Monday, August 22, 2011

قراءة في المادة 31 بالإعلان الدستوري


تقول هذه المادة في أخر فقرة فيها:
تتكون الجمعية التأسيسية من 200 عضو يمثلون المقاطعات المذكورة، و ذلك بواقع 20 عضو عن كل مقاطعة، على أن يكون من بينهم خمسة أعضاء من القانونيين و خمسة أعضاء من النساء.
           هذا النص يمثل إجحافا لحقوق بقية الفئات في المجتمع في أصله، و يساوي بين القانونيين و النساء و في هذا ظلم للطرفين من عدة وجوه ومنها الاختلاف في القدرات و الاختلاف في الأدوار و في المظالم. و لو نصت الفقرة على عدد معين من الثوار لكن هذا مقبولا بالنظر إلى حجم تضحياتهم، و لو نصت الفقرة على عدد معين لأعلى الخبرات و الكفاءات في كل منطقة لكان هذا مقبولا فالمهمة المطروحة على هذه الجمعية هي وضع دستور للبلد لآجال بعيدة و يحتاجون لرؤية مستقبلية و خبرة  معاشة في دول العالم المتقدم.
و هذا النص فيه إهدار لعدد كبير من الأصوات الوهمية و الغير قادرة على إثراء المشروع فعدد النساء و القانونيين بالكامل يمكن أن يفي بالغرض لو توفر منهم خمسة في كل الجمعية. و هذا الأسلوب من تحديد نسب في العادة يستخدمه الطواغيت و الأنظمة الشمولية لتمرير قرارات جائرة و ظالمة.
 فما هي الخبرة النادرة لدى النساء؟ و ما هي الخبرة النادرة لدى القانونيين؟ فالنساء في الغالب ليس لهن اهتمام بالسياسة و التخطيط المستقبلي و قد لا يجد الناس من ينتخبون في بعض المناطق فهل يستوردون عضوات من المناطق المجاورة؟ و أهم مظالم النساء تنبع من أهل التشريع و القضاة و المحامين و القانونيين الذين يقفون إلى جانب من يدفع أكثر و لا ينتصرون للجانب الضعيف. و إذا كانت النساء غير قادرات على إقناع إخوتهن و أبنائهن على انتخابهن فلماذا يفرض هذا الأمر عليهم.
أما بالنسبة للقانونيين فحدث و لا حرج فمعظم مشاكل ليبيا من الفساد و تقييد الحريات و المحاكمات الصورية و جميع المذكرات القانونية الجائرة و العقود المزورة و التلاعب بالقوانين مر عبر القانونيين بأشكالهم المختلفة من مستشارين و محامين و قضاة و وكلاء نيابة. و لو كان بين المدنيين شريك كامل الشراكة في جرائم ألقذافي لكان للقانونيين هم أصحاب هذا الشأن.
و مجرد صدور هذا النص يثبت لنا سوء نية القانونيين المشاركين في صياغتها و انحيازهم الغير عادل و الظالم علي حقوق بقية الفئات و يدلل على مصداقية الانتقادات الموجهة لهم. و أحب أن أذكر بأن معظم من يتخرج من كلية القانون أو الحقوق و يخاف الله يترك القضاء خوفا من مخالفة شرع الله، فكيف نعطى أغلبية الأصوات لقوم نخاف منهم على مستقبل بلادنا.
و هذا النص في حد ذاته كاف للمطالبة بإلغاء أو تعديل هذا الإعلان الدستوري قبل فوات الأوان، و إعادة النظر في بقية بنوده.

Sunday, August 21, 2011

نداء إلى كل الليبيين بالخارج


الله أكبر ، الله أكبر، الله أكبر و لله الحمد. لقد فتحت الجنة أبوابها على طرابلس، إنه يوم عاصمتنا و عز ديارنا. الله أكبر  الله أكبر جاء الحق و زهق الباطل إن الباطل كان زهوقا.
 لقد تهاوت الأصنام و رويت شواطئ طرابلس و شوارعها بالأحمر الطاهر، إنها جموع الشباب تزحف من كل الجهات لتدعم انتفاضة طرابلس الكبرى.
 و في كل لحظة يتساقط الشهداء و يتساقط الجرحى و تدك المنازل على أهلها فهبوا لنجدة طرابلس من كل حدب و صوب.
 طرابلس تناديكم لتسعفوا أبنائها الجرحى و تنقذوا الأطفال و تطعموا الجياع فهبوا لنجدتها.
يا أبناء ليبيا الأحرار طرابلس تناديكم و ليس لها غيركم من مجيب، و من يجيبها إذا تخلفت عنها.
 لا عذر لمن يتأخر في هذا اليوم من الشباب القادر على حمل السلاح، أو الأطباء المنتشرين في العالم، و النساء تموت في شوارع طرابلس و الشباب يواجه آلة الموت.
 لا عذر لكم اليوم خذوا إجازة من أعمالكم و التحقوا بالجبهات فالناس تموت في الشوارع و تحت ركام البيوت.
يا أبناء ليبيا في تونس تحركوا نحو طرابلس الآن فمن يستطيع القتال يقاتل و من يستطيع المساعدة يساعد و أقلها أن تنقلوا التموين من تونس إلى طرابلس.
 على كل سيارة متجهة إلى طرابلس أن تحمل المؤن للثوار مثل الماء و الحليب المعقم و التمر و النواشف و البسكويت و العصائر فأسرعوا حفظكم الله و سدد خطاكم.
يا أبناء ليبيا الأبرار و يا أبناء ليبيا الأحرار في أوربا و أمريكا عليكم بجمع التبرعات و الأدوية و الاتصال بهيئات الإغاثة لنجدة طرابلس، عليكم التحرك و لا تنتظروا من غيركم أن ينجد طرابلس.
هذا يومنا هذا يوم الحرية هذا يوم الدفع فادفعوا بالغالي و النفيس من اجل بلادكم الحبيبة، هلموا إلى جنة عرضها السماوات و الأرض بابها في طرابلس لمن أراد أن يدفع الثمن، فهبوا هبة رجل واحد و لا تثاقلوا إلى الدنيا فإنها زائلة زائل كل ما فيها.
الله أكبر كبيرا و الحمد لله كثيرا و لا خير في قبيلة لا تنتفض اليوم و لا خير في لحمة لا تغار على دماء شبابنا في طرابلس و لا خير في رجال يتولون في هذا اليوم.

الخطوات الأولى للقذافي على طريق الدكتاتورية

لقد كان ألقذافي ديكتاتوريا من أول يوم في مسيرته، فسعى إلى تصفية كل من خالفه من الأشهر الأولى ثم بدا يسيطر على أقرب رفاقه و يتخلص من أي رفيق يناقش قراراته أو يحاول أن يكون له دور مستقل عن المسار الذي رسمه له ألقذافي. و من أفضل من حاول تحليل شخصية ألقذافي و تطرق إلى تاريخ مساره بدقة في تقاريره للرئيس جمال عبد الناصر هو فتحي الذيب، أو ذيب ليبيا الذي جلبه ألقذافي كي يرعى رجاله و قواته. و قد سرد العديد من الأحداث في كتابه عبد الناصر و ثورة ليبيا.
و ارفق لكم صفحات من تقريره عن السنة الأولى و بالتحديد في شهر مايو من عام 1970م بعد التخلص من أبرز مجموعة من الضباط الذين سلموا ليبيا للقذلفي. و في اجتماع للذيب مع رفاق ألقذافي في ما كان يعرف بمجلس قيادة الثورة و في غياب ألقذافي صارح الأعضاء فتحي الذيب بما يلاقونه من القذافي في النقاط التالية:

و من هذه الخلاصة لا أدري كيف صبر رفاق ألقذافي على كل هذا، ربما يكون السبب في ذلك حب السلطة و النجومية أو ضعف النفوس. و علينا أن نعي الدرس و لا نفرط في كرامتنا أو حقوقنا فالانبطاح يبدأ عادة بالتدريج و ينتهي إلى فقدان الكرامة و الشرف و التحول إلى بيادق في أيدي الظلمة.

صفحات مطوية من تاريخ مأساة ألقذافي ليبيا

بعد بروز عبد السلام جلود على شاشات الجزيرة وخروجه من عزلته و صمته بعد أن حرره ثوار 17 فبراير، و خوفا من نسيان الماضي و تناسي حجم الخداع الذي مارسه ألقذافي و رفاقه على الشعب الليبي و خوفا من طوابير المطبلين و المزمرين الذين يبحثون عن صنم يستظلون بظله بين صفوف الثوار رأيت الحاجة إلى فتح صفحات مطوية من مأساة ليبيا.
 و أنا رغم ترحيبي بخروج جلود أرى أنه من الضروري أن يعتذر علنا  و يعترف بالجرائم التي شارك فيها و أن يعلن استعداده لرد الحقوق و تحمل المسئولية القانونية عن كل أعماله و يطلب العفو و يترك الساحة للثوار و لا يبخل عليهم بالنصيحة و المعلومات التي يعرفها.
فعبد السام جلود كان يعتبر نفسه الرجل الأول مكرر وقالها بنفسه في عدة مرات و هو شريك كامل الشراكة في ما حدث من اغتيالات و تصفيات للضباط و السياسيين و هو مؤسس الاتحاد الاشتراكي و مؤسس اللجان الثورية و لن ننسى له هجومه على جامعة طرابلس و إطلاق الرصاص فيها.
و لكي يعرف شباب 17 فبراير حقيقة ألقذافي و رفاقه رأيت أن اعرض عليهم بعض صفحات من كتاب عبد الناصر و ثورة ليبيا لرجل المخابرات المصري فتحي الذيب و الذي لعب دور الذيب في قطاعات الجيش الليبي و 
ساهم في تدمير ليبيا.




و أهم درس نأخذه من هذا السرد الدقيق أن الطيبة وحدها لا تكفي و أن المراقبة الشعبية الواعية ضرورية لكي لا
 تسرق الثورة ، كما يجب ان لا نترك الساحة للإقصائيين أو ضعاف النفوس.
 يجب على الثوار إزاحة كل من يحاول التفرد بالقرار أو بالسلطة كائنا من كان. دولة المستقبل بحاجة إلى علم و خبرة و حزم و متابعة مستمرة، فدور الثوار و قادة الفكر الثوري هو استباق الأحداث، و تأمين المسيرة كي لا تنحرف مثل ما حدث في السابق و نتحول من حكم عائلة ألقذافي إلى حكم قبيلة أخرى.

Thursday, August 18, 2011

صفحة من جهاد طرابلس


              لقد تعودت طرابلس عبر تاريخها على تلقي الصدمة الكبرى في كل المعارك التي خاضها الليبيون فهي تمثل قلعة الوطن إذا سقطت سقط الوطن و إذا تحررت ينعم الوطن كله بالحرية. و قد بدأ الإيطاليون غزوهم بطرابلس ثم منها انتشروا في ربوع ليبيا، و لكن نسق الحياة في طرابلس سريع و قد تتابع الأحداث و لا يذكر الناس الوقائع و لا نجد الكثير عن ما حدث فيها و بالتأكيد دارت معارك فيها و اشهرها معركة الهاني و معركة قصر بن غشير. و عند ذكرها نذكر ميدان الشهداء حيث تم إعدام العديد من أبطال طرابلس، كما يجب أن لا ننسى المئات من الشهداء الذين سقطوا في شوارع طرابلس في اللحظات الأولى للغزو و لم يذكرهم أحد، فالقتال دار زنقة زنقة و بيت بيت.
 في هذه الأيام ما أحوجنا إلى أخبار الأجداد أيام الجهاد كي نستخلص العبر و الدروس. و في هذه الصفحة نتحدث بعجالة عن أحد أبطال الجهاد في مدينة طرابلس ألا و هو المجاهد سالم أزوييليمة.
سالم إزويليمة
ولد سالم أزويليمة في قصر بن غشير و هو ينتمي إلى قبيلة عكارة. كان سالم ميسور الحال غنيا و كان شهما كريما و فارسا شجاعا لا يرضى بالذل لبلده أو أهله، كما كان مسموع الكلمة بين أبناء قصر بن غشير. و عند ما غزت إيطاليا ليبيا كان من أوائل من لبى نداء الجهاد فشارك في معارك عديدة منها معركة الهاني و معركة قصر بن غشير و معركة زوارة و معركة القرضابية.
 و كان من أقرب الثقات إلى المجاهد الكبير رمضان السويحلي الذي كان ينزل بقصر بن غشير كلما زار طرابلس.
 و في يوم زوارة أنشد أحد الشعراء الشعبيين أبيات في تخليد شجاعة سالم فقال:
يوم زواره
يوم فيه التفاح الشين
 وين الجار يخلي جاره
سالم يضرب بالوجهين
 فوق فرس مختارة
و سرج مكلف بالبارة
فرس سالم
      أتى بهذه الفرس الحاج محمد إزويليمة من المغرب مهرة، و كان يتاجر بين المغرب و الإسكندرية. و تتميز هذه الفرس بتناغمها مع فارسها سالم عند ركوبه عليها و عند ما يبدأ في إطلاق النار. فعند الركوب تخفض ظهرها كي يصعدها بسهولة و كان سالم قصير القامة، أما عند الرمي فتسوي ظهرها و تنخفض قليلا كي يصيب هدفه بدقة كما كانت سريعة عند السباق. و في إحدى زيارات المجاهد الكبير رمضان السويحلى لقصر بن غشير تسابق مع سالم في وادي المجينين بقصر بن غشير و سبقت فرس سالم حصان رمضان. و أعجب رمضان بالفرس و طلب منه أن  تكون له، فقال له سالم: إنها موقوفة للجهاد، فرد عليه رمضان: هي لما أوقفتها له، لتبقى عندك تعينك في جهادك. و من المعروف أن المجاهد رمضان السويحلي كان ينام في بيت سالم إزويليمة كلما أتى إلى طرابلس.
و مما يذكر عن هذه الفرس انها وجدت ميتة في مربطها منخنقة برباطها عند ما أسر سالم، و بذلك لم يركبها أحد بعده.
 و بهذه المناسبة لا زال أبناء عكارة و قصر بن غشير يعشقون ركوب الخيل الأصيلة و يبرزون في ساحات السباق في أطراف طرابلس.
مواقف في حياة سالم
  - في إحدى المعارك أسر سالم ضابط إيطالي و لكن بعد أن ابتعد عن أرض المعركة أخذته شفقة بهذا الضابط فأطلق سراحه، و هنا يتجلى العفو عند المقدرة.
  - في أحد الأيام سمع صياح امرأة ليبية وقعت في الأسر عند بعض جنود الطليان من المصوع، فخرج بمفرده و أخذ يهاجمهم من عدة مواقع ليوهمهم بوجود عدد من المقاتلين ثم اغار عليهم بعد ما قتل عدد منهم و انتشل المرأة من ذراعها و حملها على فرسه و هرب بها. و هذه المرأة تعرف بالدرعية و قد نذرت في حياتها أن لا تزغرد إلا لعكاري، و كانت كلما مر عليها أحدهم تزغرد إكراما لبطولة سالم إزويليمة الذي أنقذ حياتها و أنقذ شرفها.
  - في يوم صلح سواني بن يادم قرر سالم أن يكون غداء كل المجاهدين عند قبيلة عكارة و كان عددهم بالألوف و قد جاءوا من مختلف مناطق غرب ليبيا و تحمل هو معظم التكلفة و كان ذلك في أرض الرحايمية أخواله.
   - عند ما وقع في الأسر و حكمت عليه المحكمة بالإعدام قال له القاضي ما هي أمنيتك، فرد عليه: كنت أتمنى لو قابلتكم أنتم في المعركة و ليس الشباب الصغار. و هنا يجدر بنا أن نذكر أن الضابط الإيطالي الذي عفا عنه سالم شفع فيه بعد أن رأى الحكم و طلب تحويله إلى مؤبد فكان ذلك.
  - حكمت المحكمة بمصادرة أملاك سالم إزويليمة و التي تقدر بالملايين بأسعارنا الحالية. فكانت تشمل ذهبا و حوالي ألفي رأس من الأغنام و حوالي خمسمائة جمل و حوالي أربعمائة راس من البقر و أراضي و مزارع في مناطق من طرابلس. و بعد خروج الطليان اقترح عليه بعض الناس أن يطالب باستعادتها أو طلب التعويض عنها، فقال: لقد ذهبت في سبيل الله و لن أطلبها و لن أقبل فيها تعويضا، إنه إخلاص النية لله.
  - تنقل سالم بين المعارك من ألهاني إلى قصر بن غشير ثم إلى زوارة ثم  إلى القرضابية في نسق وطني  لا يعرف حدود و لو لم يقع في الأسر لذهب لمساندة شيخ الشهداء عمر المختار، فالليبي الحر لا يعرف للوطن حدود إذا ما دعا داعي الجهاد و قد ذهب بعضهم إلى فلسطين مجاهدا عند النكبة.
        و في الختام ندعو الله أن يتقبل شهدائنا في كل زمان و في كل مكان، و أن يجعلنا خير خلف لهم في ساحات الوغى و أن يختم لنا شهر رمضان بعيدين، عيد الفطر و عيد النصر.

Tuesday, August 9, 2011

عند ما تنتصر الثورة في قلوبنا

تفجرت الثورة الليبية في 17 فبراير و بتوفيق من الله حققت انتصارات عظيمة على الأرض الليبية و هي الآن تزحف نحو العاصمة و كل يوم تزداد قوة، و لقد التف حولها معظم الناس بلا تردد و لكن كثير من بقايا الذل و الخوف لا زالت تعشش في النفوس و المثل يقول " الملدوغ يخاف من الحبل". فلا زال الناس يرددون مقولات الطاغوت و يخافون من بشائر النصر بطريقة غير مباشرة.
فالثورة قامت لتحقق الحرية على أرض الواقع، و الحرية أنواع و أولها الحرية الشخصية في اختيار ما يراه المرء مناسبا له و اتخاذ القرار السليم في ذلك و منها اختيار الموقف السياسي الذي يقتنع به. و هنا تبرز رواسب العقود الأربعة فكثير من الناس لا زال يخاف من اتخاذ القرار، فلا يريد الحزبية و لا يريد الأحزاب بل ويتهم من يدعو إليها بأنه يريد أن يسرق منه نصيبه في الثورة أو يسيطر على مجرى الأحداث. و لقد شارك في زرع هذه المخاوف الحكام و شاركهم في هذا العديد من شيوخ المساجد على جهل في تهويل أخطار الحزبية و محاربتها.
الحزب في حقيقته تجمع لعدد من الناس لهم رؤى متقاربة في العديد من المواقف و ليس بالضرورة نسخة واحدة و متطابقة من الآراء و المواقف فهو ليس إله جديد و إنما وسيلة قد تتغير مع الأيام.
 و لقد وصف الله سبحانه و تعالى في كتابه فئات من البشر بلفظ حزب الله كما وصف نقيضهم بلفظ حزب الشيطان، و كان في عهد الرسول صلى الله عليه و سلم أعظم فئتين في تاريخ الإسلام ألا و هما المهاجرين و الأنصار فما ضرهم التمييز بينهم بمواقف أو أعمال قاموا بها. و عند وفاة الرسول صلى الله عليه و سلم تفاوض قادة المهاجرين و الأنصار في من سيخلفه و قرروا الاتفاق على سيدنا أبي بكر الصديق رضي الله عنه.
 و الحزبية لا تفرق الناس و ليس مطلوبا أن يكون كل الناس في أحزاب و لكن النخب المثقفة و النشطاء من المواطنين يلتقون في أحزاب و كل حزب يطرح برنامجه السياسي و الناخبون يختارون ما يصلح لهم من البرامج لمرحلة معينة ثم لهم الحق في التغيير بعد ذلك.
و المشكلة عندنا لا تكمن في الحزبية و لكن في عقدة الخوف من التآمر على مصالح الناس و سببها عقدة الأنا، فكل واحد فينا يريد أن يكون حاضرا في كل شيء و هذا لا يمكن، فعلينا أن نثق في المواطن و خاصة إذا اجتمع منهم مجموعة فكل واحد له الحق في المشاركة و هو مؤتمن على الوطن. وهذا لن يحدث حتى تنتصر الثورة في قلوبنا و نهزم الخوف من المجهول و نتعاون في بناء المستقبل.
ثم يأتي دور حرية التعبير و هي من الحقوق الأساسية للإنسان، و لكن بشروط و أهمها  أن لا يعتدي المرء على حقوق و خصوصيات الآخرين، و لكي يتمكن الآخرون من الدفاع عن أنفسهم أو حماية حقوقهم فيجب على من يكتب أو يتحدث أن يظهر معلوماته الشخصية. فلا يجوز الكتابة لعامة الناس باسم مستعار بل في بلاد الحريات يطلب من صاحب الرأي أن يوضح اسمه و عنوانه لكي تنشر له الصحيفة رأيه. و عند التعليق يجب الالتزام بمناقشة فكرة أو رأي الكاتب و ليس الهجوم عليه شخصيا و الطعن فيه بل قد تتحول الردود إلى معركة جانبية في مواضيع لا علاقة لها بالمقالة.
 لماذا نفترض سوء النية و لا نقبل الرأي و الرأي الآخر بصدر رحب، كل هذا سوف يتغير إذا تساوى المواطنون في عقولنا و لن يحدث هذا حتى تنتصر الثورة في قلوبنا.
بعد ذلك يأتي الاختلاف في المواقف السياسية و هنا تبرز مشكلة تقبل الرأي الآخر و تقبل النقد، فالبعض يعتقد أنه إسلامي أو محافظ و البعض الآخر يرى في نفسه تقدمي أو علماني و يلعب سوء الظن بالرؤوس و نتحول إلى أعداء داخل قلوبنا بالرغم أننا نتصافح و نلتقي أمام الناس و السبب الرئيس في هذا هو أننا لا نجيد الحوار الأخوي و بعضنا يلجأ إلى الحوار المسلح قبل أن يفهم.
 كلنا ليبيون و من أصول واحدة، ديننا في العموم واحد و لغتنا الأم واحدة و عاداتنا واحدة فلماذا لا نتصرف بخلق رفيع و نحترم الاختلاف، ففي الشعوب الحرة يعيش العديد من الأديان و المذاهب و اللادينيون في سلام و وئام. بالتأكيد هذا سيحدث إذا انتصرت الثورة في قلوبنا و أصبحنا نحب لأخوتنا ما نحبه لأنفسنا، و لا نرضى لأخوتنا بأقل مما نرضاه لأنفسنا من حقوق.
و في الآخر كيف سيكون موقفنا ممن وقف ضدنا من أبناء وطننا و قاتلنا، فبعد أن تسكت المدافع و يسكن الرصاص في المخازن يجب عاينا أن نتصالح مع من قاتلنا بالأمس بسبب أو بدون سبب و بعلم أو بدون علم. و هذا هو التحدي الأكبر عند ما ننجح في إثبات قدرتنا على العفو و قدرتنا على التسامح و تأكيد حق كل ليبي في العيش بكرامة إنها رسالة الثورة و الثوار فنحن لا نقاتل من أجل أنفسنا فقط و لكن من أجل سعادة الجميع في هذا الوطن. صدقوني لن نستطيع إقناع إخوتنا بسلامة مواقفنا إذا لم تنتصر الثورة في قلوبنا و نتحول إلى دعاة للحرية و الكرامة لكل مواطن ليبي.
 و بعد النصر يجب علينا أن نعمل بكامل جهدنا لتوفير حياة أفضل لكل طفل و طفلة في ليبيا و مستقبل أفضل لكل شاب و فتاة في ليبيا  و ذلك عند ما ندوس على جراحنا و نتسامح و يغفر بعضنا لبعض عند ما تنتصر الثورة في قلوبنا و ذلك هو النصر العظيم.

Sunday, August 7, 2011

مارد القلعة... من أبطال 17 فبراير

    القلعة هي إحدى مدن جبل نفوسة و تقع بين ككلة شرقا و يفرن غربا، و من اسمها يفهم المرء أنها حصينة فلا يطلق اسم القلعة إلا على مكان حصين بطبيعته و لا تصل إليه أيدي الأعداء بسهولة . في القلعة ولد هذا المارد بعد انقلاب أيلول الأسود و عاش ظروف التجهيل و التهميش و الإهمال فدارت به الأيام لينتهي في السجن أثناء تفجر ثورة 17 فبراير و لهذا لم يشارك فيها في أيامها الأولى.
 مارد القلعة شاب أمازيغي بعروق زنجية ولون بشرته يدل على ذلك و لكنه يحمل في قلبه روحا ليبية حرة أبية لا ترضى الضيم و عزيمة قوية لا تلين في مواجهة الأخطار و صدق رسول الله عند ما قال "خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام" فهذا المارد كان شديدا أيام الطاغوت و تحول إلى بطل مع هبوب رياح الثورة المباركة. و عند ما قام النظام الفاسد بإطلاق سراح جميع السجناء بعد قيام الثورة لعلهم يساهمون في ترويع الشعب مع كتائب الشيطان أطلق سراح هذا المارد فاختار أن ينحاز إلى جانب المحرومين و المظلومين من أبناء وطنه فالتحق بكتائب الثوار و انضم للثورة و شارك في المعارك كمقاتل ثم كقائد منطقة ككلة و القلعة و يفرن و خاض المعارك جبهة جبهة و قرية قرية و زنقة زنقة.
 بدأ الثوار بعتاد قليل و تمكنت كتائب الشيطان من الاستيلاء على ككلة و نصف يفرن و قامت بحصار القلعة ستة و خمسين يوما كان الثوار يقاومون مقاومة بطولية رغم قلة السلاح و الرجال. و في تلك الفترة قام الثوار في الزنتان بإمداد إخوتهم في القلعة بالسلاح و تم توصيل الصواريخ المضادة للدبابات و الأسلحة و الذخيرة على ظهور الحمير بين الجبال الوعرة. و كان الثوار يحصلون على تموينهم من بيوت القلعة، فعند ما غادر أهلها إلى تونس تركوا تموينهم و أغنامهم تحت تصرف الثوار و بهذا تمكن الثوار من العيش تحت الحصار. وفي تلك الفترة كان المارد يقود كتيبة بها حوالي 400 من رجال الجبل و هم خليط من الأمازيغ و العرب من عدد من القرى و المدن المجاورة. و نجحت هذا الكتيبة في قتل و اسر عدد من كتائب الشيطان بينهم ثلاثة برتبة عقيد و تم أسر ضابط برتبة عميد و آخر برتبة عقيد مع عدد من الجنود.
حاول الثوار فك الحصار بطلب العون من بقية المناطق لكن كتائب الشيطان حاولت تحطيم جبهات الثوار في الرياينة و العوينية و زاوية الباقول كي يتم عزل المناطق عن بعضها البعض و استردادها واحدة تلو الأخرى. حاولت الرياينة و زاوية الباقول فك الحصار فلم ينجحوا.
 وصلت أنباء إلى الثوار في القلعة عن وصول سيارات تحمل ذخيرة لككلة للكتائب تم وضعها داخل مركز الشرطة في ككلة، فقام الثوار برسم خطة للهجوم على مركز الشرطة بككلة و قاموا بمحاصرة المركز و تمكنوا من الحصول على الذخيرة و على سيارات و غنائم أخرى و بعد ذلك تمكنوا من تحرير ككلة بالكامل و اسروا مجموعة كبيرة من كتائب الشيطان. و بعد ذلك قرروا الهجوم على يفرن فقاموا بمهاجمتها عند الساعة الثانية ظهرا و تمكنوا من تحريرها بفضل هجومهم المفاجئ و شجاعة المقاتلين فليس من المعتاد الهجوم عند الظهيرة.
      بعد ذلك نزل الثوار من جادو و شكشوك و الرجبان إلى قصر الحاج و نزل ثوار الزنتان إلى بوابة بير عياط و بذلك تم تأمين الطريق السفلى تحت الجبل و التحمت الجبهة على طول 40 كم و اشتعلت الجبهة من الزنتان إلى ككلة و تم دحر جيوب الكتائب و تحررت العوينية و فتحت الطريق إلى طرابلس.
 كان هذا موجز لما وصفه لي أحد الذين شاركوا في هذه المعارك و التقيت به في تونس ، و نحن الآن بانتظار تطورات جوهرية حول طرابلس و بداخلها تمكننا من القضاء على آخر معاقل الطاغية و كتائبه و بذلك يكون النصر الكبير بإذن الله في القريب العاجل.

هل نحن نستحق كل هذه التضحيات؟

في الثمانينيات من القرن الماضي كان لي صديق عسكري في الجيش الليبي يحمل رتبة عقيد، و كان يتمتع بخلق رفيع و استقامة و كثيرا ما كنا نتحدث بأسلوب التورية عن الأوضاع في ليبيا و ذات يوم أظهرت له حاجة الوطن إلى التضحية في كل وقت. ففهم ما أقصد و رد علي فقال: يا دكتور أنا والدي قال لي كلمة لن أنساها أبدا: الشعب الليبي لا يستحق التضحية.
 عندها فهمت ما قصد و تجنبت  الحديث معه في مثل هذا الموضوع، و الآن و بعد حوالي ستة  اشهر من تفجر الثورة الليبية و سقوط عشرات الآلاف من الشهداء و أضعاف هذا العدد من الجرحى و المصابين طرحت هذا السؤال على نفسي: هل نحن نستحق كل هذه التضحيات؟
في 17 فبراير تفجرت ثورة الشعب الليبي دفاعا عن النفس في وجه القمع الوحشي لكتائب الشيطان يوم خرج الناس بطريقة سلمية يطالبون بالكرامة للمواطن و العدالة لضحايا أبي سليم و الدستورية لليبيا. و كان بالإمكان أن تنتهي الأوضاع مثل سابقاتها في السنين الماضية و يتم وأد التحرك في مكانه و لكن الله سبحانه و تعالى استجاب لدعاء الثكالى و الأرامل و الأيتام و المساجين على مدى أربعة عقود ففتح أبواب جنانه للشهداء و كأني بالسماء و قد ملئت بالملائكة و هي تستقبل أرواح الشهداء و تلبسهم أكاليل الشهادة و تدعو لنا بالانتصار. فهؤلاء الشهداء هم من كسر حاجز الخوف و لبى نداء الله و نداء الوطن و هم المنتصر الحقيقي في هذه الثورة، أما الأحياء فقد تدور برؤوسهم الدنيا و يعودون لضلالهم إلا من رحم ربي. و في الوقت الذي اندفع فيه الثوار لمواجهة كتائب الشيطان و لا زالوا يتحركون من موقع إلى موقع و من خندق إلى خندق باتجاه طرابلس بدأ المتسلقون و أصحاب المصالح و النوايا الشخصية و الوصوليون في ركوب الموجة و بأشكال مختلفة و بالتالي بدا الرماد يلون مسيرة مشاعل الثوار باللون الأسود. و كأننا نعيش مقولة" الحاج موسى هو موسى الحاج"، برزت قيادات وطنية نظيفة و لكنها محاطة بطبقات من رجال الطاغية و ابنه فهل نكون بهذا وفينا حق دماء الشهداء فعلا.
الثوار على كل الجبهات يواجهون الموت و يطلبون الجنة في صبر و ثبات و طوابير المتفرجين و المنشقين يبحثون لأنفسهم عن مواقع في هرم السلطة الجديدة. و الخطر الأكبر يكمن في العناصر التي تحمل السلاح في شوارع المدن المحررة بدل أن تتوجع به إلى الجبهات أو المجموعات المخترقة و العميلة للشيطان التي تتحرك تحت ستار الثورة، و تجار السلاح و الباحثين عن الغنائم الشخصية من أسلحة و سيارات و قد يجر الطمع بعضهم إلى سلب ممتلكات الشهداء و الجرحى، أو الذين يستغلون الأحداث للانتقام و تسوية حسابات شخصية قديمة. و أضف إلى هؤلاء دور المحبطين الذين لا يتحملون أي جزء في الصراع و لكنهم يتذمرون لأتفه الأسباب أو يشككون في النوايا بحجج واهية و لا يريدون دفع ثمن الحرية مع بقية الشعب، ناهيك عم من يبحث عن مصالحه مع الطاغوت و يدافع عن سفينة غرقى لا محالة. قد نختلف معهم و لكننا لا ننسى أنهم أخوة لنا في هذا الوطن و لهم علينا حق النصيحة، فمتى يستفيقون من سباتهم و ينتبهون لمؤامرات الطاغوت.
الكثيرون منا خرجوا في المظاهرات و هتفوا بشعارات الثورة و أغلاها" دم الشهداء لن يضيع هباء" و لكن ماذا فعلنا لتحقيق هذا العهد لشهدائنا. و كيف نبرهن على أننا نستحق كل هذه التضحيات.
الوفاء لدم الشهداء يعني الالتحام بالثورة و الدفاع عنها و الاستعداد لتطوير و تحسين الجهود المبذولة.
الوفاء لدم الشهداء يعني الالتفاف حول المجلس الوطني و دعمه بالخبرات و العمل على تطوير و تحسين أدائه.
الوفاء لدم الشهداء يعني الدفاع عن مبادئ الثورة في الحرية و الكرامة و العدالة و المساواة في كل لحظة و في كل موقع.
الوفاء لدم الشهداء يعني وضع الرجل المناسب في المكان المناسب و الاستعداد لاستبعاد من يخطئ أو يحاول أن يستفيد أكثر مما يفيد.
الوفاء لدم الشهداء يعني تأدية الواجبات قبل المطالبة بالحقوق، فكيف نطلب من الثوار الموت في الجبهات و نحن نقصر في أداء أعمالنا في القرى و المدن المحررة.
الوفاء لدم الشهداء يعني تحويل الشعارات إلى حقيقة و نبذ الفتن و الانقسامات.
الوفاء لدم الشهداء يعني وحدة الصف و تماسك الجبهات في كل موقع و الاستعداد للتضحية.
الوفاء لدم الشهداء يعني التصرف بحكمة و مسئولية و عدم استغلال الظروف و تجنب الإسراف فالمعركة قد تطول و عندها سنفتقد كل رصاصة لعبنا بها.
الوفاء لدم الشهداء يعني احترام القوانين و خاصة التي تحمي حقوق الآخرين فيجب أن لا نعتدي على حق أحد فذلك يعني ردة عن مسار الثورة.
الوفاء لدم الشهداء يعني الانتباه لأخطار المرحلة و اليقظة في مراقبة الغرباء و المشبوهين في كل مدينة تحسبا للاختراق من طرف كتائب الشيطان.
الوفاء لدم الشهداء يعني رعاية أبناء الشهداء و الأرامل و المصابين و تقديمهم على أنفسنا في كل شيء.
الوفاء لدم الشهداء يعني الاستعداد للتضحية بالتدرب على حمل السلاح و تجهيز المقاتلين و رفع الروح المعنوية للمواطنين بنشر الأمل في النصر و محاربة الإشاعات المغرضة.
لقد دفعنا ثمنا كبيرا و ليبيا تستحق هذا الثمن و الحرية تستحق هذا المهر و مشوارنا لم ينته بعد فنحن لا زلنا نحتاج إلى تضحيات أكبر لاستكمال التحرير لكامل تراب الوطن، فعلينا أن لا نضيع ثمرة هذا الكفاح و علينا الوفاء لدماء الشهداء و ليكن شعارنا" الوفاء الوفاء لدماء الشهداء"و لعشرات السنين.