Saturday, December 11, 2010

من لطائف القرآن الكريم

لقد فرض الله سبحانه و تعالى الإ يمان بكتبه التي أنزل على رسله و جعل ذلك من  أركان الإيمان ، فهي كلام المولى عز و جلَ و فيها أحكام العبادات و المعاملات بين أتباع الرسل من المؤمنين . و الإيمان بها جزء لا يتجزأ عن الإيمان بمصدرها ألا و هو  الحق سبحانه و ناقلها إلى الرسل و هم الملائكة الأبرار عليهم السلام و كذلك من بلغها للبشر ألا و هم الرسل عليهم أفضل الصلاة و أتم التسليم .
 و لقد جعل الله سبحانه و تعالى القرآن الكريم خاتمها و المهيمن عليها و المصدق لما سبقه منها في أصله الصحيح . و لقد أنزل الله سبحانه و تعالى القرآن الكريم في ليلة هى خيرٌ من ألف شهر و هذه  مكرمة أخرى لهذا الكتاب ، و ذلك لعلو قدره بين الكتب السماوية فهو خير كتاب عرفه البشر و أكمل كتاب من حيث الأصل و المحتوى ،  ففيه كلام الله تعالى و أحكام شرائع الإسلام .
 و لم تعرف العرب قبله أو بعده كتاب يحمل نفس الاسم، كما لم تعرف البشرية في تاريخها كتاب حفظه الناس عن ظهر قلب مثل القرآن و كأني به كتاب القلوب، و كلما ازداد المرء قراءة فيه ازداد حبًا له. و لقد شرع الله لمن يريد أن يمس المصحف أن يكون على طهارة زيادة في التكريم لهذا الكتاب.
و أول سورة فيه هي سورة الفاتحة أو أم الكتاب أو الشافية و هي خير مقدمة لخير كتاب ، فتبدأ بالبسملة باسم الله الرحمان الرحيم ، ثم تثنى على الله بالحمد و هو في العربية تكرار ذكر النعمة ، ثم تبرز صفات الحق سبحانه  لتفتح باب الرجاء في قبول الدعاء. و هي في مجملها ذكر لله و دعاء، لذا كانت أساس كل صلاة ولا صلاة لمن لم يقرأ بأم الكتاب.
ثم تفتتح سورة البقرة بأصل الكلام ألا و هي الحروف في لمسة بلاغية إعجازية ؛ ثم تؤكد مصداقية و مرجعية هذا الكتاب  و بعد ذلك تستفتح بأعلى مراتب البشر عند الله سبحانه و تعالى ألا و هم المتقون. فتحدد أوصافهم و كأني بها تضع الموازين لمن يريد أن يعرف وزنه يوم القيامة ، ثم تسهب في وصف المنافقين و ذلك لكثرة أساليبهم و حججهم دفاعا عن الانحراف.
 و بعد ذلك تؤكد استحالة الإيمان لمن رضا بالكفر طريقا ؛ و الأمر هنا طبيعيا في أحوال البشر الذين يقررون مواقفهم من الدين دون أن يكونوا عونا للشيطان على الناس.
أما آخر كلمة في المصحف و كأني بها أقل منزلة لبنى الإنسان فتأتى في سورة الناس حيث يعوذ المؤمن بالله  من شر الوسواس الخناس الذي يوسوس في صدور الناس من الجنة و الناس. و بالتالي فهي تقرر أن أرذل منزلة بين الناس لمن هو أشد فسقا ووسوسة من شياطين الجن، و المثل الليبي يقول: فلان يندى من عمله جبين الشيطان أو يستحى منه الشيطان، و العياذ بالله من هذا الصنف من البشر، ألا و هم أبالسة البشر.
أما إذا قسمنا الكتاب إلى نصفين نجد الكلمة المفصلية بينهما ألا و هي: فليتلطف في سورة الكهف، و هنا التلطف يأتي في شكل المظهر وفى طريقة الاقتراب و في وسيلة الخطاب. و بالتالي هي تجمع كل معالم الرفق  و كفى باللطف منزلة أن الله سبحانه جعله لذاته العلية عنوانا حيث قال :  الله لطيف بعباده ، و هو اللطيف الخبير . فإذا كان الحق تعالى لطيف بعباده فأولى ببني البشر أن يتخذوا من اللطف طريق في الحياة . و لقد حثنا رسول الله صلى اله عليه و سلم على الرفق فى كل الأمور فبه تزدان الأعمال و الأقوال.
و قد نزل جبريل عليه السلام بهذا الكتاب منجما على ثلاثة و عشرين سنة و بلَغه الرسول الكريم صلى الله عليه و سلم نطقا إلى أتباعه من المؤمنين الذين حفظوه عن ظهر قلب، و لم يدون كاملا إلا بعد وفاة الرسول الكريم عليه أفضل الصلاة و أتم التسليم .
 و لقد تناقلته الأجيال عبر القرون و بقى محفوظا بحفظ الله له و بإقبال المسلمين عليه . و لقد جرت محاولات عديدة للتشكيك فيه أو الطعن في  أحكامه عبر العصور لكنها كلها باءت بالفشل. و الحمد لله الذي جعل في هذه الأمة من يحمل القرآن في قلبه و بسند متصل إلى رب العزة سبحانه و تعالى عن طريق المصطفى صلى الله عليه و سلم.
وما الفصل بين أقوال و أحاديث الرسول الشريفة و بين القرآن الكريم إلَا تمام الإكرام لهذا الكتاب. و بالتالي تميز كلام الله في كتابه ببلاغة و نهج خاص يختلف كلية عما ورد في كتب السنة و السيرة و الحديث ؛ و هذا من تمام النعمة من كرم الله علينا في حفظ هذا الدين من الالتباس  مع علمنا و إيماننا بأن رسولنا الكريم صلى الله عليه و سلم ما كان ينطق عن الهوى بل كان كلَ كلامه وحى يوحى ، و يدخل في ذلك كل عمله و كل ما أقر من عمل قام به غيره.
و من مكارم هذا الكتاب حفظه للغة العرب من التبديل أو الاندثار فبحفظ الله لكتابه حفظت اللغة العربية. و هذه من ألطاف القرآن الكريم فالمحفوظ يحفظ الحافظ و هذا يسرى على كل حافظ للقرآن الكريم ؛ فسبحان من كان سببا  لهذا الحفظ. اللهم احفظنا و احفظ أزواجنا و احفظ أبناءنا و احفظ بناتنا بما تحفظ به عبادك الصالحين والحمد لله رب العالمين.

No comments:

Post a Comment