Monday, January 17, 2011

الفنان بشير حمودة ورحلة الإبداع

           الإبداع الفني ليس عملية عشوائية يلجها كل من كان لديه وقت وأدوات ، بل هي نتاج معاناة حقيقة تخرج إلى الدنيا معبرة عن أحاسيس الفنان و مشاعره. وهى بالتالي ليست ترفا فكريا، بل جزءا من سلسلة ومرتبطة بمشوار الحياة. و كلما كانت المعاناة اقسي كان التعبير الفني عنها أجمل و أعمق. و يحضرني هنا قول للفيلسوف اللبناني  جبران خليل جبران : اللؤلؤة هيكل بناه الألم حول حبة رمل. الجميل في عملية البناء هذه أن المحارة تستمر في تنمية اللؤلؤة حتى بعد ما يغيب عنها الألم، فحلاوة و جمال المنتج تكون الدافع لمزيد من الإبداع و تتحول المحنة إلى منحة.
في هذا المقال، سنحاول قراءة بعض اللوحات الفنية للفنان بشير حمودة ، وذلك من خلال وضعها في مجموعات ذات علاقة من حيث الفكرة و الموضوع. و تبقى هذه القراءة للكاتب و هدفها هو إثارة الاهتمام بالجوانب الفنية و الموضوعية لانتاج هذا الفنان لدى القارىء الكريم و ربما يرى هو فيها غير هذا.

المرأة ملامح ومعالم فنية

يقولون وراء كل عظيم امرأة، لذا أحببت أن تكون البداية بقراءة بعض اللوحات ذات العلاقة بالنساء، و ربما تكون أول لوحة التي رسمها هذا الفنان في ايطاليا في مقتبل العمر ،حيث خاض غمار ممارسة العمل الفني بكل شاعرية ، دءوبا في إيقاعه و بحثه عن اللون الجميل و الجمال. و يتضح اثر الحقبة الايطالية في حياة الفنان من خلال الألوان الصفراء الترابية و الحمراء الطوبية و ألوان الأحجار الوردية و الرمادي المشبع و الكاتم لألوانه، وكذلك كان التعرف عن قرب على إعمال الرسامين التجريبيين و التجريديين و التعبيريين. و في روما تداخلت حياة الفنان بشير في الفن و مع الفن، فاتخذ من مرسمه مكانا للنوم، وكأني به لا يطيق فراق الفن حتى و هو نائم. و لكنه بقى فى غربته لصيقا بطرابلس دائما فهو كان قد غادرها جسديا فقط حاملا معالمها في قلبه. ففي اللوحة الأولى و بالرغم  من أن اللوحة كانت رسما لفتاة تقف أمامه إلا أنه ابرز منها ملامح الجمال  في استحياء يحمل بصمات النشأة الليبية. فالوجه  كبياض الثلج و الشعر كسواد الليل مع تناسق رائع لمعالم  جمالية تكتفي بإطلالة عين واحدة.


وجه فتاة


ثم  بعد إتمام الدراسة كانت العودة لأرض الوطن والتراث الليبي من خلال الزى الطرابلسى ، اى الفراشية  و الرؤية فيها ذات بعدين فقط من خلال عين واحدة في اللوحة الجميلة التالية. و يمكن أن نسميها الجمال المكنون أو المكنوز، ففيها لمسة عمق معبرة. وقديما قالوا إن أجمل ما في المرأة عيناها، فكل شيء فيها تصله الشيخوخة إلا العين، فإنها تحافظ على جمالها و عمقها عبر السنين و كذلك هذه اللوحة.


فتاة ليبية من طرابلس

ثم تأتى مرحلة خروج المرأة للعمل؛ و تبدأ علامات الإجهاد و الاحتكاك العنيف أولا بالنساء ثم بعد ذلك بالرجال،
 و ترتسم على المحيى هذه العلامات وتأخذ مكان معالم و ملامح الجمال و الأنوثة في اللوحة التالية.


المرأة العاملة
وكأني به ينتقل فى هذه اللوحات الثلاث من  الجمال الساطع الى الجمال المكنوز و أخيرا إلى الجمال المرهق فى خضم البحث عن الاستقلالية وبروز الذاتية. و تسيطر على هذه اللوحة قسوة الألوان و غياب اشراقتها و ربما يرجع هذا لصعوبة ما تلقاه المرأة العاملة في حياتها. و للفنان لوحات عديدة  تتطرق لجوانب كثيرة فى حياة النساء.


المدينة معالم حضارية

المدينة هي تجمع سكاني في شكل حضري مستقر، تتوفر فيه وله مقومات الاستمرار الحضاري. و عادة ما تلتقي فيها و عندها أشكال الاتصال المختلفة. و للمدينة أثر بالغ في كل فنان لأي مبدع يعيش فيها. فهي تلقي بظلالها على نفوس من يسكن فيها، و من خلال الرسم يسقط الفنان بعض المشاعر و الأحاسيس الكامنة فيها. ففي اللوحة الأولى نرى لوحة جوية لمدينة.

مدينة من الجو

في هذه المدينة تبدو القسوة واضحة، فلا يوجد فيها طريق سالك و كأنها خنادق متواجهة. كما لا ترى فيها أثرا لشاطئ أو بحيرة فهي تبدو جافة. و لا يوجد بها مساحة خضراء ولا حتى أرض براح. إنها بلا شك رمز للمدينة عندما تختفي منها رموز الحياة، فلا نهر و لا بحر و لا شجر، انه التكالب على المادة. فاللون الأصفر الترابي يحمل في طياته نبرات غير آملة و يتخللها اللون الأسود فيلقى عليها ظلالا من الحزن.

ثم ننتقل الى لوحة تتحدث عن التسامح الديني عندما تتجاور المساجد و الكنائس و المعابد و يعيش البشر في سلام، يتعايشون و يتعاونون ، فالدين لله و المدينة للجميع. و هنا يبرز الاطمئنان الروحي و الارتياح  فى تمازج الألوان وتراكب الخطوط و تعاقب الحقب الزمنية وتواصل  الأجيال. أنه تنافس بنى البشر في الرقى الروحي و الانسانى من خلال إتباع الأديان السماوية و الفلسفات المختلفة.


مدينة التسامح الديني

مشاعر إنسانية

يتميز الفنان المبدع بشعور مرهف مع موهبة تحول الأحاسيس إلى بصمات تحملها الخطوط و الألوان في شكل بديع. ففي اللوحة التالية للفنان حمودة  نشاهد تجسيدا لمعنى الرحيل، و هو الانتقال من عالم المألوف إلى الغريب. يمثل الابتعاد عن الأهل و الجيران كغربة المضطر و لوعة المغادر لأحبائه قسرا. فعندها يترك المرء الصحب و الأحباب و يحدث الفراق و يبقى المكان شاغرا و لا يسمع فيه إلا هديل الحمام الحزين، انه الرحيل. و معالم الرحيل واضحة في قلة الألوان و اختفاء بريقها و ميلها إلى الرمادي في تناسق حزين، ربما يبرز ذلك أثرا أقوى للرحيل على الصغير، فهو قد يفقد معالم بيئته الأولى و بالتالي هويته.


الرحيل

  خلق الصبر من الصفات البشرية الحميدة،  فهو الرفيق الأفضل في رحلة الحياة في المقام و في السفر و عند الرحيل و بعد الرحيل. و قد استعمل الفنانون منذ قديم الزمان نبات الصبار ليرمز إلى الصبر.  ولنبات الصبار أشكال و أنواع، بعضها يتميز بطعم قابض و آخر طعمه مر، وبعضها ينتج فاكهة يأكلها البشر و بعضها تأكله الأنعام، و لكنها في مجملها عرفها البشر لتميزها بالصبر، فهي تصبر على قلة أو ندرة الماء و هو مصدر حياتها. ومنها نبات الصبار المعروف لدينا في ليبيا كما في اللوحة التالية. وهنا يعود الفنان حمودة إلى بساتين طرابلس و أيام الشباب ليعبر عن الامل المغلف بالألم  تماما كما في ثمرة الصبار عندما يتم جنيها مع بزوغ الصباح . وكأني بهذه اللوحة تقول الصبر مفتاح الفرج، فبعد نبات الصبار توجد نخلات باسقات.


نبات الصبار
      لا توجد بين المشاعر الإنسانية قيمة إنسانية عند كل البشر أغلى من الحرية، تغنى بها الشعراء، و تاق إليها الفلاسفة و أكدت قدسيتها كتب السماء، و من اجلها خاض العالم حروبا طويلة و سالت الدماء في سبيلها. و كأني بهذه اللوحة تقول ؛
 وحريتاه ...  


صرخة الحرية
كانت هذه قراءة  لجزء من عطاء الفنان بشير حمودة بأبعاده الإنسانية و الفنية التي تستحق الدراسة و تسليط الضوء عليها ، مع علمي بأن هذا الفنان يفضل أن يقرأها كل مشاهد بطريقته الخاصة .
 والانسجام التام بين الموضوع و الخطوط و الألوان دليل ساطع على الإبداع و العطاء لهذا الفنان فى هدوء تام .


بدون تعليق
نزولا على رغبة بعض القراء أضيف بعض اللوحات بدون تعليق و أترك القارىء يتجول خلالها


صراع مع الرجل



وجه فتاة


تكوين


وجه


طبيعة صامتة


صراع فى الحلبة

الفنان فى المرسم

No comments:

Post a Comment