Monday, May 3, 2021

 

التدبر في قوله تعالى "الله نور السماوات والأرض"

د فتحي رجب العكاري

 

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين اما بعد فقد جرت عادة علماء المسلمين الاولين على ان يتكلموا في عدة فروع من العلم فبعضهم تكلم في الفلك والكيمياء والطب والادب والعلوم الشرعية وكان العلم الشرعي هو الأساس في كل ما يدرسون. مع تقدم العلم في زماننا يجب الاستفادة من التقدم العلمي في تفسير آيات القران ذات المدلول الاعجازي بالذات لان العقل البشري والعلوم التطبيقية تطورت فوفرت تقنيات مهمة في تسريع الدراسة والمراجعة والربط بين التخصصات. وفي هذه الورقة نتطرق للتدبر في اية من القران من خلال تسليط الضوء على بعض الحقائق العلمية والأصول اللغوية ذات العلاقة بها.

 

قال تعالى: اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَىٰ نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ.

لقد ذهب المفسرون في ان كلمة نور في هذه الآية تعني نور الهداية بمعنى ان الله مصدر الهداية لأهل السماوات والأرض وهذا التفسير لكلمة نور يناسب وصف الدين أو الرسول أو الرسالة إذا قرنت معها والله سبحانه وتعالى لم يذكر اهل السماوات والأرض في هذه الآيات وانا أرجح معاني أبعد من أنه هادي السماوات والأرض. فلقد وصف الله في القران الكريم الشمس بانها ضياءً والقمر بانه نورا وهذه تجعل القمر أضعف من الشمس وما نور القمر الا انعكاس لضوء الشمس الساقط عليها ونور القمر لا يقارن بضوء الشمس في كمية الضوء والحرارة المصاحبة له، ولكنه هادئ ومريح ومنير ومطمئن وسط ظلام الليل.

 فلماذا وصف الله نفسه بانه نور السماوات والأرض إذا كان الضياء اقوى وأفيد؟ وفي هذه أرجح أن ذلك من باب رحمة الله بعباده ولطفه في خطابه لان الله لو تجلى للجبال لنسفها وهذه ثابتة عندما طلب سيدنا موسى عليه السلام ان يرى الله فقال له انظر الى الجبل فان استقر في مكانه فأنك سوف تراني فلما تجلى الله للجبل جعله دكاء وخر سيدنا موسى صعقا. ولولا الضوء ما استمرت الحياة على الأرض بالشكل الذي نعرفه فبالرغم من ان الله جعل من الماء كل شيء حي، ولكن هذا لا يدوم إذا ذهب الضوء من الكون.

 نور الله يملأ الكون كله ونحن كبشر لا يمكننا رؤية الضوء، ولكننا نميز انعكاسه على الأشياء فالنور لا تدركه الابصار وهو يدرك الابصار وحديثا عرفنا قوة وشدة اشعة الليزر التي تخرق الحديد وتحطم الصخور وتمثل أقوى قوة تدميرية إذا تم تركيزها وتسليطها على مكان ما، وهي الان فعلا تعد من الأسلحة الفتاكة.

    فكلمة نور السماوات والأرض تحمل معاني عظيمة بالإضافة انه سبحانه وتعالى جمال السموات والأرض وهو كذلك مصدر جمالها وتناسقها واتزانها واستقرارها فان الله سبحانه وتعالى هو مصدر الطاقة القصوى وصاحب القدرة العظمى و ذو القوة التي لا حدود لها والباقية الى ما لا نهاية وهو كذلك منتهى العلم والحكمة وقد جعل في هذا الكون موازين تضبط كل حركة فيه مهما صغر حجم الجسم المتحرك أو كبر وكلها تجري بقدر الله سبحانه وتعالى وانما هو حسن الخطاب والرأفة بالعباد الذين يطمئنون للنور اكثر من الضياء فالنور يحمل معاني الأمان والسلامة والاطمئنان ولكن الضياء قد يخيف فهو مرتبط بالنيران والنجوم الملتهبة ودرجات الحرارة العالية والصواعق وما يصاحب هذه الظواهر من أصوات مرعبة.

ثم بعد ذلك يضرب المثل للناس ليقرب لهم الصورة فيشبه نور الله في الكون كمشكاة فيها مصباح بمعنى ان المصباح في مكان آمن مرتفع لا يصل اليه شيء ضمانا في استمرار النور والمشكاة تحمي المصباح الذي ينير المكان ويمده بالاطمئنان ويزيد الوضع امنا بان المصباح في زجاجة أي لا تصل اليه مؤثرات تغير نوره مثل ما يحدث في المصباح لوحده فقد ينطفأ او تتذبذب ضياؤه بحدوث أي طارئ وهذا الوصف لا يليق بجلال الله وعظمته ثم يشبهه وكأنه كوكب دري بمعنى انه بعيد يصل نوره بشكل آمن ولا يؤثر فيه مؤثر ولا يحجز نوره مانع. وهذا المصباح يوقد بزيت من شجرة مباركة وهي شجرة زيتون لا شرقية ولا غربية أي انها تتمتع بنور الشمس طوال يومها فلا يوجد غربيها، او شرقيها أشجار أخرى ،أو مبان أو جبال زيادة في جودة زيتها الذي يكاد يضيء ولو لم تمسسه نار؛ أي انه قابل لان تنبعث منه اشعة ليزرية إذا مد بالطاقة وهذا معروف لمن يتعاملون مع توليد أشعة الليزر وقد اثبتت دراسات وكالة الفضاء الامريكية ان لزيت الزيتون ومضات تمكنوا من الكشف عنها وقياسها حتى بدون مده بالطاقة. ويصف هذا النور بانه نور على نور أي أنه مركز ومركب ودائم ثم يؤكد الله انه يهدي لنوره من يشاء والنور المقصود هنا يتعلق بأنوار العلم والمعرفة وتشمل كذلك الهداية الى صراطه المستقيم الذي حوله يدندن المؤمنون. وكل هذه الامثال لتقريب الصورة لفهم الانسان وتأكيد الأمان ويقرر الله في ختامها انه بكل شيء عليم من أصغر مخلوق في حجم الذرة الى أكبر المجموعات الشمسية والمجرات التي تسير بميزان واتزان دقيق جدا.

هذا ما هداني الله لفهمه والله اعلى واعلم.

No comments:

Post a Comment