Sunday, February 17, 2013

الليبيون والأتراك أبناء أمة واحدة


         قد يتوه المرء أحيانا في من يكونون إخوانه وكذلك الأمم والشعوب ولكن الأحداث والأيام و التاريخ كلها تدل على هذا والله سبحانه وتعالى يقول: وهذه أمتكم أمة واحدة. فإذا رجعنا للتاريخ نجد خير دليل على قوة الروابط الأخوية بين الليبيين والأتراك عبر خمسة قرون من التكامل والتعاون والتصاهر والعيش المشترك، أما إذا رجعنا للدين فالحكم واضح ولا يحتاج المرء فيه لدليل؛ فالدين واحد والرب واحد والقبلة واحدة والأمة واحدة.
ليبيا بعد سقوط الأندلس
        ما أن سقط آخر معاقل المسلمين في غرناطة في يد النصارى حتى بدأت تطلعات الفرنجة إلى طرابلس وما حولها، وبالفعل تم احتلال طرابلس من الفرنجة وعندها استنجد زعماؤها بالدولة العثمانية وذهبوا في وفد إلى هناك وبعثت الدولة العثمانية حملة إلى سواحل طرابلس نزلت بتاجوراء و لا زال مسجد مراد أغا بها خير شاهد على تلك الحملة وتدور الأيام ليأتي سليل الفاتحين رجب الطيب أردوغان ليجدد مبنى هذا المسجد بعد تحرير 
طرابلس في سنة 2011م.


جامع مراد آغا بتاجوراء
 وفي كل مدينة ليبية وفي كل قرية نجد بصمات دولة العثمانيين في المبانى والمساجد والحمامات والعادات والتقاليد واللباس والأكل.

اردوغان في تاجوراء والحنين إلى ود الأجداد
بقي الأتراك والليبيون على تواصل منذ ذلك التاريخ على مستوى الحكام وعلى مستوى الأفراد إلى آخر أيام الدولة العثمانية حين ظهرت في عالمنا الإسلامي نعرات قومية على غرار ما حدث في أوربا ساهمت في تفريق الأمة  ولكن أبقي الليبيون والأتراك على حد طيب من التعاون، فلم تحدث بينهم قطيعة واندمج الليبيون في تركيا في المجتمع التركي واندمج كل من له أصول تركية في المجتمع الليبي ولم يشعر أين منهما بوضع الأقلية.
ليبيا إبان الغزو الإيطالي
           أستغل الإيطاليون الظروف الصعبة التي تمر بها الدولة العثمانية في آخر أيامها وقاموا بغزو ليبيا فوضعوا الحاميات العثمانية في ورطة كبيرة في غياب العدة والعتاد. حاول الأتراك ترميم الوضع بتدريب المواطنين على القتال، وبقى بعضهم لمساعدة المواطنين بينما غادر معظمهم ليبيا لمواجهة التحديات على الحدود التركية مع أوربا، بل في بعض الحالات أوفدت تركيا ضباطا إلى ليبيا للمساعدة مثل ما حدث بمنطقة درنة حيث تأسس دور أنور باشا لتدريب المجاهدين وكان من بين ضباطه الزعيم التركي مصطفى كمال أتاتورك نفسه.


مصطفى كمال في دور أنور باشا بالقرب من درنة 1912م

   شارك عدد من الضباط الأتراك في قيادة المعارك ومن بينهم مصطفى كمال ولكن التطورات العسكرية والسياسية في تركيا فرضت عليهم الرحيل، و استمرت تركيا في دعم المجاهدين حيث توالت الإمدادات والاتصالات مع المجاهدين في الشرق مع السيد أحمد الشريف السنوسي وفي الغرب مع المجاهد رمضان السويحلي.


رمضان السويحلي يستقبل ضباط أتراك 1918م في مصراتة
 ونرى في الصورة  لقاء بين زعيم الحهاد في طرابلس رمضان السويحلي مع عدد من الضباط الاتراك أتوا في غواصة لمصراتة لتزويد المجاهدين بالسلاح. ويظهر جالسا في أقصى اليسار السيد محمد نوري بن الحاج ابراهيم  الجد المؤسس لعائلة نوري في مصراتة وطرابلس حيث بقى وقاتل مع المجاهدين وتزوج من ليبية وعاش في ليبيا، ومثله فعل العديد من الليبيين الذين تطوعوا في الحرب مع تركيا وبقى من عاش منهم هناك ولهم أحفاد يعيشون الآن في تركيا.
ليبيا بعد الاستقلال
بعد الاستقلال توجهت أنظار وزير الدفاع الليبي علي ابراهيم الجربي إلى تركيا التي هاجر إليها أيام الاحتلال الايطالي ليجلب خبرات الضباط الليبيين في الجيش التركي حيث اقنع العقيد عمران الجاضرة بالعودة إلى ليبيا ليساهم في تاسيس الجيش الليبي. ويذكر أن عمران الجاضرة من مواليد درنة وبعد عام من مجيئه غادر إلى تركيا بسبب كرهه للبريطانيين الذين كان لهم نفوذ كبير في ليبيا؛ ووصل إلى رتبة جنرال في الجيش التركي في ما بعد.


السيد على الجربي مع كوكبة من الضباط الليبيين ويتوسط الصورة العقيد عمران الجاضرة

ما أحوج المسلمين في تركيا لعودة تركيا إلى الأمة الإسلامية وما أحوج المسلمين إلى تركيا، ولعل الله يجعل في رفض الغرب لتركيا وتزايد تعلق العرب والمسلمين بها وسيلة لجمع الشمل لهذه الأمة،  فتركيا اليوم تسير إلى الأمام وتحتاج إلى السوق والدعم الإسلامي.

Friday, February 15, 2013

خواطر في عيد الثورة الليبية



الثورة بريشة الفنان بشير حمودة
     في مثل هذه الايام منذ عامين التحمت مشاعر الغضب ضد الظالم وتفجر الشوق للحرية والعدالة وتعطرت الأرض بدماء الشهداء وبزغت شمس الحرية من الشرق لتعانقها جباه الصامدين في مصراتة والزاوية وجبل نفوسة وزواره وطرابلس وفي كل بيت ليبي أبيّ.
 ونحن نستقبل هذه الذكرى العطرة علينا أن نترحم على أرواح جميع الشهداء الذين لم يفكروا في دنيا ولا متاع ولا عودة إلى الاهل بل اصطفوا في طوابير الجنة في ساعات لا يعرف فيها احد كيف ستنتهي الامور ولسان حالهم بقول" مرحب بالجنة جت تدنى"، كما نتضرع إلى الله العلي القدير أن يشفي جرحانا ومرضانا وأن يلهم الصبركل مكلومينا وأن يؤلف بين قلوبنا  ويوحد صفوفنا وأن ينصرنا على القوم الضالين و يعيد هذه الذكرى علي جميع أبناء ليبيا كل عام بالخير واليمن والبركات.
حصاد العام الأول
           لو نظرنا بتعقل إلى الوضع العام في ليبيا خلال العام المنصرم لوجدنا مكاسب كبيرة تحققت في غياب مؤسسات الدولة التقليدية  فالبلاد كانت في امان رغم غياب الشرطة والجيش من المشهد العام  ومظاهر العنف بدأت في الاختفاء من الشارع بالتدريج وهذه الامور في العادة تقاس بالقياس على مناطق أخرى مشابهة مثل العراق والصومال ومصر وتونس. جميع مؤسسات التعليم والتعليم العالي عادت إلى العمل بأقصى طاقتها وإنتاج النفط عاد لأعلى مستوياته بأياد ليبية. كما تم انتخاب المؤتمر الوطني العام وانتقلت السلطة بسلاسة إلى الحكومة المؤقتة.
 وإن كان لدينا مشكلة فهي من صنع ايدينا فالكثيرون منا لا زالوا ينامون في جلابية الطاغية ويحلمون بانجازات لا يعملون من أجلها بل في كثير من الأحيان لا يحركون ساكنا؛ هذا إذا لم يشاركوا في تعطيل حركة التقدم ببث الإشاعات والفتن أو المطالبة بأشياء تعجيزية.
استحقاقات العام القادم
مع إطلالة العام الثاني بعد النصر تلوح في الأفق بعض الاستحقاقات المصيرية ومنها على الصعيد السياسي اختيار لجنة صياغة الدستور ومحطات الإستفتاء على أبرز معالم الدستور ثم  الاستفتاء عليه بالكامل مرورا بمراحل الصياغة  ومداولاتها. ثم يلي هذا صدور تشريع بالعزل السياسي خارج أو داخل مواد الدستور يؤمن استمرارية تحقيق أهداف الثورة في مأمن من أعدائها أو المتربصين بها. وكلنا يعلم أن الشيطان قد مات ولكن سمه وسحره لا زال بيننا وله بيننا أتباع وجنود وموالين يظهرون الولاء للثورة وقلوبهم لا ترى غير مصالحهم ومكاسبهم ورفقائهم بالأمس القريب.
كما أننا بحاجة ماسة لقانون الاحزاب الذي ينضم عملها وتمويلها لكي لا تمس سيادة الدولة الليبية من خلال سيطرة جهات أجنبية على أحزابنا بأي وسيلة كانت.
أما على الصعيد الإداري فالدولة بحاجة إلى تطهير دواليبها من الفساد والرشوة والوساطة والمحسوبية والجهوية والقبلية؛ ورفع كفاءة الاداء بإدخال التقنيات الحديثة وتقليص الموظفين وتوجيه طاقات الشباب نحو الانتاج والعمل الحر من أجل تنويع مصادر الدخل القومي.
وعلى صعيد الأمن تحتاج الدولة إلى تفعيل  واستحداث وحدات عصرية في مجالات الجيش والشرطة وحرس الحدود وذلك بالخروج من أزمة تغول مجموعات المسلحين واستخفافهم بمؤسسات الدولة وبالتالي تتحقق سيطرة الدولة على جميع أراضيها ويتحقق الأمن المطلوب للتنمية بعودة الشركات واستئناف المشاريع التنموية المختلفة.
أما على الصعيد الشعبي فيتوجب علينا المحافظة على المكاسب وأهمها الشرعية الدستورية المتمثلة في مؤسسات المؤتمر الوطني العام وأجهزته التنفيذية، وكذلك المحافظة على سيادة ليبيا على كامل أراضيها موحدة غير منقوصة. وعلينا أن لا نطالب بحقوقنا قبل أن نؤدي واجباتنا تجاه الوطن فيجب علينا أن نتذكر تضحيات الشهداء لكي نعطي اكثر فهم أعطوا ولم يأخذوا شيئا.
تصحيح مسار الثورة
بالرغم من كل ما تحقق حتى الآن تبقى الطموحات أعلى والتوقعات أكبر وسنكون على موعد مع تصحيح المسار كل فترة مع قدوم الانتخابات، فالنظام الديمقراطي السليم لا يخضع للابتزاز أو البلطجة ولكنه يعطي الشعب فرصته ليغير المسار والرجال مع كل استحقاق انتخابي. ولا معنى لاعتصام بعد انتخاب فالمرء حين ما ينتخب هو في الواقع يفوض غيره لينوب عنه وعليه أن يرضى بما يقدم حتى يحين موعد التعديل من خلال انتخاب عام.
     إن المطلوب منا الآن هو الاستعداد للانتخابات القادمة والتفاعل معها بجدية والتعرف على المرشحين قبل أن نتورط فيهم، ولا توجد ديمقراطية في العالم بدون معارضة داخل البرلمان وعلينا أن نستعد من الآن كأحزاب أو تحالفات لتشكيل الحكومة أو معارضتها من أجل ضبط أدائها.

Saturday, February 9, 2013

محمد مهذب حفاف شهيد الحرية



محمد حفاف
            أستُشهد محمد مهذب حفاف  في يوم مشئوم يوافق7  أبريل 1983م  حيث أعدم شنقا في ساحة كلية الهندسة بطرابلس، ويشترك في جريمة إعدامه كل من راقبه في الكلية والقسم الداخلي وفي شوارع طرابلس خلال زياراته لأصدقائه ومن دلّ على مكانه يوم إلقاء القبض عليه ومن حقق معه ومن عذبه في السجن ومن حكم عليه بالإعدام ومن شارك في التنفيذ بالفعل أو القول أو التأييد.
       دخلنا إلى منطقة الكلية في ذلك اليوم فرايت مشنقة منصوبة بالساحة حوالي الساعة الثامنة والنصف صباحا وكنت اركب مع زميل لي في الكلية فقلت له: إني ارى مشنقة. فرد علي: ربما سيستخدمون دمية. فقلت له: ضع السيارة خلف الكلية باتجاه طريق الهضبة فهؤلاء لايمثلون فهم لا يخافون احدا. ترجلنا ودخلنا الكلية من امام إدارة الكلية فشعرنا بتحركات غير عادية وأتت حافلة تحمل تلاميذ مدارس وكان معهم بعض المعروفين ثوريا ومنهم عبد الحميد بيزان من طرابلس وعدد من الشرطة العسكرية. فما كان منا إلا ان خرجنا باتجاه منطقة الهضبة الخضراء المجاورة، وفي البيت قبيل صلاة الظهر التحق بي أحد الزملاء ليبلغني باعدام زميلي العزيز محمد حفاف رحمه الله.

حفاف مع زملائه وعن يمينه محمد البشتي
   لقد عرفت الشهيد حفاف طيلة خمس سنوات بكلية الهندسة وكان صديقا مقربا واخا كريما احمل له أجمل الذكريات فهو من الناس الذين يذكرونني بالله دائما، كان صادقا في قوله وشجاعا في مواقفه ولا يخشى في الحق لومة لائم. كان يحافظ على الصلاة في وقتها وفي جماعة قدر المستطاع وكان كثير الدعاء عقب صلاته ويرفع ذراعيه للسماء وفي العادة كان يؤم المصلين من الطلبة في بيوت الطلبة.



الشهيدان محمد حفاف  ورشيد كعبار رفقاء على طريق الحق
 كان محمد محاورا مقتدرا وكثيرا ما كان يحاور زوار الكلية من أمثال الصادق النيهوم وابراهيم الغويل وأبرز المتحدثين باسم الطاغية في الكلية ومنهم سعيد راشد ومفتاح اعزوزه.  في سنة 1973 م شارك في ندوة عن القومية العربية والإسلام وقدم فيها محاضرة عن الاقتصاد الإسلامي.

أمام إدارة الكلية وعلى بعد بضعة أمتار من موقع إعدامه


    كانت مشكلة حفاف مع مقولة " من تحزب خان" وكثيرا ما كان يسال : هل هذه آية أم حديث شريف لكي تصبح قانونا يحكم الناس. لم تكن لحفاف مشكلة غير هذه مع القذافي، فهو في الثانوية كان ناصريا ويردد مقولات عبد الناصر ولكن بعد حرب 67 وهزيمة العرب وصدور كتاب "وتحطمت الطائرات عند الفجر" الذي اطلع عليه، قرر العودة إلى التيار الإسلامي وانضم إلى حزب التحرير بعد اطلاعه على كتاب نظام الحكم في الإسلام لتقي الدين النبهاني وبدا يدعو الناس لأفكاره وخاصة بين الطلاب.


مجموعة من سجناء الرأي داخل سجن  باب بن غشير
من اليمين محمد الصادق الترهوني، لطفي الحواسي، عريبي يوسف، عبد الرحمن الساعدي، عجيلي عبد الرحمن الازهري، صالح عمرو القصبي، محمد حفاف وعلي محمد كاجيجي
  دخل الشهيد حفاف السجن في ابريل 1973م بعد خطاب زوارة مع كوكبة من النشطاء سياسيا في ليبيا بتهمة الإنتماء إلى حزب سياسي وتعرض لصنوف من أنواع التعذيب من الضرب والصعق بالكهرباء والغمر في الماء وتمت محاكمته عدة مرات من اعضاء اللجان الثورية لاحقا وصدر بحقه حكم بالإعدام وبقى في السجن لمدة عشر سنوات. انتقل خلالها بين سجن باب بن غشير وسجن الجديدة عام 1977م وفي نفس الفترة دخل السجن اثنان من إخوته معه وكان أبوهم صابرا محتسبا رحمه الله.


نفس المجموعة التي بالصورة السابقة برفقة صالح النعاس الواقف في أقصى يسار الصورة
سجن باب بن غشير


داخل سجن الجديدة  في أغسطس سنة 1976م
علي كاجيجي، صالح القصبي الشرطي الطيف، عثمان صالح الهوني، عجيلي الازهري،عبد الحمبد المحيشي،محمد الترهوني،عبدالقادر الهادي(توفى داخل السجن)، محمد حفاف وفرج بالخيرات العجيلي
 ثم نقل داخل سجن باب بن غشير ضحى 6ابريل 1983 إلى حجرة أخرى فيها مجموعة من حزب التحرير حُكم عليها بالإعدام في ليلة 6 ابريل وهم سبعة عشر رجلا . حفاف كان رجلا مهذبا و على خلق كريم لم يحمل سلاحا ولم يؤذ احد في حياته ومشكلته الوحيدة أنه كان يطالب بالحرية السياسية ويحلم بقيام دولة إسلامية.
     في يوم إعدامه جاؤوا به لمقابلة القذافي قبل السابعة صباحا في مكان معروف في مكتب الطاغية والتقى به وجها لوجه فقال له الطاغية: ألم تتب بعد؟ فرد عليه: من منا يخالف كتاب الله كي يتوب؟ فقال لهم : خذوه. اتوا به إلى مقر مثابة اللجنة الثورية بكلية الهندسة حيث اجتمع اعضاء اللجنة الثورية، وقرأ سعيد راشد الحكم، ثم طلب من علي فارس ان يتلو البيان في الساحة فاعتذر متحججا ببرد ألم به فتم تكليف البحباح ليتلو البيان قبل تنفيذ الحكم.  خرجوا بعد ذلك بأخينا محمد حفاف إلى ساحة الكلية حيث تجمهر عدد كبير من طلاب المدارس وبعض طلاب واساتذة الكلية تحيط بهم الشرطة العسكرية التي كانت تمنع الناس من مغادرة المكان.
في الساحة وقف حفاف وحيدا ونظر يمنة ونظر يسرة لعله يرى شخص يعرفه فهو طالما جال في هذه الساحة فلم ير سوى وجوه الغربان وهم يصيحون ككلاب مسعورة، فبدا عليه التوتر ونزع نظارته من فوق عينيه ورماها على الارض فهو يعرف انه لن يحتاج لها بعد هذا اليوم، ثم نزع ساعته وألقى بها فهو يعرف ان الوقت لن يهمه بعد لحظات.
      وقف في الساحة مسالما كعادته واقفا كالنخيل لا يهتز ولا ينحني وأنفه مرفوع في السماء. وقام احدهم بوضع حبل المشنقة في عنقه والجموع من حوله من كلاب الدم تهتف لسيدها: الفاتح، الفاتح، وهم يتقافزون بالساحة تماما مثل ما سيفعلون على نار جهنم بإذن الله. وعلينا أن نتذكر أن بعض الذين شاركوا في القبض على السياسيين في سنة 1973م والذين شاركوا واحتفلوا بعملية إعدام حفاف الآن أساتذة بالجامعات وقد يصل بعضهم للوزارات.


شباب واعد وطموح
        فارق حفاف الحياة وحيدا ولم يك معه لا نصير ولا رفيق ولا قريب غير ملائكة الرحمن التي جاءت لتزفه إلى الجنة بإذن الله. وهنا راق لبعض المرضى ومنهم المدعو المشاي لكمه في بطنه وهو معلق في حبل المشنقة حتى تمزق قميصه، إنا لله وإنا إليه راجعون. لقد كان حفاف الفائز الوحيد في ذلك اليوم فنال الشهادة بينما يحمل كل من حضر وشاهد نصيبه في الجريمة إلى يوم القيامة، وكل من فرح وهلل في ذلك اليوم هو نادم اشد الندم حيا كان او ميتا والعياذ بالله. ولا أحد يعلم حتى الآن أين دفن أو أين وُضع جسده الطاهر.
 ينتمي محمد حفاف لاسرة مجاهدة تمتد اصولها في التاريخ إلى مكة المكرمة فشجرة العائلة تنتهي بسيدنا عمر بن الخطاب، ولد محمد في غريان بالقواسم سنة 1949م وترعرع بين جبالها ودرس المرحلة الابتدائية في غريان ثم رحل إلى الزاوية حيث اكمل دراسته في القسم الداخلي بالزاوية وفيها تعرف على استاذ فلسطيني دعاه للانضمام لحزب التحرير.
كان محمد حفاف جديا ولا يضيع وقتا ولا جهدا، حريص على الوقت وقضيته الكبرى هي الدعوة إلى الله ولحزب التحرير والتبشير بقيام دولة الخلافة،  واذكر اثناء فترة التدريب العسكري بعيد انقلاب سبتمبر المشئوم انه كان ياتي للتدريب مبكرا في صباح كل يوم وقال لي ذات يوم: انا ابحث عنها في السماء وأتتني إلى الأرض فهل اتركها. لقد كان يمني نفسه بالجهاد في سبيل الله واغلى  ما يتمنى ان يدخله الله الجنة وهكذا يكون كل من يحمل هم رسالة.
خلال فترة دراسته بالكلية كان مُراقبا من الجهات الأمنية وقد بلغنا بواسطة أحد ضباط الأمن الداخلي أن مجموعة من الطلبة سوف يتم القبض عليهم  وذلك قبل خطاب زوارة 1973م، واذكر أننا كنا في حلقة نقاش داخل حجرة حفاف بالقسم الداخلي بعيد العصر والحجرة مغلقة وإذا بأحدهم يحاول فتح الباب عنوة من الخارج وكاد أن يكسر الباب لولا مرور مجموعة من الطلبة ففر من أمامهم. سألت حفاف عن هذا الشخص فقال: أنه الفيتوري الشلفاح، لم اهتم بالأمر فأنا أعرفه طالبا معي في نفس السنة، ولكن عند ما أُلقي القبض على بعض المجموعة واجههم ضابط التحقيق بتقارير قال أنها من الملازم الفيتورى الشلفاح تفيد بتورطهم في جماعة الإخوان المسلمين المحظورة.
         وهكذا كما ترون أخواتي و إخوتي الكرام مات محمد حفاف شنقا بدون جريمة يرتكبها إلا أن يقول: كلنا بشر ونستحق أن نكون أحرارا نختار لحياتنا ما نشاء وننضم لمن نختار؛ ومثله مات الكثيرون سواء على أعواد المشانق أو في غرف مغلقة أو في دروب المهاجر وبعدة طرق، وتوزع دم كل واحد فيهم بين الواشي من الزملاء والجيران والمراقب من البوليس السري والدال على مكانه وشرطي القبض وشرطي التحقيق والسجان ورجال التعذيب وخدام المشانق والمتاجرين بها للحصول على بعثات ومزايا وبين المشاركين والعازفين والهتيفة من أعضاء اللجان الثورية كلهم له نصيب في الجريمة.  فهل لأحد من هؤلاء الذين شاركوا في الجريمة توبة؟ ومن يقبل التوبة من رجل يداه ملطختان بدماء الأبرياء؟ ومهما انشق على الأرض أو حتى في السماء فهو يبقى قاتلا لبريء.