Thursday, December 9, 2010

التربية الوطنية أساس النهضة





      عندما كنا بالصف السادس من المرحلة الإبتدائية فى أوائل الستينيات من القرن الماضى ، قررت وزارة المعارف إضافة مادة التربية الوطنية إلى منهجنا الدراسي . ويبدو أن القرار لم يحتو على تفصيل المنهج المقرر ، وبالتالي تم تكليف مدرس الاجتماعيات بتدريسها وتحديد محتواها. وكان الهدف من تدريس هذه المادة  بعث الروح الوطنية في روح تلاميذ المدارس ، والسبب يرجع إلى أن الشعب الليبي لم يعرف نظام حكم ليبي وطني قبل الإستقلال ولمدة تزيد على ألف عام .  فلقد كان الحاكم يأتي على حصان أو على      ظهر سفينة من الخارج ، ويعينه القيصر أو الخليفة أو الحاكم أو السلطان العثماني ، مرورا بملك روما . فكان الليبي يعتبر مال الدولة مستباحا ويتردد في أذاننا مقولة "رزق حكومة" ، وبالتالي يتعامل معه الناس بالتدمير، أو السرقة وأقلها الإهمال .  كانت اضافة هذه المادة  محاولة لمعالجة ذلك المفهوم الخاطىء وللتخفيف من آثار الإعلام المصري المستفرد بالميدان الإعلامي في كثير من الأحيان من دون أمانة مهنية أو مصداقية . فما كان من أستاذ الإجتماعيات إلا أن قرر تدريسنا منظمة الأمم المتحدة والجامعة العربية ومؤتمر عدم الإنحياز ، وبالتالي أخرجنا من دائرة التربية الوطنية الى دائرة الثقافة السياسية العالمية ، وكأنه تتلمذ على يد الأستاذ أحمد سعيد فى صوت العرب ؛ فكانت النتيجة أنه تم تفريغ المادة من هدفها.
      الآن وبعد مرور أكثر من أربعين سنة على الموضوع ، طرحت السؤال على نفسي كيف يمكن أن نبعث الروح الوطنية في عقل الانسان الليبي ؟ وقبل الاجابة على هذا السؤال يجب أن أنوه بأن الآباء والأمهات في زماننا كانوا يغرسون في نفوسنا جزءا من هذا من خلال حكايات المساء عن بعض البطولات أثناء مرحلة الجهاد ، ولكنهم في نفس الوقت كانوا يزرعون بذور الخوف فينا من سطوة سلطات الدولة ، لأنهم خرجوا من استعمار ظالم غاشم إلى حكم وطني لم يعزز مبادئ الحرية والديمقراطية .، ذلك لأنه لم يكن يعرفها ولا يؤمن بها فكانت الحرية تعني التحرر من الاستعباد الأجنبي فقط . وبالرغم من الزخم السياسي الذي ملأ البلاد أيام الإدارة الأجنبية بعد الحرب العالمية الثانية إلا أن النظام الملكى استطاع أن ينفرد بالسطلة ويحل الأحزاب و الحركات السياسية ، ولم يسمح بقيام نقابات أو اتحادات للعمال والفلاحين والطلاب لا حقيقية فاعلة ولاصورية تابعة له.
بعث الروح الوطنية
        بعد عهود من الاحتلال الأجنبي وسيطرة الغريب على مقدرات البلد ، تولد لدى الإنسان الليبي شعور بإلاحباط والهزيمة ، تمكن في نفسه بحيث أصبح يرى أن الطريق الوحيد إلى حقه المسلوب هو بالخروج على القانون والعرف وسرقة هذا الحق أو أخذه غصبا أو إحتيالا. وفي الحقيقة كان هذا أحد أهداف المحتل الأجنبي بحيث يتم تحكم الحاكم في الشعب من خلال إحتياجهم الى حاجاتهم الاساسية والتي تمكن منها الحاكم . وفي مثل هذه الحالة يصعب بعث الروح الوطنية في خطوة واحدة أو في نقلة واحدة وعلينا أن ننظر الى ممارسات الشعوب الاخرى ، إذ كلما كانت الحكومات في مواجهة داخلية أو خارجية ، استنفرت همم الناس بعدة طرق . وبطبيعة الحال بالنسبة للشعوب الحية فإنهم قد يحتاجون إلى أقل مما نحتاجه ،  فالعملية ثقافية بالدرجة الاولى ووسائل الاعلام الحية لها نصيب الاسد فى انجاز العملية .

و انطلاقا من واقعنا أرى أنه يمكن بعث الروح الوطنية بمجموعة أساليب  و منها على سبيل المثال ؛
1 -  من خلال مناهج التعليم حيث يتعلم الطلاب في المدارس معنى المواطنة من خلال دراسة مواد الدستور، والذي يحدد العلاقة بين مختلف المستويات كما يحدد الحقوق والواجبات.
2- من خلال الممارسة السياسية الديمقراطية ، فمنها يتعلم الافراد معنى الإنتماء بالمشاركة في ممارسة الحقوق السيادية.
3- من خلال استغلال تهديد الخطر الخارجي المتلهف لخيراتنا.
4- من خلال برامج الإعلام الحر الهادف.
5- من خلال النشاط الفني الذي يهدف إلى إبراز أهمية نضال الأجداد وقيمته في تحقيق سيادتنا علي أرضنا.
6- من خلال النشاط الرياضي والإجتماعي الذي يبرز أهمية المساواة بين المواطنين وتشجيع العنصر الوطني في المحافل الدولية.
7- من خلال تحريرالإقتصاد من سيطرة الدولة وتحقيق مشاركة فاعلة للأفراد في التنمية ، وبالتالى تؤكد فى نفوسهم  معاني الانتماء للوطن.
8- من خلال إستقلالية القضاء وتحقيق العدالة والمساواة ، بما يذيب الفوارق ويقضي على الوساطة والمحسوبية.
9- من خلال التداول السلمي للسلطة بما يحقق الأمان وتوزيع السيادة حسب الكفاءة ، وليس على أساس الولاء المرتبط بالمصالح الشخصية أو القبلية أو الحزبية.
10- من خلال إحترام المبادارات الفردية والجماعية للنهوض بالبلد في جميع المجالات.
11- من خلال توفير الأمان والأمن للجميع في ظل سيادة القانون.
12- من خلال تعزيز القيمة الإنسانية والوطنية للإنسان الليبي.
13- من خلال إحترام حقوق الإنسان.
14- من خلال توفير الخدمات والإحتياجات بشكل يحقق رضا المواطن الليبي.
15- من خلال بناء مكانة دولية محترمة للبلد بين الدول.
16- من خلال بناء قدرات دفاعية ذاتية تجعل للبلاد هيبة بين جيرانها.
17- من خلال بناء وتطوير القدرات الفنية والتقنية بما يضمن الحد الأدنى من الإسهام الحضاري في العالم.
18- من خلال التعامل المستقل بندية مع كل دول العالم.

            قد لا يستوعب البعض خطورة الإستهانة بأموال الدولة والإستخفاف بالقانون.  هذا الأمر بدأ اصلا بالإستهزاء بالدولة بعد خروج الاحتلال والانتداب.  وبالتالي بدأ الإعتداء على ما خفي عن أجهزة الدولة من بعض المعدات والأثاث الحكومي ، ثم تطور إلى قبول الرشاوي بين كبار المسؤلين و الوزراء فى العهد الملكى .  ثم تطور الأمر مع مرور الزمن إلى أن وصل الى جميع مستويات الدولة من أمين اللجنة الشعبية للمحلة الى أمناء الشركات وأمناء الأمانات إلخ .. إلخ. بل أخذ الأمر منحى آخر حينما بدأ تزوير الشهادات وتزوير نتائج الإمتحانات وتزوير قوائم المبعوثين ، وتزوير شهادات الملكية ، ثم تزوير التقارير الطبية وكل شئ بثمنه فبعضها يكلف دينارا وبعضها بالدولار أو اليورو. وبطبيعة الحال تورط في هذا الموظف والمدني والعسكري والمتعلم والجاهل، والمريض والطبيب، والمقاول والمهندس والذكر والأنثى لدرجة أن أحد المواطنين قال لي مرة " أنا قادرعلى أن أحضر لك نمودج ك-7 في الساحة الخضراء باسمك".  فلا تستغرب أن تجد مواطناً يحمل أوراقا تثبت ملكيته لأرض أبيك أو منزل العائلة . و عند ذلك عليك أن تشتري منه المنزل أو تذهب للمحاكم لنيل حقك ، وحينها قد يتهمك البعض بأنك رجعي أو زنديق أو عميل، و يبلغ عنك الأجهزة الأمنية والتى بدورها عليها أن تتأكد من الأمر وهذا فى حد ذاته يسبب لك إزعاجاً كافياً انت فى غنى عنه .
ولا تستغرب حينما أقول إن المحاكم قد وصلها نفس المرض ، فقد يصدر الحكم لصالح من يدفع أو لا يصدر ضد من يدفع. و الموانع القانونية والحيل متوفرة وبكثرة ، والقاضي النزيه قد يتم نقله من مكانه أو تهديده فهو لا يتمتع بحصانة و الكثير من النزهاء تركوا المهنة. و أنا هنا لا أقول إن حقك سيضيع اذا كنت قادرا على اثباته مهما طالت المدة ، و لكننا لسنا بحاجة لاثبات كل حقوقنا  فى بلادنا كل يوم .
أما العمولات في الصفقات العامة فلقد كبرت مع الأيام من خمسة في المئة إلى ربع قيمة العقد فى بعض الأحيان و مما  يذكر أن مدير شركة حافلات المانية قال مرة " أن الشركة قد لا تربح نفس قيمة العمولة التى طلبها المفاوضون الليبيون فى إجتماع مع الشركة فى القاهرة ".
    من أجل هذا  أرى أن إحياء الروح الوطنية و الإنتماء للوطن و الإهتمام بالتربية الوطنية مهمة وطنية إستراتيجية من أجل النهوض بالبلد نهضة حقيقية ، يتم تأسيسها على قيم وطنية نابعة من ضمير الشعب . علينا أن نعلم أبنائنا حب الوطن وحب الإنتماء إليه ومحبة الخير لجميع أبنائه و الخير اذا عم سوف ينتج مجتمعا خيرا ، أما الحقد و الحسد فسيأكل الأخضر و اليابس .
 كذلك تقع على العاملين فى قطاع التعليم مسئولية كبرى فى احياء جذوة الوطنية و الانتماء للبلاد من خلال اخلاصهم فى تعليم الاجيال ، فالتعلم بالقدوة يبقى أثره الى الابد ، بل إنه يزيد مع الايام . و قديما قالوا حال رجل فى ألف رجل خير من مقال ألف رجل . و قدوة التلميذ و مثله الاعلى فى مراحله الاولى هو مدرسه و معلمه فى الفصل خاصة فى مرحلة التعليم الاساسى .
 و كذلك المساجد لها دورها المهم فى إصلاح الذمم و إصلاح ذات البين و الامر بالمعروف و النهى عن المنكر ومحاربة الرشوة و فساد الذمم ، أى الدعوة لمكارم الأخلاق . يجب أن تعود المساجد لدورها التربوى و الريادى فى تعليم الناس و هى بالتالى بحاجة لأئمة قادرين و مؤهلين بشكل يواكب تطور المجتمع ككل . ففى الواقع ضاعت القيم فى المجتمع بسبب عجز المساجد فى مجال الوعظ و تقاعس المدارس عن دورها التربوى ، ووصلنا الى ادنى المستويات ، فحتى أيام الاستعمار كان عند الناس مرؤة و شهامة تمنعهم من الولوج فى الحرام بهذا الحجم و هذا المستوى من الاستخفاف بحقوق الآخرين . و أهم خطوة نحو معالجة هذا الامر تكون باعادة الاعتبار للمعلمين و الوعاظ فى المجتمع ماديا و معنويا و اجتماعيا ، بما يضمن توجه افضل الطلاب لدراسة العلوم ذات العلاقة بالتعليم و الوعظ و الدعوة و الارشاد و القانون و القضاء ، أى العلوم الاجتماعية و التربوية و الانسانية .

نشر هذا المقال في موقع ليبيا وطننا بتاريخ 10-10-2008

No comments:

Post a Comment