Wednesday, December 29, 2010

صناعة المستقبل 2

 نشر هذا المقال في 26 مارس 2003م


               إنما يصنع المستقبل الزاهر رجالُ يؤمنون بقمية الحرية يقدسونها، يدفعون ثمنها ويدافعون عنها. والمستقبل الزاهر هو مستقبل يحمل في طياته عناصر الإثمار والخير والعدل والسلام. فالحرية هي الهدف والأداة والوسلية، وهي جزءُ لا يتجزأ، وهي ثمرة الايمان الكامل بلا إله إلا الله.

الحرية 

           الحرية قمية إنسانية فطرية، فالانسان يولد حراً في الأصل إنما ابتدع القيود والعبودية الظلمة والطواغيت والبغاة من بني الإنسان. وأصبح على أجيالنا أن تناضل من أجل أن تنعم بها كاملة غير منقوصة. فالحرية تعني التفكير الحر والقرار الحر والعمل الحر فهي لا ترضى الاكراه  أو القيود أو المحاذير والموانع التي تحمي الخاصة. ولقد وصلت الانسانية الي مرحلة راقية بحيث حرمت على نفسها استعباد الانسان وبيعه في أسواق الرقيق وهذا ماسعى إليه الاسلام من خلال ممارسته بحيث ربط بين تحرير الرقيق ومساواتهم كاخوة بين ابناء المجتمع المسلم وبالتالي حقق الهدف في مثالية رائعة منذ أربعة عشر قرنا حيث ساوى بين سيدنا بلال الحبشي رضي الله عنه وسيدنا أبي بكر الصديق رضى الله عنه وأرضاه الذي أعتقه. وإذا أردنا أن نعرف معنى الحرية علينا أن نراجع أحكام الرقيق في أعدل شرع عرفه التاريخ وهو الشرع الاسلامي. وقد حول الظلمة المالك من إنسان إلي الدولة أو الحزب أو القبيلة أو النظام وتفننوا في تزين القيود وعلينا أن نعرف أن القيد قيداً ولو كان من ذهب،  فالعبرة بالنتيجة وليست بالوسلية . والحرية قمية إنسانية رائعة تنمو وتزدهر بالممارسة ولا تزدهرحضارة في غيابها بل يمكننا القول أن الحرية هي الركيزة الانسانية للحضارة الانسانية واذا رافقها العدل دامت.
           ويمكن أن نعرف أنواع الحريات فيما يلي :-
1.      حرية الإعتقاد، وهي تكفل للإنسان الحرية الكاملة في اختيار الدين وبالتالي الحق في ممارسته والأصل في الدين هو السمو بممارسات الانسان إلي أفضل مستوى.
2.       حرية التفكير، وهذه تكفل حرية الابداع والاختراع وطرح الافكار ومناقشتها والتفكير فيما يمكن أن يكون نافعاً للناس لاقامته أو ضاراً لدفعه.
3.      حرية التعبير فكل إنسان له الحق في التعبير عن أراءه وأفكاره بجميع الواسائل المتاحة له بكل أمان.
4.      حرية التصرف، فالإنسان حر في أن يتصرف فيما يملك مادام قادراً على إتخاذ القرار السليم وإنما يحجر على السفيه في الأسلام لحمايته من سوء تقديره وليس للتلاعب في ماله.
5.      حرية الاختيار بين البدائل المتوفرة فعندما يتساوى الناس وتتساوى فرص الاختيار يجب تحقيق الحرية في الاختيار ولو أدى الأمر إلى اجراء القرعة بين المتقدمين.

واقع الحريات في الوطن العربي 

             بعد قرون من الكفاح والنضال وملايين الضحايا التي قدمتها الأمة العربية على طريق الحرية يوجد بلد عربي واحد تتوفر فيه كل الحريات ففي بعض الحالات يوجد هامش بسيط من الحريات وكم هائل من القيود المحاذير والعقوبات. وهذا راجع إلى عدة عوامل أهمها الجهل بقيمة الحرية والجهل بطرق ادارة الأمور والأعتماد على نصائح اعداء الأمة . والسؤال الذي يفرض نفسه لماذا لم تتحقق الحرية كاملة عند الاستقلال في كل دولة عربية؟ والاجابة قد تختلف من قطر لآخر حسب نسبة الحسم في عملية التحرر وهي كلها قد تقع تحت أحد الأسباب التالية:-
·         عدم تحقيق انتصاراً بيناً على المستعمر وهذا يعني أن يدخل أهل القطر في مفاوضات مع المستعمر قبل النصر وبالتالي يتشكل نظام الحكم حسب ما يحقق هدف المستعمر الأصلي من التمكن في خيرات  البلد والتحكم في مصيره. وليس أدل على ذلك مما يجري على يد السلطة الوطنية الفلسطنية فهى تبني السجون وتعتقل المناضلين قبل أن تبني الدولة.
·         التفاف عملاء المستعمر حول طلائع التحرير في اللحظات الأخيرة قبل حسم المعركة مثلما نجح عملاء المستعمر في كثير من الدول من الأنضمام إلى جبهات التحرير أو الحكومات الوطنية ثم الانقلاب عليها واجهاضها من الداخل ، وأوضح مثال على هذا هو خروج أحمد بن بلا من السلطة مع أنه بطل تحرير الجزائر.
·         تسامح المنتصرين في عملية التحرير مع من تعاون مع الاستعمار ونسيان الماضي وبعد ذلك يعاود الخونة وأبنائهم اختراق الصفوف و لعب دور الطابور الخامس والذي ينتهي به الحال إلى سدة الحكم، وفي كثير من الدول العربية أحفاد أبطال الجهاد لاجئون في الخارج وأحفاد الخونة يسطيرون على الأنظمة.
·         انخفاض مستوى التعليم في القطر وبالتالي يحتاج النظام الوطني المستقل إلى مستشارين عرب أو أجانب يوجهونه حسب مصالح بلادهم وإلى أساليب المستعمر في التحكم في الشعوب.
·         ضيق الأفق وعدم وجود رؤية مستقبلية تؤمن سلامة تداول السلطة، وهذا يؤدي إلى بقاء الحاكم مدى الحياة، فيتحكم في البلد ويتحول إلى فرعون عصره ثم لا يرضى بهذا فقط فيفكر في استمرار السلطة في اسرته.
·         الثقة الساذجة من الشعوب وانخفاض مستوى التعليم يساعد على خلق الفراعنة والله سبحانه وتعالى يقول " استخف قومه فأطاعوه " والرسول الكريم صلى الله عليه وسلم يقول " لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ".
·         الاقبال على الدينا والأعراض عن المبادئ والقيم الانسانية ملأ قلوب علماؤنا ومفكرونا بالجبن مما ساعدهم على الرضى بأعلى مستويات الجهل بين عامة الشعوب.  وبدل أن يستثمروا قدراتهم وعلمهم في النهوض بالأمة تفننوا في الوصول إلى أعلى مستويات الكسب المادي.

طريق الحرية في الوطن العربي

              لقد تغنى شعراؤنا بالحرية، ودعوا إلى بذل الغالي والرخيص في سبيلها أيام الاستعمار ولكنهم لم يعيشوا ليتمتعوا بها. ولا زال النداء حياً ولكن الوسائل قد تتغير. ربما يطول الطريق ولكن النتيجة مؤكدة، وما ضاع حق وراءه مطالب. وبالرغم من الصورة القاتمة أحياناً التي نحاول أن نرسمها للماضي والمستقبل إلا أننا يجب أن نعترف بأن الأمة قد حققت مراحل كبيرة على طريق الحرية وهي بحاجة إلى النهوض المتكامل إنسانياً ومادياً ومعنوياً لكي تأخذ مكانها بين الأمم. لقد ذهب الاستعمار إلى غير رجعة حتى وإن بقي أعوانه أو أذنابه وتحقق هامش من الحرية والاستقلال ولو كان بسيطاً، فلدينا من الضوء ما يكفي لتبديد الظلام.

                وطريق الخلاص والنهضة يحتاج إلى :-

1.      رجال يعشقون الحرية بناً على قناعات راسخة وليس مشاعر وأحاسيس وأحلام لا تقوى على مواجهة الصعوبات. ووظيفة هؤلاء الرجال هي رفع لواء الحرية وقيادة حركة النهضة في هدوء وسكينة وبمنتهى الحكمة في ظل معرفة للواقع وإيماناً بحتمية المستقبل سلاحهم الأساسي على هذه الطريق هو المبدأ السامي في تحقيق الحرية على أرض الواقع.

2.      توعية مستمرة بأهمية الحرية كمبدأ وكممارسة، فا لسلاح الأقوى هو وعي الجماهير لأهمية الحرية للوصول إلى العدل والمساواة ثم بعث الحضارة بأبعادها المعنوية والمادية بما يحقق كرامة العيش بين الشعوب الأخري.

3.      شمولية النهضة فالكل جزء من المجتمع ولا يمكن أن نبني حضارة على جماجم الشعب بل بسواعد الجميع.

4.      إتباع الأساليب والوسائل السلمية في النضال من أجل استكمال الحرية.

5.      إتباع الطريق العلني في العمل فالأساليب السرية تغيب قطاعات كبيرة من المجتمع ثم تستخف بها وبالتالي تسلبها حقها في الحرية.

 


No comments:

Post a Comment