Friday, October 14, 2011

تمام الدين في حسن المعاملة


الدين في اللغة هو أسلوب الحياة، و الدين في الشريعة هو شرع الله الذي أنزله الله سبحانه و تعالى على رسله، و يشمل كل عمل و قول و اعتقاد يتقرب به العبد إلى ربه و خالقه. و جوهر الدين في حقيقته هو الانصياع و الاستسلام لأمر الله و حكمه طلبا لرضاه و خوفا من غضبه و عقابه و هو ما يعرف بالإسلام.
 و يتدرج المسلم حسب تمام تدينه من مرتبة الإسلام إلى مرتبة الإيمان ثم إلى مرتبة الإحسان وهي مراقبة الله في كل لحظة، و يأتي هذا التدرج حسب تعلق المرء بخالقه و إقباله على الطاعات و اجتنابه للمعاصي.
و كما نعرف جميعا فإن أركان الإسلام خمسة و هي موضحة في الحديث النبوي الشريف، حيث يقول الرسول صلى الله عليه و سلم"بني الإسلام على خمس" إلى آخر الحديث. و هي بالتالي أركان الإسلام التي يبنى عليها الدين و ليست الدين في حد ذاتها. إنما هي وسائل يتقرب بها العبد إلى ربه و يزكي بها نفسه و جسده و ماله من خلال ممارستها، و لو توقف عندها المسلم ما كان له فضل على أحد من الناس. أما تمام الدين و كماله فهو أكبر و أعم و أهم بطبيعة الحال و لكن من لا يؤدي هذه الأركان كما ينبغي لها هو أبعد ما يكون عن تمام الدين بل قد يخرج من دائرة الإسلام إذا تركها جاحدا منكرا.
 و لقد ورد وصف الدين بعدة صيغ جامعة و منها و أجملها " الدين المعاملة"، و هذه المقولة ليست بالحديث الشريف و لكنها قاعدة و عرف بشري تراكمت معانيه عبر السنين من تجارب الناس في الحياة. وهذه القاعدة في الحكم على مستوى التدين عامة تنطبق على جميع الناس بغض النظر عن مواقعهم في الحياة و قدرتهم على التأثير بين الناس.
و كم من مصل ليس له من عمله أجر يذكر فصلاته لا تنهاه عن الفحشاء و المنكر، و كم من ملتح ليس له من عمله أجر يذكر فلحيته مظهر خارجي ينتهي عند جذور الشعر و لا يلامس قلبه و لسانه، و كم من صائم ليس له من صيامه إلا الجوع و العطش و هذا بطبيعة الحال إذا لم ينتبه إلى حقيقة الدين في حسن المعاملة.
 فدين المرء يوزن بناء علي طريقته في معاملة الناس و بحسب أسلوبه في التعامل مع الآخرين، ففي التجارة و التعاملات المالية يكون الدين في صدق المعاملة و الوفاء بالالتزامات و الأمانة في التعامل مع حقوق الآخرين. و كذلك يكون نوع النوافل، و هنا يحضرني حال أحد الأصدقاء الذي كان يعمل في التجارة و نمت أعماله من متجر صغير إلى سوق مجمع و عدد كبير من العاملين فقال لي ذات مرة:إني أخشى أن تكون الدنيا قد ألهتني عن أعمال الآخرة و انشغلت عن تفقد المحتاجين و عن النوافل. فقلت له: أنت في وضعك الحالي نافلتك تشغيل الشباب و أداء حقوقهم بما يضمن لهم حياة كريمة و زكاتك بالتأكيد ستكون أكثر من ذي قبل و ستعم عددا أكبر من المحتاجين، و هكذا تتحول النوافل و أعمال البر لتشمل توفير فرص العمل و تدريب العاملين و إعانتهم على العيش الكريم و مساعدة بعضهم على الزواج و الإحسان إليهم و إكرامهم في الأعياد و المناسبات.
أما دين الموظف في الإدارة العامة فيكون في عدله بين الناس إتباعا لقوله تعالى"اعدلوا هو أقرب للتقوى"، و في سرعته في قضاء حوائجهم تطبيقا لقوله صلى الله عليه و سلم"خير البر عاجله" و أن يقوم بعمله على أحسن وجه امتثالا  لقوله صلى الله عليه و سلم "إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه"، و أن يستقبل الناس بوجه طلق بشوش و له في ذلك الأجر و الثواب فرسولنا الكريم يقول:تبسمك في وجه أخيك صدقة. و لو تعذرت الخدمة فأقلها أسلوب حسن و كلام لين و رفق في المعاملة، و زكاة الموظف و صدقته الحقيقية تكون في استعمال الوقت و الجهد لتجهيز معاملات الناس قبل حضورهم و تفقد الأشياء المطلوبة منه بصفة دورية و تيسير الإجراءات.
أما دين المسئول أو الرئيس أو المدير فيكمن في حسن خدمة العامة، فهو مؤتمن على مصالحهم و أول ما يسأل يوم القيامة عن هذه الأمانة، و هنا يحضرني موقف رأيته بأم عيني في إحدى المدن الليبية ذات يوم حينما مر عميد البلدية على عمال البلدية يجلسون في وقت العمل الرسمي يعدون الشاي و يتجاذبون أطراف الحديث في أحد الشوارع فجلس معهم لفترة و شاركهم في الحديث. هذا بطبيعة الحال سوء تفسير لمعنى حسن المعاملة فهو بهذا ضيع حقوق العامة و التي تكمن في أداء الخدمات أو صيانة الطريق و مرافقها كما أقرهم على تضييع الوقت. كما يحضرني مشهد يتكرر في الكثير من الإدارات عند ما تتحول المكاتب إلى مجالس للحديث و استقبال الأصدقاء أو قضاء الحوائج الشخصية و ينشغل الجميع عن الواجبات المطلوبة و رعاية مصالح الناس.
الدين الكامل يكمن في المعاملة الحسنة في البيت مع الأسرة و مع الجيران و في الشارع مع المارة، و الدين في   العمل يتحقق بأداء الحقوق للآخرين و الدين في المدرسة أو الجامعة يتجلى  في تسخير كل جهد و وقت للإعانة على طلب العلم و تحصيله. و الدين في المسجد يكون بالنصح و النصيحة و الرفق و التراحم و الدعاء بالخير و التعاون على البر والتقوى.
و لكي نحقق مقولة" الدين المعاملة" علينا بدوام التواصي بذلك و الصبر عليه عملا بقوله تعالى" وتواصوا بالحق و تواصوا بالصبر"، و الرسول الكريم صلى الله عليه و سلم يقول"الدين النصيحة" و هذا الحديث يضع لنا وصفا جامعا للدين في النصيحة. و النصيحة بين المسلمين هي رسالة كل المسلمين و خاصة المصلحين و المتعلمين و المثقفين و الدعاة إلى الخير منهم.
 و خير النصائح ما كانت برفق و لين و أسلوب سليم بحيث لا تخرج من دائرة النصح إلى دوائر الإيذاء أو الاعتداء على الآخرين سواء ماديا أو معنويا. و العرب تقول" لكل مقام مقال" و النصح لا ينبغي له أن يصل إلى مستوى التغيير المخل بالقوانين و التشريعات، فهناك تصرفات و إجراءات لا تجوز لأحد لا يحمل صفة رسمية مشروعة، كما أنها قد تسيء إلى سمعة الإسلام و المسلمين. و لنا في رسولنا الكريم صلوات الله عليه و سلامه أسوة حسنة، فلقد صبر على عبادة الله في مكة و الأصنام قائمة حول الكعبة و لم يمسسها بسوء إلى أن فتح الله على يديه مكة المكرمة فهدم الأصنام و هو يكبر الله و يسبح بحمد الله و يستغفره.

No comments:

Post a Comment