Monday, January 17, 2011

ظواهر سياسية تونسية

        في غمرة الفرح بما جرى و يجرى في تونس يجب علينا أن ننظر بتروي إلى ما يحدث. كيف حدث و لماذا حدث و ما هي أسباب نجاحه الباهر، ثم كيف نحافظ على استمراره و عدم سرقته من أعداء التغيير في الداخل و الخارج. و الأمر كله يمكن أن يجمع تحت مظلة الوعي الشعبي العام، و هذا راجع بالدرجة الأولى إلى كثرة الإطلاع عند شعب تونس و حب الإطلاع و متابعة الأحداث العالمية و محاولة فهمها و التفاعل معها. و الشعوب كالبشر كلما زادت خبرتها نضجت أفكارها و تحددت أهدافها ووصلت إلى ما تريد بأقل الخسائر. و سوف أحاول تلمس أطراف هذا الموضوع من خلال تناول أحد أبرز الشخصيات المعارضة للنظام التونسي ألا و هو الشيخ راشد الغنوشي.

تعارف

     تعرفت على الشيخ راشد في إحدى ليالي ديسمبر سنة 1992م عند ما ألقى درسا بالمسجد القديم بدبلن أيرلندا. تحدث الشيخ عن الدعوة و التحرر و النهضة و ذكر جهاد الليبيين و صلابة أهل الجزائر و أكد على ضرورة المرونة في التعامل مع الناس بالتيسير و التبشير ثم فتح الباب للنقاش. مرت أسئلة كثيرة تقليدية و لكن أحد الحاضرين و هو عراقي كردى سأل الشيخ قائلا: لو خيروك بين انقلاب عسكري يوصلك للسلطة في 24 ساعة و تغيير شعبي خلال عشرين عاما ماذا تختار؟ فرد الشيخ: أنا ضد الانقلابات العسكرية و مع التغيير الشعبي الديمقراطي و نحن في حركة النهضة نريد أن نشارك في العمل السياسي و ليس هدفنا الوصول إلى السلطة. و الحمد لله الذي حقق مراد الشيخ في هذا العام.
 و هذا الخيار الديمقراطي هو الخيار الشعبي التونسي العام فكل ما زادت ثقافة المجتمع مال إلى الحل السلمي و رفض العنف و ثورة الشعب التونسي البيضاء خير دليل على هذا و الدم الذي سال كان بفعل النظام المنهار و أعوانه.
 بالطبع هناك بعض المتشددين الذين لا تعجبهم أفكار الشيخ و لكنني رأيت فيه ضالتي و من ذلك اليوم أصبحنا أصدقاء، فكلما سمحت الفرصة نلتقي و نتجاذب أطراف الحديث بكل صراحة.

الانتماء و الوطن

         كان الشيخ دائما ينصح بالعودة إلى الوطن أو على الأقل زيارته عند كل فرصة، و يقول أخطر شيء أن نفقد الاتصال بالوطن و كان حريصا على عدم التجنس فبقى في وضع اللجوء و يتجول بوثيقة سفر لا تحميه كثيرا، فهو يرفض الانتماء لغير تونس. و قد حرصت أجهزة المخابرات الغربية على مضايقته تحت ستار محاربة الإرهاب و لقد رايتهم بأم عيني على التلفاز و هم يضايقونه على وسائل الإعلام الغربية مع علمهم الأكيد على أنه رجل يرفض الإرهاب و يؤمن بالحريات و المسار الديمقراطي. و الانتماء لتونس هو من مزايا الشعب التونسي أين ما حل، و يظهر هذا جليا في كل المناسبات.

حركة النهضة و الزعامة

       كثيرا ما دار النقاش بيننا حول جوانب من تاريخ و نشاط و أهداف الحركة و بصراحة تامة، لدرجة أنى في إحدى المرات قلت للشيخ أرجو أن تسامحني إن تجاوزت الحدود، فقال لي نقاشك يفيدني فأنت لا تجاملني و بالتالي تفتح أمامي الرأي الآخر. و في إحدى المرات قلت له أنتم تتهمون الزعماء بالتسلط و لا تسمحون بتداول السلطة في تنظيماتكم، فأجابني نحن في حركة النهضة نتداول على المسئولية و قد تولاها غيري عدة مرات و لعدة سنوات، و أنا الآن أعمل بشكل إرشادي للشباب و نحن محاربون في الداخل و الخارج كما يعرف الجميع. و الحوار و النقاش الهادف أحد مزايا الوعي العام و الثقافة الجيدة و هو متوفر لدى معظم أهل تونس.

المبادئ السامية

      لقد أعجبني في الشيخ راشد وقوفه المتكرر مع و في تأييد أصحاب الرأي الآخر من يساريين و شيوعيين و سجناء الرأي. و كان من عادته أن يصوم كل ما أضرب السجناء اليساريين عن الطعام في سجون تونس. كما بعث عدة مرات برقيات تناهض أحكام ضد شيوعيين في عدة دول عربية، فهو يحترم الاختلاف في الرأي و يعتبر الجميع شركاء في الوطن الكبير. و هذه كذلك من صفات أهل تونس بصفة عامة و نحن نرى كيف يسلمون المشتبه بهم إلى رجال الشرطة خلال الأحداث دون التصرف من عند أنفسهم، إنه الالتزام الحضاري في السلوك.

الخلفية الثقافية

بدأ الشيخ حياته العلمية في دراسة الفلسفة بسوريا و كان ذلك بهدف المحافظة على الموروثات الثقافية العربية أيام التغريب في تونس، و كان حينها من أنصار التيار القومي الناصري و استمر عليه إلي أن عصفت بهذا التيار حرب الأيام الستة، فتحول راشد إلى الاتجاه الإسلامي ثم عاد إلى تونس و قرر خوض غمار العمل الإسلامي أيام أبو رقيبة. و بالتالي خيارات الشيخ كانت منذ البداية عربية ثم تحولت إسلامية و إنسانية و بطبيعة الحال أساسها تونسي أصيل. و هنا مربط الفرس فالمواقف المبنية على وعي ثقافي دائما لا تخطيء مثل ما يحيد العاطفيون عن أهدافهم بسبب قلة الوعي.

الوعي السياسي

لقد كان الشيخ من أبرز الداعين إلى تفكيك بقايا النظام السابق و ذلك لمعرفته بدهاء دوائر الحكم العربية و الغربية و تغولها في الحرب على التغيير مهما كان سلميا. و ربما يكون الحل في حكومة تسيير وطنية مع إعداد لوائح اتهام لكل المسئولين الذين شاركوا بن علي في جرائمه دون تردد و تقديمهم للمحاكمة في الأسابيع القادمة استباقا للأحداث و بالتالي تتم الإطاحة بمن له دور مشبوه في الحكومة الحالية. و الشعب التونسي يملك من الوعي ما يمكنه من هذا، خاصة بتضافر جهود المحامين و القضاة و أساتذة الجامعات و النقابيين.

العمل الدءوب و متابعة الأحداث

في إحدى زياراتي إلى لندن مررت على الشيخ في مقر الحركة فوجدت فريق العمل كل في مكتبه و العمل يسير بشكل منظم و مستمر، ففي كل حجرة ملفات تخص الأحداث و الأنباء و التطورات. و الشيخ هو المعارض العربي الوحيد الجاهز عند كل لحظة للتعامل مع الأحداث و لقاء وسائل الإعلام.
 و لا تسمع أصوات في المقر فالبعض يتابع وكالات الأنباء و التلفزة و شبكة المعلومات و عند وقت الصلاة اجتمع الجميع في هدوء للصلاة. و عنوان المكان هو عمل دءوب من أجل تونس و متابعة وتفرغ للتعامل مع الأحداث و هكذا تأتي النتائج.

استمرارية التحرك

       لقد حاول بن علي خداع الجماهير في خطابه الأخير، كما حاول أعوانه الثلاثة الالتفاف على ثورة الشعب عند ما حاولوا تنصيب محمد الغنوشي رئيسا مؤقتا لتونس. و لقد تتبعت بيان وزير الداخلية أحمد فريعة يوم 16 يناير و كان كلامه خطير جدا حيث حاول تجريم الثورة الشعبية من خلال سرد الخسائر و تسفيه تحركات الجماهير، كما وجه تخويفا من الاستمرار في الثورة بأسلوب الإرهاب المبطن و عليه فأنا أدعو إلى إسقاطه و تقديمه للمحاكمة فورا و كذلك إسقاط محمد الغنوشي و الرئيس المكلف، و يمكن تعيين مجلس مؤقت للرئاسة من مستقلين يدير شؤون البلاد. و الثورة التونسية قامت ضد الرئيس و ضد النظام و ضد الحزب و ضد الحكومة و ضد الدستور المزيف و يجب أن يتم إسقاط الجميع و لدى الشعب التونسي العديد من الكفاءات القادرة على تسيير الأمور.

    و حفاظا على المكاسب التي تحققت يجب الاستمرار في التحرك السياسي الشعبي بالداخل و الخارج بشكل منظم و مستمر لمواجهة أخطار التآمر الدولي على تونس و شعبها. فالمهرجانات الشعبية و المسيرات يجب أن تنعقد باستمرار كل ليلة في المدن الرئيسة في الداخل و في العطل الأسبوعية في عواصم الدول الغربية.

No comments:

Post a Comment