Thursday, December 9, 2010

لمن سيكون المستقبل ؟

            كثر الحديث عن المستقبل فى الفترة الماضية ، و رفع العديد من الناس شعارات تتحدث عن ليبيا المستقبل و الغد و ليبيا الجديدة  و الحديثة . جميل أن نفكر فى المستقبل لكنه حرى بنا أن ننتبه الى أ ن الحاضر الحالى هو الذى سوف نبنى عليه المستقبل.
   الواقع الذى نعيشه لا يبشر بخير من حيث صعوبة ظروف الحياة والتى نفرضها على أنفسنا . القاصى و الدانى يتحدث عن الفشل المركب فى جميع نواحى الحياة و كل يوم نبحث عن حلول خيالية لا تحدث الا عندنا. و أنا هنا أشهدكم و أشهد الله أنى لا أريد من هذا الحديث الا الصالح العام فأنا لست من أهل المصالح الذين يعتبرون مصائب قومٍ عند قومٍ فوائد . لهذا السبب سأقفز الى أبعد نقطة منطقية ثم أعود منها الى الحاضر لعل ذلك يفيد في ما أصبو اليه بشكل منطقىٍ ومفيد .                                                                                                            
      لو نظرنا الى عام  2050 ميلادية حيث أقل من نصف السكان الحا ليين   سيكون  موجوداً .  أى أن  معظم الجيل الفاعل حاليا  يكون  قد لاقى ربه ، ماذا سنرى ؟.... عندها بالتأكيد يكون النفط قد نضب و لن يعود ،و النهر الصناعى يكون قد جف ، و الماء  أصبح أغلى من الذهب ، و قس على ذلك الخبزو الوقود .  فى ذلك الزمان سيكون تعداد الليبيين فى حدود أربعين مليوناً . كما تعلمون نحن لا نملك نهرا كالنيل ولا ثما نين مليون شجرة زيتون مثل تونس أو عشرات  الملايين من اشجار الدقلة مثل الجزائر ، بل نحن  نقتلع ما تركه أجدادنا من النخيل و الزيتون واللوز لنبنى القصورو الاستراحات واحواض السباحة و بشكل مخالف للقوانين . كان هذا استقراء للمستقبل من خلال معطيات الحاضر .
     بالله عليكم ماذا سيقول الفقراء من أحفادنا و أبناء ليبيا عندئذ عنا ؟ ماذا تركنا لهم ؟....  بالطبع من يملكون الملايين الآن لا يهمهم هذا السؤال كثيراً ، أما الغالبية العظمى  فستكون فى نفس القارب . تصورا حال من يعيش فى تلك الأيام من أبناء ليبيا ، هذا اذا تركهم الجيران فى حالهم ، فجميع المنطقة ستقع فى نفس المأزق . سوف يتقاتل الناس من أجل أبسط مقومات الحياة ، لا سمح الله  ستكون حروباً أهلية و أخر أقليمية من أجل الخبز و الماء ، و الفوز فيها لمن يملك العدد و العدة . عندئذ لا تنفع شهادات و لا مبانى و لا عمارات ، فكلها لا تسمن ولا تغنى من جوع .
 المستقبل الذى نراه فى هذه الصورة مظلم اذا لم نستعد له،  و يجب أ ن نستعد له من الآن و ليس غداً.
      وأول الغيث قطرة كما يقول العرب ، وأهم ما يجب ان نبدأ به هو أسباب ضعفنا الآن، و هذه سوف أتركها للحوار الدائر على قدمٍ و ساق فى الداخل والخارج و لكنى أؤكد على ضرورة التجرد عن طلب المكاسب على طريقٍ يقودنا جميعاً الى المهالك ، و أقصد بذلك ان نبحث عن الحلول  و ليس على شماعات نعلق عليها فشلنا الجلى أ وحلول تلفيقية  لتحقيق مكاسب مرحلية.
           أعتقد جازماً أن الحل يكمن فى وضع خطة استراتيجية يشارك فى وضعها أبناء ليبيا القادرون   و المخلصون فى طلب هذا الأمر . نحن بحاجة لوضع كل خلاف  على جنب فخلافاتنا سطحية ، ولقد ساهم الجميع فى الوصول الى هذه النقطة بشكل أو بآخر. نحتاج أولا الى التخلص من عيوب حاضرنا قبل أن نتحدث عن المستقبل ، نحتاج الى اجماع عام من أجل الاستعداد لمواجهة عيوب واقعنا.
 من أجل هذا نحن بحاجة الى مصالحة وطنية يعود بها الأمر كله فى يد الشعب كله ، حتى يشعر كل مواطن بأهمية دوره فى الحل . عند ذلك فقط يمكن أن نتفق جميعاً على أفضل صيغةٍ للحوار من أجل المستقبل . وقد سبق لى الحديث بصراحة عن المصالحة فى مقال نشر بتاريخ 9 ديسمبر2003 على موقع ليبيا وطننا بعنوان" من يرفض المصالحة الوطنية". و بالفعل هناك تطورات ايجابية على الأرض الليبية فى هذا الاتجاه بفضل جهود العديد من المخلصين و أبرزهم المهند س سيف الاسلام  ، و لكنها ما زالت تفتقر الى الزخم الشعبى و مزيد من الشفافية و المعالجة الد يموقراطية .
      و هدف هذا الحوار بالطبع سيكون بعث خططٍ قابلة للتطبيق و قادرة على مواجهة مأزق المستقبل المظلم و الذى نسير اليه بدون وعى . هدفنا السامى يجب أن يكون تأمين فرصة عمل لكل مواطن قادر عليه و تأمين حياة كريمة لكل مواطن أياً كان مكانه . وذلك بتوفير كل حاجاته المادية و المعنوية وصولاً الى مجتمع آمن على مستقبله من الآن و حتى بعد التاريخ المذكور أعلاه . و هذا يحتاج الى خطة للتنمية البشرية و الأقتصادية و الصناعية و الزراعية و التقنية و كذلك التنمية الأدارية بتطوير هيكلية الدولة .
         التنمية البشرية بحاجة الى اعادة النظر فى جميع برامج التربية و التعليم و التدريب والتأهيل ، أما التنمية الأقتصادية فبحاجة الى تطوير أساليب التمويل و الاستثمارفى الداخل قبل الخارج و القوانين و اللوائح المنظمة لها، هذا بالاضافة الى تحريرعجلة الاقتصاد من سيطرة الدولة . بالنسبة للتنمية الصناعية فالمحرك لها هو الأقتصاد الحر و تسهيل اجراءات تكوين الشركات و المشروعات الصناعية مع الاهتمام ببرامج تطوير الجودة من خلال برامج البحث و التطوير. وتسخير القدرات العلمية من خلال البحث و التطويرسيفتح لنا الطريق لتسخير التقنية للتغلب على مشاكل توفير الطاقة والمياة و الحفاظ على البيئة . كما سترفع من مستويات الأداء فى كل المجالات و توفر لنا القدرة لحماية مكتسباتنا . و أهم ما يمكن التعويل عليه  هو سلة غذائنا و التى تبنى من خلال التنمية الزراعية باستخدام العلم و التقنية الحديثة       و برامج التنمية المستدامة.
 هذه كانت أهم عجلات عربة النجاة  على طريق المستقبل ، و تحتاج أن يحركها حصان قادرٌ على جرها و بسلام ألا و هو النهضة الفكرية التنموية ، و التى تبنيها حرية الفكر و الابداع من خلال صحافةٍ حرةٍ هادفةٍ ووطنيةٍ . ومن خلال تطوير هيكلية الدولة يمكن الوصول الى هيكلية تنظيمية و ادارية و رقابية جماعية من خلال التفاعل بين القطاعات المذكورة اعلاه . فالتنمية حراك متكامل بشكل منسق يقودنا نحو الأفضل . و قبل ان تكون حراكاً هى على أرض الواقع ثقافة و نمط حياة.
بطبيعة الأمر مثل هذا الهدف يحتاج الى جهد و فكر الجميع و يشرفنى أن أدعو كل ذي رأىٍ و ذى خبرةٍ أن يساهم بما يراه مناسباً. و هذا أمر لا يحسم الا بمجهودٍ علمىٍ تفرزه ندوات و مؤتمرات متخصصة تنتج برامج قابلةٍ للتطبيق . على أن يتولى الادارة والاشراف والمراقبة على تطبيقها أناس مشهود لهم بالأمانة مسلكاً و خلقاً. فلقد كانت لدينا مشروعات ضخمة ضيعها المسؤلون عنها .
و  فى الوقت الحالى لا يمكننا ان نجلس با نتظار الحراك الجماعى فى هذا الاتجاه ، بل يجب على كل الكفاءات فى الداخل والخارج المساهمة فى تناول الموضوع و طرح الأفكار و التصورات اللازمة لهذا المشروع من خلال المواقع الألكترونية والصحف ووسائل الاعلام المتاحة . و لتحقيق أفضل النتائج علينا أن نعمل الآتى؛
. نرحب بكل خطوة ايجابية فى هذا الاتجاة ونقد ر من يقوم بها ، فالجميع  أبناء  الوطن .
. نستفيد من كل مساحة للحرية و نملأها بما يفيد و ينفع الوطن  فأساس القضية هو ثقافة المجتمع العامة.
. نبتعد عن النقد الشخصى و التشهير بالناس و القدح فى الذمم  و خاصة بين أبناء الجيل الواحد .
. يكون لكل منا دور ايجابى بالمساهمة خاصة فى مجالات تخصصنا .
. نسال أنفسنا ماذا قدمنا للوطن  قبل ان ننتقد الاخرين .  
   يوجد على أقل تقدير خمسة آلاف ليبى و ليبية  يحملون شهادات عليا و عشرة اضعاف هذا العدد من خريجى الجامعات ، فأين عطاء هؤلاء؟ لماذا لا يساهم الجميع فى حمل هموم الوطن ؟على الاقل عشرهم قادر على المساهمة و العطاء .
       فى الختام أذكركم بأن بلادنا الحبيبة اشبه بسفينةٍ و كل منا يجلس الى ثقبٍ فيها.  القرار فى أ يد ينا لنحدد.. لمن سيكون المستقبل ؟.... لنا أم علينا .

No comments:

Post a Comment