the seventh most used language in business.

·       Arabic was the international language for arts, science, and technology for more than one thousand years before the industrial revolution.

Conclusions

Arabic language can be the right candidate for a global language because it has more advantages compared to any existing language. It is useful for politics, business, religion, arts, and science for the present and for future generations.

How can we make it work?

We can make a change in the future of science and technology for generations to come by adopting the Arabic language as a second language  in our educational systems beside the national official language.  Going global  should recommend this idea if the participants see its benefits.

This proposal was submitted to Going Global conference 2021

 

الهروب من الجحيم الى جنة الدنيا

   

  في احدى زياراتي لبريطانيا ركبت سيارة تاكسي فوجدت السائق زنجي، فظننت انه عربي من السودان وعندما سألته أفاد انه مسيحي من ارتريا فقلت له كيف وصلت إلى هنا؟ قال: مشيا على الأقدام. استغربت فقلت له كيف؟ قال: عبرت الصحاري في عام ٢٠٠٧م من ارتريا الى الحبشة مرورا بالسودان حتى وصلت الى ليبيا. كنا مجموعة وكانت رحلة شاقة مات فيها الكثيرون منا. فقلت: ماذا عن بقية الرحلة؟ قال مكثت في ليبيا ثمانية أشهر مررت خلالها بسجن عين زارة ثم اجدابيا ثم الكفرة ثم أطلقوا سراحي والسبب أنني لا أملك مالا فمن لديه مال يدفع فيتركونه. المهم حياتي في طرابلس كانت جميلة اشتريت برويطة واشتغلت في سوق الكرايمية واصبحت غنيا، على اقل تقدير احصل على عشرة دنانير في اليوم وتكلفة الحياة كانت رخيصة.

        المهم بعد ما جمعت مالا كافيا ركبت البحر، وفي البحر رأينا الموت. مات منا الكثيرون حيث بقينا خمسة ايام في قارب صغير وليس معنا طعام كثير او ماء الى ان وصلنا شواطئ مالطا فاستقبلتنا سفينة مالطية اعطونا بعض الماء والاكل وسألونا ماذا تريدون؟ أجبنا نريد ان نصل الى إيطاليا، فقالوا لنا اتبعونا وتتبعناهم الى ان وضعونا قريبا من شاطئ صقلية وتركونا.

 نزلنا فيها، ومن صقلية انتقلت الى ميلانو حيث عملت في مزرعة عدة أشهر وبأجرة ٣٥ يورو في اليوم وبعد ذلك سافرت إلى مرسيليا في فرنسا، ثم منها إلى كالي الى الجنوب من بريطانيا حيث هربت إلى بريطانيا عن طريق البحر في لوري كبير.

      في بريطانيا قدمت في اللجوء وبعد حصولي على الموافقة بدأت اعمل وكونت نفسي واشتريت سيارة وبدأت اعمل عليها كتاكسي. وبعد عام من قدومي ذهبت الى الحبشة وتزوجت من فتاة ارترية واتيت بها إلى هنا. الان كلنا نحمل الجنسية وجوازات سفر بريطانية، وهكذا كانت رحلتي من الجحيم إلى جنة الدنيا.

       فقلت له: أنت شخص غير عادي ومكافح، فرد علي: كنت جنديا في الجيش قبل أن أترك ارتريا وهذا ساعدني على تحمل كل الصعاب. فسألته كيف تقارن بين بلاد إفريقيا وبريطانيا فقال: هناك يكذبون علينا، يتحدثون عن السعادة ويقودوننا إلى الجحيم. فقلت له هل ممكن ان تعيد هذا، فرد مستحيل. فقلت له: اقصد ان تعيد حكايتك لكي أتذكرها. فضحك وتركته.

 

Thursday, May 20, 2021

 

الظفر في اختيار شريك العمر

         لكي يكون الزواج ناجحا ومثمرا ويبقى طرفاه سعداء طوال العمر يجب ان نعطى فرصة للشباب كى يتعارفوا اجتماعيا وبالتالى يتمكنون من معرفة بعضهم معرفة واقعية وليس خيالية. ومعظم مشاكل الزواج بين الشباب الآن تعود لانعدام الالمام الجيد اوالاعجاب المفرط او الاعتماد على قرارات الاهل فى الاختيار عند البداية او الانفصال عند الوصول الى طريق مسدود فالحياة الاسرية ليست مسرحية او مسلسل تلفزيوني انما هي واقعية تمر بظروف ومواقف مختلفة ولهذا يجب التخطيط لها والتعاون من اجل توفير أفضل ظروف النجاح لها.

    ان  رسالة الجيل الجديد هى التاسيس لعلاقات اجتماعية ليبية يبرز فيها الكرم الليبى والاعتزاز بالأنتماء للوطن والمحافظة على التقاليد العربية الاسلامية الطيبة، والارتباط بالوطن و السعى لخدمته من كل المواقع فى مجالات العلوم و التقنية و النشاط الفكرى الانسانى والابداع الحضارى والتقني. ولكى تجتمع افضل الظروف لتنشأة اجيال المستقبل فى احسن البيئات علينا الاهتمام بانجاح الاسرة و الحياة الاسرية فهى المحضن الاساسى فى عملية البناء. لذا يجب علينا ان نبنيها على اسس من التفاهم و التناغم الفكرى والاجتماعى والعاطفى بين العائلة الصغيرة والعائلات الحاضنة لها فى محيط المجتمع.

       ويمكننا القول ان اخطر تحد يواجه الجيل الجديد هو موضوع الزواج، ولقد ثمن رسول الله صلى الله عليه و سلم الزواج عاليا ووصفه بشطر الدين، اى اكثر من نصفه، فكيف يؤسس الشباب لدينه؟

 الاصل فى هذا الامر ان  يتم الزواج بين طرفين متكافئين قادرين على تاسيس اسرة تتوفر لها مقومات الاستمرارية السعيدة.

فالزواج ليس مشكلة و يجب ان لا يكون حلا لمشكلة. فهو حدث سعيد يراد به حياة سعيدة. وهو ليس مصير مكتوب بل قرار حر و كلا الطرفين فيه حر فى ان يختار ما يقتنع بانه هو الطرف المناسب له.

ولقد وضع الشرع الاسلامى اسس الاختيار بناء على ما ورد فى القرآن والسنة من شروط. و يمكن ان نلخص الشروط اللازم توفرها فى طرفي الزواج الناجح فى ما يلى:

اولا: الدين

     لقد نصحنا الرسول صلى الله عليه وسلم  بذات الدين وصاحب الدين، ولكن ماذا يعنى الدين؟ الدين هو المعاملة، هو معاملة الناس من خلق حسن واسلوب حسن وكرم ونبل اخلاق. الدين هو الاسلام وهو العبادة  وهو الفهم الصحيح وهو التطبيق بدون افراط او تفريط. وفى مواقع اخرى دل على الايمان والعلم بالدين وخاصة احكام الزواج والاسرة وتربية الاولاد. الدين هو الوسطية ومحبة المسلمين، وهواحترام الكبير والعطف على الصغير والتواضع مع الجميع أى ان الدين هو اسلوب الحياة. كما اننا نعقد العقد على سنة الله و رسوله فحرى بطرفيه الالمام باحكامه الشرعية وعلى المأذون التأكد من ذلك قبل اتمام عقد القران بعد استيفاء الشروط القانونية الاخرى .

ثانيا: القدرة على الزواج 

    والقدرة تعنى الحكمة فى اتخاذ القرار، و الحكمة فى تنفيذه    والحكمة فى متابعته. والقدرة على الانفاق و ذلك بامتلاك مصادر تكفل العيش الكريم وفى زماننا هذا تعنى القدرة على العمل فى اصعب الظروف، و اقل ذلك مؤهل علمى او مهنة او حرفة او تجارة. كذلك تعنى القدرة على تسيير امور الاسرة وتربية الاطفال، وهذه لا تجتمع فى شاب تحت الرابعة و العشرين او فتاة تحت الواحدة و العشرين فزواج الاحداث يجر الى المصائب فى كثير من الاحيان.

ثالثا:الكفاءة او التكافؤ

   وهى تقارب المستوى العلمى والفكرى والعائلى والاجتماعى والمادى والعاطفى بين طرفي الزواج ويدخل فيه تقارب السن والطباع،  وظروف النشأة والتربية والتعليم و كذلك التقا رب فى الميول. كل هذا يساعد على الانسجام ويحقيق الالفة  والتقارب.

رابعا:العائلة 

    تمثل العائلة البيئة الاساسية للنشأة وبالتالى لها تأثير مباشر على نمط السلوك الاجتماعى داخل الاسرة وخارجها. فكلما كانت الام متعلمة كان أثرها افضل فى تشجيع وتطوير قدرات الاطفال اى اباء وامهات المستقبل وكذلك الاب وحكمته فى معالجة الامور، وخاصة عند حدوث المشاكل. ودور الاسرة في الاصل لا يقف عند التربية فى النشاة فقط و لكنها لها دور داعم للاسرة الجديدة و ملجأ للعون والحنان والحب للاطفال ومصدر لجلب الثقة وتقوية العزيمة للتغلب على عقبات الحياة.

خامسا:الرضى و القبول

      و نعنى به رضى طرفى الزواج و قبول كل منهما بالطرف الآخر فى جوانب الشكل والجمال والذوق العام وهنا يكون التقارب فى الصفات افضل الامور. و خير الزواج ما بنى على احترام متبادل ينمو مع الايام، واسؤها ما بنى على اعجاب مفرط يتبدد مع الايام  او على معلومات خاطئة أو مغررة  من احد افراد الاسرة. وربما يساعد تطويل فترة الخطوبة فى التأكد من تحقق هذ ا، أما اذا ثبت غير هذا ففسخ الخطوبة اقل ضررا من الطلاق  فى جميع الاحوال.

سادسا: صدق النية و سلامة القرار 

 من أهم اسباب نجاح اى مشروع فى الحياة مهما كان نوعه ان يكون له هدف سام يصبو الى تحقيقه، فان الاعمال بالنيات. و فى الزواج الهدف السليم هو اتباع سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم فى اكمال الدين و بناء الاسرة. والمبدأ السامى يبقى طوال العمر و يزداد عمقا اما الجمال والمال و العواطف فقد تعصف بها الايام ولا يمكن الاعتماد عليها.  فى كثير من الاحيان يختفي بعض الصدق لترغيب احد الطرفين فى الامر وتكون النتائج وخيمة. ولقد وصف الله الزواج فى القرآن بانه ميثاق غليض فلا يجوز فيه الكذب او الغش.

سابعا: الوضع المالي

الوضع المالي المستقل للزوجين يؤثر تأثيرا مباشرا على حياة الاسرة وسعادتها وبالتالي كل ما كان الاثنين يعملان كانت فرص النجاح أفضل بما لا يعيق حياة الأطفال وسعادتهم. والوضع المالي الجيد للطرفين هو أفضل ضمانة لحياة مستمرة في سعادة للأسرة مهما ساءت الظروف.

ثامنا: المستوى التعليمي

المستوى التعليمي لطرفي الزواج له تأثير كبير في تنشئة وتربية الأجيال حيث يوفر بيئة تربوية وتعليمية صالحة تساعد على بناء جيل طيب وهذا ينطبق على الاب والام فكلما كان تعليمهما جيدا يكونا قادرين على توجيه الأبناء ومساعدتهم في دراستهم وفهم المشاكل التي تواجههم في المدرسة والشارع.

تاسعا: الوضع الصحي

تؤثر الحالة الصحية لطرفي الزواج على مستقبل الاسرة وسعادتها وبالتالي وجب القيام ببعض الفحوص الطبية للتأكد من سلامة الطرفين من امراض العصر وكذلك الامراض الوراثية وهذا أصبح ميسرا مع تقدم الطب، كما يجب الابتعاد عن زواج الأقارب ففيه مخاطر تفشي الامراض والعيوب الوراثية.

نصيحة للأباء والامهات

وفي الختام اقول للاباء والامهات ان هذا الزمان لا تسرى عليه قواعد اجدادنا و الامام على بن ابى طالب رضى الله عنه قال:

 لا تقسروا  اولادكم على اخلاقكم فانهم خلقوا لزمان غير زمانكم.

    وهذه قاعدة ذهبية فى التربية، وبالاخلاق عنى سيدنا علي اسلوب الحياة فلنترك الشباب يقررون مستقبلهم على بصيرة من الامر ونساعد وننصح من بعيد ففي الحقيقة الان تتوفر لديهم مصادر معلومات اكبر مما كان متوفرا لنا في شبابنا.

Monday, May 17, 2021

 

مزايا حضارية إنسانية لأهالي مدينة درنة

د. فتحي رجب العكاري

28 يناير 2010

    يتميز أهل درنة ببعض المزايا الحضارية الانسانية التي لا يلتفت اليها العديد من الكتاب ناهيك عن عامة الناس؛ فهم يتميزون بحب العلم والمعرفة وسعة الاطلاع ولديهم جذور حضارية متميزة عن باقي المدن الليبية من تقديس للحرية والعمل على نشر العلم في جو من الخلق الرفيع والذوق العالي. وقد تطرق الى بعض هذه الجوانب كلا من أستاذى الفاضل مصطفى الطرابلسي في كتابه درنة الزاهرة وأخي الكريم د محمد المفتي في كتابه سهارى درنة، ولكنني سوف أتناول جذور التميز الحضري لأهالي مدينة درنة من زوايا مختلفة في مقال قادم بإذن الله تعالى بالتفصيل.

طلب العلم

        ينكب سكان درنة ومنذ نعومة اظفارهم على طلب العلم في المساجد والكتاتيب ثم في المدارس في العهد الحديث. فتجدهم ذوي ثقافة عالية وبينهم العديد ممن يتقن لغات اجنبية، كما انهم يجيدون العمل الوظيفي الى درجة التقديس ولديهم تقاليد مهنية في مزاولة العمل على أساس من النزاهة والاستقامة وروح من الوطنية واحترام الذات. وفي دراسة علمية للدكتور شعيب المنصوري أشار الى أن أبناء وبنات درنة يحققون أعلى معدلات التفوق والانجاز العلمي بالنسبة لعدد المنخرطين في التعليم على مستوى اية مدينة ليبية اخرى، كما تدل على هذا كذلك إحصائيات وزارة التربية والتعليم. والجامعات والمستشفيات والدوائر الرسمية في ليبيا تشهد بتاريخ طيب السيرة لأبناء مدينة درنة خبرة وعلما ومسلكا وكذلك الجامعات والمستشفيات في شتى بقاع الارض. وهذا بطبيعة الحال مفخرة لكل ليبي وليبية فالانتماء الى درنة هو في أصله انتماء للوطن من ليبيا الى العالم العربي والاسلامي.

رواد حضارة

      لقد حمل ابناء مدينة درنة شعلة النهضة والتنمية الحضارية شرقي مدينة المرج وحتى الحدود الشرقية بكل تواضع وتضحية من اجل ابناء الوطن.

فجميع المدارس في تلك المنطقة حمل لوائها ابناء درنة وفي ظروف مادية ومعيشية صعبة، لكنهم ساهموا في نشر التعليم في ربوع بوادي برقة.

بالإضافة الى التعليم نرى على الجانب الاقتصادي دورا للمنطقة حيث أن أبناء مدينة درنة هم من أسس معظم المصارف وادارها بنزاهة طيلة وجودهم بها، كما اشتغلوا بالتجارة و المقاولات وبالتالي وفروا حاجات المنطقة بالكامل. كما يجب ان لا ننسى دورهم على مستوى الدولة الليبية على جميع المستويات من الوزراء الى السفراء ووكلاء الوزارات وضباط الجيش.

وهنا تحضرني لمسة حضارية ففي مشروع زراعة الغابات بالجبل الاخضر في منطقة شحات والذي كان رواده من أبناء درنة حيث تولى الاشراف عليه السيد عصمان الجربى ثم تبعه بإحسان السيد ابراهيم بن خيرون. فقد زرعوا الآلاف من الأشجار ورعوها بكل اخلاص في الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين.  وفي حديث خاص مع المرحوم السيد ابراهيم بن خيرون لمست الحرقة في قلبه على المناطق التي أحرقها الرعاة طلبا للحطب، ففي ليلة واحدة يحرق شخص واحد مجهول سنوات من العمل المضني.  إنها هذه اللمسات الحضارية حيث يحب المرء انتاجه على الارض كما يحب أولاده.

                                                                                                                                                                                                                                     الوحدويةالروح  

       ان الالتحام العربي النقي في مدينة درنة جعلها مدينة وحدوية على المستوى القومي وليس المستوى القطري فقط فأكبر دعوات الوحدة الليبية والعربية كانت في مدينة درنة لدرجة أن النظام الملكي كان يتحسس من تعلق أبناء درنة بمصر وبعبد الناصر وبالثقافة العربية.  ففي درنة يلتقي المكي والمدني والشامي والمصري والمغربي والاندلسي والتونسي والليبي في عقد حضاري بديع والذي لا يعشق درنة بينهم ليس درناويا أصيلا.  وعشق درنة هو عشق للعرب الاطهار وقادة الحضارة الانسانية الحقيقية والتي تستمد جذورها من الاصالة الفطرية للبادية العربية شجاعة وكرما.

وفي مجال الروح الوحدوية تحضرني ابيات شعر ترنم بها شاعر ليبيا وأحد أبناء درنة المرحوم إبراهيم الأسطى عمر في مقالته الشهيرة مخاطبا مندوب الامم المتحدة في ليبيا، حيث قال:

إذا تسمع   فمطلبنا جدير         بان يعطى انتباها واهتماما

يريد الشعب   وحدته ففيها      كرامته ولا يرضى انقساما

يريد الشعب دستورا كريما      يصون حقوقه من ان تضاما

يريد الشعب تمثيلا صحيحا           ليحكم نفسه حكما قواما

يتضح من هذه الأبيات المطالب الشعبية بليبيا وفي جمعية عمر المختار في درنة بالحرية والاستقلال في ظل وحدة البلاد وفي نظام دستوري يحفظ الحقوق، وتمثيل نيابي صحيح يضمن رقابة الشعب وحماية مصالحه وهو ما نسميه بالديموقراطية.

ثم بعد ان تناول بعض شؤون ذلك الزمان عاد شاعرنا للتأكيد في آخر خطابه على الوحدة حيث قال

الا يا أيها المندوب حاذر      من التقسيم إن شئت احتراما

فوحدة ليبيا لابد منها               لتنفيذ القرار بها دواما

ووحدة شعبنا بمقومات         أتت كالشمس بددت القتامة

فنطق الضاد منطقنا جميعا    ودين الشعب إسلام ترامى

وذا التاريخ والعادات فينا     وذي الانساب تجمعنا تماما

ورقعة أرضنا ابدا جميعا      فلم نعرف لوحدتها انقساما

وأما ما اقتضته ظروف حرب   من التقسيم لا يبقى لزاما

ولقد برز في الحراك السياسي في درنة قبل الاستقلال عدد من الشخصيات البارزة التي كان لها دور فيما بعد في الحياة السياسية وفي الدولة الليبية ومنهم على سبيل المثال لا الحصر:

على باشا العبيدى

عبد الرازق شقلوف

عبدالله محمد سكتة

عمر فائق شنيب

علي اسعد الجربي

مصطفى بن حليم

الصالحين بن سعود

عبد الحميد بن حليم

عبد الكريم لياس

وبالرغم من الحضور الكثيف لأبناء درنة في دواليب الدولة لا تجد من بينهم من ينحاز لمدينته؛ واذكر أنى مرة سالت أحدهم وهو الحاج عبد الله سكتة: لماذا أهملتم درنة؟ فأجاب: كانت رؤيتنا وحدوية ووطنية وقومية، كنا نفكر كيف تنجح ليبيا ولم نفكر في عائلاتنا أو قبائلنا أو مدينتنا. أنهم جيل الرعيل الاول، جيل النهضة

تقديس القيم الإنسانية

      يقدس أبناء درنة الحرية، حرية وكرامة الانسان وحرية الفكر وحرية الرأي وحق الانسان في التطور والتقدم؛ فالجميع في درنة احرار مع الاحترام لكل قادم غريب اليها. واذكر هنا بيت شهير لإبراهيم الاسطى عمر عندما طلبوا منه الامتناع عن العمل السياسي فقال

قيل صمتا، قلت لست بميت       إنما الصمت ميزة للجماد

وقد تحركت في نفسي شجون ومشاعر انسانية عندما سمعت مونولوج للفنان مصطفى البتير افتتحه بكلمات رجل من أصل افريقي كان يطلب الصدقات في درنة يقول " امعيشة ربي " فالتراث الشعبي الدرناوي لا يهمل احدا ولا يهمش غريبا او فقيرا.

كما يمكننا تلمس البعد الإنساني فى الفكر الدرناوى من خلال أبيات الشعر إبراهيم الأسطى عمر رئيس جمعية عمر المختار بدرنة وزعيم نهضتها السياسية الحديثة، عند ما تمنى سمو الروح الإنسانية على نزعة الجور والانتقام للمنتصرين في نهاية الحرب العظمى سنة 1946 ميلادية حيث قال:

هكذا لو فهم   الغالب             معنى الانتصار

وقضى بالعدل في المغلوب      رشدا واعتبارا

لرأينا الناس اخوانا              يراعون الجوار

همهم، تفكيرهم، بل           سعيهم، نحو العمار

فاذا الكون نعيما                   وإذا الناس خيارا

يشمل الناس الوئام                وعلى الأرض السلام

وهكذا كان الفكر السائد في درنة في ذلك الوقت يتمحور حول القيم الانسانية من عدل وأخوة في البشرية وحرية ومساواة وسعى للإعمار من أجل سلام عالمي دائم.

ولقد وقفت درنة بحضرها وبواديها دائما ضد الاحتلال والاستعمار والقواعد في أي موقع من الوطن العربي جيلا بعد جيل؛ وشارك العديد من أبنائها في حرب فلسطين وفي دعم الشعب الجزائري خلال محنته.

فن وذوق وأخلاق

        الحياة فن وذوق واخلاق كلمات جميلة كحقيقة في الواقع وليس كلوحة فنية على الجدران، وهذا كان جليا في درنة حينما تخلو الشوارع من الناس وتلتقي المجموعات لمتابعة خطب عبد الناصر وأغاني أم كلثوم ليلة الجمعة أو حفلات السيدة فيروز وكذلك الاهتمام بكتب الادب والشعر العربي ومتابعة أخبار الرياضة الجميلة والنزيهة عبر الاذاعة او عبر التلفاز، ناهيك عن النشاط المسرحي المحلي الذي ساهم في بناء وجدان قومي وتاريخي يربط الاندلس ببغداد بذاكرة الانسان.  ليس هذا فحسب، بل يتمتع أهل درنة بذوق رفيع في حب الزهور مثل الزهر والياسمين وأذكر شوارع درنة تزينها الورود وتفوح من بيوتها رائحة الزهر صباحا ورائحة الياسمين مع الغروب.

وادي درنة

وهنا تحضرني أبيات ترنم بها شاعر درنة المرحوم المبروك عبد العزيز الجربى عندما قال في وصف درنة:

عبق التاريخ يضمخها        شفق الأفاق يحنيها

نسمات الفجر تصبحها       زفرات الورد تمسيها

يجلو الشلال مفاتنها          والبحر يمسد رجليها

عرس لا يهدأ محتدما        وعروسا تتأود تيها

دالُ  دعوات صحابتها       و دماء مصارعهم فيها

راءُ  رشفات مناهلها         و روائع همس سواقيها

نونُ ونواح حمائمها         وشجى نياح بواكيها

هاءُ  هى همى و هيامى     و هواجس كل محبيها

ويصور لنا الشاعر في هذه الأبيات درنة كعروس جمعت بين الجمال والجلال عبر تلاقى الماضي والحاضر وبركات الصالحين فيها وهواجس حبٍ من كل بنيها.

مزارع الإخلاص

      يطيب لي أن أطلق هذا الاسم على مدارس درنة كما عرفتها، فلقد غرست في نفوسنا حب الاخلاص والتفاني في العمل من خلال الممارسة العملية لمعلمينا.  فلم يكن الامر شعرا او نثرا أو خطب رنانة ولكن كان اخلاصا يمشي على الارض في شكل رجال ذوي مؤهلات متوسطة أو بسيطة؛ ولكنهم بالحرص والاخلاص خرجوا أجيالا من الشباب المخلص المتفوق المعطاء. تصوروا معي مدرسا محدود الدخل جدا يأتي بعد الظهر ليعطي دروسا اضافية مجانية للجميع في اللغة العربية والدين والحساب لكي يضمن التفوق لأبنائه الطلاب وأذكر منهم الاستاذ عبد الله بلها والاستاذ عوض دربي والأستاذ عبد الكريم فنوش، إنها الوطنية وروح الانتماء وهذا كان يحدث في كل المدارس.

جزى الله معلمينا عنا كل خير وجعل هذا الجهد في ميزان حسناتهم. ولا أملك هنا إلا أن اذكر اصحاب الفضل على شخصيا من اساتذة مدينة درنة في الفترة الزمنية من 1956 الى 1968ميلادية وهم:

الاستاذ محمد أبوماضي   

الاستاذ فرج ابوالقاسم

- الاستاذ مصطفى الطرابلسي

- الاستاذ سالم اسطى عمر

- الاستاذ رمضان الشويهدى

- الاستاذ أحمد أبوزيد

- الاستاذ سعد الشويهدى

- الاستاذ عبدالكريم فنوش

- الاستاذ عوض دربى

- الاستاذ عبدالله بلها

الاستاذ سليمان زقلام

- الاستاذ على عبدالجواد الشاعري

- الاستاذ سالم بن خيرون

- الاستاذ عبدالله فيتور

- الاستاذ عبدالمنعم فرج الرباطي

- الاستاذ سعد ابريك

- الاستاذ عبدالكريم فيتور

- الاستاذ أحمد لياس

- الاستاذ ابراهيم اشليمبو

- الاستاذ محمود الديباني

- الاستاذ صالح الزني

- الاستاذ انور الغرياني

- الاستاذ فرج فيتور

- الاستاذ عبدالسلام قربادي

ولو كتب لي يوما أن أصنع تاجا أو أكليلا لصنعته من أغصان "تفاح درنة" ولكتبت على كل غصن اسم عائلة من عوائل درنة وعلى كل ورقة اسم أحد معلمي درنة عرفانا بالفضل واكبارا للجميل فهم سر تميزنا، ومن لا يشكر الناس لا يشكر الله والحمد لله رب العالمين.