Showing posts with label الاصلاح. Show all posts
Showing posts with label الاصلاح. Show all posts

Saturday, February 12, 2011

ثورة مصر في قلب النهضة العربية




ثورة الشعب أو صرخة الحق للفنان بشير حمودة

      إن ما حدث في مصر في الأسابيع الأخيرة أعاد لمصر الحياة و أعاد لها دورها في حياة العرب و أعاد الحياة لكل العرب، و لا أقول جاء الحق و زهق الباطل بل أقول انتصر الحق و هزم الباطل. لقد خرج الحق في مصر للدنيا بعد أن كان مكبلا في سجون الفرعونية الجديدة. فالحق لم يغب عن مصر أبدا و كان دائما متواجدا في وجدان أبناء الشعب المصري و في دعائهم و في صلواتهم من أجل يوم الخلاص.  و ما أشبه اليوم بالأمس البعيد فنحن نرى حسني مبارك يغرق في أمواج بشرية تماما مثل ما غرق فرعون موسى في أمواج البحر. و فرعون موسى غرق بمعجزة و لكن فرعون زماننا غرق بإرادة الشعب و إنما هي سنة الله في كونه؛ و إذا الشعب يوما أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر. و عند ما التقت إرادة الشعب المصري على الحق و  طلب العزة و الكرامة استجاب الله سبحانه و تعالى و نصرهم على عدوهم و على أعداء الحق من ورائه.
و إن موقع مصر الجغرافي و السياسي و التاريخي في بلاد العرب يجعل هذا الحدث بداية عصر جديد يبني على فجر الحرية في تونس و يؤسس لحرية كل العرب، و البقية ستأتي طوعا أو كرها و سوف تتدحرج رؤوس الطغاة و الخونة و العملاء.
  
ثورة الشعب في مصر

          ما يميز هذه الثورة عن الانقلابات المعهودة هو أن من خطط لها و من قام بها هم أفراد من الشعب مدنيون و لم يشهروا سلاحا في وجه النظام و لم يهددوا أحدا من النظام و لكنهم طلبوا منه أن يرحل. و أشعل فتيلها الشباب و تنادت جموع الشعب و لبت نداء الثورة، فهي بالفعل كانت ثورة شعبية بامتياز و كانت ثورة سلمية بامتياز و كانت ثورة عصرية بامتياز و لم ترض بحلول وسطية خادعة فكانت ثورة شعبية بامتياز. جاءت بعد صبر طويل على ظلم النظام و أعوانه، و جاءت بعد غياب طويل في ظل زمان ناب فيه عن الشعب ضباط الجيش في ما يعرف بثورة يوليو و لكنهم استبدلوا الملك بجيش من الملوك و استبدلوا كلابه بجيوش من كلاب المخابرات و امن الدولة. و إذا كانت جريمة الملك فاروق أنه لم يستعد لقتال اليهود في حرب فلسطين فإن ضباط الثورة وقعوا سلاما مع إسرائيل و تبادلوا السفارات و الزيارات و بدلا من حصارها أخذوا يحاصرون شعب فلسطين الأعزل. و باسم الثورة و للحفاظ على الثورة عاش الشعب المصري في ظل قانون الطوارئ و دخل عشرات الألوف منه السجون و تشردت الملايين منه في أصقاع الأرض طلبا للرزق، و تحول تلاميذ عبد الناصر إلى فراعنة هذا العصر و لولا ثورة الشعب هذه لاحتفظوا بهم في أشكال مومياء على كراسي السلطة حنى بعد موتهم.
       
أما أجمل ما يميز هذه الثورة فهو روح الأخوة بين أبناء الشعب فلا فرق بين عربي و قبطي و لا بين مسلم و مسيحي و لا بين زنجي و أبيض و لا بين بدوي و حضري و لا بين متعلم و أمي و لا بين مستقل و حزبي الكل وقف وقفة رجل واحد في وجه النظام الفاسد بلا حقد و لا تشفي و لا روح انتقام و كان خطابهم في منتهى 
الأدب و يحرصون على لفظ سيادة الرئيس أو الريس إلى آخر لحظة.

جمهورية الشعب في مصر
  
بعد نجاح هذه الثورة المباركة على المصريين أن يعيدوا تأسيس جمهورية الشعب في مصر، فما كان في السابق هو جمهورية السيد الرئيس و الشعب فيها تحولوا إلى عبيد له. و لأول مرة تدخل مصر عصر الجمهوريات في هذه الأيام عند ما أسقط الشعب الرئيس ليستبدله بنظام برلماني متعدد الأحزاب بدلا من جمهورية البلطجة التي أرادت بدونة الدولة و إحياء النعرة الطائفية و القبلية و الجهوية. و حري بالمصريين أن يسموا بلدهم جمهورية الشعب في مصر. فلقد استلم الشعب السلطة بداية من 11فبراير لسنة 2011 ميلادية في يوم التحرير و ذلك بسقوط نظام حسني مبارك. و عليهم الآن وضع الأسس القانونية بما يضمن سلامة التداول السلمي على السلطة و يحفظ كرامة الشعب و يحافظ على مكتسبات مصر و حضارتها و تاريخها العريق.

مسيرة البناء

بعد ثلاثين عاما من التسويف و الضياع هاهي مصر تشمر عن سواعدها من أجل بناء الدولة الحديثة، و لقد أعجبني جدا إصرار الشباب على البناء فهم لم يستغلوا ظرف انتصارهم للمطالبة بما ضاع من حقوق شخصية و لكنهم كلهم أمل في مستقبل أفضل. فالمرحلة القادمة ليست للمطالبة و لكنها للعمل و البناء و تسخير الطاقات المصرية لبناء قاعدة صناعية و تقنية و زراعية و إنتاجية تخدم المنطقة بكاملها. أعجبني في الشباب تخطيطهم لإعادة ميدان التحرير إلى ما كان عليه قبل الاعتصام و إعادة جمال الحياة إلى شوارع المدن المصرية. إن عقلية الفوضى و التدمير و حرق مباني الدولة تلتصق ببلطجية النظام و لا مكان لها مع شفافية و نقاء أبناء الثورة الأحرار. و هذا درس لبقية الشعوب العربية فلا مكان للنهب و السلب و الاستيلاء على أموال و ممتلكات الناس بعد انتصار الثورة خاصة في غياب الشرطة السوية التي تسهر على سلامة المواطنين.

طوبى لشعب مصر و طوبى لشباب مصر و طوبى لكل العرب، و الحمد لله الذي أيد الشعوب العربية بنصره في تونس و في مصر و الله ولي التوفيق في الباقيات.

Friday, February 11, 2011

معركة هذا القرن

           قبل القرن العشرين لم يعرف العالم الدويلات العربية والإسلامية التي نراها الآن، جزء كبير من العالم الإسلامي كان تحت الدولة العثمانية وبقية أطرافه دخلت تحت حكم المستعمر الأوربي النصراني. وكانت الفرصة مناسبة لضرب الدولة العثمانية للقضاء على آخر شوكة للإسلام في العالم المعاصر و تم بالفعل ضرب الدولة العثمانية وقسم الأوربيون البلاد العربية والإسلامية.  وبعد عدة عقود من بداية قرن التقسيم والفرقة قامت دعوات لتجميع وتوحيد الأمة أو إحياء دولة الخلافة في حركات متعددة في أطراف العالم الإسلامي اصطدمت بواقع التقسيم ورعاة التقسيم من دول وحكومات وملوك أو مماليك بالإضافة إلي ضعفها وقصورها الذي ولد معها بسبب ظروف انبعاثها . وبالرغم من الاصطدام الداخلي العنيف وسيطرة الحكومات على حكماء الأمة إلا أن الغرب المسيحي لم يطمئن للوضع . ولقد وصف نيكسون العالم الإسلامي بالمارد النائم وتوقع أن يحدث معه الصدام خلال ثلاثين سنة، وبالفعل لم تمر ثلاثون سنة حتى كانت ضربة العراق بداية الصدام الأخير بين الحضارة الإسلامية والحضارة المادية الملحدة المثمتلة في أمريكا وحلفائها. هل هذه هي نهاية المطاف للأمة أم بداية النهاية لأعداء الإسلام؟ إنها معركة هذا القرن.

قوة المارد بين النوم والصحوة


           إذا نظرنا إلي الوضع العام للعالم الإسلامي نجد بعض مراكز القوة والتي تعاملت معها أمريكا حسب نوعها ومكانها في الوقت المناسب، ومن هذه المراكز:
1.     مراكز القوة التقنية والصناعية، وأبرزها في اندونيسيا ، وماليزيا ثم إيران والعراق وباكستان وربما مصر بشكل محدود. ولقد قامت أمريكا بضربات اقتصادية نوعية لتحجيم كلاً من اندونيسيا وماليزيا في انهيار اقتصاد الشرق الأقصى وحاصرت إيران والعراق واخترقت باكستان وكبلت مصر بالديون والتضخم .
2.     مراكز القوة الفكرية والعلمية، وأبرزها إيران والعراق ومصر والسعودية وتعاملت معها أمريكا ولازالت مستمرة في الحد من فعاليتها بأساليب عديدة من الحصار إلي الضغط السياسي أو الإعلامي والتهديد المباشر.
3.     مراكز التغيير السياسي، وهي الدول المؤهلة لاستقبال قاعدة الدولة الإسلامية وهي إيران والعراق ومصر والجزائر. فالجزائر لها ثقل كبير في شمال أفريقيا ولكنها معزولة عن بقية العالم الإسلامي وبالتالي دورها محدود ولقد جرى ضربها داخلياً على أيدي العسكر المتحالفين مع الغرب . أما مصر فبالرغم من وزنها البشري والإعلامي إلا أن حصارها سهل فهي لا تحد بدول ذات وزن استراتجي وإسرائيل قادرة على تعطيل دورها بالإضافة إلي الأوضاع الاقتصادية المتردية فيها . بالنسبة لإيران نجح الإسلاميون فيها في الوصول إلي الحكم لكن الانغلاق المذهبي حرمها فرصة قيادة الأمة حتى حين. وبقيت العراق لديها الزخم الحضاري الإسلامي والقوة البشرية والتقنية وتحيط بها دول إسلامية ذات وزن استراتيجي قادر على قلب المعادلة على أمريكا والغرب جميعاً ، وإذا وصل الإسلام إلي الحكم في بغداد فإن جزيرة العرب كلها ومنطقة أسيا الصغرى وإيران وأفغانستان والباكستان متصلة من البحر المتوسط إلي المحيط الهندي وبالتالي توجد مقومات دولة إسلامية عظمى . ولهذا السبب ركزت أمريكا على العراق .

مكامن الضعف في هذا المارد

            لقد التقت عدة عوامل داخلية ساهمت في إضعاف الأمة الإسلامية وتمكين الأعداء منها، وأهمها مكايلي:
1.     تعميق مفاهيم الفرقة والتشتت في الأمة في التوجهات القومية ثم القطرية على المستوى البشري . ثم في التوجهات الحزبية لحركة النهضة حيث تحولت الحركات والتنظيمات من وسائل إلي غايات مقدسة يتم الذود عنها وتعميق الخلاف بينها كل يوم. أضف إلي هذا التفرق المذهبي .
2.     إلغاء دور سيادة الأمة وكونها مصدراً لشرعية نظام الحكم بجعل الخروج على القانون والاستيلاء على السلطة بالقوة هو وسيلة تداول السلطة الوحيدة، بالإضافة الوراثة الجبرية مع مباركة مجامع الإفتاء في الأمة لهذا الأمر.
3.     إتباع أساليب القهر والإذلال في التعامل مع تطلعات أجيال النهضة وطموحاتهم إلي مستقبل أفضل .
4.     إخفاق علماء الأمة في فهم الواقع حين اختاروا ما تصورا أنه أقل الإضرار بعدم الخروج على الحكام، فعلى المدى البعيد ثبت أنهم اختاروا أكبر الأضرار وأخطرها، فالنتيجة هي هلاك محقق.
5.     حكام الدمار الشامل فعلى غرار أسلحة الدمار الشامل عمل حكام هذه الأمة على تدميرها تدميراً شاملاً، وهذا يتمثل في :
·        تزوير تاريخها وماضيها المجيد وتدمير الموروثات الحضارية للأمة وهذا تدمير للماضي الموروث.
·        تدمير حاضرها من خلال التلاعب بثرواتها وخيراتها وتوجيهها لمصالحهم الشخصية و لخدمة الغرب.
·        القضاء على القدرات التقنية والعلمية للأمة بدفع أعداد كبيرة للهجرة إلي خارجها أو تكبليهم بحياة تقضي على جهدهم ووقتهم في مشاريع وهمية أوفي الجري وراء لقمة العيش .
·        القضاء على القدرات المستقبلية بعدم بناء أسس للتقدم من مراكز بحوث وجامعات وصناعات متقدمة.
·        تدمير القدرات العسكرية وتحويلها إلي حماية أمنية للأنظمة ومطاردة لحركات النهضة وتحويل الجيوش العربية إلي أدوات قمع أجوف لا يقوى على مواجهة أعداء الأمة.
·        التحالف الصريح مع أعداء الأمة وتمكنيهم من تنفيذ مخططاتهم في استباحة أرض الإسلام ويجب أن لا ينطلي علينا أعلام الاستهلاك المحلي حينما يدغدغ مشاعر المشاهدين ببعض عبارات الشجب.

إن كل النقاط المذكورة أعلاه هي مخالفات صريحة لنصوص الشريعة الإسلامية ولأدنى القيم والمبادئ الإنسانية. كل الأمم، النصارى واليهود والهندوس والبوذيون والملاحدة نجحوا في التغلب على مشاكل التخلف البشري والقهر السياسي وحققوا لشعوبهم حياة كريمة إلا أمة الإسلام لا زالت تأن من جراحها.

           إن معركة العراق هذه قد تكون بداية حرب التحرير المنشودة والتي تؤسس لانتصار الحرية في الوطن العربي والتمكين لأسس الدولة الإسلامية . نحن هنا نتكلم على مدى عشرات السنين وليس بين عشية وضحاها . فالغرب لديه من يخطط ويفكر وهذه الأمة رغم ضعفها فأنها  تنتصر من ضعف وتأمن من خوف وتطعم من جوع والتاريخ يشهد على هذا .وعلى شباب الصحوة في كل مكان الاستعداد للنضال ، بإعداد العدة والتدرب على ذلك وعقد النية على بيعة الجنة . فلا يوجد طريق أمام هذه الأمة إلا طلب الموت لتوهب لها الحياة . ويجب أن لا نعول الأنظمة الرسمية فهي شريكة للغرب في المؤامرة وأيديها ملطخة بدماء الأحرار من علماء ودعاة وضباط ومفكرين ومواطنين شرفاء.

مراحل المعركة

          بالرغم من التقدم البطئ للقوات الغازية إلا أن الأيام القريبة القادمة سوف تشهد تحولا في سير المعارك . فالإمكانيات المتاحة للقوات الغازية غير محدودة بينما إمكانيات العراق محدودة فهو محاصرة لمدة أثنى عشرة سنة ولا يمكن وصول الإمدادات إليه للأسباب المعروفة . وبالتالي إذا لم يحدث طارئ . فإن الغزاة سوف ينتصرون مؤقتاً ولن يضرب هذه النتيجة شيء إلا جر دول أخرى في المنطقة للحرب مثل إيران وسوريا وتركيا وربما إسرائيل، ربما يكون هذا احتمال بعيد لكنه وارد. وبعد أن يسيطر الغزاة على بغداد بالكامل تبدأ المقاومة العراقية والعربية الإسلامية للقوات الغازية على ساحة شبه الجزيرة العربية بالكامل، وسوف تأخذ شكل عمليات استشهادية تجبر العدو على إعادة حساباته وفي النهاية يكون لها النصر المؤزر بإذن الله. خاصة إذا اندلعت حرب تحرير إسلامية يرافقها انهيار في الأنظمة القزمية القطرية من خلال ثورات شعبية عارمة تعمل علي توحيد وإدماج الإمكانيات العربية والإسلامية في المنطقة.

طريق الخلاص من المجزرة

           إن أمريكا ومن حالفها ومن سيحالفها في الأيام القادمة ، كل هؤلاء يهدفون إلي القضاء على أمة الإسلام ، وهذا واضح جليً في كتابات مفكريهم وقادتهم السياسيين ، وليس لهذه الأمة طريق إلي الخلاص إلا بالتحرك السريع على عدة محاور:
1.     إرجاع شرعية السلطة للأمة، وعلى علماء الدين المسلمين والمفكرين إسقاط شرعية الأنظمة الحالية وقيادة الجماهير في زحف شعبي على رموز الأنظمة من حكام ومؤسسات وإرجاع ولاية الأمر إلي الأمة كي تختار من يقودها في اختيار حر مباشر. ولقد رأينا كيف تهاوى عرش الشاه في إيران وكيف انهارت إمبراطورية الشر في روسيا وبولونيا والمجر ورومانيا أمام زحف الجماهير خلال أيام معدودات.
2.     الانضمام إلي الحركات المناهضة للحرب والمحبة للسلام في العالم ودفعها باتجاه محاربة الدكتاتورية في العالم الثالث وتحقيق الحرية وحقوق الإنسان بما يكفل التداول السلمي للسلطة بشكل عادل، يحقق السلام العالمي المبني على العدل والمساواة بين الشعوب.
3.     أن يتحمل كل فرد مسؤوليته في هذه المواجهة وفي عملية التغير التي تبني عليها ، فإن أخطر شيء هو السلبية وتغليب المصالح الشخصية المؤقتة. وهذا كذلك ينطبق على كل الحركات السياسية والإصلاحية في الأمة ؛

وما نيل المطالب بالتمني       ولكن تؤخذ الدنيا غلابا


            قد لا يروق إلي البعض أجزاء من هذا التحليل لكن قراءة الإحداث تثبت أن ما يجري في العراق هو مخطط قديم ولا علاقة له بأحداث السنوات الأخيرة. وأوضح دليل على ذلك هو تطابق الآراء بين الجمهوريين والديمقراطيين في أمريكا وبين المحافظين وحكومة العمال في بريطانيا والتقاء الفاشية الجديدة في إيطاليا والبرتغال وأسبانيا معهم.  فالأمر ليس التحكم في النفط أوتحرير الشعب العراقي ، ولكن الإسلام هو المستهدف والصحوة هي المستهدفة والإمكانيات العلمية والتقنية للأمة هي المستهدفة.

" وإن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم "



Saturday, February 5, 2011

قناة الجزيرة هي جزيرة العرب



               قناة الجزيرة هي جزيرة العرب أو صوت الحق في عالم العرب و لا أقول صوت العرب فلقد تحول هذا الاسم إلى عنوان لأكبر تهريج في تاريخنا الحديث. و إذا وضعنا تاريخا للنهضة العربية الشعبية الحقيقية التي تفجرت في فجر القرن الحادي و العشرين فستكون الجزيرة بطل هذه المرحلة، فلقد عرت زيف النظام التونسي و زيف و بلطجة النظام المصري العميل لإسرائيل و أمريكا و الخائن لشعب مصر. و مشوار الجزيرة في تعرية أنظمة الزيف العربية بدا منذ يوم  ولادتها، فبرامج شاهد على العصر و منبر الجزيرة و بلا حدود و نشرات الأخبار كانت كلها  مشاعل سلطت الضوء علي بؤر الخيانة و العمالة و الظلم و رسمت المعالم على طريق الثورة الشعبية العربية و التي تمثل مصر الفصل الثاني و ليس الفصل الأخير فيها، فنحن نتوقع مسلسل تهاوي أنظمة القمع و الخيانة و الفساد في كل أرجاء العالم العربي مع سقوط عمود العملاء العرب في مصر.
     لأول مرة في تاريخنا الحديث تبرز قناة إعلامية حرة و محترفة تتحدث لغة الشارع في صدق و بساطة و تصف آلام و أحلام المواطن العربي دون متاجرة أو أهداف و أجندات خاصة. و كلنا يذكر ما قامت به في أثناء غزو العراق و تدمير قدراته العسكرية و التقنية و كيف وصل الأمر بالأمريكان و حلفائهم إلي حد الهجوم المسلح علي مقرها و اغتيال مراسليها، و كذلك الحال عند ما حدث الاعتداء علي غزة، ثم عند كشف وثائق خيانة السلطة الفلسطينية و تآمرها علي المقاومة و تعاونها الأمني مع إسرائيل.
        إنه لمن المؤسف حقا أن نرى بعد كل هذه المدة على استقلال الدول العربية الرجعي منها و التقدمي و الملكي منها و الجمهوري مدى احتقارها مجتمعة للإنسان العربي و ازدرائها بحقوقه المشروعة في الحرية و العدالة و العيش الكريم. و لقد تمت معاملة الإنسان العربي معاملة تخجل منها الكلاب في زماننا هذا، فلقد زوروا تاريخ الأمة و نسبوا لأنفسهم أدوار الأبطال و سرقوا حاضرها بالاستيلاء على ثرواتها و تحويلها إلى مصارف الدول الغربية، بل و تجرؤوا على تدمير مستقبلها من خلال تدمير قيمها الحضارية و الثقافية و تجهيل شبابها. و ليس أمر على المرء مرارة من أن يكتشف من خلال برامج الجزيرة أن سكان القدس يفضلون العيش تحت سيادة إسرائيل على العيش في ظل دولة فلسطينية، إن مجرد تفكير المواطن المقدسي في هذا الأمر يدلنا على معنى الاستقلال المزيف في بقية البلاد العربية.
      تصوروا ما كان سيحدث لولا وجود الجزيرة عند ما شبت أحداث تونس بالتأكيد كان بإمكان فرنسا و أمريكا التدخل في جنح الظلام لإنقاذ بن علي و لو أدى الأمر إلى الاستعانة ببعض الأنظمة العربية لكي يكون القاتل و المقتول عربيا و الرابح هي أجندات الغرب. فالعالم لم يعرف بما جرى بسبب التعتيم الإعلامي في الأيام الأولى و لكن وجود الجزيرة أنقذ الشعب التونسي من حقبة بؤس أخرى. و كذلك الحال في مصر لولا وجود الجزيرة في الميدان لقامت الطائرات المصرية بتدمير المتظاهرين ثم مسحت الدبابات أثر كل شيء. فالجيش المصري متواطئ مع النظام و هو جزء لا يتجزأ من السلطة الحاكمة، فمبارك خرج من رحم الجيش برعاية أمريكية عند ما اتفقت أطراف اللعبة على تصفية السادات. و مما يجدر ذكره هنا أن أحد كبار خبراء الأمن القومي في أمريكا قال في محاضرة بجامعة بيتسبرق بولاية بنسلفانيا قبل عام من تصفية السادات: إن السادات انتهى دوره في عملية السلام و ربما يصبح خطرا عليها. بل و كرر ستة مرات خلال ساعة واحدة أنه يجدر التخلص منه" بره شينكة" بلغة أهل الكارطة،   كانت الكلمة استخدمها ستة مرات لوصف المرتبة التي يستحقها. discard able
  من كل ما تقدم تبرز لنا أهمية حرية التعبير و دورها في حماية الجماهير و مكتسباتها، كذلك يبرز لنا من خلال أحداث الأسابيع الماضية أهمية حق التجمع و التظاهر للمطالبة بالحقوق المشروعة للمواطنين، ناهيك عن دور منظمات المجتمع المدني و الأحزاب السياسية في تنظيم الحراك الجماعي للجماهير. كما يجب أن لا ننسى أهمية وضع أسس جديدة للمؤسسات الأمنية و العسكرية و تصحيح عقائدها لتتحول إلى أداة لحماية الشعب بدل حماية الأنظمة الفاسدة إذا كان الشعب هو مصدر السلطات بالفعل.
  و في مناخ التشويش علي قناة الجزيرة و محاربتها يجب علينا أن نهتم بتطوير قدراتنا في مجال المعلوماتية و شبكة المعلومات و تسخيرها لخدمة أهداف النهضة العربية و التواصل بين الشعوب في داخل البلدان و خارجها. و في خضم هذه الأحداث كلها يجب أن لا ننسى أهمية حقوق الجميع في التعبير عن الرأي و في المشاركة السياسية دون إقصاء لأحد و على احترام الاختلاف في وجهات النظر فلا يجوز أن نستبدل إرهاب الدولة بإرهاب الأحزاب أو الجماعات أو التجمعات أو دعاة الإصلاح.


Wednesday, February 2, 2011

المدينة هي حاضنة التقدم و المدنية




مدينة بريشة الفنان بشير حمودة

        المدينة هي الحاضرة و هي الحاضنة و هي الثقافة و هي التاريخ و هي الحضارة، المدينة هي الذاكرة الاجتماعية و هي وعاء التراث الحضاري. المدينة هي نسيج العلاقات و نمط العادات و التقاليد. المدينة هي محصلة نشاط إنساني تراكمي يتكون حول مراكز الاستقرار البشري. في العالم تبنى المدن حول مراكز المصلحة مثل الموانئ و الأنهار و ملتقى الطرق و القوافل و لكن الإسلام جعل مركزها المساجد و الجوامع فمثل ما يجمع الأذان الناس للصلاة تجمع المساجد السكان حولها كي يشعرون بالأمان و يتعاونون على الخير و الصلاح.

      و تتميز المدينة بالتواصل العمراني خلافا للقرية التي تنتشر فيها البيوت و المباني حسب توزع المزارع أو العائلات، و عادة ما تلتقي المباني في مركز المدينة حيث توجد المساجد و أقدم المباني و مقر الحاكم أو السلطة الممثلة له. و كل المدن العريقة لها طابع تتميز به و عادات و تقاليد خاصة بها و يرتبط هذا الطابع بتاريخ المدينة و أهلها و التطورات التاريخية التي مرت بها. و هيبة أي مدينة و مكانتها بين الفراغات المحيطة بها تعتمد على قدرة السلطات فيها، فمثلا نجد أن المدن الليبية كانت عرضة للغزو من قبائل الأعراب و الدواخل لدرجة أن هذه المدن كانت تحتمي داخل أسوارها معظم أيام السنة و خاصة بالليل حيث يتم غلق أبواب المدينة إلا باب واحد يستقبل الزوار و له حراسة خاصة. و بالرجوع إلى كتاب اليوميات الليبية يتكرر معنا أخبار إطلاق الرصاص و المدافع و الاشتباك مع قبائل الأعراب و الدواخل بشكل يومي أو أسبوعي مع وجود وفيات على الجانبين. فعقلية الأعرابي الجاهلية المؤسسة على الغزو و السطو و روح الانتقام يبرز دورها كل ما تخلف المجتمع و قلت نسبة المتعلمين و الدعاة فيه، أي عند ما تقل الدعوة إلى الله و يضعف الوازع الديني.

ذاكرة المدينة

        في كل مدينة حوافظ للذاكرة المدنية من مدارس و مساجد و زوايا و كتب و أشعار و حكايات، لكن تبقى سجلات الطابو أو دوائر التسجيل العقاري كأهم سجل لتداول الملك و الأملاك فيها. و بدراسة سجلات التسجيل العقاري يمكن التعرف على تغير التركيبة الديموغرافية لها مع تطور التوزيعة السكانية المالكة فيها. و لهذا السبب تحرص معظم الدول و المدن على أن يتولى رعاية هذه السجلات أكثر الناس أمانة و أفضلهم أصلا في المدينة، أما إذا تمكن الغرباء أو الدخلاء على المدينة أو الأجانب فسيدب الفساد إلى هذه السجلات و يتم التلاعب في الأملاك و خاصة أملاك الأيتام و أملاك الوقف و أراضي الدولة و أراضي المصلحة العامة كالحدائق و الساحات العامة. و عندها يمكن أن تختفي ملفات كاملة أو يتم تزويرها أو استبدالها ثم يتطور الأمر إلى حرقها و تدميرها بالكامل.
و للحفاظ على ذاكرة المدن الليبية نرى ضرورة تعيين أفضل القضاة و العلماء من أبناء كل مدينة للإشراف على إدارة التسجيل العقاري فيها و تحميل نسخ من جميع السجلات على الحواسيب في كل مؤسسات التوثيق الوطنية.

جذور المدينة

        المدينة هي حاضنة فكرية و ثقافية و بشرية ثابتة بثبوت أصولها و جذورها ألا و هي الساجد و المدارس و الأسواق الدائمة و مراكز الخدمات العامة. و قد تتطور أشكال و أنواع معظم هذه الجذور و يبقى الثابت الوحيد في المساجد و التي تعتبر وقفا لهذا الغرض. يمكن توسيعها و لا يمكن تحويلها لاستخدام آخر.


مسجد عمر بن الخطاب بغدامس
 بناء على ما تقدم نرى ضرورة الاهتمام بعمارة المساجد شكلا و تصميما و خدمات بحيث تتطور ادوار المساجد مع تطور الزمن و تغير الحاجة إلى خدمات مسجديه من نوع جديد. وفي العديد من المدن الليبية نرى نماذج ممتازة لتصاميم المساجد و لكنها قليلة و أحيانا فيها إهدار للإمكانيات بينما أغلبها سيء التصميم و سيء التنفيذ مع انعدام الصيانة المستدامة. لهذا نرى ضرورة مراجعة تصاميم المساجد من هيئة فنية متخصصة في العمارة الإسلامية و الفقه و التاريخ الإسلامي تحرص على روح العصر مع الإبقاء على جذور الأصالة في التصميم و هذا لا يعني توحيد نماذج التصميم لأن ذلك يعني تدمير الإبداع المعماري.

رئة المدينة

        كل مدينة تحتاج إلى متنفس في شكل مساحات خضراء للترفية و الترويح على سكانها و إضافة بعد جمالي من الطبيعة إلى جمال مبانيها، كما تحتاج إلى مساحات للتوسع السكاني و الخدمي و الاجتماعي. فمع نمو السكان تزداد الحاجة إلى مباني سكنية و أخرى خدمية و مواقع شغل و بالتالي تحتاج المدينة إلى مساحات توسع قانونية.


المدينة كتل صخرية، بريشة الفنان بشير حمودة

 و في كثير من المدن الليبية يتم تصنيف المناطق المحيطة بالمدينة على أنها زراعية بالرغم من عدم وجود المياه للري و انعدام النشاط الزراعي فيها أصلا،  و بالتالي بتم التضييق على المواطنين و ترتفع أسعار الأراضي و تنعدم البنية التحتية و لا يسمع المواطن إلا التهديد من الجهات الرسمية و بصفة دورية بواسطة الهاتف النقال، بأن الدولة سوف تدمر بيتك على رأسك إذا قررت البناء في خارج المخططات القزمية و التي تتحكم فيها أهواء سماسرة التخطيط العمراني. و للخروج من هذا المأزق يجب تحديد مساحات توسع عمراني قانونية و معتمدة و تتوفر فيها خدمات البنية التحتية و بأسعار معقولة.
و هنا كذلك نرى ضرورة أن يكون المسئولين عن التخطيط العمراني من أهل المدينة الأصليين المعروفين بالنزاهة و الاستقامة، و بالتالي يلمون بتاريخ المناطق و العائلات و يحرصون على مستقبل المدينة.

شريان الحياة في المدينة

          لا تعيش مدينة و لا تعمر و لا تستمر فيها الحياة بدون ماء، و الله تعالى يقول في محكم كتابه" و جعلنا من الماء كل شيء حي" و جودة الحياة و جمالها تتوقف على كمية المياه المتوفرة لكل ساكن في المدينة. و قد قامت الدولة بجهود كبيرة في توفير الماء و لكن دور المواطن في ترشيد الاستهلاك لا زال ضعيفا بل تم القضاء على كل الآبار الارتوازية و التي كان من المفترض أن تبقى لحالات الطوارئ و اختلطت المجاري بالمياه الجوفية نظرا للتسرب  بسبب تهري أنابيب الصرف الصحي و هذا أدى إلى تلوث المياه و انتشار الأمراض بالمدن.
و كمجتمع يعيش في المناطق الجافة نسبيا علينا أن نهتم بتدوير المياه و إعادة استغلالها في الري أو التنظيف على مستوى البلدية و غلى مستوى المواطنين مع الاقتصاد في استهلاك المياه في كل استخدام.  

Monday, January 17, 2011

ظواهر سياسية تونسية

        في غمرة الفرح بما جرى و يجرى في تونس يجب علينا أن ننظر بتروي إلى ما يحدث. كيف حدث و لماذا حدث و ما هي أسباب نجاحه الباهر، ثم كيف نحافظ على استمراره و عدم سرقته من أعداء التغيير في الداخل و الخارج. و الأمر كله يمكن أن يجمع تحت مظلة الوعي الشعبي العام، و هذا راجع بالدرجة الأولى إلى كثرة الإطلاع عند شعب تونس و حب الإطلاع و متابعة الأحداث العالمية و محاولة فهمها و التفاعل معها. و الشعوب كالبشر كلما زادت خبرتها نضجت أفكارها و تحددت أهدافها ووصلت إلى ما تريد بأقل الخسائر. و سوف أحاول تلمس أطراف هذا الموضوع من خلال تناول أحد أبرز الشخصيات المعارضة للنظام التونسي ألا و هو الشيخ راشد الغنوشي.

تعارف

     تعرفت على الشيخ راشد في إحدى ليالي ديسمبر سنة 1992م عند ما ألقى درسا بالمسجد القديم بدبلن أيرلندا. تحدث الشيخ عن الدعوة و التحرر و النهضة و ذكر جهاد الليبيين و صلابة أهل الجزائر و أكد على ضرورة المرونة في التعامل مع الناس بالتيسير و التبشير ثم فتح الباب للنقاش. مرت أسئلة كثيرة تقليدية و لكن أحد الحاضرين و هو عراقي كردى سأل الشيخ قائلا: لو خيروك بين انقلاب عسكري يوصلك للسلطة في 24 ساعة و تغيير شعبي خلال عشرين عاما ماذا تختار؟ فرد الشيخ: أنا ضد الانقلابات العسكرية و مع التغيير الشعبي الديمقراطي و نحن في حركة النهضة نريد أن نشارك في العمل السياسي و ليس هدفنا الوصول إلى السلطة. و الحمد لله الذي حقق مراد الشيخ في هذا العام.
 و هذا الخيار الديمقراطي هو الخيار الشعبي التونسي العام فكل ما زادت ثقافة المجتمع مال إلى الحل السلمي و رفض العنف و ثورة الشعب التونسي البيضاء خير دليل على هذا و الدم الذي سال كان بفعل النظام المنهار و أعوانه.
 بالطبع هناك بعض المتشددين الذين لا تعجبهم أفكار الشيخ و لكنني رأيت فيه ضالتي و من ذلك اليوم أصبحنا أصدقاء، فكلما سمحت الفرصة نلتقي و نتجاذب أطراف الحديث بكل صراحة.

الانتماء و الوطن

         كان الشيخ دائما ينصح بالعودة إلى الوطن أو على الأقل زيارته عند كل فرصة، و يقول أخطر شيء أن نفقد الاتصال بالوطن و كان حريصا على عدم التجنس فبقى في وضع اللجوء و يتجول بوثيقة سفر لا تحميه كثيرا، فهو يرفض الانتماء لغير تونس. و قد حرصت أجهزة المخابرات الغربية على مضايقته تحت ستار محاربة الإرهاب و لقد رايتهم بأم عيني على التلفاز و هم يضايقونه على وسائل الإعلام الغربية مع علمهم الأكيد على أنه رجل يرفض الإرهاب و يؤمن بالحريات و المسار الديمقراطي. و الانتماء لتونس هو من مزايا الشعب التونسي أين ما حل، و يظهر هذا جليا في كل المناسبات.

حركة النهضة و الزعامة

       كثيرا ما دار النقاش بيننا حول جوانب من تاريخ و نشاط و أهداف الحركة و بصراحة تامة، لدرجة أنى في إحدى المرات قلت للشيخ أرجو أن تسامحني إن تجاوزت الحدود، فقال لي نقاشك يفيدني فأنت لا تجاملني و بالتالي تفتح أمامي الرأي الآخر. و في إحدى المرات قلت له أنتم تتهمون الزعماء بالتسلط و لا تسمحون بتداول السلطة في تنظيماتكم، فأجابني نحن في حركة النهضة نتداول على المسئولية و قد تولاها غيري عدة مرات و لعدة سنوات، و أنا الآن أعمل بشكل إرشادي للشباب و نحن محاربون في الداخل و الخارج كما يعرف الجميع. و الحوار و النقاش الهادف أحد مزايا الوعي العام و الثقافة الجيدة و هو متوفر لدى معظم أهل تونس.

المبادئ السامية

      لقد أعجبني في الشيخ راشد وقوفه المتكرر مع و في تأييد أصحاب الرأي الآخر من يساريين و شيوعيين و سجناء الرأي. و كان من عادته أن يصوم كل ما أضرب السجناء اليساريين عن الطعام في سجون تونس. كما بعث عدة مرات برقيات تناهض أحكام ضد شيوعيين في عدة دول عربية، فهو يحترم الاختلاف في الرأي و يعتبر الجميع شركاء في الوطن الكبير. و هذه كذلك من صفات أهل تونس بصفة عامة و نحن نرى كيف يسلمون المشتبه بهم إلى رجال الشرطة خلال الأحداث دون التصرف من عند أنفسهم، إنه الالتزام الحضاري في السلوك.

الخلفية الثقافية

بدأ الشيخ حياته العلمية في دراسة الفلسفة بسوريا و كان ذلك بهدف المحافظة على الموروثات الثقافية العربية أيام التغريب في تونس، و كان حينها من أنصار التيار القومي الناصري و استمر عليه إلي أن عصفت بهذا التيار حرب الأيام الستة، فتحول راشد إلى الاتجاه الإسلامي ثم عاد إلى تونس و قرر خوض غمار العمل الإسلامي أيام أبو رقيبة. و بالتالي خيارات الشيخ كانت منذ البداية عربية ثم تحولت إسلامية و إنسانية و بطبيعة الحال أساسها تونسي أصيل. و هنا مربط الفرس فالمواقف المبنية على وعي ثقافي دائما لا تخطيء مثل ما يحيد العاطفيون عن أهدافهم بسبب قلة الوعي.

الوعي السياسي

لقد كان الشيخ من أبرز الداعين إلى تفكيك بقايا النظام السابق و ذلك لمعرفته بدهاء دوائر الحكم العربية و الغربية و تغولها في الحرب على التغيير مهما كان سلميا. و ربما يكون الحل في حكومة تسيير وطنية مع إعداد لوائح اتهام لكل المسئولين الذين شاركوا بن علي في جرائمه دون تردد و تقديمهم للمحاكمة في الأسابيع القادمة استباقا للأحداث و بالتالي تتم الإطاحة بمن له دور مشبوه في الحكومة الحالية. و الشعب التونسي يملك من الوعي ما يمكنه من هذا، خاصة بتضافر جهود المحامين و القضاة و أساتذة الجامعات و النقابيين.

العمل الدءوب و متابعة الأحداث

في إحدى زياراتي إلى لندن مررت على الشيخ في مقر الحركة فوجدت فريق العمل كل في مكتبه و العمل يسير بشكل منظم و مستمر، ففي كل حجرة ملفات تخص الأحداث و الأنباء و التطورات. و الشيخ هو المعارض العربي الوحيد الجاهز عند كل لحظة للتعامل مع الأحداث و لقاء وسائل الإعلام.
 و لا تسمع أصوات في المقر فالبعض يتابع وكالات الأنباء و التلفزة و شبكة المعلومات و عند وقت الصلاة اجتمع الجميع في هدوء للصلاة. و عنوان المكان هو عمل دءوب من أجل تونس و متابعة وتفرغ للتعامل مع الأحداث و هكذا تأتي النتائج.

استمرارية التحرك

       لقد حاول بن علي خداع الجماهير في خطابه الأخير، كما حاول أعوانه الثلاثة الالتفاف على ثورة الشعب عند ما حاولوا تنصيب محمد الغنوشي رئيسا مؤقتا لتونس. و لقد تتبعت بيان وزير الداخلية أحمد فريعة يوم 16 يناير و كان كلامه خطير جدا حيث حاول تجريم الثورة الشعبية من خلال سرد الخسائر و تسفيه تحركات الجماهير، كما وجه تخويفا من الاستمرار في الثورة بأسلوب الإرهاب المبطن و عليه فأنا أدعو إلى إسقاطه و تقديمه للمحاكمة فورا و كذلك إسقاط محمد الغنوشي و الرئيس المكلف، و يمكن تعيين مجلس مؤقت للرئاسة من مستقلين يدير شؤون البلاد. و الثورة التونسية قامت ضد الرئيس و ضد النظام و ضد الحزب و ضد الحكومة و ضد الدستور المزيف و يجب أن يتم إسقاط الجميع و لدى الشعب التونسي العديد من الكفاءات القادرة على تسيير الأمور.

    و حفاظا على المكاسب التي تحققت يجب الاستمرار في التحرك السياسي الشعبي بالداخل و الخارج بشكل منظم و مستمر لمواجهة أخطار التآمر الدولي على تونس و شعبها. فالمهرجانات الشعبية و المسيرات يجب أن تنعقد باستمرار كل ليلة في المدن الرئيسة في الداخل و في العطل الأسبوعية في عواصم الدول الغربية.

Saturday, January 15, 2011

تونس مدرسة النهضة العربية

         لقد امتزج في تونس عبر العصور صراع الأجيال من أجل مستقبل أفضل؛ بين الشمال و الجنوب و بين الشرق و الغرب و بين الحق و الباطل و بين الإسلام و الكفر و بين المستعمر الغريب و المواطن الوطني الأصيل و بين التقدم و التخلف، من قرطاجنة التاريخية إلى تونس المعاصرة مرورا بالقيروان و ما أدراك ما القيروان، فالقيروان أيام عزها و عز تونس كانت منارة العالم الإسلامي في الفقه و العلم و الحضارة.

          إنها تونس الشابى و تونس الشابة و تونس الشباب،  تونس الصابرة  التي استخف بها الطاغوت و رفاقه و أعوانه و من نصبه عليها في ليلة ظلماء امتزج فيها الظلم بالظلام. كلما زرت تونس و تجولت بين مدنها و قراها كنت أتعجب من طاقات الشباب المهدرة على نواصي الشوارع و في المقاهي تنتظر يوم الفرج، يوم تجد شغلا تقتات منه أو موقعا تنطلق من خلاله في رحلة البناء، إنها الطاقات المعطلة و المغيبة عن الحياة بينما يتجول الغربيون في طول البلاد و عرضها و ينتهكون عرضها و حرماتها تحت حراسة تلاميذهم من رجال النظام. و لقد ضاعت الآلاف من شباب تونس بين الغرق و الحرق و اللجوء و السجون و المعتقلات أو بين الضياع و اللهو و المخدرات كل هذا يحدث و الدولة و الدوائر الرسمية فيها تتحدث عن الحداثة و التطوير و التطور. بطبيعة الحالة التونسية يوجد تميز تونسي حضاري أصيل ليس للدولة يد فيه بل هي التي ساهمت في تدمير عراه و تحويل مجراه عن المسار العربي الإسلامي الصحيح إلى الفرنسة و التغريب المريب الذي بدأه أبو رقيبة فكريا و بوليسيا و استمر فيه النظام المنهار قهرا و استبدادا و تسلطا. و ابتدأ الأمر باجتثاث جذور الفكر الإسلامي و محاربة اللغة العربية و انتهى بمحاربة أبسط عناوين العفة و الطهارة في محاربة الحجاب و مظاهر التدين وصولا إلى إغلاق المساجد و حصر من يدخلها و فتح البلاد على مصراعيها للعاهرات  و نصف العاريات من بنات أوروبا و للمنحرفين و الشواذ.

         إنها تونس الزيتونة، تونس الخضراء التي بقدرة المولى جل و علا تفجرت نارا تحت أقدام الطغاة، و سبحان من جعل من الشجر الأخضر نارا و من تونس الخضراء لهبا يهرب من حره العملاء. و لقد استخف بن على بالشعب التونسي طويلا و لكن الله غالب على أمره و لو كره المنافقون. استخف بن على بقومه و شعبه و لكنهم لم يطيعوه بل صبروا عليه و إن الله مع الصابرين. فهل يتعلم بقية الحكام و خاصة الظالمين منهم هذا الدرس. هل تتعلم الشعوب العربية الأخرى من تجربة الشعب التونسي الصابر و المجاهد في الثورة الشعبية المباشرة و العفوية. إنها ثورة الشباب و الشابات، ثورة الرجال و النساء، إنها ثورة المحرومين من أبناء الطبقة الكادحة و المسحوقة. ثورة سلبت الغربيين عنصر الترتيب و المباغتة فتهاوت أركان النظام فوق جثث الضحايا و الشهداء و كأنهم كانوا يطلقون النار على أنفسهم و صعقت عواصم التآمر الغربي و خاصة باريس.
لقد هبت رياح التغيير في تونس من أقصى الجنوب إلى أعالي الشمال دون الحاجة إلى دبابات الغرب أو الشرق و دون المرور بمحطة الإذاعة و التلفزة التونسية، إنه الدرس الجديد في ثورة الفقراء العزل الذين واجهوا رصاص الخيانة و الخونة و العملاء بصدور عارية تتطلع إلى الجنة و الشهادة في سبيل الله و الوطن. إن رياح التغيير في تونس كفيلة بان تشعل المنطقة العربية بكاملها فهي لا تحتاج لوقود غربي أو موافقات من العواصم الغربية و لكنها تحيى و تنمو بقوافل الشهداء و ليس هناك سبيل لهذه الأمة غير هذا الطريق. و لقد كان الكثير من المفكرين العرب محتارين في المخرج من أزمة هذه الأمة و هاهو الشعب التونسي يرسم الطريق و يلونها بدمائه الطاهرة الزكية.

            و أهم درس من هذه المدرسة أو التجربة التونسية هو الرفض القاطع للاستخفاف بعقول هذه الأمة و بكرامتها و برجالها و بعلمائها، فعلينا رفض فكرة الرئاسة مدى الحياة بشكل قاطع و نهائي و علينا رفض أفكار و أسس التوريث الفرعوني و رفض اللعب و التلاعب بمصير الأمة فأعداء الأمة استأسدوا علينا و تكالبوا علينا و نحن نرزح تحت قيود العمالة أو التخلف أو القهر. فلقد هبت من تونس على المنطقة رياح النهضة و الديمقراطية و الحرية و التي في ظلها تتحقق الوحدة و العزة و الكرامة لهذه الأمة و على الشعوب أن تفيق من سباتها و صدق شابيى تونس عند ما قال:
إذا الشعب يوما أراد الحياة       فلابد أن يستجيب القدر
و كل ما تحتاجه الأمة في هذا الزمان هو إرادة الحياة و نبذ السبات أو الموت المؤجل فالنائم كالميت في الأحكام، إن المطلوب الآن هو الحراك من أجل النهضة الشاملة و هو روح الصحوة.

Friday, January 7, 2011

صناعة المستقبل 3

        إن صناعة المستقبل الكريم تحتاج إلي رجال أحرار، أحرار في القرار وأحرار في الأختيار لا قيد يلزمهم إلا مصلحة الوطن وقواعد الدين الحنيف. فالرجال الأحرار هم الذين يبنون وهم الذين يدافعون. وهم الذين يضحون وهم الذين يحققون الحرية وهم الذين يقودن النهضة.

                                                   الحرية قبل التحرير


في السبعينيات كتب الأستاد سليم اللوزي مقالاً في مجلة الحوادث بعنوان" الحرية قبل التحرير يا أبو عمار "، ولقد دفع الكاتب حياته ثمناً لهذا المقال والذي تحدث فيه عن أهمية معنى الحرية والممارسات الديمقراطية في المخيمات في لبنان في مرحلة النضال من أجل التحرير ودلل على كلامه بمقولة عنترة بن شداد الذي قال " إن العبد لا يكر " عندما طالبه شداد بالكر على الأعداء، ثم أبرز بطولات عنترة بعدما حرره شداد ونسبه إليه . وفي نفس المقال عرج الكاتب على بعض الأنظمة العربية، مؤكداً على أهمية الممارسات الديمقراطية في ظل الحرية في نسيج العلاقة بين الشعب والقادة. والآن ونحن نرى مراحل النضال الفلسطيني تصل إلي طريق مسدود  تسجن فيه السلطة الوطنية المناضلين وتعاقب العصابات الصهيونية أهل الشهداء بتدمير بيوتهم، كما نرى العراق والمنطقة العربية على أبواب مرحلة جديدة من الاستعمار المباشر لا نجد بديلاً عن مبدأ الحرية قبل التحرير. فالأصل في الأمر أن يكون الانسان حراً في وطنه وبين أهله لكي يقرر النضال، لكي يقرر الجهاد ، لكي يقرر الأستشهاد أما إذا كان عبداً مأموراً فإنه لا يفكر إلا في الهروب من المسئولية، ومن النضال ، ومن الجهاد، ومن المعركة وشتان بين الأحرار والعبيد.
       إن أمتنا العربية والأسلامية تتطلع إلي اليوم الذي تأخذ فيه مكانها كأمة مستقلة ذات سيادة تتعامل مع الأمم الأخرى على قدم المساواة، تفتخر بحاضرها وتصبو إلي مستقبل أفضل،والبشرية بحاجة إلي دورها في إحياء قيم العدل ونشر السلام في ربوع الدنيا في هذا الوقت أكثر من أي وقت مضى. لكن أنى لها هذا وهي تأن تحت استبداد أبنائها وتدميرهم لكل الامكانيات والطاقات واستخفافهم بكل قيمها. إن الطريق إلي تحرير الأمة وتوحيدها لن يتم إلا إذا تحققت الحرية الكاملة لأبنائها. نعني بالحرية حرية الفكر، حرية النشاط الأقتصادي والأجتماعي من أجل البناء. وتحقيق الحرية الكاملة هو جزء من ثقافة ومنهاج حياة، فنحن دائماً نقول " لا إله إلا الله " وهى تعني أنه لا يوجد سيد يستحق الطاعة الكاملة ونحتاج إلي رضاه كاملاً إلا الله، لا زعيم ولا قبيلة ولا حزب ولا جماعة يجب أن يكون لها هذا الحق أو حتى جزء منه فالاحزاب والحركات والجماعات وسائل يتجمع فيها الناس لتحقيق غايات سامية تخدم مصلحة المجتمع ككل ويجب ألا تتحول إلي معبودٍ آخر أو دين جديد. وإذا كانت الحركات أو الجماعات تصنع قيوداً بأسم السمع والطاعة والالتزام بالعمل فإن هذا يجب ألا يرقى إلي مستوى التضحية بالهدف من أجل الوسلية. وللأسف كثيراً مانلاحظ الصدام الحاد بين الحركات  ذات التوجه الواحد مثل روافد التيار الاسلامي أو أجنحة التيار القومي أو فصائل المقاومة أكثر من الاشتباك مع العدو المشترك لها. كما نشاهد ضراوة المعارك بين الدول العربية المتجاورة على عدة حدود في الوطن العربي بينما لا يحدث مثل هذا مع العدو الصهيوني. كما يمكننا أن نسجل مشاركات الجهات الشعبية في الوطن العربي في النضال من أجل التحرير أيام الأستعمار في فلسطين والجزائر وليبيا كان أكثر وأفضل من الدورالذي تقوم به الدول العربية مجتمعة في جامعة الدول العربية. فبالرغم أن ليبيا لم تكن مستقلة سنة 1948 م إلا أن شبابها تطوع ورحل إلي فلسطين وشارك في المعارك وبالرغم من أن الجميع كان ينظر إلي العهد الملكي في ليبيا على أنه رجعي إلا أنه ساهم في تحرير الجزائر أفضل مئة مرة من مساهمة أي دولة عربية في النضال الفلسطني حالياً وهذا يدل على أن الاستقلال الوهمي والأنظمة القطرية كبلت المواطنين وهمشت دورهم في الحياة السياسية والحياة بصفة عامة إلي حياة ميت ينتظر ملك الموت، فلا حياة بدون الحرية ولا معنى لاستقلال بدون حق المشاركة في تقرير المصير من خلال  ممارسة السلطة. الحرية مبدأ سامي لا يجوز أن نساوم عليه أو نرضى بحل وسط فيه وهي ممارسة على أرض الواقع وليست شعاراً يرفع ليقتل الناس لأجله. وأعتقد أن الطريق إلي الحرية يحتاج إلي صبر وتضحيات وعمل دؤوب من خلال نضال تشارك فيه فئات المجتمع. وتحقيق الحرية كاملة يعني السعادة للجميع والازدهارللجميع والعزة للجميع والتقدم للجميع. وإذا كانت الحرية غايتنا  فيجب أن تكون وسيلتنا، وبتأكيد أهمية الحرية في حياتنا وخلال نضالنا نؤسس لها ونجذر لقيمتها بيننا وفي  مجتمعنا ونفوسنا. ولن يتم لنا التحرير الكامل إلا إذا تحققت فينا وبيننا الحرية من كل شئ فالماديات تفنى ولا تبقى إلا المبادئ السامية. وعندها يمكن لأمتنا أن تكمل مشوار التحرير كبقية شعوب العالم. فلا يوجد خيار أمام الشعوب العربية إلا خوض معركة التحرير والله لا يغيرما بقومٍ حتى يغيروا ما بأنفسهم.  إن ما حدث منذ عشرات السنين هو استقلال شكلي ولكننا الآن بحاجة إلي أن نحرر:

·        الإرادة السياسية بإفراز قيادات منتخبة تمثل الجماهير وتدافع عن مصالحها وتقودها بإخلاص.
·        الإرادة الأقتصادية بتسخير امكانيات الأمة العربية الأقتصادية لبناء قدرتها وقوتها وتأسيس اقتصادها على أسس زيادة الأنتاج وعدالة التوزيع بما يحقق الرخاء للجميع.
·        الإرادة الحضارية بتحقيق الحرية وحقوق الإنسان بما يحقق انطلاقة فكرية وثقافية وحضارية ابداعية تساهم في صنع مستقبل الأمة وتثري التقدم الحضاري للبشرية.
·        الإرادة العسكرية بيناء كوادر عسكرية وطنية تؤمن بالله وبعزة الأمة وتتسلح بالعلم والايمان لحماية الأمة في عصر التقنيات المتقدمة بكافة الوسائل.
ربما يكون الطريق محفوفاً بالمخاطر ومعبداً بالتضحيات، لكنها كلها تهون في سبيل سعادة أبناؤنا وأحفادنا وعزتهم. ولقد كان الطريق أصعب على عبد القادر الجزائري وعمر المختار وأحمد بن بيلا ويمكن أن تكون مهمتنا أسهل بكثير إذا تعلمنا الحوار بدل الصراع وحسن الظن بالجميع بدل سوء الظن، ومحاولة التلاقي بدل التنافر والتناحر، واتبعنا سياسة المراحل بدلاً من القفزات الخيالية والتي تنتهي بنا في الحفر. ولنكن على يقين  من أن المستقبل الزاهر فيه خير الجميع وسعادة الجميع ويحتاج إلي جهد الجميع. إذا وعينا ذلك جيداً وقام كل منا بدوره توزع الثقل وقل الضرر.    

Wednesday, December 29, 2010

صناعة المستقبل 2

 نشر هذا المقال في 26 مارس 2003م


               إنما يصنع المستقبل الزاهر رجالُ يؤمنون بقمية الحرية يقدسونها، يدفعون ثمنها ويدافعون عنها. والمستقبل الزاهر هو مستقبل يحمل في طياته عناصر الإثمار والخير والعدل والسلام. فالحرية هي الهدف والأداة والوسلية، وهي جزءُ لا يتجزأ، وهي ثمرة الايمان الكامل بلا إله إلا الله.

الحرية 

           الحرية قمية إنسانية فطرية، فالانسان يولد حراً في الأصل إنما ابتدع القيود والعبودية الظلمة والطواغيت والبغاة من بني الإنسان. وأصبح على أجيالنا أن تناضل من أجل أن تنعم بها كاملة غير منقوصة. فالحرية تعني التفكير الحر والقرار الحر والعمل الحر فهي لا ترضى الاكراه  أو القيود أو المحاذير والموانع التي تحمي الخاصة. ولقد وصلت الانسانية الي مرحلة راقية بحيث حرمت على نفسها استعباد الانسان وبيعه في أسواق الرقيق وهذا ماسعى إليه الاسلام من خلال ممارسته بحيث ربط بين تحرير الرقيق ومساواتهم كاخوة بين ابناء المجتمع المسلم وبالتالي حقق الهدف في مثالية رائعة منذ أربعة عشر قرنا حيث ساوى بين سيدنا بلال الحبشي رضي الله عنه وسيدنا أبي بكر الصديق رضى الله عنه وأرضاه الذي أعتقه. وإذا أردنا أن نعرف معنى الحرية علينا أن نراجع أحكام الرقيق في أعدل شرع عرفه التاريخ وهو الشرع الاسلامي. وقد حول الظلمة المالك من إنسان إلي الدولة أو الحزب أو القبيلة أو النظام وتفننوا في تزين القيود وعلينا أن نعرف أن القيد قيداً ولو كان من ذهب،  فالعبرة بالنتيجة وليست بالوسلية . والحرية قمية إنسانية رائعة تنمو وتزدهر بالممارسة ولا تزدهرحضارة في غيابها بل يمكننا القول أن الحرية هي الركيزة الانسانية للحضارة الانسانية واذا رافقها العدل دامت.
           ويمكن أن نعرف أنواع الحريات فيما يلي :-
1.      حرية الإعتقاد، وهي تكفل للإنسان الحرية الكاملة في اختيار الدين وبالتالي الحق في ممارسته والأصل في الدين هو السمو بممارسات الانسان إلي أفضل مستوى.
2.       حرية التفكير، وهذه تكفل حرية الابداع والاختراع وطرح الافكار ومناقشتها والتفكير فيما يمكن أن يكون نافعاً للناس لاقامته أو ضاراً لدفعه.
3.      حرية التعبير فكل إنسان له الحق في التعبير عن أراءه وأفكاره بجميع الواسائل المتاحة له بكل أمان.
4.      حرية التصرف، فالإنسان حر في أن يتصرف فيما يملك مادام قادراً على إتخاذ القرار السليم وإنما يحجر على السفيه في الأسلام لحمايته من سوء تقديره وليس للتلاعب في ماله.
5.      حرية الاختيار بين البدائل المتوفرة فعندما يتساوى الناس وتتساوى فرص الاختيار يجب تحقيق الحرية في الاختيار ولو أدى الأمر إلى اجراء القرعة بين المتقدمين.

واقع الحريات في الوطن العربي 

             بعد قرون من الكفاح والنضال وملايين الضحايا التي قدمتها الأمة العربية على طريق الحرية يوجد بلد عربي واحد تتوفر فيه كل الحريات ففي بعض الحالات يوجد هامش بسيط من الحريات وكم هائل من القيود المحاذير والعقوبات. وهذا راجع إلى عدة عوامل أهمها الجهل بقيمة الحرية والجهل بطرق ادارة الأمور والأعتماد على نصائح اعداء الأمة . والسؤال الذي يفرض نفسه لماذا لم تتحقق الحرية كاملة عند الاستقلال في كل دولة عربية؟ والاجابة قد تختلف من قطر لآخر حسب نسبة الحسم في عملية التحرر وهي كلها قد تقع تحت أحد الأسباب التالية:-
·         عدم تحقيق انتصاراً بيناً على المستعمر وهذا يعني أن يدخل أهل القطر في مفاوضات مع المستعمر قبل النصر وبالتالي يتشكل نظام الحكم حسب ما يحقق هدف المستعمر الأصلي من التمكن في خيرات  البلد والتحكم في مصيره. وليس أدل على ذلك مما يجري على يد السلطة الوطنية الفلسطنية فهى تبني السجون وتعتقل المناضلين قبل أن تبني الدولة.
·         التفاف عملاء المستعمر حول طلائع التحرير في اللحظات الأخيرة قبل حسم المعركة مثلما نجح عملاء المستعمر في كثير من الدول من الأنضمام إلى جبهات التحرير أو الحكومات الوطنية ثم الانقلاب عليها واجهاضها من الداخل ، وأوضح مثال على هذا هو خروج أحمد بن بلا من السلطة مع أنه بطل تحرير الجزائر.
·         تسامح المنتصرين في عملية التحرير مع من تعاون مع الاستعمار ونسيان الماضي وبعد ذلك يعاود الخونة وأبنائهم اختراق الصفوف و لعب دور الطابور الخامس والذي ينتهي به الحال إلى سدة الحكم، وفي كثير من الدول العربية أحفاد أبطال الجهاد لاجئون في الخارج وأحفاد الخونة يسطيرون على الأنظمة.
·         انخفاض مستوى التعليم في القطر وبالتالي يحتاج النظام الوطني المستقل إلى مستشارين عرب أو أجانب يوجهونه حسب مصالح بلادهم وإلى أساليب المستعمر في التحكم في الشعوب.
·         ضيق الأفق وعدم وجود رؤية مستقبلية تؤمن سلامة تداول السلطة، وهذا يؤدي إلى بقاء الحاكم مدى الحياة، فيتحكم في البلد ويتحول إلى فرعون عصره ثم لا يرضى بهذا فقط فيفكر في استمرار السلطة في اسرته.
·         الثقة الساذجة من الشعوب وانخفاض مستوى التعليم يساعد على خلق الفراعنة والله سبحانه وتعالى يقول " استخف قومه فأطاعوه " والرسول الكريم صلى الله عليه وسلم يقول " لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ".
·         الاقبال على الدينا والأعراض عن المبادئ والقيم الانسانية ملأ قلوب علماؤنا ومفكرونا بالجبن مما ساعدهم على الرضى بأعلى مستويات الجهل بين عامة الشعوب.  وبدل أن يستثمروا قدراتهم وعلمهم في النهوض بالأمة تفننوا في الوصول إلى أعلى مستويات الكسب المادي.

طريق الحرية في الوطن العربي

              لقد تغنى شعراؤنا بالحرية، ودعوا إلى بذل الغالي والرخيص في سبيلها أيام الاستعمار ولكنهم لم يعيشوا ليتمتعوا بها. ولا زال النداء حياً ولكن الوسائل قد تتغير. ربما يطول الطريق ولكن النتيجة مؤكدة، وما ضاع حق وراءه مطالب. وبالرغم من الصورة القاتمة أحياناً التي نحاول أن نرسمها للماضي والمستقبل إلا أننا يجب أن نعترف بأن الأمة قد حققت مراحل كبيرة على طريق الحرية وهي بحاجة إلى النهوض المتكامل إنسانياً ومادياً ومعنوياً لكي تأخذ مكانها بين الأمم. لقد ذهب الاستعمار إلى غير رجعة حتى وإن بقي أعوانه أو أذنابه وتحقق هامش من الحرية والاستقلال ولو كان بسيطاً، فلدينا من الضوء ما يكفي لتبديد الظلام.

                وطريق الخلاص والنهضة يحتاج إلى :-

1.      رجال يعشقون الحرية بناً على قناعات راسخة وليس مشاعر وأحاسيس وأحلام لا تقوى على مواجهة الصعوبات. ووظيفة هؤلاء الرجال هي رفع لواء الحرية وقيادة حركة النهضة في هدوء وسكينة وبمنتهى الحكمة في ظل معرفة للواقع وإيماناً بحتمية المستقبل سلاحهم الأساسي على هذه الطريق هو المبدأ السامي في تحقيق الحرية على أرض الواقع.

2.      توعية مستمرة بأهمية الحرية كمبدأ وكممارسة، فا لسلاح الأقوى هو وعي الجماهير لأهمية الحرية للوصول إلى العدل والمساواة ثم بعث الحضارة بأبعادها المعنوية والمادية بما يحقق كرامة العيش بين الشعوب الأخري.

3.      شمولية النهضة فالكل جزء من المجتمع ولا يمكن أن نبني حضارة على جماجم الشعب بل بسواعد الجميع.

4.      إتباع الأساليب والوسائل السلمية في النضال من أجل استكمال الحرية.

5.      إتباع الطريق العلني في العمل فالأساليب السرية تغيب قطاعات كبيرة من المجتمع ثم تستخف بها وبالتالي تسلبها حقها في الحرية.