Thursday, December 9, 2010

ليبيا الوطن... ليبيا الغد

قد يختار الانسان أى موقع ليعيش فيه لاى سبب كان و لكن الذى يعيش معه و يعشش فى قلبه هو الوطن ولا شىء غير الوطن . و الوطنية الحقيقية هى فى الانتماء و الاحساس بقيمة الوطن . و الوطنى مهما ملك من ارزاق الدنيا لا يصل كل هذا الى مكانة الوطن  فى قلبه و هذا شعور لا يوصف لكن يعرفه من يعيش معه وبه كل يوم فى حياته . يرى هذا فى صفاء السماء و زرقة البحر و نسيم الغروب فى أعالى الصحراء ، يراه فى طيبة القلوب و كرم البوادى و جمال البرارى . و يستمد القوة من صمود الجبال ويستشف العطاء فى حمرة السهول التى ارتوت بدماء الشهداء عبر العصور . و المواطن الحق هو الذى يصحو و ينام  و همه الوطن و أهله فمصلحته هى جزء لا يتجزأ عن مصلحة الوطن .
 أما من يبحث عن وطن ليحبه فان وطنه قد يكون فعلا فى بطنه ، فالانتماء قيمة لا تتحدد بالمكاسب الشخصية . و قبل ان نسأل ماذا استفدنا من الوطن ؟علينا ان نسال ماذا قدمنا للوطن ؟ وقد تعلق الليبى بأرضه ووطنه عبر آلاف السنين ، قبل النفط وقبل الغاز وقبل الحديد او الذهب و قبل أن يعرف النقود . تعلقوا به ايام القحط و ايام الاستعمار من عهد الروم الى عهد الطليان . و الشعب الليبى طيب و متجانس و يتميز بذكاء فطرى و شجاعه مع صبر . و يحضرنى فى هذا المقام حديث جرى بين ضابط ايطالى حديث عهد بليبيا عندما قدم اليها ايام الحرب و آخر أقدم منه  . فى أحد الايام كان الضابط الجديد يعلق على الليبيين وهم يتحلقون حول بعض و هم يرتدون الحوالى أى الجرود ، فقال انهم كالنعاج ساخرا من لباس الصوف . فرد عليه احد قدماء الضباط عليك أن تكون حذرا ؛ فأنهم قد يبدون كالنعاج فى السلم و لكنهم اذا غضبوا فأن بأسهم شديد . و لقد اثبتت الايام أنهم كانوا رجالا اشاوس  .
 كذلك لا زلت اذكر كيف انفجرت مدينة درنة عند الاعتداء الثللاثى على مصر ، و قامت الجماهير الغاضبة بمهاجمة سيارات الجيش البريطانى و الذى كانت له ثكنة كبيرة فيها . و علمت بعد ذلك ان أحد ابنائها تسلل الى الثكنة وو ضع قنبلة بداخلها ، ثم حدث ارتباك جعله يخرج بسرعة من مكان مختلف عن مكان دخوله فجرحه الزجاج المثبت على السور . عند ذلك لم يكن أمامه الا الاتصال بمن يستطيع أن يتحمل مسئولية مساعدته فى مثل هذا الظرف ؛ فذهب لمنزل المرحوم الصالحين بن سعود فى ساعة متاخرة من الليل . واستقبله   الحاج الصالحين و خبأه فى بيته لمدة اسبوع بعيدا عن مطاردة البوليس الحربى البريطانى و البوليس الليبى . و قام الحاج الصالحين بالاتصال بأحدى الممرضات الايطاليات فى مستشفى المدينة كى تعالجه ، و فعلا كانت تاتى تلك الراهبة الايطالية أستفانيا كل يوم لعلاجه سرا ، هكذا يكون الرجال . و يوما ما سوف أخص الحاج الصالحين بن سعود بمقال فهو من رواد الحركة الوطنية فى ليبيا .
 و لقد تميز الليبيون فعلا بمواقف نادرة تدل على ندرة امثالهم من الشعوب ، و لقد حضرت شخصيا احداث اليوم الشهير؛ عندما اصبح الصبح على ليبيا و خرجت اعداد كبيرة من السجون السياسية ، ففى تلك اللحظات اختلطت مشاعر الفرح بالدموع والحسرة و كان الموقف مؤثرا جدا تجلى فيه طيبة اهل ليبيا . أنها الحقيقة ففى أى نظام عربى آخر قد يكون الاعدام اقرب رحمة يقدمها الحاكم لمن حاول الانقلاب عليه . وانا ارى فى تلك الخطوة الشجاعة اكبر نقلة نوعية على طريق الاصلاح . و انا اسجل هذا الكلام للتاريخ لا طلبا لمصلحة و لا تقربا لأحد ، و هو الحق الذى رأيته بأم عينى عندما كان الخارجون يصافحون العقيد القذافى ، بل و يعانقونه  أمام السجن و ليس الخبر كالعيان ، أنها مصالحة الرجال .
 اما الموقف الآخر الذى يدل كذلك على مواقف الرجال كان لأحد الضباط فى سجن أبو سليم ايام النزاع على قطاع أوزو ، فذات يوم حمى النقاش بين السجناء السيا سيين حول ما حدث . و كالعادة قفز البعض الى التهم بالخيانة فى ما حدث ، فما كان من هذا الضابط و الذى شارك فى الثورة  أن قال : أنا اختلفت مع معمر و أنا معكم الآن سجين فى السجن لكننى واثق من ان معمر لن يخون ليبيا . أنى أحترم مثل هذا الرجل الوفى للرفقة ، و هكذا تكون الرجال . و أنا هنا كذلك أسجل هذا الموقف لهذا الرجل  الذى لايعرفنى شخصيا و لكننى اعرف له قيمته و قدره و لا أملك الحق لذكر اسمه بدون أذنه .
فى الحياة هناك مواقف تحتاج لنوع خاص من الناس ، ففى العادة كلنا يحسبها كما يريد  ، اما المواقف التاريخية فانها تحتاج الى أهلها . و فى مثل موقفنا المفصلى امام ارهاصات تاريخية للولوج فى عصر الاصلاح و النهضة وصولا الى ليبيا الغد فاننا نحتاج الى بعض التضحيات و نحتاج لبعض الصبر لبعضنا و على بعضنا البعض . و من اسهل الاساليب ان نقع فى المحضور و نتهم و نسفه من يخالفنا فى الرأى و لكن المطلوب فعلا هو غير هذا . اننا كثيرا ما ندعى الانسانية و التحضر بالتحاور مع اعدائنا و اعداء الامة فلماذا لا نتحاور و نلتمس لبعضنا العذر؟ .
 ان هدفنا الاسمى هو نقل بلادنا  الى مصاف الدول المتقدمة و نقل شعبنا  الى بر السلامة و السلام . ان كثيرا من الليبيين و انا منهم نحلم بليبيا متقدمة ، الجميع فيها سعيد و قد طوت آلامها و شمرت عن سواعدها للبناء . طبعا ليس لدينا عصاة موسى و لا حكمة يوسف لكن من يصمم على النجاح لا يرى فى الدنيا مستحيلا . أننا نمتلك الكفاءات و الخبرات و قد حبانا الله سبحانه و تعالى بخيرات لا تعد و لا تحصى ، ونحن نعيش بين اخوة لنا من جميع الجهات . ارضنا واسعة و شعبنا لا يزال تعداده محدود . لماذا لا نتحاور من أجل مستقبل أفضل لاولادنا و أحفادنا ؟ .
 اننا نطالب بالمصالحة و الاصلاح و نجادل الجميع بالتى هى أحسن ، و نطالب ممن لا يروق له هذا ، على الاقل ان يكف اذاه وأن لا يكون من المعوقين . أما من كان له تصور آخر فعليه طرحه فى هدوء . اننا نحترم الرأى الآخر و نعترف لكل ليبى فى حقوقه كاملة بما فيها الاختلاف عن الباقين و نطالب بأن يكون الشعب و القرار الشعبى هو الفيصل فى اى أمر كان أو سيكون . فأين المشكلة فى هذا ؟
 و لماذا بعضنا دائما يفترض النوايا السيئة و الاغراض الشخصية وراء كل موقف؟ أنها روح التسلط الاعمى و الارهاب يغلفها البعض بادعاء الحكمة و الغيرة على المبادىء .
 ان الرجال فى العالم الحى يدوسون على جراحهم من أجل بلادهم و لا يساهمون فى تمزيقها فى لحظات تجاهلهم للحقيقة . علينا ان نعيش فى زماننا هذا و نساهم فى صناعة مستقبل أفضل لاحفادنا بدل من ان نهرب الى الامام بجهلنا و فى جهلنا و نورث احفادنا الدمار .
ليبيا الغد  و الغد الليبى الذي نحلم به هو الازدهار الاقتصادي ، و الازدهار الاجتماعى ، و التقدم على جميع المستويات . لا نريد فيها حقدا و لا ظالما و لا مظلوما . نريد فيها الامل للجميع ، الامل فى المستقبل و الأمل فى الحياة الكريمة و الامل فى السعادة ، نريدها ليبيا الامل . نريد الأمان للكبار و الصغار ، الأمان للنساء و الرجال و الأطفال ، نريد ضمانا اجتماعيا يقضى على جذور الخوف فى نفوس الجميع . لا نريد ان نرى محتاجا او مسكينا أو متسولا فى شوارع بلادنا .نريد بيتا لكل من يولد و عملا كريما لكل مواطن و مواطنة . نريد مدارسا لجميع الاطفال ، و خدمات صحية للجميع و قوانينا تسرى على الجميع فلا سيد و لا مسود . نريد وطنا يساهم فيه الجميع ، و يخدمه الجميع بحب و ليس لمصلحة . وسنبقى نحلم  الى أن يتحقق هذا و سوف نحلم بأن يدوم عندما يتحقق ، و مسيرة الألف ميل تبدأ دائما بخطوة ، وكل عمل عظيم يبدأ دائما كفكرة . لكن اى حلم مهما كان صادقا و اى فكرة مهما كانت عظيمة تحتاج لمن يعمل لأجلها .
لقد علمتنا الحياة ان الفرص لا تاتى الا لمن يستحقها ؛ و أنها قد لا تتكرر ، و ان اهم ركائز النمو و التقدم هى الاستقرارو الاستمرارية . و أن الحقد و العنف لا ينتج الا الدمار .
 و لهذا نحن نرحب بكل خطوة الى الامام و نؤيد كل من يدعو الى التقدم من أبناء هذا الوطن ، و ليس لدينا مانع من ان نضحى ببعض حقوقنا من اجل مستقبل أفضل للجميع ، من أجل مستقبل أفضل لبلادنا . فالوطنية و الوطن ليست فى الاغانى و الهتاف و الخطب و المقالات فقط ،  بل مبادىء تستحق التضحية بالغالى و النفيس .


No comments:

Post a Comment