Friday, January 14, 2011

الجامعات و صناعة المستقبل في الصين

لقد تردد على مسامعنا كثيرا خلال مراحل الدراسة المقولة الشهيرة اطلبوا العلم و لو في الصين، و هي دعوة للسفر طلبا للعلم مهما بعدت المسافات، ففي ذلك الزمان القديم كانت الصين أبعد نقطة في مسارات العرب و المسلمين. كما أن العرب عرفوا الكثير عن حكمة شعوب الصين من خلال أسفار التجارة عبر البر و البحر وعلى مدى آلاف السنين. أما الآن فلا توجد بلاد نامية فى العالم بمستوى نمو الصين فهي تمثل اكبر مجمع صناعي و انتاجى تحت البناء. و لقد انتبه الصينيون لدور العلم و البحث العلمي في تسريع عمليات البناء فقاموا بفتح الأبواب لبناء و تطوير الجامعات و المعاهد العليا، بل قاموا بربطها بالعديد من الجامعات في أمريكا و أوربا و استراليا و آسيا و ذلك باستجلاب الخبرات العالمية و بعث مشاريع البحوث العلمية المشتركة. و من خلال أحد برامج التعاون تمت دعوتي للإسهام في تدريس مادة الالكترونيات الدقيقة في تخصص الهندسة الالكترونية، و ذلك فى جامعة نانجن للتكنولوجيا بمدينة نانجن الصينية بشكل مكثف لمدة ثلاثة أسابيع خلال شهر سبتمبر 2009ميلادية.




نانجن قبيل الغروب أمام فندق نانجن
نانجن المدينة
          مدينة نانجن هي عاصمة الصين منذ آلاف السنين و إلى العهد الجمهوري  ، و بعد انتصار الحركة الثورية الشيوعية تم نقل العاصمة إلى بكين. و يبلغ تعداد سكانها حوالي ستة ملايين نسمة و تقع في عمق الصين و هي مدينة صناعية و تجارية كبيرة و يوجد بها عدد من الجامعات منها جامعة نانجن للتكنولوجيا أو للتقنية. و هي تعتبر مدينة عصرية من حيث الطابع المعماري و التنظيم العام و التجهيزات الحديثة.
جامعة نانجن للتقنية



مدخل المركب الجامعي
 يدرس الطلاب في جامعة نانجن التخصصات التقنية و الهندسية فقط ،و لها اتفاقيات تعاون مع عدد من الجامعات الأوربية و الأمريكية، و يبلغ عدد الطلاب فيها حوالي ثلاثين ألف طالب و طالبة و تستقبل كل عام أكثر من ثلاثة آلاف طالب جديد.و تضم هذه الجامعة ثلاثة مركبات جامعية؛ اثنان قديمان وسط المدينة أما الثالث فمركب حديث و يقع في أطراف المدينة، و يتم ربط الثلاثة مواقع بحافلات دورية تتحرك كل ساعة لنقل الأساتذة و بعض الطلاب.



حدائق داخل الجامعة
 و يتميز المركب الحديث بحدائق خارجية جميلة و منسقة تعكس الاهتمام بالحالة العامة للطلاب من حيث الراحةو الانسجام مع الطبيعة.و توفر الجامعة حافلات للنقل داخلها بالمجان بين المباني المختلفة و بها بيوت للطلبة و الطالبات و عدد من المطاعم و مسرح صيفي للنشاط العام.



المسرح الصيفي
و يشتمل المركب على العديد من المباني التعليمية التي تحتوى على قاعات محاضرات مجهزة بأجهزة حاسوب و شاشات عرض و أجهزة عرض حديثة.



فصل دراسي
 أما المعامل فتحتوى على معدات تخصصية متطورة و تتسع لحوالي أربعين طالبا يجرون نفس التجربة على التوازي بالإضافة إلى الحواسيب و أجهزة العرض و يوجد معملان من هذا الحجم للدوائر الالكترونية.



معمل الدوائر الالكترونية
كما توجد بالمركب الجامعي مكتبة علمية مجهزة لخدمة الطلاب و الباحثين و الأساتذة و توفر الكتب و المجلات العلمية و المراجع.



مكتبة الجامعة
بالإضافة إلى المباني الإدارية والخدمية الأخرى.

مجمع قاعات المحاضرات
كما يتوفر بهذا المركب العديد من ملاعب كرة السلة و الطائرة و القدم المفتوحة.



المجمع الرياضي الجامعي من الخارج

 و بالإضافة إليها تم افتتاح المجمع الرياضي الحديث و الذي يحتوى على صالات مغطاة و حوض سباحة و صالات لألعاب القوى و العديد من القاعات و حجرات التدريب و لقد تمكنت من زيارته قبل افتتاحه.



ملعب كرة السلة



صالة تمارين



حوض السباحة
من هذا يتضح لنا كيف يحقق الصينيون الميداليات الذهبية و ينافسون عليها على مستوى العالم، انه الإعداد و الاستعداد المتواصل على جميع الأصعدة.
التفرغ لطلب العلم
يتضح للمشاهد تركيز الصين على بناء القدرات العلمية للبلد من خلال توفير جميع الإمكانيات من أجل راحة الطالب و الباحث و الأستاذ الجامعي. فيتم توفير بيوت الطلبة و الطالبات و بتجهيز جيد و مناسب لقدراتهم المالية.
كما توفر الجامعة بيوتا للأساتذة يتم تمليكها لهم بالإقساط و تتناسب مع مكانة كل أستاذ و مرتبته العلمية.


مساكن الأساتذة داخل الجامعة
و لكي يتفرغ الشباب لبناء المستقبل تم اختزال الخدمة العسكرية الإلزامية إلى أسبوعين فقط من التدريب العسكري الخفيف بعيد الفحص الطبي داخل الجامعة، و بعد ذلك يصبح الطلاب من ضمن الاحتياطي العام للجيش الصيني؛ علما بأن الطلاب و الطالبات يشترون الزى العسكري بأنفسهم و من مالهم الخاص.
و التعليم العالي في الصين ليس مجانيا بل يدفع الطلاب رسوما عالية و مصاريف الإقامة في بيوت الطلبة و عليهم الحصول على المعدلات الدراسية المطلوبة للقبول ثم النجاح في جميع المواد المطلوبة و على سبيل المثال الطلبة الذين قمت بتدريسهم سوف يدفعون حوالي سبعة عشر ألف يورو مقابل دراسة السنة الأخيرة في أوروبا ثم يحصلون على شهادة تخرج من الصين و من جامعة أوربية؛ و هذا يفتح لهم فرص العمل و الدراسات العليا بأوروبا. و الطلاب هنا يدرسون طوال أيام الأسبوع، أي انه ليس لديهم عطلة أسبوع فبعد الأيام الدراسية العادية يذهبون في نهاية الأسبوع لدراسة مواد إضافية مثل اللغات و الحاسوب و يستعدون لامتحانات المعادلة لمن يرغب في مواصلة دراسته في خارج الصين.
لمسات إنسانية
لقد أعجبني جدا جد و اجتهاد الطلاب و حرص الجامعة و البلد على طلب العلم لبناء المستقبل؛ و الطلاب في الصين ينادون الأستاذ بلقب المعلم ،أو معلمي و ينظر الطالب إلى معلمه كوالده و هذا ما قاله لي الطلاب و هي لمسة ضاعت من حياتنا. و في يوم العاشر من سبتمبر كان يوم المعلم و هو يوم دراسي عادى قدم فيه الطلاب لجميع الأساتذة باقات ورد جميلة، و كانت هذه لمسة إنسانية أخرى ، ثم قدم لي الفصل بطاقة تحية بالمناسبة وقعها الجميع.
كما أعجبني جدا اعتزاز شعب الصين ببلده و حضارته بالرغم من الدخول المادية المحدودة، و كذلك الجهد المتواصل في بناء أكبر قلعة صناعية فى العالم، فحيث ما ذهبت تجد البناء و الصيانة و الزراعة و الصناعة. و في الشوارع لا يوجد متسولون أو أناس بدون مأوى بالرغم من العدد الضخم للسكان إنه التناغم بين السياسة و الإدارة مع الحفاظ على الأصالة.
كثيرا ما نسمى الصين بالصين الشعبية و لكن الاسم الصحيح هو جمهورية الشعب في الصين فكل شيء يعمل من أجل الشعب و ليس على حسابه ؛و تلمس التطور و أنت تسير على الطريق يوما بيوم، و لقد زرت دولا اشتراكية و شيوعية كثيرة من قبل و لم ألاحظ ما رأيت في الصين من نمو و إزهار و انفتاح على العالم. كما أنني لم أشاهد صورا للرئيس على الجدران أو في الميادين، باستثناء تمثال لماو تسى تونج في إحدى الحدائق، بينما تجد تماثيل و نصب تذكارية ترمز لإنجازات الشعب الصيني في أماكن عديدة.
توجد بهذه المدينة أقلية صينية مسلمة و عدد من الطلاب المسلمين سوف نخصهم بمقال أن شاء الله، حيث قضيت ثلاثة أسابيع من شهر رمضان معهم و تعرفت عليهم عن قرب.
       أما على الجانب الثقافي فتلاحظ التعلق باللغة الصينية و لكن دون انغلاق ،ففي كل الأماكن توجد لافتات باللغة الانجليزية حتى في القرى و الأرياف كما توجد برامج  إذاعات مرئية باللغات الأخرى و خاصة الانجليزية، كما يتم تعليم الأطفال اللغة الانجليزية من سن مبكرة فقد لاحظت أن الأطفال الصغار يردون علىَ باللغة الانجليزية و بلغة سليمة و واضحة.
وفى الختام يمكنني القول بأن الصين عبرت القرون من دولة أحتلها اليابانيون و هلك شعبها تجار الأفيون و الاستعمارالاوربى لتتحول إلى أكبر منافس للولايات المتحدة في العصر الحديث بعد تفكك الاتحاد السوفيتي و ذلك بصدق الأطروحة السياسية و رصد الأموال لبناء الجامعات و المعاهد العليا و مراكز البحث العلمي في ظل توجه عام للبناء و النهضة مع الاعتزاز بالانتماء للوطن و الحضارة و التراث الوطني الصيني،و صدق من قال قديما:
بالعلم و المال يبنى الناس ملكهم     لم يبن ملك بجهل و إقلال
ولقد ارتبطت قدسية رحاب العلم في تاريخنا العربي الاسلامى بقدسية المساجد حيث كانت الجوامع مقار للتعليم و العلم و الدراسات ولن يكون لنا غد أفضل بدون الاهتمام بالجامعات و الإنفاق عليها بسخاء في ظل أدارت مقتدرة لا تضيعها، فهي قلاع بناء المستقبل الذي نطمح إليه لأحفادنا و أبنائنا من الأجيال القادمة.


2 comments:

  1. مقال جميل أخي الدكتور فتحي، ولا تنقصنا الكفاءات ولكن تنقصنا القيادات، بارك الله فيك
    أخيك عبدالله الهويجي

    ReplyDelete
    Replies
    1. شكرا للدكتور فتحي على المقال الرائع
      وأود أن أقول للسيد عبدالله الهويجي ما ينقصنا هو الوطنية فالجميع (إلا من رحم ربي) يعتبرون ليبيا مكانا للنهب والسرقة والاتكالية وكأنها أرض محتلة سيغادرونها بعد أن يستنزفوا خيراتها.

      Delete