Saturday, October 29, 2011

انتصارات النهضة في تونس


يمثل انتصار حزب حركة النهضة الإسلامية التوجه في انتخابات المجلس التأسيسي محطة تاريخية جديرة بالاهتمام ليس في تاريخ النضال التونسي الوطني فحسب و لكن على مستوى تاريخ الحركات التحررية الإسلامية، فهذا الحدث يبشر بعودة الفكر الإسلامي إلى دواليب الدول و بطريقة سلمية و ديمقراطية. و هو في الحقيقة يشمل انتصارات عدة، فهو انتصار لنشطاء حركة النهضة و انتصار لإطروحات حركة النهضة و برامجها السياسية و انتصار لمبادئ الاعتدال و الحداثة في الفكر الإسلامي الحديث و انتصار مشروع الفكر الإسلامي، و انتصار لعامة الناخبين الذين رؤوا في الإسلاميين البديل المناسب لحل مشاكل المجتمع التونسي الاقتصادية و الاجتماعية.
كما أن هذا الانتصار يعطي الفرصة لأول مرة لقيادات الفكر الإسلامي الإصلاحي كي تحكم دولة عربية عريقة و معروفة بجذورها الحضارية مثل تونس. فخلال ما يربو على ستة عقود جرب العرب و المسلمون كل أنواع الحكومات و الأفكار و التيارات السياسية و تعتبر التجربة التونسية رائدة في هذا المجال. و في بلاد العرب  تم فرض حكومات قومية و بعثية و ناصرية و علمانية و عسكرية بأطياف من رجال الغرب و رجال الشرق و لقد آن الأوان أن يختار الشعب و يراهن على المرشح الإسلامي الوسطي الحداثي بعد أن تحققت له الحرية الكاملة من خلال الثورة على ما سبق من أنظمة.
و لهذا الانتصار عدة أبعاد يمكن أن تشتمل على الآتي:
أولا: تونس هي أهم معقل من معاقل الليبرالية و العلمانية المتجذرة على أسس فكرية و ممارسات اجتماعية و فوز النهضة بأكبر عدد من المقاعد يدل على أن المستقبل للتيار الإسلامي المعتدل  الذي يواكب تطلعات الشعب و يحترم مشاعره في كل الدول و الساحات.
ثانيا: يدل انتصار حركة النهضة بعد طول غياب عن الساحة الشعبية و بهذا الحجم على قوة الانتماء الإسلامي في تونس رغم حملات التغريب و العلمنة القصرية التي مارسها أبو رقيبة و من بعده ابن علي. و أتوقع أن تحصد الحركة أغلبية مطلقة في الانتخابات القادمة إذا نجحت في الرهان و حققت للشعب التونسي ما يصبو إليه من خلال برامجها الإنمائية.
ثالثا: أحد أهم و أبرز دلائل الانتصار هو فوز 42 مرشحة من النساء من حركة النهضة بمقاعد في المجلس التأسيسي من أصل 49 سيدة فزن في الانتخابات و من أصل 90 مقعدا فازت بها حركة النهضة. و هذه النتيجة تدحض ادعاءات الليبراليين و العلمانيين و اليساريين الذين يتهمون  الإسلاميين بهضم حقوق المرأة. و صدقت العجوز الليبية عند ما قالت على شاشة التلفاز: نبوا اللي يخاف ربي. و هي تعني أن الذي لا يخاف الله يخاف الناس من شره.
رابعا: يمثل هذا الانتصار أهم اختبار لقيادة و أعضاء حركة النهضة فانتصروا مرة أخرى عند ما أعلنوا ضرورة الوفاق الوطني و التعاون مع جميع الفرقاء من أجل تونس في بيان النصر.
خامسا: لقد كان انتصار حركة النهضة انتصارا لفقراء المناضلين فلا أحد في المشرق أو المغرب يمد يد العون لهم و قيادة الحركة و رجالها عصاميون و لا يقبلون هبة من أحد. فهم ينحدرون من شعب عريق يعتز بأصوله، و أنا أتحدى كل الواهمين و المزيفين الذين يتشدقون بدعم خليجي للحركات الإسلامية و الغريب أن بعض من يردد هذا الكلام يتمرغ في أموال شعبه كما يتمرغ الحمار في التراب.
سادسا: و انتصرت الحركة على نفسها عند ما أعلن شيخها إكباره و إجلاله لكل المناضلين عبر نصف قرن من الزمان من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار الذين قاسوا من مرارة السجون و المهجر من أجل تونس و شكرهم جميعا و اعتبر أن هذا النصر للجميع و نصر للإرادة التونسية و تعهد بالعمل مع الجميع من أجل تونس.
سابعا: يحمل هذا النصر في طياته شهادة بنزاهة الجهات الرقابية التونسية و المشرفون على الانتخابات و الأجهزة الإعلامية فالذي فاز في الانتخابات يدخل الحلبة لأول مرة فهنيئا لتونس برجال حكومتها الانتقالية و رجال أمنها و جيشها الوطنيين فعلا فهم لم يحاولوا فرض أجنداتهم أو إبعاد أي فئة من المنافسة إرضاء للغرب.
ثامنا: أعظم درس يقدمه هذا الانتصار لبقية الحركات الإسلامية هو في انتصار منطق الاعتدال و الحداثة و الانفتاح الحضاري و عدم إقصاء التيارات الأخرى من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار فالكل شركاء و أخوة في هذا الوطن.
تاسعا: يبرز في هذا الانتصار دور الزعيم الروحي الوسطى الحداثي المخضرم المتمثل في الشيخ راشد الغنوشي، الذي بدأ حياته كرجل عروبي و قومي ثم ناصري و بعد هزيمة 67 تبنى الفكر الإسلامي عند ما تبين له عقم الطرح الثورجي العربي. و تحول من دارس للفلسفة إلى شيخ له فلسفة إسلامية حداثية معتدلة ترقى إلى مستويات إنسانية عالمية، فهي تحترم الاختلاف و تقبل بحكم صناديق الاقتراع.
عاشرا: إن حجم تواجد المرأة في صفوف الحركة و بين مرشحيها و قدرتها على نيل ثقة الناخبين و الناخبات دليل على أن التيار الإسلامي الحداثي المعتدل لا يعتبر صوت المرأة عورة و لا يعتبر المرأة عورة و لكنه يعتبر غيابها عن المشهد السياسي العورة الكبرى. فالنساء شقائق الرجل في أسمى معانيها،
فمرحبا بالمرأة الصادقة، المرأة المناضلة و المرأة التي تحمل طموحات و آمال في المشاركة السياسية من أجل مستقبل أفضل للجميع. و التيار الإسلامي لا يريد صوت المرأة في الانتخابات فقط و لكنه يريد أن يسمع صوتها في المؤتمر الوطني القادم.

Wednesday, October 26, 2011

نظرة إستراتيجية حول بناء ليبيا المستقبل


علي محمد عكعك
أستاذ مساعد بكلية الهندسة طرابلس
    معظمنا يعرف أن العمر المتبقي للنفط الليبي لا يتعدى الثلاثون عاما في أحسن الأحوال وقد يكون خمسون عاما بالنسبة للنفط العالمي تقريبا. هكذا تشير معظم التقارير والدراسات العلمية والعالمية. وعليه ينبغي أن نبني سياسة ليبيا الجديدة على أساس هذه الحقيقة المرة, ونفكر ونتصرف من الآن في الاستفادة من هذا المورد في إنشاء مصادر بديلة للدخل تحتل مكانه تدريجيا حتى إذا اقترب موعد رحيل النفط تكون البدائل قد أثمرة وحان أكلها . نحن كما الأسرة التي وجدة نفسها تعيش في جزيرة نائية في عرض المحيط ولا تمتلك سوى كمية من حبوب الشعير, فأن هي زرعت جزءا منها في الوقت المناسب والمكان المناسب قبل انتهائها تمكنت من الحصول على كمية جديدة لاستمرار حياتها, وإلا فستجد نفسها مهددة بالجوع وربما الفناء.
والأسئلة التي تطرح نفسها الآن وقد امتلكنا زمام أمرنا هي:
1-   ما هي المصادر البديلة الواعدة التي ينبغي ان نستثمر فيها جزءا مهما من دخل النفط الحالي.
2-   ما هي الاستراتجيات التي ينبغي أن نتبناها في أعادة الأعمار وبناء الدولة الحديثة. 
 حسب رأيي الخاص فإن الإجابة عن السؤال الأول تتمحور حول ستة مصادر رئيسية معظمها باق ما بقى الإنسان على وجه الأرض وهي كما يلي:-
أ‌-       الإنسان الليبي

 وعلى الأخص الأطفال والشباب دون السن الخامسة والعشرون ودون إهمال لبقية الشرائح. فالمثل القائل "لا تعطني سمكة ولكن علمني كيف اصطاد" هو خير دليل يقودنا إلى الاتجاه الصحيح. ولعل ماضي  وحاضر بعض المجتمعات المتقدمة والناجحة جدا من الدول الصديقة مثل ماليزيا والدول العدوة مثل ما يسمى بإسرائيل, هو خير دليل على نجاح هذا التوجه. الإنسان المتعلم والمبني أخلاقيا وأكاديميا وتقنيا وثقافيا وصحيا واجتماعيا, هو القادر على بناء دولته والمحافظة عليها والاستمرار الدائم في تطويرها بحيث تتأقلم مع جميع المعطيات الاقتصادية والبيئية والاجتماعية والجيوسياسية.  لقد استطاع الإنسان الألماني والإنسان الياباني, على سبيل المثال, أن يعيدان بناء دولتيهما بعد الدمار الشامل الذي لحق بهما في الحرب العالمية الثانية وأن يصنعا دول حديثة متقدمة صناعيا واقتصاديا وعلميا بالرغم من نقص الموارد الاقتصادية وخاصة المواد الخام.

ب‌-   الطاقة الشمسية

فهي مصدر دائم ومتوفر بكثرة بليبيا وشمال أفريقيا على وجه العموم. وهو رخيص جدا لتوليد الطاقة الكهربائية, وغير ملوث ومربح جدا من حيث علاقة المبالغ المستثمره بالدخل المتوقع, علاوة على وجود الزبون المتشوق والدائم المتمثل في الجارة أوروبا.  وما يميز ليبيا في هذا الشأن هو المساحة الشاسعة المتوفرة وتوفر الشعاع الشمسي طيلة أيام العام تقريبا وبقدر كافي لتوليد الطاقة الكهربائية المستديمة, ثم الموقع الجغرافي المتميز على البحر البيض المتوسط والقريب جدا من أوروبا. بالإضافة إلى أن التقنية اللازمة لاستغلال هذا المورد بشكل مثمر اقتصاديا هي متوفرة في الوقت الحاضر ولا ينقصها إلا القليل من البحث والتطوير لتكون أكثر فعالية وموائمة للمناخ الليبي بحيث تعطي ثمارها على أكمل وجه.

ت‌-  الثروة البحرية 

هي أيضا من المصادر الدائمة أو شبه الدائمة على الأقل. فالشريط الساحلي الليبي الذي يمتد لأكثر من ألف وستمائة كيلوا مترا, والموقع الجغرافي الطبيعي المتميز لهذا الساحل والتيارات البحرية المتناسقة مع المناخ المعتدل كلها عوامل تساعد وتشجع على استغلال هذا المورد و الاستثمار في المزارع السمكية وطرق الصيد الحديثة مع تطوير السبل التقنية اللازمة لحماية هذه الشواطئ من سوء الاستغلال سواء كان ذلك من طرف الليبيين أنفسهم أو من أطراف خارجية تخترق حدود مياهنا الدولية وتسرق ثروتنا السمكية بل وتعرض بعض الأنواع منها إلى الانقراض دون أي اعتبار للقوانين الدولية بهذا الخصوص.

ث‌- تجارة العبور

وهي تجارة عاش منها أجدادنا مئات السنين من قبل. وقد يكون العبور جوي وبري وبحري. فالموقع الجغرافي المتميز الذي تمتلكه ليبيا بالقرب من أوروبا ووجود الأراضي المنبسطة الشاسعة القريبة من الساحل مع توفر المناخ المعتدل والخالي تقريبا من التقلبات الجوية والعواصف الممطرة الشديدة التي تعرقل حركة الملاحة الجوية علاوة على بعدنا كل البعد من البراكين المسببة للغبار الخطر على محركات الطائرات وعدم وجود الاضطرابات العمالية, تلك كلها تساعد وتشجع على أن نجعل من مطارات ليبيا محطات عبور للطائرات القادمة من الأمريكتين والقاصدة أوروبا وأفريقيا والعكس. كذلك الشأن بالنسبة للعبور البري البيني لبضائع دول شمال في أفريقيا علاوة على عبورها من أوروبا إلى أفريقيا والعكس, والعبور البحري من والى أفريقيا من جميع قارات العالم. وإذا قارنا ليبيا مع دولة الأمارات الشقيقة من حيث الموقع والمناخ وعدد المواني والفرص المتاحة فنجد أن الكفة ترجح بشدة إلى جانب الليبي وهو ما يشجعنا على التفكير في هذا الأمر. ولعله جدير بالذكر أن التجارة تعتبر من الأنشطة الاقتصادية التي نجح فيها الليبيون على مر الأزمان ولولا الضربة القاسمة التي وجهها النظام السابق إلى التجارة واعتبارها "ظاهرة استغلالية" في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي لكانت ليبيا في وضع تجاري متميز ومتفوق بكثير على شقيقاتها من الدول العربية الأخرى بل وعلى بعض الدول الأوروبية كذلك. لقد كان التاجر الليبي في الستينات وحتى منتصف السبعينات, ورغم تعليمه المحدود,  ناجح بامتياز ومتفوق بأخلاقه ومصداقيته وحسن تصرفه وفطنته وذكائه التجاري الذي أكسبه سمعة طيبة وثقة عالية مع جميع التجار والمصدرين في العالم.

ج‌-   السياحة الشرعية

والمقصود بالشرعية هو خلو المشاريع السياحية من جميع المحرمات التي تنص عليها الشريعة الإسلامية. سوف لن يتقدم المجتمع الليبي المسلم بأموال الحرام, ولن يتقدم أبدا بالسماح للسواح بممارسة الحرام على أرضه وأمام عينيه. وليس من الضروري أن تكون السياحة مصحوبة بالخمر والخلاعة, وربما الميسر والدعارة في بعض الأحوال لكي تنجح. لقد كان الساعدي ألقذافي يتحدث ويخطط لبناء مدينة سياحية بالقرب من مدينة زوارة تباح فيها جميع المحرمات الشرعية والقانونية ظنا منه أنها ستكون نواة لسياحة "متطورة وناجحة" في ليبيا. وعلى العكس من ذلك تماما, فأنا على قناعة تامة بأن خصوصية السياحة الشرعية وندرتها في العالم, بما في ذلك العربي والإسلامي, قد يجعل منها وسيلة نجاح ممتازة لصناعة سياحية متطورة تذر الدخل المادي الحلال وتوفر مواطن الشغل الشرعية دون المساس بالقيم والأخلاق والنسيج الاجتماعي للشعب الليبي. ويمكن أن نذكر هنا بمقومات السياحة الناجحة المتوفرة بليبيا من حيث تنوع الأماكن السياحية مثل المدن الأثرية المتكاملة الفريدة من نوعها في العالم, والسياحة الصحراوية ورياضة التزلج على الرمال, وسياحة الشواطئ البحرية الجميلة بالطقس المعتدل المنعش, وغيرها. والذي ينقصنا هنا هو توفير الخدمات السياحية الراقية من حيث الإمكانيات ومن حيث الإنسان الليبي المتخصص والواعي بأهمية الدور الذي تقوم به السياحة الناجحة في إنعاش الاقتصاد الوطني.

ح‌-   استكشاف الموارد الطبيعية

لقد حبانا الله بالثروة النفطية والغاز في العقود الخمسة الخيرة, وهي نعمة كبيرة جدا لو أحسن النظام السابق استغلالها على مر العقود الأربعة التي حكم فيها البلاد, ولكن لسوء حظنا فلقد تم إهدار القسم الأكبر منها فيما لم ينفع البلاد ولا العباد. وعلينا الآن استثمار جزء مما تبقى من هذه الثروة في الكشف عن موارد طبيعية أخرى دفينة في أعماق أراضينا الشاسعة مثل خام الحديد واليورانيوم وربما خامات أخرى لم تكن في الحسبان تعود على الأجيال القادمة بالنفع والاستقرار الاقتصادي والاجتماعي والسياسي.
   
أما الإجابة عن السؤال الثاني بخصوص الاستراتجيات التي ينبغي أن نتبناها في أعادة الأعمار وبناء الدولة الحديثة فأنها تتلخص فيما يلي:-

أولا:  لابد أن نأخذ في الاعتبار تخصيص جزء مهم من الدخل المتوقع  للاستثمار في المصادر الخمسة التي وردة سابقا في إجابة السؤال الأول كإستراتيجية متوسطة وبعيدة المدى.

ثانيا:  قبل التورط في صرف المبالغ الطائلة على إعادة الأعمار, يجب إجراء دراسة شاملة وسريعة للمناطق المتفرقة في ليبيا, وخاصة القزمية منها لتحديد عما إذا كان بالإمكان توفير سبل الحياة وأولها مصادر دخل إنتاجية للسكان وثانيها ضروريات الحياة الأخرى مثل الماء والكهرباء وطرق المواصلات الاقتصادية التي تربط هذه المناطق بالمراكز الرئيسية في البلد. برأي الخاص, فأن الصرف على البنية التحتية لمناطق جغرافية قزمية متناثرة على مساحة الأرض الليبية الشاسعة وبكثافة سكانية محدودة جدا رغم عدم وجود مقومات للحياة, فان هذا سيعتبر إسراف وتبذير عبثي لموارد محدودة نحن في أمس الحاجة إليها في مواقع أخرى ولن تفيد الأجيال القادمة بشيء يذكر, بل هي لن تفيد أهل هذه المناطق الموجودين الآن سوى البقاء المؤقت في أرض الأجداد تلبية للعواطف وبعض المشاعر القبلية  التي لا تسمن ولا تغني من جوع. الأرض باقية في مكانها ولا أحد يستطيع أن يحولها وبإمكان أهلها زيارتها والتمتع بأطلالها وتاريخها القديم متى يشاءون ولكن ليس البقاء الدائم الذي يتطلب إنفاقا كبيرا على البنية التحتية المنهارة على حساب الموارد الاقتصادية للدولة الليبية الحديثة. أن ظاهرة اقتناء بعض المواطنين على مقرين للسكن إحداهما في مكان العمل والعيش الاعتيادي والثاني في الموطن الأصلي,"ارض الأجداد" لقضاء عطلة أسبوعية أو شهرية وربما سنوية, لا اعتراض عليها اذا كانت من الماضي وقاومت الدمار الذي ألحقتها بها الآلة العسكرية للنظام السابق. أما أن يتم استهدافها بإعادة الأعمار والأنفاق عليها من الموارد المحدودة والمهمة لبناء هذا الوطن الجريح فهو غير مجدي وغير صحيح من الناحية الاقتصادية والعملية وعلينا جميعا أن نضحي بأنانيتنا وأن نضع مستقبل ليبيا والأجيال القادمة فوق كل اعتبار.

ثالثا: ينبغي أن تبنى سياسة إعادة الأعمار على مبدأ المراكز السكانية المتكاملة التي تشمل المواصلات العامة كوسيلة أساسية للتنقل والخدمات الصحية الجيدة والمدارس المتطورة والحدائق والأماكن الترفيهية المناسبة والأسواق التجارية المتنوعه التي يتناسب حجمها مع الكثافة السكانية لهذه المراكز. وقبل البدء في بناء أي مركز سكاني جديد لابد من التفكير في فرص العمل المتوفرة للسكان الجدد وكم تبعد أماكن هذه الفرص عن محيط المركز وما هي وسائل المواصلات العامة والسريعة التي ستتوفر للوصول الى أماكن العمل.
 إن إستراتيجية التخطيط والتنفيذ يجب أن تبنى على النظرة الثاقبة والصحيحة للمستقبل البعيد والمتوسط والقريب. و سوف لن توفر العمارات الشاهقة أو القصور الراقية ولا الشوارع الواسعة المرصوفة الطعام والشراب والحياة الكريمة لأبنائنا وأحفادنا عندما ينتهي النفط والغاز بعد انقضاء العمر القصير المتوقع.
 إن ما يضمن الحياة الكريمة للأجيال القادمة هي مصادر الدخل الدائمة بإذن الله السابق ذكرها حسب اجتهادي الشخصي المنبعث من خبرة أستاذ جامعي قارب على سن التقاعد وقد تخرج من أحد أرقى الجامعات في العالم المتقدم.  نحن جيل اليوم أودع الله عندنا كنز وهو  أمانة في عهدتنا تخصنا وتخص الأجيال القادمة وعلينا أن نتق الله في استغلالها الاستغلال الأمثل الذي يكفل حقوق الجميع.

نشر هذا المقال بجريدة مال و أعمال بتاريخ 18-10-2011م
      


الحرية والظلم


الشاعر احمد ابراهيم

 
غردي يا طيور                   وامرحي في الفضاء
لا تخافي الصقور                    واصدحي بالغناء
قد كسرت القيود                  فاصعدي في السماء
كل شئ يدور                            كل أمر قضاء

انظري للزهور                       مع نسيم الصباح
باسمات الثغور                       تنحني في ارتياح
وهي تحذي الجميع                     عطرها الفوٌاح
لا تبالي الأذى                            ذك سر البقاء

كم ترى نحلة                              لسعت ثغرها
وهي تزهو لها                           ما الذي سرٌها
عمرها بعض يوم                          عجب امرها
قد دنى موتها                         وهي ترجو اللقاء

تحت ضوء القمر                     حين يحلو السهر
مع خرير المياه                       وححفيف الشجر
ونقيق الضفادع                     وهي تحيي السمر
لا تخافي النجوم                        إنها في السماء

انظري للتلال                          فوق ذك الكثيب
وانظري للرمال                      في حرور مهيب
كل شئ بدا                            ساكنا في لغوب
غير آل سرى                              مائجا كالماء

إننا يا طيور                            قد عرفنا الحياة
غير انا نطير                          في فضاء الطغاة
لا نرى بالعيون                          غير ما نخشاه
لو أردنا الحياة                          ذاك أصل الداء

أنظري للديار                        قد غدت كالخراب
يقتل الأحرار                           دون ما  أسباب
غير مجد عقيم                          زائف كالسراب
ظالم جبٌار                               والغ في الدماء

إننا يا طيور                              عالم الأشباح
هل سمعتم بقوم                         تسجن الأرواح
ثم يبدوا لهم                               قتلها مستباح
فاحملي يا طيور                        روحنا للفضاء

كي نرى هناك                           عيشة الوجود
دونما أغلال                                 دونما قيود
اننا احرار                                  ذك ما نريد
فلنعش كما                             عاشت الآحياء

وفق نهج الله                                فلنقم للعمل                                                    
ديننا الحنيف                                تمٌ واكتمل
فانبذوا التدجيل                          وابعثوا الأمل 
واتركوا التنظير                     واحذروا الأهواء

لا إله سواه                                ربنا الرحمن
كل ما عداه                                زائلُ أو فان
من إذا تكون                               ايها الإنسان
تنشد الخلود                            في درب الشقاء

فليكن عبرةً                         ما جرى من قريب
مسرف كذاب                           تاه في الدروب
ظنٌ نفسه                                  بالغ الأسباب
عاش للخيال                           مرسل الصحراء

زاد في الغرور                         فاحتقر الإنسان
أصبح الإله                                غيره جرذان
أمره عزيز                                 ما يشاء كان
نازع القدير                                   سار للفناء

ثارت الجرذان                             تطلب الحياة
ثار غاضبا                              اسحقوا العصاة
والمجد العلي                             سأسحق الجناة
سعروا الجحيم                             صار كالهباء


زاد في الشموخ                          فاض بالغرور
يرتجي الخلود                            وهوفي القبور
قد هوى مجده                          وهو يدعو ثبور
قام من جحره                             لطخته الدماء

لم يدم حصنه                            لفظته القصور
فاغتدى هائما                          وهو أهل الدثور
اشعثا أغبرا                            يحتمي بالجحور
يختفي في الرمال                         ياله من شقاء

عبرة للأنام                                حكمة من إله
انها سنٌة                                 في حياة الطغاة
بطشة من عزيز                         ليس منها نجاة
ذك سوء الختام                          يا له من شقاء

أين مني الشهيد                           روحه لا تنام
في جنان الخلود                          ناظرا بابتسام
قد بلغت المنى                          ورضيت المقام
إنٌ دمٌ الشهيد                             لن يضيع هباء

قم نحيٌي الجريح                              إنه مجدنا
قد مهدت الطريق                           فبلغنا المنى
كنت آمالنا                                 عش لأجيالنا
مشغلا للجهاد                          نعم اهل العطاء

يا أخي في الوطن                        قد بذلنا الثمن
و عرفنا البلاء                           وخبرنا المحن
فاحذر اللاهواء                         أو ركوب الفتن
ولتكن غايتك                                  كلنا ليبياء




Monday, October 24, 2011

المصالحة الوطنية الشاملة في ليبيا


            بعد تحرير التراب الليبي بالكامل من سيطرة الطاغوت و أزلامه يواجه الليبيون معارك أخرى ربما تكون اشد ضراوة لأنها  ستكون مع الذات لنزع رواسب و مخلفات أربعة عقود من القهر و الفقر و التجهيل و الإذلال و يتوج النصر في هذه المعركة بتحقيق المصالحة الوطنية الشاملة. و قبل أن ندخل في مصالحة عامة على كل فرد فينا و كل فئة في المجتمع أن تتولى مواجهة معاركها الخاصة بها. فالمصالحة تمر عبر محطات المصالحة مع الذات، ثم المصالحة بين الأعراق، ثم المصالحة بين المناطق، ثم المصالحة بين أعداء الأمس وصولا إلى المصالحة مع الحاضر.

الأسس السياسية للمصالحة الوطنية

          لكي تكون المصالحة الوطنية عادلة و دائمة و شاملة و لكي لا تكون مصالحة مصالح مرحلية يجب أن تستند على قواعد صحيحة و يتحقق من خلالها  الوئام الاجتماعي و تسليم مقاليد القرار إلي الشعب الليبي الذي دفع الثمن غاليا عبر الأجيال تضحيات و دماء و دموع كما زكاه مرة أخرى مع تفجر هذه الثورة المباركة. و بالتالي يجب أن يتحكم الشعب بعد استكمالها في مقدراته بشكل ديمقراطي يحمي مصالح كل الناس أي كل الفئات ويضمن الاستمرارية ويحقق التقدم والازدهار. و لقد مثلت  الشهور الماضية و أحداث الثورة الليبية  محطة إستراتيجية لنزع فتائل الفتن على جميع المستويات.
 و يمكن تحقيق المصالحة السياسية إذا قبلت كل الأطراف بالأسس العامة للمصالحة السياسية و احترام الخلاف و لكن بشرط أن ترد الحقوق إلى أصحابها فكثير من الذين يزايدون على الثورة هم في الواقع يحاولون حماية مكتسبات غير شرعية تحصلوا عليها من خلال ولائهم للنظام المخلوع.  و هذا يشمل الحقوق المادية للناس أو الحقوق العامة للمجتمع، و هنا يجب أن لا ننسى التعويضات المستحقة للمتضررين سابقا و خلال المعارك و الاهتمام الذي يجب أن يحضا به الجرحى و الأيتام و الأرامل من أبناء ليبيا من خلال مظلة للضمان الاجتماعي و برامج التنمية الاقتصادية.

 و أهم قاعدة للتصالح السياسي تكمن في التسليم لنتائج صناديق الاقتراع بروح وطنية فلا يوجد أحد أحرص من أحد و لا فئة أكثر إخلاصا من فئة فالكل أبناء هذا الوطن الكبير. و النصر الذي تحقق هو ملك للجميع و من أجل مصلحة الجميع فلا يوجد بيننا غالب و لا مغلوب، بل أناس نحسبهم خدعوا و غرر بهم و من بقيت لديهم قناعة بأفكار ألقذافي يمكنهم تشكيل حزب سياسي يطرحون من خلاله تصوراتهم في صناعة المستقبل.

المصالحة  مع الذات

     قبل أن يكون لأي مواطن دور في المصالحة الوطنية العامة عليه أن ينتصر على رواسب العهد السابق في نفسه و بالتالي تنتصر الثورة في داخله و يتصالح مع الواقع الجديد. و من أخطر هذه الرواسب المنتشرة بيننا السلبية القاتلة، فلقد تعود المواطن في السابق أن يستقبل قرارات و يتعايش معها بالمراوغة أحيانا و بالسلبية أحيانا و لكننا الآن أمام فترة تحتاج إلى مشاركة إيجابية من الجميع في اتخاذ جميع القرارات. و لا زالت عقدة الصنمية واضحة في البرامج المرئية و اللقاءات فنلاحظ  أن السائل يريد أن يعرف رؤية المسئول أو يحصل على توجيهات من المسئولين الذين لا شرعية لهم سوى تفويض غير دستوري مرحلي.
 علينا أن ننتقل من مرحلة المواطن الذي يطالب إلى مرحلة المواطن الذي يريد، و هو ما يعرف بتحرر الإرادة و عندها سوف يستجيب لنا القادر القدير و نحقق آمالنا.

     كذلك نلاحظ خوفا أو عزوفا عن المشاركة السياسية تصل إلى تجريم من يدعو إلى الحزبية و هذا ناتج عن رواسب تراكمية لأربعة عقود من تزييف الحقائق تحت شعار فرق تسد. فمن بالله عليكم ناضل ضد ألقذافي فعلا و تحمل السجون و المهاجر و التضحيات غير السياسيين، و معظمهم من الملتزمين دينيا أو وطنيا. و من رفع راية المعارضة للنظام و المطالبة بالثورة عليه لعدة عقود غير السياسيين، و معظمهم من الملتزمين دينيا أو وطنيا أيضا، و كان موقفهم هذا مجردا من المصالح الشخصية.

 علينا أن نتصالح مع حقيقة جهاد الشباب الليبي عبر العقود الماضية و نعترف بفضل كل من ساهم في ذلك النضال و نلتف حول من نراه مناسبا للمرحلة القادمة في شكل تجمعات و أحزاب و جمعيات وطنية و العبرة بالنتائج و ليست بالوسائل. و التعددية الحزبية تجربة بشرية عالمية تراكمية ثبت نجاحها في كل دول العالم المتقدم وقد ثبت لنا بالتجربة فساد الهيمنة الفردية و الأسرية و الشللية في غياب الحزبية.

 و من رواسب الماضي المعطلة لطاقات الشعب إهمال دور المرأة في بناء المجتمع و إهمال دورها السياسي و قد كان للمرأة مشاركات فاعلة في الجهاد الليبي ضد الاستعمار و كان لها دور أكبر في هذه الثورة المباركة. إذا نحن بحاجة إلى احترام دور كل مواطن و مواطنة و تفعيل هذا الدور في معركة البناء خاصة و أن الجامعات مليئة بالطالبات و قد فقدنا أعدادا كبيرة من الشباب في معارك التحرير.

 و من معطلات التقدم انخفاض معدلات ساعات الأداء اليومي في العمل و تدني مستوى الكفاءة في الأداء و تغلب الجشع و الحرص على الكسب السريع و لو على حساب الأمانة و الجودة في المنتج.
 إن مرحلة البناء القادمة تحتاج منا تكاتف الجهود و رص الصفوف و بذل مجهود مضاعف و عندها ليس هناك مانع من أن يجني المرء على قدر عطائه و علينا أن لا ننسى تضحيات من سقطوا في سبيل حرية هذا الوطن فنضحي قليلا من أجل استكمال ما ضحوا من أجله ببناء وطن عزيز بين الأوطان كريم باهله.

المصالحة بين الأعراق

           يضم المجتمع الليبي عدة مكونات عرقية امتزج معظمها و انصهر مع الأيام و لكن بعضها لا زال في حاجة للتصالح المشترك من أجل مستقبل أفضل. فعلى الأغلبية الناطقة بالعربية أن تحترم خصوصيات بعض الأعراق التي تحب أن تحتفظ بمعالمها الحضارية الخاصة من لغات و أسماء و عادات و تقاليد في محيط تواجدها. و لا مانع من تدارس اللغات و اللهجات الليبية القديمة أو المحلية و كذلك التراث الفني في مناطق انتشارها، و لكن على أي مكون من مكونات الشعب الليبي أن لا يشعر البقية بأنه يطردهم من حياته تحت شعار الخصوصية الثقافية، فنحن جميعا نعيش في بيت واحد اسمه ليبيا.

علينا أن نعترف بما حدث من أخطاء أو تجاوزات أو اعتداءات أو ظلم بيننا، و علينا أن نتسامح و نتصالح من أجل الأجيال القادمة على أسس عادلة تعطي كل ذي حق حقه. و خير دليل على هذا التصالح يكون في فتح قنوات التواصل و الترابط البشري من خلال الزواج بين الأعراق، فنحن كمسلمين نتزوج الكتابية و لكن بعضنا يحرم الليبية المسلمة على  الليبي المسلم و في هذا ظلم اجتماعي و تقوقع عرقي لا يليق بأبناء الوطن الواحد و هو من بقايا القبلية العنصرية القديمة.

المصالحة بين المدينة و ما حولها

       في كل مدننا هناك تحسس و توجس بين المدينة و الدواخل او بين البدو و الحضر ناتج عن اختلاف في العادات و التقاليد بسبب فروق نمط الحياة في المدينة والبادية و اختلاف المستوى الثقافي العام. و خير طريقة للمصالحة بين المدينة و ما حولها يكون في إلغاء المركزية في الإدارة و نشر التنمية أفقيا و تطوير المدن الداخلية و القرى و دعم إمكانياتها الثقافية بما يضيق الهوة بين المناطق و يحقق العدالة في التنمية و يوفر مواقع و فرص تشغيل فيها و بالتالي يستقر أبناؤها فيها و يساهمون في تطويرها. و هذا بطبيعة الحال سيخدم المدن في تخفيف الأعباء الملقاة عليها في خلق مواطن الشغل و أماكن السكن الإضافية.