Thursday, June 23, 2011

تمزدة واسطة جبل نفوسة


مسجد قديم في تمزدة
تقع مدينة تمزدة في وسط جبل نفوسة و تتميز بسهولها الخصبة و الغنية بأشجار الزيتون و إنتاج القمح و الشعير، و قد سكنها الليبيون القدماء من قديم الزمان و توجد بها بعض الآثار الرومانية و معظم سكانها الآن هم من الأمازيغ و العرب. و هي تقع على بعد حوالي ستة كيلومتر إلى الغرب من جادو، و هي تتمتع بتحصين طبيعي من خلال توسطها للجبل فهو يحميها من جهة الشمال الشرقي و الشمال الغربي. و مبانيها و عمارتها لا تختلف كثيرا عن بقية مدن الجبل الغربي  مع استخدام البيوت المنحوتة في الهضاب الحصوية.
عينات من مساكن تمزدة
خلال زيارتنا لها في الأسبوع الأول من يناير 2011م تمكنا من الإطلاع على أحد البيوت المحفورة في الهضبة و هو لا يزال صالح للاستعمال و يعود لعائلة الكردي الغالي. و الأسرة الآن تقيم في البيت العلوي بينما تستخدم البيت الجبلي للتخزين أو عند المناسبات. و جلي لمن يرى هذه المقالة حاجة المدينة إلى تنمية متكاملة تحقق للمواطن العيش الكريم الذي يتناسب مع هذا العصر.


مدخل البيت العلوي و مدخل البيت الجبلي أسفل الصورة


مدخل البيت الجبلي من الداخل و في هذه المنطقة ينام الجمل
و في هذا البيت عدة حجرات متفرعة من المركز تستخدم الآن للتخزين أو إيواء الأغنام.


مدخل جانبي أخر يطل على منور

غرفة تستخدم للتخزين تظهر بساطة العيش الليبية
و مباني المدينة مجمعة حول بعضها و الكثير منها شبه مهجور الآن، بالرغم من وجود العديد من السكان.
منظر عام لمدينة تمزدة في يناير 2011م
و من المواقع الأثرية في المدينة و يسمى عش بو علاق و هو عش من الزيتون الفرعوني يقع في سهل تتجمع فيه مياه الأمطار. و يجتمع أهالي المدينة تحت هذا العش في المواعيد القبلية عند ما يجتمع أعيان القرى المجاورة لمناقشة الخطوب و حل المشاكل وكذلك في الزرادي و اللقاءات العامة أو سباق الخيل. و هذه أضخم زيتونة فرعونية مررت بها حتى الآن في جبل نفوسة.

عش بو علاق و قد بدت عليه آثار سنوات الجفاف
و قد مررنا على العديد من المباني القديمة و تظهر في مجملها الملامح المعمارية العامة لها مع خصوصية المنحوت منها تحت الأرض.

في هذه الحجرة يخزن زيت الزيتون لعشرات السنين و  يستعمل لأغراض طبية

مسجد قديم مهجور

حجرة منحوتة تحت الأرض  في أحد المنازل

تقاسيم داخل حجرة قديمة

أحد الأبواب لا زال صامدا

محراب في مسجد


الآثار الدينية
توجد بعض الآثار الدينية في شكل معابد أو كنائس قديمة تم تحويلها إلى مساجد بعد اعتناق سكان الجبل للإسلام. و تقع هذه المباني على بعد حوالي ثلاثة كيلومتر من تمزدة و يدخل في بنائها بعض الأحجار و الأعمدة الرومانية و يسميها الناس  جامع كنيسة الحواريين الداخلية و جامع كنيسة الحواريين الخارجية و هما لا تفصلهما مسافة كبيرة و ربما كانت المنطقة في السابق دير من أديرة النصارى ثم تحولت إلى مساجد. و هما الآن يقعان في منطقة مزارع زيتون و لا يوجد بجوارهما بيوت أو سكان، و قد قام الباحثون عن الذخائر أو الكنوز القديمة بحفر معظم أرضية المسجدين بشكل رهيب.

منظر خارجي عام لجامع الحواريين الداخلي

منظر داخلي لنفس المسجد و يظهر أثر الحفر

محراب المسجد مع آثار الحفر

بقايا سور روماني خارج المسجد

مسجد الحواريين الخارجي


 المسجد من الداخل

بعض الكتابات و الزخارف على سقف المسجد من الداخل
و في هذه الزيارة كما في كل مدينة ليبية نرى العمق التاريخي و الإهمال المفرط في آثار بلادنا و أنا أدعو جميع الشباب للتعرف على كل مدينة في ليبيا لكي نقرب المسافات و نبني جسور التعارف و المودة و التفاهم من أجل مستقبل أفضل لأجيالنا القادمة. كما أدعو المتخصصين لدراسة الآثار و المحافظة عليها بترميمها و صيانتها و تعريف المواطنين بقيمتها.


Monday, June 20, 2011

علي إبراهيم الجربى... أحد بناة الدولة الليبية



علي الجربى وزير الدفاع الليبي في لقاء مع اللواء محمد نجيب
              يعتبر الأستاذ على أسعد الجربى من مؤسسي الدولة الليبية الحديثة من خلال مساهماته في وضع حجر الأساس لنظام التعليم أيام الإدارة البريطانية و من خلال دوره في نقل ليبيا إلى سيادة المملكة الليبية المتحدة و من خلال تأسيس الجيش الوطني الليبي الحديث و من خلال دوره في السياسة الخارجية الليبية كوزير و كسفير بالخارج.
مولده و نشأته
ولد السيد علي أسعد بن إبراهيم الجربى سنة 1903 م في مدينة درنة حيث كان والده إبراهيم بن محمد بن يونس الجربى يعمل في الإدارة المالية، أما والدته فكانت من أصول تركية يونانية و تدعى خديجة سودا بيك زاده.  و بدا حياته الدراسية في درنة و كان شغوفا بطلب العلم و مولعا بالقراءة من صغره، كما كان ميالا لتعلم اللغات الأجنبية. ثم توجه إلى تركيا لإتمام دراسته فيها حيث كان يطمح إلى دراسة العلوم الطبية و التحق بكلية الطب البيطري، و عاش في اسطنبول من 1911 إلى 1923م عند ما اضطرته الظروف السياسية العالمية للعودة إلى ليبيا. فعاد إلى درنة و انخرط في سلك التدريس سنة 1924م و تزوج من السيدة زكية بنت أحمد بو شلاط التي أنجبت له أولاده إبراهيم و تاج الدين و فيصل و بناته نعمت و سعاد.

علي الجربى بين أولاده في تركيا عند ما كان سفيرا بها

صفاته
كان الأستاذ على الجربى مهذبا و خلوقا مع كل الناس، و كان يحب عمل الخير و الإحسان للناس و خدوما لكل من عرف و من لم يعرف. كما كان حليما و محبا لبلده و متواضعا و سهلا و بسيط في التعامل مع الآخرين، و ساهم في بعث الأنشطة الثقافية و الفنية و الرياضية بالمدينة من خلال تأسيس فرقة لهواة التمثيل و نادي رياضي.


كان علي الجربى يبدي اهتمام بالنشاط الرياضي
 و كان منظما في حياته و شغوف بالقراءة في مجالات السياسة و التاريخ و كان يجيد خمسة لغات بطلاقة و هي العربية و الإيطالية و الفرنسية و الإنجليزية و التركية مما سهل عليه التعامل مع كل الأجانب في ليبيا، و لقد ذكره معظم الرحالة و الكتاب الذين زاروا درنة و التقوا به كي يستعينوا به في فهم أوضاع البلد، كل هذه الصفات جعلته عملة نادرة في ليبيا في ذلك الزمان.
أصدقائه
كانت تربطه علاقة طيبة بالجميع و لكن أقرب أصدقائه كان منهم على سبيل المثال عمر جبريل و إبراهيم الأسطى عمر و محمد ألبناني و عبد العزيز بو زيد و عبد العزيز جبريل و الشيخ عبد الكريم عزوز و من الأجانب الرئيس الفرنسي ديجول.


مع الرئيس الفرنسي ديجول عند تقديم أوراقه كسفير
سيرته الوظيفية
1924 -1944م
كانت البداية في حياته العملية في مجال التدريس ثم تولى منصب مدير الشؤون العربية بمتصرفية درنة سنة 1927م أيام الاحتلال الإيطالي و استمر في هذه الوظيفة إلى أن انتقل إلى بلدية درنة في عام 1936م و شغل منصب سكرتير الشؤون العربية فيها. ثم تولى عمادة بلدية درنة سنة 1940م خلال الاحتلال البريطاني الأول، و بعد انسحاب القوات البريطانية إلى مصر سافر إلى مصر مع العديد من الليبيين حيث عينه السيد إدريس السنوسي مستشارا له في القاهرة من 1942 إلى 1944م ثم توجه إلى السودان.
1944- 1950م
بعد هزيمة قوات المحور و انتصار الحلفاء عاد السيد علي إلى ليبيا و عين مديرا لمعارف برقة سنة 1944م أيام الإدارة البريطانية. و خلال توليه هذا المنصب نجح في وضع حجر الأساس لمسيرة التعليم في ليبيا عند ما اقنع الإدارة البريطانية بأهمية تطبيق المناهج العربية المصرية و استقدام بعثة تعليمية مصرية.
 كما قام بإعداد الكوادر الليبية في مجال التعليم و أرسل عدد من المدرسين إلى مصر للتدريب. و كانت هذه الخطوة أساسا لبناء قاعدة عربية للتعليم قضت بالكامل على آثار الحقبة الإيطالية، و لهذا السبب يصفه بعض الباحثين المنصفين بمؤسس التعليم الحديث في ليبيا.
و في عام 1945م تولى منصب نائب سكرتير مجلس التنمية في الإدارة البريطانية و بالتالي تعرف على أساليب التخطيط و التنمية في القطاعات المختلفة من خلال متابعة أعمال مجلس التنمية.
و في عام 1949م أصبح وزيرا للأشغال و المواصلات في حكومة برقة، كما كان أحد أميني المؤتمر الوطني في برقة قبيل الاستقلال.
و في عام 1950م تم تعيينه ممثل برقة بالمجلس الاستشاري للأمم المتحدة لليبيا، و هذا فتح له المجال للاحتكاك بالوفود الدولية و مبعوثي الأمم المتحدة و إدارة الأمير إدريس السنوسي.


صورة تذكارية مع السيد إدريس في مصر خلال زيارة لوفد من البعثة التعليمية له
و يظهر في الصورة الثالث من اليمين في الواقفين الاستاذ حامد الشويهدي 
1950-1954م
في 29 مارس 1950م تم تعيينه وزيرا للخارجية و الصحة في الحكومة الاتحادية المؤقتة حيث وقع وثيقة نقل السلطات من الإدارة البريطانية إلى الحكومة الليبية.
 ثم أصبح وزيرا للدفاع في حكومة الاستقلال الأولى بتاريخ 24 ديسمبر 1952م. و كانت أهم واجباته في تلك الفترة هي تأسيس الجيش الليبي الحديث انطلاقا من جيش التحرير السنوسي التطوعي البسيط في تركيبته العسكرية و الذي لا يزيد تعداده عن ثمانين رجلا.


 مع بعض الضباط الليبيين في تركيا و يظهر العقيد عمران الجاضرة إلى يمينه
 و لعل الله أراد أن يستفيد هو و تستفيد ليبيا من دراسته في تركيا حيث تعرف على أبناء الجالية الليبية هناك، و رأى أن يكون أحد ضباط الجيش التركي من اصل ليبي. و اختار العقيد عمران الجاضرة و هو تركي من أصل ليبي من مدينة درنة بالرغم من أن الحكومة التركية عرضت أن ترشح ضابطا تركيا لرئاسة أركان الجيش و لكنه رفض و أصر على تولي العقيد الجاضرة هذا المنصب و الذي استلم مهام عمله بتاريخ 25 أكتوبر 1952م كأول رئيس لأركان الجيش الليبي.


مع الطلاب العسكريين في العراق و الملك فيصل
 كما قام ببناء الأطر الليبية في مجال الدفاع بإيفاد بعثات تعليمية عسكرية إلى تركيا و العراق لتلقي العلوم العسكرية بالكليات المتخصصة في البرية و البحرية، كما أنشا الكلية العسكرية ببنغازي لتأمين  برامج إعداد الكوادر العسكرية محليا.
 و قام بعدة زيارات لتفقد أحوال المبعوثين و الجالية الليبية في تركيا و العراق. كما زار جمهورية مصر و العراق طلبا للعون المادي لمساعدة الدولة الليبية و تجنيبها لتأجير القواعد، و لكنه لم يحصل على أي عون منهما.


أثناء تسلمه قلادة النيل من اللواء محمد نجيب
و في هذه الفترة الزمنية شارك في العديد من المفاوضات الدولية في كل شؤون الدولة الليبية و لا تخلو وثيقة تتعلق بتاريخ ليبيا في تلك الفترة من ذكره و الحديث عن دوره فيها.
 و كان يحضا بثقة الملك لدرجة أن الملك بعد الاستقلال طلب منه تشكيل أول حكومة فرد عليه السيد على: يا مولاي رئيس الحكومة يجب أن يكون من طرابلس. و هذه مصداقية للرجل و بعد نظر في مصلحة البلد و صدق في النصيحة لمن يثق به نادر جدا، و هذه أول مرة يكشف عن هذا السر.
1954-1961م
عين السيد على الجربى سفيرا لدى جمهورية تركيا و سفيرا غير مقيم لدى العراق.
1961-1967م
أصبح سفيرا لدى الجمهورية الفرنسية إلى أن تقاعد من الخدمة العامة مع نهاية خدمته كسفير في فرنسا.
الأوسمة و النياشين


وشاح الاستقلال
    اعترافا بجهوده و دوره في ربط العلاقات الطيبة بين ليبيا و الشعوب الشقيقة و الصديقة نال السيد على الجربى العديد من الأوسمة و منها وشاح الاستقلال الليبي و قلادة النيل و وسام من دولة الصين الوطنية و بعضها لا نعرف مصدرها.
وفاته
انتقل السيد على الجربى إلى رحمة الله الرحيم الرحمان بتاريخ 19 أبريل 1969م و بذلك طويت صفحة مليئة بالإنجازات لهذا المواطن الصالح، و الله ندعو أن يتقبله في الصالحين و يسكنه فسيح جناته.

Wednesday, June 15, 2011

عبور القارات و القرون لزيارة سيف


في صباح احد الأيام بدبلن التقيت بأحد الإخوة الليبيين في المركز الثقافي الإسلامي بدبلن حيث تحدث عن سيف لأحد الفاتحين للأندلس رآه في بيت زعيم حركة التحرر في ايرلندة دانيال أوكونول، و منذ ذلك اليوم من حوالي سبعة سنوات و الفكرة تراودني لزيارة هذا السيف. و تشاء الأقدار أن ألتقي بنفس الأخ في العام الماضي و أكرر عليه السؤال بموقع البيت فاتصل بأحد أصدقائه من الايرلنديين ليسمى لنا البيت.

جانب من شواطىء قولوي
      في شهر يونيو من عام 2011م انطلقنا في رحلة عائلية من دبلن على الشاطئ الشرقي لايرلندة إلى قولوى على الشاطئ الغربي على المحيط الأطلسي . و هي مدينة تشتهر بالأماكن السياحية و 
الشواطئ الجميلة.

ظاهرة المد و الجزر
 قضينا فيها يومين و تعرفنا على بعض من معالمها و خاصة الأخاديد المطلة على المحيط الأطلسي.


أخاديد موهر الشهير على المحيط الاطلسي
في اليوم الثالث توجهنا باتجاه الجنوب على طريق ليمريك و وصولا إلى كيلارني الشهيرة بحدائقها الغناء و جمال طبيعتها الجبلية الساحرة.


أحد الأنهار جنوب كيلارني
 و تشتهر بمنتزه كيلارني القومي و الذي يغطي ما يقارب من ستة آلاف هكتار من البحيرات و الحدائق و المباني الأثرية.


منظر عام لمنتزه كيلارني القومي
Killarney national park
 و من المريح في معظم المناطق السياحية وجود الكم الهائل من بيوت تقدم المبيت و الإفطار فقط لتسهل على السائح التنقل و التمتع بزيارة المناطق المحيطة بها.


جانب من حدائق المنتزه


قطيع من أبقار كيري السوداء الشهيرة بالمنتزه
و في طريقنا إلى طوق كيري الشهير على الركن الجنوبي الغربي من أيرلندة مررنا بمناظر خلابة حيث تعانق السحب قمم الجبال و كانها تعممت بالسحاب.

وتسترخي السحب على قمم الجبال
ثم نزلنا على شواطئ طوق كيري حيث يتداخل جمال الجبال و الشواطئ و الخلجان مع مياه المحيط الأطلسي في شكل بديع.


أحد شواطئ طوق كيري الخلابة
Ring of Kerry, general view
و في صباح اليوم الرابع وصلنا إلى مقصد رحلتنا و هو بيت دانيال لأوكونول في مدينة نانديري، حيث زرنا بيته و المنطقة المحيطة به من الغابات و الشواطىء الجميلة.


Nanderry house, general view
و يرى في الصورة السابقة منظر عام لبيت دانيال أوكونول، و من الداخل يحوي على العديد من الغرف و التحف و قاعة الاجتماعات و مستودع عربته.


حجرة الأكل


جانب من عربته
و في مكتبته كان لقاؤنا بسيف لأحد فاتحي الأندلس و أظنه طارق بن زياد الذي استشهد في معركة بلاط الشهداء كجندي بعد أن جرده بنو أمية من القيادة. و مكتوب على هذا السيف أنه" تم الفوز به ببسالة من مسلم جاء ليسترق النصارى" و قد أهدى هذا السيف لأوكونول ملك أسبانيا خلال زيارة له لأسبانيا، و كم أتمنى أن يقوم أحد المهتمين بتاريخ أبطالنا بدراسة القصة أكثر.


سيف عربي لأحد الفاتحين منقوش على غمده قصته


هذا الشاطئ. جزء من بيت نانديري
و قد سعدنا بهذه الزيارة التي ذكرتنا بتاريخ أجدادنا البواسل، و قد قيض الله لهذا السيف أن ينتهي به المطاف في بيت محرر ايرلندة دانيال أوكونول بعد أن سقط من يد محرر الأندلس ذات يوم.