Sunday, October 9, 2011

حصاد الأربعين خريفا


           لقد جثم نظام الطاغية ألقذافي على صدر الشعب الليبي أكثر من أربعة عقود استغل أولها للسيطرة التامة على البلاد ثم قضى أربعين عاما في تدمير كل قدرات هذا الشعب. بدا الفساد براس الدولة ثم تدرج إلى أدنى مستوى فيها فلم يسلم من ذلك شيء، الفساد عم جميع الوظائف و القوات المسلحة و الصحة و التعليم و القضاء و الشرطة. فانتشرت الوساطة و المحسوبية و الرشوة و الإثراء الغير مشروع و عم الفساد جميع مؤسسات الدولة. بل وصل الفساد إلى عقول المواطنين فصدقوا كل أكاذيب ألقذافي و دجله و المثل يقول" التكرار يعلم الحمار"، و الدليل على ذلك خوف الكثيرين منا حتى الآن من الحزبية و الأحزاب و خوف الكثيرين فينا من الإسلاميين أو المتدينين و العلمانيين بيننا و تعلق الكثيرين منا بمن يعرفون خوفا ممن لا يعرفون، و هذه كلها أمراض علاجها في الممارسة الديمقراطية.
 فالممارسة الديمقراطية السليمة تضمن العدل بين الجميع و تحقق المساواة بين كل المناطق و الأفراد و يمكن من خلالها محاربة الفساد و كشف أساليبه قبل أن يستفحل. و بطبيعة الحال لن نقفز من حال إلى حال فنحن لا نملك عصى موسى و علينا تجنب مواقع الخلل التي عودنا عليها الطاغية، و يجب علينا أن نغرس جذور المساواة و العدالة بين أفراد المجتمع من خلال بعض التوجهات و الممارسات السليمة في التعيين و التقييم و المتابعة و المحاسبة. فكل الوظائف يجب أن يفتح باب التنافس فيها أمام الجميع حسب الشروط المطلوبة و التي يجب توفرها في المتقدم لها.
الوظيفة أمانة
الوظيفة أمانة قبل أن تكون مصدر رزق، و الموظف يطلب منه أداء أعمال محددة مقابل تمتعه ببعض الحقوق و المزايا و بالتالي يجب أن تتوفر الشفافية في التعيين و التقييم و المتابعة و المحاسبة بأساليب علمية. و لكي يتحقق شرط المساواة و الشفافية أرى الآتي:
أولا: الإعلان عن كل وظيفة شاغرة في وسائل الإعلام العامة، بحيث يحتوي الإعلان على الشروط التي يجب توفرها و الواجبات المنوطة بالموظف بالتفصيل و مزايا الوظيفة، و آخر موعد لتسليم الطلبات.
ثانيا: تشكل لجنة مختصة للنظر في طلبات المتقدمين لا تقل عن خمسة أعضاء بينهم عضوان من الإدارة المختصة بالعمل و مستشار قانوني مستقل و خبير مستقل و عضو من المجلس المحلي في المنطقة. و تقوم هذه اللجنة بدراسة الطلبات و تحديد من يعطى فرصة المقابلة ثم تجري المقابلة أو الامتحان لاختيار العنصر الأفضل. و الرد كتابيا على كل من تقدم كي يعرف تفاصيل ما حدث و يطمئن على سير الأمور ففي هذا بناء للثقة بين الجميع.
و عند تعيين أي وزير في حكومة المرحلة الانتقالية أقترح عليه البدء من أعلى إلى أسفل السلم الوظيفي لتصحيح المواقع المختلفة بالتدريج، فالمعايير في السابق كانت في معظم الأحوال فاسدة و خاصة في المواقع القيادية و السيادية، و ثورة 17 فبراير لم تكن ضد معمر لوحده و لكن ضد كل أسس نظامه الفاسد.
شرطة المدن أو القرى
لكي نبني الثقة بين الشرطة و أفراد المجتمع أرى أن تكون الشرطة في أي مدينة أو قرية من أهلها، فأهل المدينة أدرى بشعابها و أقدر على معاملة الناس فيها معاملة مناسبة. و إذا كان هناك حرج في أن يؤم ابن القرية رجال المدن فمن الأفضل أن لا يحقق معهم أو يستوقفهم في شوارعها.
 كما يجب فتح وظائف الشرطة أمام خريجي الجامعات لرفع مستوى الأداء العام و تحسين صورة الشرطة في عيون الناس. و عنصر الشرطة يجب أن يمارس النصح و التوجيه أكثر من إرهاب المواطنين بقوة القانون، و نود له أن يكون صديقا للجميع يطمئن الناس لرؤيته في الشوارع.
مكاتب التسجيل العقاري
من مظاهر الفساد في عهد الطاغية تحول مكاتب التسجيل العقاري من أمين على ممتلكات الناس إلى فرق للتزوير و التلاعب و بيع و تخصيص الأراضي و الممتلكات لهذا فإني أقترح أن يعين فيها خيرة أبناء كل مدينة من أهل التقوى و الأمانة و الصلاح من رجال القضاء و المهندسين حرصا عل أموال و ممتلكات الناس و خاصة الأيتام. كما يجب علينا مراجعة السجلات و معاقبة أي مزور لها.
مكاتب التخطيط العمراني
وهذه مثلها مثل مكاتب التسجيل العقاري ساهم المرتشون فيها في تخصيص الأراضي و تحويل تصنيفها مقابل الرشاوي و بالتالي تم القضاء على كل الحدائق في المدن و تم التلاعب بأرض الوقف و أراضي و ممتلكات الدولة.
 و هنا كذلك أقترح تكليف خيرة أبناء كل مدينة من المهندسين و المعماريين بتسيير هذه المكاتب و مراجعة أعمالها السابقة و تقديم المفسدين للقضاء، و كل مدينة تعرف من أفسد مخططاتها.
إدارة الجوازات و الجنسية
لقد حدثت الكثير من المخالفات في منح الجنسية و منعها لأسباب سياسية و أجدر بنا الآن أن نرجع هذا العمل الهام لخيرة رجال الجوازات و القضاء لتصحيح الخطأ و إحقاق الحق.
 السفارات الليبية في الخارج
لقد عشعش الفساد في كثير من السفارات حتى تحول بعضها إلى مكاتب لبيع العملات و السمسرة هذا إن لم تستخدم كمكاتب للتحقيق و التعذيب، و نجد فيها أحيانا من لا يجيد لغات أجنبية و يتم التعيين فيها من مكاتب الاتصال باللجان الشيطانية أو الأمن الخارجي.
 و لهذا فإني أقترح على الحكومة الانتقالية إعادة النظر في جميع المكاتب في جميع أنحاء العالم و لا يجوز الإبقاء عليهم في وظائفهم، فهم لا يحترمون المواطن و لا يخدمون إلا معارفهم إلا القليل منهم.
            بناء على هذا العرض السريع يتضح خطأ الإبقاء على المسئولين في مواقعهم، فالثورة قامت للتصحيح و ليس لتثبيت الفاسدين، و ربما تكون التركة كبيرة لكن الثمن الذي دفعه الليبيون من أجل التغيير كان كبيرا.

No comments:

Post a Comment