Monday, December 13, 2010

الإعجاز في إيمان العجائز

كثيرا ما يتحدث الوعاظ عن الإيمان عند العجائز و يدللون على ذلك إما بحديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه أو بالدعاء المعروف" اللهم إيمانا كإيمان العجائز". و كلما كان المرء قريبا من الله حريصا على رضاه ازداد إيمانه قوة و الله سبحانه و تعالى يقول "و الذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا " و إيمان العجائز لا يحتاج إلى كثير علم و لكن إلى المداومة على طيب العمل الصالح من صلاة و دعاء وذكر و حسن خلق و حسن معاشرة و خوف من الله و رجاء لرحمته .
أما أنا فلقد كانت في حياتي إحدى العجائز المباركات ، و منها تعلمت حب الذكر و فن الدعاء و الراحة في الصلاة و بالصلاة ، و كثير من القراء مر بقصص مشابهة مع أمه أو احدى جداته . وفى هذا المقام أحب إن أتحدث عن جدتي الحاجة صالحة بنت خليل بن عطية. فهي عاشت أول عمرها يتيمة إلام ، حيث ماتت أمها وهى صغيرة فتعلمت أمور دينها من جارتها التي كانت ترعاها . كانت تسميها حامى سانافيتى ، ربما كانت من اصل تركي و هي والدة المرحوم سالم أبو رقيعة، أما والدها فكان شيخ التواجير في زمانه . لم تدخل  الحاجة صالحة المدارس لأنها ولدت خلال العهد العثماني في مدينة درنة و ترعرعت أيام الاحتلال الايطالي. كانت دائما تحافظ على صلاة الضحى و النوافل و تقرأ الفاتحة بعد كل صلاة عدة مرات و تهديها للرسول صلى الله عليه و سلم و للصحابة المدفونين في درنة و ملائكة البيت و للصلحين. و بالرغم من أنها كانت أمية إلا أنها كانت تحفظ بعض السور القليلة و التي لا تزيد على أربعة سور . و منذ أن عرفنا المذياع و إذاعة القرآن الكريم و هي تستمع طوال الوقت إلى تلاوة القرآن الكريم. كانت كثيرة الصيام و قليلة الكلام، و لا تحب الظلم عليها أو على أي احد آخر. كما كانت كثيرة التسبيح بالليل و النهار، ترافقها سبحة تضيء في الظلام أينما ذهبت و هي عادة معلقة في غرفتها بالجدار ليسهل الوصول إليها.
     
كانت لها دعوات بالعامية مختزلة و لكنها كانت كافية شافية ، فقد كانت كثيرا ما تقول:

يا ربى يا عالم بالغيب عنا لا تغيب

و هذا ما يسميه العباد بالمعية ، فهي تريد أن تعيش بالله و مع الله و في الله و لله .
 و كانت تقول :
يا عزيز يا جبار جيرنا مالنار

وهنا يتجلى الخوف من عذاب النار من قبل العزيز الجبار، و فيها ضمنا الاعتراف بالذنب و طلب الرحمة و النجاة من النار.
 كما كانت تقول ككثير من العجائز :

يا ربى ياللى خيرك كثير ما تثقل بينا حصير

و فيها تدعو الله أن لا يجعلها عالة على احد في آخر العمر ، عندما لا تقدر على الحركة و الحصير يشبه البساط و يصنع من الديس .
 كذلك كانت تقول :
اللي ناوينا بالخير دله و اللي ناوينا بالشر ذله

أما أجمل ما سمعت منها قبل أن تتوفى بعدة أسابيع عندما زرتها في بيت عمى في مدينة بنغازي، حيث عاشت معه سنواتها الأخيرة فهو قولها:
يا ربى سهلها لنا و سهلنا لها و اجعلها فرح و هناء

و هي بذلك تدعو الله في ثقة القريب إليه بقولها يا ربى، أن يسهل عليها خروج الروح و ييسر لها الخروج من هذه الدنيا و يجعل عودتها فرح و هناء و ذلك بالفوز بالجنة و الظفر بالرحمة و المغفرة من الرحيم الغفار. لقد عرفت كثيرا من الناس و لكنى لم اعرف إنسانا يتغنى بطلب الخلاص من الدنيا و الفوز بالآخرة في سنه،ا و الناس يقولون: يشيب المرء ويشب معه خصلتان الحرص و طول الأمل. و لقد كتب لها الله أن تتوفى يوم الجمعة ثاني رمضان و هي في صلاة المغرب.  بعد ما أتمت التشهد الأخير لم تستطع الحركة من مكانها فمالت على جنبها فما كان من عمى إلا أن أسرع إليها فزعا حيث كان يجلس في الغرفة بعد أن عاد من صلاة المغرب. أقترب منها و سألها : كنك يا مينتى ؟قالت له و في ابتسامة: السلام عليكم و لم تزد على ذلك. ففي لحظات يتقبل فيها الدعاء ختمت عمرا يناهز الثمانين عاما عدته كفاحا و صبرا و عبادة و حبا للخير و أهل الخير .

مرات عديدة كنت اطلب منها أن تدع ولى ، فتقول :يا وليدي يدعى لك عملك ، اى افعل الخير تجده و لكن على ميزان العجائز. و لقد كانت تقدمية في تفكيرها ربما حتى على بعض من أجيالنا. أذكر مرة أنى سألتها عن رأيها في موضوع يخصني فقالت :يا وليدي أنت تعرف اللي تصلح بيك ، المدرسة فتحت عيونكم و انتو تعرفوا خير منا . ففي هذه الكلمات لخصت الفجوة بين الأجيال، و التي كثيرا ما ننساها نحن عندما نتعامل مع أولادنا. اللهم ارحم هذه الحاجة الصالحة رحمة واسعة و اسكنها و مثيلاتها من الأمهات و الجدات الطيبات فسيح جناتك، و الله ندعو أن يلهمنا و يلهم أزواجنا وأبنائنا و بناتنا حب الله و حب رسوله و حب كل أمر يقربنا إلى حبهما ، آمين  و الحمد لله رب العالمين. 

3 comments:

  1. رحمها الله وجعل قبرها روضة من رياض الجنة امين

    ReplyDelete
  2. يارب ارحمنا وارحم موتى المسلمين ياكريم

    ReplyDelete